- 28 نوفمبر 2005
- 2,415
- 11
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- مصطفى إسماعيل
حُـسـنُ الخُـلُق
الحمد لله الذي جعل حُسنَ الخُلُق صفة لعباده المؤمنين , و جعله سببا للوصول إلى أعلى درجات الحق و اليقين , و الصلاة و السلام على الصادق المصطفى الأمين , الذي كان كثير التضرع إلى ربه قائلا : ( اللهم اهدني لأحسن الأخلاق , لا يهدي لأحسنها إلا أنت , و اصرف عني سيئها , لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) و على أصحابه و آله الذين ضربوا لنا أروع أمثلة على حسن الخلق و البر و الحلم و الصبر و الأناة فكانوا بذلك دعاة مرضيّين , و رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
و بعد
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن العبد ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم ) أخرجه أبو داود و صححه الألباني .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة , قال : ( تقوى الله , و حسن الخلق ) أخرجه الترمدي و ابن ماجة و صححه الألباني .
قال الإمام الغزالي رحمه الله في (الإحياء) مبين و مؤصلا لضربين من الأخلاق : فمنها ما هو غريزي جبليًّ , و منها ما هو اكتسابي يأتي بالدربة و الممارسة و الرياضة و المجاهدة , و لو كانت الأخلاق لا تتغير لبطلت الوصايا و المواعظ و التأديبات .
هنا بين الإمام أمرا مهما للغاية و هو أن الأخلاق قابلة للتغير في كل آن و حين و سواء كانت حسنة أم سيئة فالتغير و التبدل طارئ عليها إلا إذا كان صاحبها متعاهدا لها في كل حين , و الحلم هو سيد الأخلاق و حاميها و مع ذلك ينال بالمجاهدة و حمل النفس عليه ليكتسب بالتَّحلٌّم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنما العلم بالتعلم , و إنما الحلم بالتحلم , و من يتحر الخير يعطه , و من يتوق الشر يوقه ) أخرجه الخطيب و الطبراني و حسنه الألباني في صحيح الجامع .
قال الشاعر :
لعمرك إن الحلم زين لأهله = و ما الحلم إلا عادة و تحلٌّم
و من أجّل و أكبر الأسباب التي تعين صاحبها على حسن الخلق هي سلامة المعتقد و تكون بطلب العلم النافع و مجالسة العلماء و الصالحين و أيضا كثرت الدعاء و التضرع لله تبارك و تعالى و بالمجاهدة و المحاسبة و التعاهد في كل حين .
اعلم أخي الكريم أن ظواهر الأشياء عنوان أكيد على بواطنها و حركات الجوارح دليل و ثمرة لخواطرها و الأعمال نتيجة للأخلاق .
حسن الخلق نوع من أنواع الهداية و ثمرة حسنة للمهتدي و لهذا فلابد له من مجاهدة و صبر , قال تعالى : (( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) .
و لهذا أخي الحبيب فعليك بالمجاهدة الجسيمة على هذا الخير و لا تيأس أبدا من إصلاح نفسك و تربيتها على حسن الخلق , فإن مع العسر يسرا , و ما من مرض عضال إلا و له شفاء بإذن الله الواحد الأحد .
قال الإمام ابن المُقَفَّع رحمه الله : (( و على العاقل أن يحصي على نفسه مساوئها في الدين , و في الأخلاق و في الآداب , فيجمع ذلك كله في صدره أو في كتاب , ثم يكثر عرضه على نفسه , و يكلفها إصلاحها , و يوظف ذلك عليها توظيفا من إصلاح الخلة أو الخلتين في اليوم , أو في الجمعة , أو في الشهر , فكلما أصلح شيئا محاه , و كلما نظر إلى محو استبشر , و كلما نظر إلى مثبت اكتأب )) .
الله أكبر فلله دره من إمام جليل عرف الداء فوصف الدواء .
قال علي رضي الله عنه :
إِنَّ المَكارِمَ أَخلاقٌ مُطَهَرةٌ = فَالدّينُ أَوَلُّها وَالعَقلُ ثانيها
وَالعِلمُ ثالِثُها وَالحِلمُ رابِعَها = وَالجودُ خامِسُها وَالفَصلُ ساديها
وَالبِرُّ سابِعُها وَالصَبرُ ثامِنُها = وَالشُكرُ تاسِعُها وَاللَينُ باقيها
وَالنَفسُ تَعلَم أَنّي لا أُصادِقُها = وَلَستُ أَرشُدُ إِلا حينَ أَعصيها
وَالعَينُ تَعلَمُ مِن عَينَي مُحدِّثِها = إِن كانَ مِن حِزبِها أَو مَن يُعاديها
عَيناكَ قَد دَلَّتا عَيناي مِنكَ عَلى = أَشياءَ لَولاهُما ما كُنتَ تُبديها
قالت عائشة رضي الله عنها واصفة لنبينا الكريم صلوات الله و سلامه عليه (( كان خلقه القرآن ))
تعني رضي الله تعالى عنها , أنه تأدب بآدابه , و عمل بأوامره , و اجتنب نواهيه , فصار حينها العمل بالقرآن له خلقا و صفة و فطرة جُبل عليها و لا تفارقه أبدا و لا شك أن هذا هو أكمل و أشرف و أعلى خلق حسن على الإطلاق و كيف لا يكون نبينا صلوات الله و سلامه عليه كذلك و قد بين لنا الحكمة البالغة في إرساله فقال عليه الصلاة و السلام ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِح الْأَخْلَاقِ ) و في رواية ( مكارم الْأَخْلَاقِ ) أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي و صححه الألباني .
قال الإمام ابن عبدالبر : ( هذا حديث مدني صحيح ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله والدين
والفضل والمروءة والإحسان والعدل فبذلك بعث ليتممه صلى الله عليه وسلم ) .
قيل : إن الدين كله خلق .
قال الشاعر :
و ما حسن أن يمدح المرء نفسه = و لكن أخلاقنا تذم و تمدح
و صلى الله و سلم على نبينا و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين .
التعديل الأخير: