إعلانات المنتدى


نظرية الصرفة حقيقتها القائلون بها والردّ عليها (4)أصول النظرية

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

فتحي بودفلة

مزمار نشيط
10 سبتمبر 2010
45
1
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمود خليل الحصري
أصل نظرية الصرفة ومصدرها :

1) الأصل الهندي لنظرية الصرفة :

إنّ للهنود كتابا دينيا وثنيا يسمونه " الفيدا" وهو عبارة عن مجموعة شعرية لإلههم "براهما" يدّعون لها الإعجاز وعدم قدرتهم على الإتيان بمثلها لا من جهة محتواها أو بلاغتها ولكن لأنّ براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثلها

يقول البيروني (430 هـ) في كتابه (ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) :"إنّ خاصتهم يقولون إنّ في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما لها ..."

قال د . أحمد العمري معلقا على قول البيروني[17] : " ولم يبين البيروني وجه , أهو منع تكليفي يسبقه الإيمان بهذه الكتب وتكون دلائل وجوب الإيمان من نواح أخرى , أم هو منع تكويني بمعنى أنّ براهما صرفهم بمقتضى التكوين عن أن يأتوا بمثلها والأخير هو الظاهر لأنه الذي يتفق مع قول جمهور علمائهم وما اشتهروا من أنّ القول بالصرفة نبع في واديهم " [18]



وممّا يؤكد ويؤيد أنّ أصل نظرية الصرفة هندي دخيل على أمّة الإسلام أمور أهمّها ما يلي:

ü رواج الفلسفة والعقائد اليونانية والهندية في البيئة التي ظهرت فيها نظرية الصرفة: لقد كان لانتشار الفلسفات الأجنبية الوافدة على الأمة وافتتان الفرق الإسلامية بها فتلقفتها وتتبعتها محاولة ـ زعما ـ خدمة الدين بمثل هذه الأقوال الغريبة أو عرضها على مبادئ الإسلام وأصوله فيبطلون ويردون ما يتعارض مع هذه الأصول ويثبتون ويتبنون ما ناسبها ووافقها بحسب فهمهم وإدراكهم لهذه الأصول . وممّا يدللّ على أنّ سوق الفلسفة كان نافقا راجحا والاشتغال بها مربحا ما ورد في كتاب البخلاء للجاحظ وهو من تلامذة النظام ومعاصريه قال الجاحظ : " إنّ طبيبا عربيا مسلما يدعى أسد بن حاني كسدت حاله مرة , فقال له قائل : السَنةُ وَبيئة ٌ ـ أي كثيرة الأوبئة ـ والأمراض فاشية , وأنت عالم , ولك صبر وخدمة , ولك بيان ومعرفة , فمن أين أتاك الكساد ؟ قال: أما واحدة فإني عندهم مسلم , وقد اعتقد القوم قبل أن أتطبب , بل قبل أن أخلق أن المسلمين لا يفلحون في الطبّ , واسمي أسد , وكان ينبغي أن يكون اسمي : صليبا أو يوحنا , وكنيتي أبو الحارث , وكان ينبغي أن تكون : أبو عيسى , أو أبو زكريا , أو أبو إبراهيم , وعليَّ رداء قطن أبيض وكان ينبغي أن يكون علي رداء حرير أسود , ولفظي عربي وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل ـ جند نيسابور ـ "[19] بدأت هذه الأفكار تلج بلاد الإسلام في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور (156هـ) لما قرّب إليه بعض الأطباء النصارى وعهد إلى بعض حكماء بني إسرائيل بترجمة شيئا من الكتب القديمة ثم ما زالت هذه الظاهرة تزيد وتتفاقم حتى بلغت أشدّها وأوجّها في زمن الرشيد (193هـ) وابنيه الأمين (198هـ) والمأمون (218هـ) [20]وكانت البصرة على وجه الخصوص تعجّ بحكمة الهند وأشعارها وآدابها وفلسفاتها وعقائدها ... فمنها أخذ الإعجام وعلم الضبط وترجمت الكثير من أعمالهم الأدبية كما تبنت العديد من الفرق الإسلامية مبادئ وأفكارا هندية خالصة كإخوان الصفة وغيرهم ....

