- 17 مارس 2006
- 1,412
- 0
- 0
[align=center][glow=0033CC]أسرى لا بواكي لهم ! [/glow][/align]
[align=center]د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
ها أنتم أيها الأسرى في فلسطين و كوبا ! من المجاهدين والعلماء والدعاة ؛ قابعون في سجون الظلم والاستبداد ، تكابدون الآلام والأوجاع ، وتعانون شماتة الأعداء ، وتوجع الأحباء ، فاللهم ثبت قلوبهم على دينك ، وارفع درجتهم في جنتك . لكنكم موقنون أن الأسير من أسره هواه ، والمحبوس من حبسه هواه ، وأنتم جاهدتم أنفسكم وأعداءكم في سبيل الله تعالى ، وقمعتم أهواءكم في مرضاة الله تعالى : ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى )) (النازعات : 40-41 ) .
ومن يرد الله به خيراً يُصب منه . فيا معشر الأحرار الكرام ! تذكروا مقالة الإمام مالك بن أنس : « لا تغبطوا أحداً لم يُصبه في هذا الأمر بلاء » ، وتذكروا أن أسلافكم الأوائل ابتُلوا بذلك ؛ فإن الإمام أحمد بن حنبل « قد تداوله ثلاثة خلفاء [1]مسلطون من شرق الأرض إلى غربها ، ومعهم من العلماء المتكلمين ، والقضاة ، والوزراء ، والسعاة ، والأمراء والوالاة مَنْ لا يحصيهم إلا الله ، فبعضهم بالحبس ، وبعضهم بالتهديد الشديد بالقتل وبغيره ، وبالترغيب في الرياسة والمال ما شاء الله ، وبالضرب ، وبعضهم بالتشريد والنفي . وقد خذله في ذلك عامة أهل الأرض ، حتى أصحابه العلماء ، والصالحون والأبرار ، وهو مع ذلك لم يعطهم كلمة واحدة مما طلبوه ، وما رجع عما جاء به الكتاب والسنة »[2].
وسُجن الإمام البويطي صاحب الشافعي ووُضع الغُلّ في عنقه ، والقيد في رجليه ، وكان يقول : لأموتن في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم .
وكان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة ، ويتطيب ، ويغسل ثيابه ، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء، فيردّه السجان ، فيقول البويطي : اللهم ! إني أجبت داعيك فمنعوني .
وكتب البويطي إلى الذهلي : أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث ، لعل الله يُخلِّصني بدعائهم ، فإني في الحديد، وقد عجزتُ عن أداء الفرائض ؛ من الطهارة والصلاة . فضجّ الناس بالبكاء والدعاء له .
قال السبكي : انظر إلى هذا الحبر - رحمه الله - لم يكن أسفه إلا على أداء الفرائض ، ولم يتأثر بالقيد ولا بالسجن ، فرضي الله عنه ، وجزاه عن صبره خيراً [3].
ولما سُجن علي بن الجهم أنشد أبياتاً رائعة ، منها :
قالوا حُبستَ فقلتُ ليس بضائري *** حبسي ، وأي مهند لا يُغمدُ ؟!
والشمس لولا أنها محجوبة عن *** ناظرَيْك لما أضاء الفرقدُ
والبدر يدركه السرار فتنجلي *** أيامه وكأنه متجددُ
والحبس إن لم تغشه لدنِيَّة *** في الدهر نعم المنزل المتوددُ
وسُجن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - سبع مرات ، وكان سجنه أسوأ من سجن النصارى ، كما قال في مناظرته لمخالفيه بشأن العقيدة الواسطية : « ثم النصارى في حبس حسن ، يشركون فيه بالله ، ويتخذون فيه الكنائس ، فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى ، ويا ليتنا سُوّينا بالمشركين وعبّاد الأوثان ! بل لأولئك الكرامة ولنا الهوان .. وبأي ذنب حُبس إخوتي في دين الإسلام ؛ غير الكذب والبهتان ؟! » [4] .
ومع ذلك كله ؛ فإن ابن القيم يحكي حال شيخه في سجن القلعة بدمشق فيقول : وكان (ابن تيمية) يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة . أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي من الخير. وعلم الله ؛ ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط .. وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض ؛ أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه
فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً »[5].
وإن الواجب علينا تجاه إخواننا الأسرى أن نسعى إلى المطالبة بإطلاق سراحهم ، وتبني قضاياهم وشؤونهم ، والسعي إلى فك العاني بالفدية ، والترغيب في ذلك ، والدعاء والقنوت لهم . فلقد وصف الله تعالى عباده الأبرار بقوله سبحانه : ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً )) (الإِنسان : 8) .
