- 17 مارس 2006
- 1,412
- 0
- 0
[align=center][glow=0033CC]لو طهرت قلوبنا ..![/glow][/align]
د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
[align=center]ما كان لأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يقول مقالته البليغة : ( لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله )؛ إلا وقد حقق ذلك عملاً وسلوكاً .
فما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه ، ورثى حسان بن ثابت - رضي الله عنه - أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقال :
ضَحَّوْا بأشمطَ عُنْوانُ السُّجودِ لَهُ يُقطِّع الليلَ تسبيحاً وقرآنَا !
ونعتته زوجه - رضي الله عنها - فقالت : (فو الله ! لقد كان يُحيي الليل بالقرآن في ركعة)[1].
إن الإقبال على القرآن والانتفاع به تلاوة وتدبراً وعملاً متحقق لأصحاب القلوب الحية ، حيث قال تعالى : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب)) ( ق : 37 ) .
قال ابن القيم - رحمه الله - : قوله : ((لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب)) ؛ فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله ، كما قال تعالى : ((إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ)) (يس : 69-70) ؛ أي حي القلب .
فصاحب القلب الحي بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال ، فيجدها كأنها قد كُتبتْ فيه ، فهو يقرؤها عن ظهر قلب » [2] .
ونبّه ابن القيم في موضع آخر إلى أن سلامة القلب من شرور النفس ومكايد الشيطان يحقق الانتفاع والتأثر بالقرآن ، فقال في مشروعية الاستعاذة عند تلاوة القرآن : وقال لي شيخ الإسلام [ ابن تيمية ] - قدّس الله روحه - يوماً : إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته ، وعليك بالراعي فاستغث به ، فهو يصرف عنك الكلب .
فإذا استعاذ بالله من الشيطان بَعُد منه ، فأفضى القلب إلى معاني القرآن ، ووقع في رياضه المونقة ، وشاهد عجائبه التي تبهر العقول ، واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، وكان الحائل بينه وبين ذلك النفس والشيطان ، والنفس منقعة للشيطان سامعة منه ، فإذا بَعُد عنها وطُرِد ؛ لمّ بها الملَك وثبّتها وذكّرها بما فيه سعادتها ونجاتها » [3] .
وقد قال الله تعالى : ((لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ)) (الواقعة : 79) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( فإذا كان ورقه لا يمسه إلا المطهرون ؛ فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة )[4].
ولما كان سلفنا الصالح أصحاب قلوب حية وأفئدة طاهرة نقية من المعاصي والمحدثات ؛ انتفعوا بالقرآن ، فظهرت آثار تلاوته من وجل القلب ، واقشعرار الجلد ، ودمع العين [5] .
قال تعالى : ((إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) (الأنفال : 2) .
وقال سبحانه : ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )) (الزمر : 23) .
وقال عز وجل : ((إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِياًّ)) (مريم : 58) .
كما تحقق لهم العلم النافع والفقه في دين الله تعالى ، والرسوخ في علوم الشريعة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (والمقصود أن القرآن مَنْ تدبّره تدبراً تاماً تبيّن له اشتماله على بيان الأحكام ، وأن فيه من العلم ما لا يدركه أكثر الناس ، وأنه يبيّن المشكلات ويفصل النزاع بكمال دلالته وبيانه إذا أُعطي حقه ، ولم تُحرّف كَلِمُه عن مواضعه) [6].
ويقول أيضاً : ( ومَنْ أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله ، وتدبَّره بقلبه ؛ وَجَدَ فيه من الفهم والحلاوة، والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره) [7] .
ويقول في موضع ثالث : « فالقرآن قد دلّ على جميع المعاني التي تنازع الناس فيها ؛ دقيقها وجليلها »[8].
كما حوى القرآن الكريم الرد على كل مبتدع ، كما قال تعالى : ((وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرا)) (الفرقان : 33) .