ü علاقة النظّام بالفرق الهندية والمذاهب الفلسفية : فقد ذكروا أنّ النظّام كان في شبابه على علاقة وطيدة ببعض الفرق الهندية كالسمنية وهي فرقة بوذية ترى بقدم العالم وتناسخ الأرواح والثنوية ؛ فرقة ترى بأزلية الظلمة والنور وخالط الفلاسفة ودوّن مذاهبهم وشبههم بل لقد رماه غير واحد من أصحابه والعارفين به أنه فُتِنَ بمذهب البراهمية وأنه كان يقول به ويبطنه دون الإسلام [21] ذكر القاضي عبد الجبار أنّ جعفر البرمكي ذكر أرسططاليس , فقال النظام : قد نقضت عليه مقالته فقال جعفر: كيف وأنت لا تحسن أن تقرأه ؟ فقال: أيّهما أحب إليك أن أقرأه من أوّله أم من آخره ؟ ثم اندفع يقرأ شيئا فشيئا وينقض عليه [ابن المرتضى ص29][22] وقد ذكر ابن نباتة أنّ العلة فيما انتهى إليه النظام من مذاهب استُبشعت منه أنّه اطّلع على كتب الفلاسفة ومال في كلامه إلى الطبعيين منهم والإلهيين وأنه استنبط من كتبهم مسائل خلطها بكلام المعتزلة [23]

ü اختلاف المعتزلة على النظام وشدّة معارضتهم له : وممّا يدل على أن نظرية الصرفة لم تكن نتاج بعض الأفكار الاعتزالية المبنية على نفي صفات الله عزّ وجلّ (التوحيد) هو اختلاف المعتزلة على النظام بل من أوّل واشدّ من انتقد هذه النظرية أصحابه وعلى رأسهم تلميذه الجاحظ حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تكفيره ولعل هذه الشدّة من المعتزلة في انتقاد النظام ونظرية الصرفة سببها محاولتهم التنصل منها حتى لا تنسب إليهم ويرمون بها . وفي هذا المعنى يقول الدكتور سامي عطا حسن : "...انّ عدم اتفاقهم ـ يعني المعتزلة ـ على مفهوم واحد لنظرية الصرفة يدل على أنها لم تصدر عن عقيدتهم في كلام الله وفي خلق القرآن لذا أميل على ما ذكره كل من البيروني والبغدادي والشهرستاني من أقوال ... تبين مصدرها الخارجي ..."[24]

2.الأصل الإعتزالي لنظرية الصرفة :



أوّلا من الناحية العملية: عُرف المعتزلة ــ في أوّل لقاء وتصادم بين أمة الإسلام وغيرها من الأمم ــ بأنّهم حملة لواء الدفاع عن الدين والذوذ عن الكتاب المبين وسنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم فهم الذين واجهوا الملحدين والدهريين والمشككين وضحدوا الشبهات والنظريات الوافدة من خارج دولة الإسلام سواء منها خرفات وهرقطة فلسفة الهند واليونان أو تحريفات وتضليلات اليهود والنصارى

ونظرية الصرفة ما هي إلاّ حلقة في سلسلة ردودهم على المشككين في معجزة القرآن الكريم وكونه كلام الله تعالى الموحى به إلى خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم

وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد أبو زيد " ...فإيراد قضية إعجاز القرآن في سياق هذا البحث المتعلق بالصرفة , وفي معرض الرد على الدهريين يفيد بأنّ هذه النظرية إنما وُضعت للدفاع عن القرآن وتنزيهه عن مطاعن الملحدين ..."[25]

ثانيا من الناحية العلمية : هذا من الجهة العملية التطبيقية أمّا من الجهة العلمية النظرية فإنّ الاعتزال قائم على أصول ستة لعلّ أوّلها وأهمها ما يصطلحون عليه بالتوحيد وحقيقته وأساسه نفي الصفات عن الله عزّ وجلّ