ودفع الخليفة العباسي المتقي بالله منديلاً يقال إنه لعيسى - عليه السلام - لملك الروم ؛ مقابل إطلاق عدد كثير من أسرى المسلمين كما أفتى الفقهاء[6].
واحتسب بعض علماء الأندلس في جمع التبرعات من أجل فكاك الأسرى المسلمين في أعقاب المعارك الواقعة بينهم وبين النصارى ، فهذا أبو عبد الله الحجام(ت 614هـ) يندب الناس في جامع إشبيلية إلى افتكاك الأسارى ، فتسارع الناس إلى ذلك ما حضرهم ، وخلع كثير منهم بعض ما كان عليه من الثياب [7].
وطالب شيخ الإسلام ابن تيمية ملك قبرص النصراني بإطلاق أسرى المسلمين ، سالكاً في تلك الرسالة مسلك الترغيب من جهة ، ومسلك «الترهيب » والتحذير من جهة أخرى ، ولما قدر شيخ الإسلام على إطلاق الحافظ المُزِّي من الحبس ؛ أخرجه من الحبس بيده ، وكان يقول : (يجب على القريب افتكاك قريبه من الأسر)[8] .
ويقول أيضاً : ( ولو أسرنا حربياً لأجل تخليص مَنْ أسروه منّا جاز اتفاقاً)[9].
فاللهم ! أنج المستضعفين من المسلمين في كل مكان ، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الدين ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف.
***************************************************
[1] المأمون ، و المعتصم، و الواثق .
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية، 12/439.
[3] انظر : طبقات السبكي ، 2/164 ، 165 .
[4] مجموع الفتاوى ، 3 /254 .
[5] المستدرك على مجموع الفتاوى ، 1/154 .
[6] انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ، 14/27 .
[7] انظر : تفصيل ذلك في جهود علماء الأندلس في الصراع مع النصارى ، لمحمد أبي الخيل ، ص266.
[8] المستدرك على مجموع الفتاوى ، 5/62 .
[9] المستدرك على مجموع الفتاوى ، 3/241 .
شبكة نور الإسلام
[/align]
[align=center]د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
ها أنتم أيها الأسرى في فلسطين و كوبا ! من المجاهدين والعلماء والدعاة ؛ قابعون في سجون الظلم والاستبداد ، تكابدون الآلام والأوجاع ، وتعانون شماتة الأعداء ، وتوجع الأحباء ، فاللهم ثبت قلوبهم على دينك ، وارفع درجتهم في جنتك . لكنكم موقنون أن الأسير من أسره هواه ، والمحبوس من حبسه هواه ، وأنتم جاهدتم أنفسكم وأعداءكم في سبيل الله تعالى ، وقمعتم أهواءكم في مرضاة الله تعالى : ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى )) (النازعات : 40-41 ) .
ومن يرد الله به خيراً يُصب منه . فيا معشر الأحرار الكرام ! تذكروا مقالة الإمام مالك بن أنس : « لا تغبطوا أحداً لم يُصبه في هذا الأمر بلاء » ، وتذكروا أن أسلافكم الأوائل ابتُلوا بذلك ؛ فإن الإمام أحمد بن حنبل « قد تداوله ثلاثة خلفاء [1]مسلطون من شرق الأرض إلى غربها ، ومعهم من العلماء المتكلمين ، والقضاة ، والوزراء ، والسعاة ، والأمراء والوالاة مَنْ لا يحصيهم إلا الله ، فبعضهم بالحبس ، وبعضهم بالتهديد الشديد بالقتل وبغيره ، وبالترغيب في الرياسة والمال ما شاء الله ، وبالضرب ، وبعضهم بالتشريد والنفي . وقد خذله في ذلك عامة أهل الأرض ، حتى أصحابه العلماء ، والصالحون والأبرار ، وهو مع ذلك لم يعطهم كلمة واحدة مما طلبوه ، وما رجع عما جاء به الكتاب والسنة »[2].
وسُجن الإمام البويطي صاحب الشافعي ووُضع الغُلّ في عنقه ، والقيد في رجليه ، وكان يقول : لأموتن في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم .
وكان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة ، ويتطيب ، ويغسل ثيابه ، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء، فيردّه السجان ، فيقول البويطي : اللهم ! إني أجبت داعيك فمنعوني .