قال مسروق - رحمه الله - : (ما أحد من أصحاب الأهواء إلا في القرآن ما يردّ عليهم ، ولكنَّا لا نهتدي له !) [9].
إن انهماك طوائف من جيل الصحوة في سماع القصائد والأناشيد والتوسع في ذلك؛ قد يوقعهم في تفريط وتقصير تجاه كتاب الله تعالى.
ولما ساق ابن تيمية - رحمه الله - مقالة الإمام الشافعي - رحمه الله - :« خلّفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمّونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن ؛ فقال : « وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين ، فإن القلب إذا تعوّد سماع القصائد والأبيات والتذّ بها ؛ حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات ..) [10] .
ويقول في موضع آخر : (إن السُّكْر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السُّكْر بالأشربة ، فيصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن ، وفهم معانيه واتباعه ..) [11].
فعلى الدعاة والمربين أن يبذلوا جهدهم ويعمِّروا برامج طلابهم وشبابهم بما ينفع .
ونختم هذه المقالة بعبارات مؤثِّرة دوَّنها ابن القيم - رحمه الله - حيث قال : « فما أشدها من حسرة ، وأعظمها من غبنة على من أفنى أوقاته في طلب العلم ، ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن ، ولا باشر قلبُه أسراره ومعانيه ! )[12] .
*********************************************************
[1] البداية والنهاية ، لابن كثير ، 7/214 .
[2] الفوائد ، ص 3 .
[3] السماع ، ص 194 ، 195 .
[4] شرح حديث النزول ، لابن تيمية ، ص 428 ، وانظر : المستدرك على فتاوى ابن تيمية ، 1/
169 .
[5] انظر : تفصيل ذلك في مجموع الفتاوى لابن تيمية ، 11/8 .
[6] جامع المسائل ، 1/256 .
[7] اقتضاء الصراط المستقيم ، 2/741 .
[8] الدرء ، 5/56 .
[9] أخرجه الهروي في ذم الكلام ، ص 69 .
[10] الفتاوى ، 11/532 .
[11] الفتاوى ، 11/643 .
[12] بدائع الفوائد ، 1/218 .[/align]
د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
[align=center]ما كان لأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يقول مقالته البليغة : ( لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله )؛ إلا وقد حقق ذلك عملاً وسلوكاً .
فما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه ، ورثى حسان بن ثابت - رضي الله عنه - أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقال :
ضَحَّوْا بأشمطَ عُنْوانُ السُّجودِ لَهُ يُقطِّع الليلَ تسبيحاً وقرآنَا !
ونعتته زوجه - رضي الله عنها - فقالت : (فو الله ! لقد كان يُحيي الليل بالقرآن في ركعة)[1].
إن الإقبال على القرآن والانتفاع به تلاوة وتدبراً وعملاً متحقق لأصحاب القلوب الحية ، حيث قال تعالى : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب)) ( ق : 37 ) .
قال ابن القيم - رحمه الله - : قوله : ((لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب)) ؛ فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله ، كما قال تعالى : ((إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ)) (يس : 69-70) ؛ أي حي القلب .
فصاحب القلب الحي بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال ، فيجدها كأنها قد كُتبتْ فيه ، فهو يقرؤها عن ظهر قلب » [2] .
ونبّه ابن القيم في موضع آخر إلى أن سلامة القلب من شرور النفس ومكايد الشيطان يحقق الانتفاع والتأثر بالقرآن ، فقال في مشروعية الاستعاذة عند تلاوة القرآن : وقال لي شيخ الإسلام [ ابن تيمية ] - قدّس الله روحه - يوماً : إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته ، وعليك بالراعي فاستغث به ، فهو يصرف عنك الكلب .
فإذا استعاذ بالله من الشيطان بَعُد منه ، فأفضى القلب إلى معاني القرآن ، ووقع في رياضه المونقة ، وشاهد عجائبه التي تبهر العقول ، واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، وكان الحائل بينه وبين ذلك النفس والشيطان ، والنفس منقعة للشيطان سامعة منه ، فإذا بَعُد عنها وطُرِد ؛ لمّ بها الملَك وثبّتها وذكّرها بما فيه سعادتها ونجاتها » [3] .
