- 10 سبتمبر 2010
- 2
- 0
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد أيوب
شهر رمضان بجامع فخري شنشل في حي الجهاد ببغداد هذا العام
بدون الشيخين الشهيدين عبد الجليل الفهداوي و علي السامرائي رحمهما الله
وبخطوات سريعة نهرع للمسجد الذي لا يبعد سوى أمتار عن بيتنا، أملا في أن يؤمنا في الصلاة الشيخ الشهيد بإذن الله عبد الجليل الفهداوي رحمه الله إمام وخطيب المسجد أو أن يؤمنا الشيخ الشهيد بإذن الله علي السامرائي المؤذن والقارئ في المسجد، فلكليهما في القلب محبة لا يعلمها إلا الله.
لكن الشيخ عبد الجليل يقدم عادة في الصلوات الجهرية الشيخ علي لما له من صوت رائع، وما أن تبدأ الصلاة فما هي إلا لحظات لتفقد شعورك الحسي الأرضي لتصعد مع قراءته إلى السماء ولتفيض عيناك من حيث لا تشعر.
وفي الركعة الثانية وبعد الركوع كان يقنت بنا ليدعو الله بدعاء يفت الحجر، حتى إذا سلمنا بعد الصلاة لا يسعنا إلا انتظاره للسلام عليهما وضمهما كي نقول لهما كم نحن نحبكما في الله يا شيخينا الحبيبين.
بين عام 1993 و 2004، انتقلنا إلى حي الجهاد وكان مسجد فخري إبراهيم شنشل إحدى المحطات المهمة، وقد كان لهذا المسجد خصوصية عجيبة إذ جمع الله فيه من الخير الكثير فكان الشيخ د. عبد الجليل الفهداوي رحمه الله من خيرة الشيوخ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا وكانت خطبه عبارة عن محاضرات دينية علمية شيقة ممتعة تتعلق غالبا بفقه الواقع وهي مع تنوعها كانت تهزنا هزا، ولم يكن ليجامل السلطة آنذاك فلم يكن ليترك شاردة أو واردة إلا ليقول فيها قولا لا يخشى بها لومة لائم.
وكنا آنذاك نطلب منه ألا يصطدم بالسلطات فكان لا يلقي لذاك بالا، وكان يأخذ منا ويرد ويجالسنا ويحثنا على عمل الخير والبر وينهانا عما هو منكر.
وكنت خلال تلك السنون أتردد على المسجد وتأخذني الأفكار والآراء الدينية يمنة وشمالا فما كنت أبوح بها إلا لشيخي عبد الجليل الذي طالما جعل الله لي على يديه باب التوبة والهداية.
وكانت معنا في المسجد آنذاك ثلة من خيرة رجالات وشباب العراق وحتى من دول أخرى كسوريا وفلسطين ومصر، كإخواني في الله محمد وعمي أبا صميم، حيث كانا شديدي الغيرة على دين الله وكانا يحملان إيمانا قويا راسخا كنا نغبطهما عليه. خاصة الشهيد أبو عبد الرحمن نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، ومجموعة من خير الأخوة في ذلك المسجد لا أريد ذكر أسمائهم خوفا عليهم.
ذكرياتنا مع المسجد كثيرة ومليئة بالمعاني، أجملها كانت تلك الدورة الصيفية لتحفيظ القرآن حيث اجتمعنا لحفظ جزأين منه وتعلم تفسيرهما على يد شيخنا الشهيد علي رحمه الله وجعل مثواه الفردوس الأعلى كما كان يدعو لنا دائما.
مسجد فخري شنشل خلال شهر رمضان الخير والعطاء كان عبارة عن مؤسسة خيرية من الصبيحة حتى المغرب، تجد الأبواب مشرعة لأهل الحاجات أو للدراسة والتعلم وقراءة القرآن أو مجالسة الشيخ عبد الجليل أو أخوانه من المشايخ والعلماء.
حتى إذا جاء المغرب صلينا المغرب، عدنا مسرعين للمنزل لتناول الإفطار كي نعود بعدها على عجل إلى صلاة العشاء ومن ثم صلاة التراويح.
وصلاة التراويح في هذا المسجد ليست كغيرها، حيث نتلفت يمنة ويسرة بانتظار الشيخ ال شهيد بإذن الله علي أو الشيخ أبو براء حفظه الله، لكن الشيخ علي غالبا ما كان هو الإمام في صلاة التراويح، وما أن يصل حتى نصطف خلفه وتبدأ الرحلة السماوية، حيث كان يحلو له أحيانا أن يقرأ القرآن في كل ركعتين من التراويح بقراءة مختلفة.
ثم تأتي بعد ذلك صلاة الوتر ودعاء القنوت، فو الله الذي لا إله إلا هو ما كنا نجد في أنفسنا أقرب لله عز وجل إلا في تلك اللحظات التي تعجز الكلمات عن وصفها.
ثم يبدأ بعد هذه الصلاة بالتسبيح ويبدأ بالدعاء من جديد، فلا نخرج منه إلا وقد جفت مآقينا من كثرة البكاء فلا يمر على مأساة للمسلمين إلا وذكرها، يبدأ بالمسجد الأقصى والشيشان وأفغانستان ولا ينتهي إلا بالعراق ومصائبه.
لكن المصائب والفتن جاءتنا كقطع من الليل ولم يسلم منها مسجدنا الحبيب، فقد توفي صهيب إلى رحمة الله نجل الشيخ عبد الجليل في حادث أليم ليترك شيخنا مسجده ومنبره بعد سنوات طوال من الخطابة والتدريس وفعل الخير.
وما كادت أحداث سامراء الكالحة تطل بوجهها حتى اشتعلت فتنة عمياء جديدة، راح فيها من خيرة أبناء العراق الكثير، لكن أبرزهم كان الشيخ علي.
خرج ليقضي حاجة بسيارته فلم يكد يبتعد سوى أمتار عن عرينه في المسجد حتى باغتته طلقات الخسة والغدر والنذالة من يد آثمة استهدفت بغير وجه شيخنا الشاب رحمه الله تعالى، وترك عائلته المكونة من زوجته وبناته الثلاثة وابنه حسن الذي كان آخر العنقود.
وبالرغم من أن البركة ما زالت في آخرين ما زالوا مرابطين في المسجد ليحملوا الراية من بعده في المسجد إلا أنه ومع هذا لم يعد كما كان بفقدان الشيخ عبد الجليل والشيخ علي رحمهما الله تعالى.
اللهم يا رب السموات والأرض ارحم شيخينا وبقية المشايخ والمجاهدين في سبيلك ونجنا من الشرك والفتن وأهلهما ولا حول ولا قوة إلا بالله.