وكتب البويطي إلى الذهلي : أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث ، لعل الله يُخلِّصني بدعائهم ، فإني في الحديد، وقد عجزتُ عن أداء الفرائض ؛ من الطهارة والصلاة . فضجّ الناس بالبكاء والدعاء له .
قال السبكي : انظر إلى هذا الحبر - رحمه الله - لم يكن أسفه إلا على أداء الفرائض ، ولم يتأثر بالقيد ولا بالسجن ، فرضي الله عنه ، وجزاه عن صبره خيراً [3].
ولما سُجن علي بن الجهم أنشد أبياتاً رائعة ، منها :
قالوا حُبستَ فقلتُ ليس بضائري *** حبسي ، وأي مهند لا يُغمدُ ؟!
والشمس لولا أنها محجوبة عن *** ناظرَيْك لما أضاء الفرقدُ
والبدر يدركه السرار فتنجلي *** أيامه وكأنه متجددُ
والحبس إن لم تغشه لدنِيَّة *** في الدهر نعم المنزل المتوددُ
وسُجن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - سبع مرات ، وكان سجنه أسوأ من سجن النصارى ، كما قال في مناظرته لمخالفيه بشأن العقيدة الواسطية : « ثم النصارى في حبس حسن ، يشركون فيه بالله ، ويتخذون فيه الكنائس ، فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى ، ويا ليتنا سُوّينا بالمشركين وعبّاد الأوثان ! بل لأولئك الكرامة ولنا الهوان .. وبأي ذنب حُبس إخوتي في دين الإسلام ؛ غير الكذب والبهتان ؟! » [4] .
ومع ذلك كله ؛ فإن ابن القيم يحكي حال شيخه في سجن القلعة بدمشق فيقول : وكان (ابن تيمية) يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة . أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي من الخير. وعلم الله ؛ ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط .. وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض ؛ أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه
فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً »[5].
وإن الواجب علينا تجاه إخواننا الأسرى أن نسعى إلى المطالبة بإطلاق سراحهم ، وتبني قضاياهم وشؤونهم ، والسعي إلى فك العاني بالفدية ، والترغيب في ذلك ، والدعاء والقنوت لهم . فلقد وصف الله تعالى عباده الأبرار بقوله سبحانه : ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً )) (الإِنسان : 8) .
ودفع الخليفة العباسي المتقي بالله منديلاً يقال إنه لعيسى - عليه السلام - لملك الروم ؛ مقابل إطلاق عدد كثير من أسرى المسلمين كما أفتى الفقهاء[6].
واحتسب بعض علماء الأندلس في جمع التبرعات من أجل فكاك الأسرى المسلمين في أعقاب المعارك الواقعة بينهم وبين النصارى ، فهذا أبو عبد الله الحجام(ت 614هـ) يندب الناس في جامع إشبيلية إلى افتكاك الأسارى ، فتسارع الناس إلى ذلك ما حضرهم ، وخلع كثير منهم بعض ما كان عليه من الثياب [7].
وطالب شيخ الإسلام ابن تيمية ملك قبرص النصراني بإطلاق أسرى المسلمين ، سالكاً في تلك الرسالة مسلك الترغيب من جهة ، ومسلك «الترهيب » والتحذير من جهة أخرى ، ولما قدر شيخ الإسلام على إطلاق الحافظ المُزِّي من الحبس ؛ أخرجه من الحبس بيده ، وكان يقول : (يجب على القريب افتكاك قريبه من الأسر)[8] .
ويقول أيضاً : ( ولو أسرنا حربياً لأجل تخليص مَنْ أسروه منّا جاز اتفاقاً)[9].
فاللهم ! أنج المستضعفين من المسلمين في كل مكان ، اللهم اشدد وطأتك على أعداء الدين ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف.
***************************************************
[1] المأمون ، و المعتصم، و الواثق .
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية، 12/439.
[3] انظر : طبقات السبكي ، 2/164 ، 165 .
[4] مجموع الفتاوى ، 3 /254 .
[5] المستدرك على مجموع الفتاوى ، 1/154 .
[6] انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ، 14/27 .
[7] انظر : تفصيل ذلك في جهود علماء الأندلس في الصراع مع النصارى ، لمحمد أبي الخيل ، ص266.
[8] المستدرك على مجموع الفتاوى ، 5/62 .
[9] المستدرك على مجموع الفتاوى ، 3/241 .
شبكة نور الإسلام
[/align]