وقد قال الله تعالى : ((لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ)) (الواقعة : 79) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( فإذا كان ورقه لا يمسه إلا المطهرون ؛ فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة )[4].
ولما كان سلفنا الصالح أصحاب قلوب حية وأفئدة طاهرة نقية من المعاصي والمحدثات ؛ انتفعوا بالقرآن ، فظهرت آثار تلاوته من وجل القلب ، واقشعرار الجلد ، ودمع العين [5] .
قال تعالى : ((إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) (الأنفال : 2) .
وقال سبحانه : ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )) (الزمر : 23) .
وقال عز وجل : ((إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِياًّ)) (مريم : 58) .
كما تحقق لهم العلم النافع والفقه في دين الله تعالى ، والرسوخ في علوم الشريعة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (والمقصود أن القرآن مَنْ تدبّره تدبراً تاماً تبيّن له اشتماله على بيان الأحكام ، وأن فيه من العلم ما لا يدركه أكثر الناس ، وأنه يبيّن المشكلات ويفصل النزاع بكمال دلالته وبيانه إذا أُعطي حقه ، ولم تُحرّف كَلِمُه عن مواضعه) [6].
ويقول أيضاً : ( ومَنْ أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله ، وتدبَّره بقلبه ؛ وَجَدَ فيه من الفهم والحلاوة، والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره) [7] .
ويقول في موضع ثالث : « فالقرآن قد دلّ على جميع المعاني التي تنازع الناس فيها ؛ دقيقها وجليلها »[8].
كما حوى القرآن الكريم الرد على كل مبتدع ، كما قال تعالى : ((وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرا)) (الفرقان : 33) .
قال مسروق - رحمه الله - : (ما أحد من أصحاب الأهواء إلا في القرآن ما يردّ عليهم ، ولكنَّا لا نهتدي له !) [9].
إن انهماك طوائف من جيل الصحوة في سماع القصائد والأناشيد والتوسع في ذلك؛ قد يوقعهم في تفريط وتقصير تجاه كتاب الله تعالى.
ولما ساق ابن تيمية - رحمه الله - مقالة الإمام الشافعي - رحمه الله - :« خلّفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمّونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن ؛ فقال : « وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين ، فإن القلب إذا تعوّد سماع القصائد والأبيات والتذّ بها ؛ حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات ..) [10] .
ويقول في موضع آخر : (إن السُّكْر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السُّكْر بالأشربة ، فيصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن ، وفهم معانيه واتباعه ..) [11].
فعلى الدعاة والمربين أن يبذلوا جهدهم ويعمِّروا برامج طلابهم وشبابهم بما ينفع .
ونختم هذه المقالة بعبارات مؤثِّرة دوَّنها ابن القيم - رحمه الله - حيث قال : « فما أشدها من حسرة ، وأعظمها من غبنة على من أفنى أوقاته في طلب العلم ، ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن ، ولا باشر قلبُه أسراره ومعانيه ! )[12] .
*********************************************************
[1] البداية والنهاية ، لابن كثير ، 7/214 .
[2] الفوائد ، ص 3 .
[3] السماع ، ص 194 ، 195 .
[4] شرح حديث النزول ، لابن تيمية ، ص 428 ، وانظر : المستدرك على فتاوى ابن تيمية ، 1/
169 .
[5] انظر : تفصيل ذلك في مجموع الفتاوى لابن تيمية ، 11/8 .
[6] جامع المسائل ، 1/256 .
[7] اقتضاء الصراط المستقيم ، 2/741 .
[8] الدرء ، 5/56 .
[9] أخرجه الهروي في ذم الكلام ، ص 69 .
[10] الفتاوى ، 11/532 .
[11] الفتاوى ، 11/643 .
[12] بدائع الفوائد ، 1/218 .[/align]