وما القول بنظرية الصرفة إلاّ انعكاسا لهذا الأصل إذ منطلقها نفي الكلام عن الله عزّ وجلّ ...فلفظ القرآن خلقه الله سبحانه وتعالى وليس هو من صفاته ... لأنّ القول بأنه صفة من صفاته يقتضي بالضرورة مغايرته لكلام البشر في لفظه ومعناه وفي أسلوبه ومحتواه ... وبالتالي إعجازه من جهة ذاته .... لهذا السبب لجأ المعتزلة إلى إثبات إعجازه خارج لفظه واهتدوا إلى نظرية الصرفة

وإلى بيان هذه الفكرة أشار الدكتور محمد زغلول سلام في سياق ذكره أصول هذه النظرية ــ وهي عنده أصلين اثنين هذا أحدها ــ يقول : "... إنّ هذا الرأي يبدو أنه صادر عن عقيدتين في نفس الرجل : الأولى :عقيدته في التوحيد والعدل على مذهب المعتزلة ونفي صفات الله عن ذاته ومن ثم فلا كلام لله في الشكل اللفظي المعهود من الخلق وإنما كلام الله وحي وإلقاء في الروع ...."[26]

3.منهج النظّام في الاستدلال والاستنباط أصل نظرية الصرفة :

و هو الأصل الثاني الذي ذكره د. محمد زغلول سلاّم في كتابه أثر القرآن في النقد العربي وتمام كلامه الذي سبق ذكر بعضه :"...الثانية: مذهبه القياسي التجريبي الطبيعي في التفكير , وتزمته في تطبيقه على القرآن وبيانه " اهـ

وقصد الدكتور بهذا المنهج أنّ النظّام كان يظنّ الظنّ ويعتقده حتى يصير عنده قطعيا ويقينيا سواء استقاه من مجرد تخمينه وتفكيره أو من كلام الفلاسفة الهنود أو اليونان ثم ينطلق منه يقيس عليه ويحكم به وكأنه أصلٌ ميلّمٌ لا جدال فيه ولا نقاش ...

ولعل أشهر من فضح منهجه هذا وانتقده تلميذه وأعرف الناس به الجاحظ حيث يقول في كتابه الحيوان :"إنما عيبه الذي لا يفارقه سوء الظنّ وجودة قياسه على العارض والخاطر والسابق الذي لا يوثق بمثله فلو كان بدل تصحيحه القياس التمس تصحيح الأصل, الذي قاس عليه , كان أمره على الخلاف , ولكنه كان يظنّ الظنّ , ثم يقيس عليه , وينسى أن بدء أمره كان ظنا , فإذا أتقن ذلك , وأيقن , جزم عليه , وحكاه عن صاحبه حكاية المستبصر في صحة معناه , ولكنه كان لا يقول : سمعت زلا رأيت , وكأن كلامه خرج مخرج الشهادة القاطعة , فلم يشك السامع أنه إنما حكاه عن سماع قد امتحنه أو معاينة قد بهرته ..." اهـ [27]

وللتمثيل لهذا المنهج في غير نظرية الصرفة نعرج على ثاني أشهر أقوال النظام ونظرياته وهو القول بالطفرة فإنّه كان ابتداء ينكر الجزء الذي لا يتجزأ وهو مجرد رأي وتخمين وظنّ [بل هو مخالف للقطعي المشاهد المحسوس] لكنه جعله أصلا لا يُعارض بشيء وكلّ ما خالفه لا بدّ أن يؤوّل أو يردّ ... فلما أقحم بأدلة تردّ هذا الذي زعمه صوابا وجعله أصلا أجاب بما هو أقبح وأخطر وأفظع أجاب بنظرية الطفرة ....

4.افتتانه بفصاحة العرب وبلاغتهم هي أصل القول بالصرفة :

إنّ العرب بلغوا في صناعة الكلام وحسن صياغته وسبكه الشأن العظيم الذي لم يبلغه أحدٌ من البشر ولقد كان النظّام على علم واسع بذلك وعلى دراية كبيرة بدقائق بلاغة العرب ونكت فصاحتهم وتفصيلاتها ... فهو الشاعر البارع والخطيب المفوّه ...

يصفه الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي بقوله :"وله شعر كثير يدور في كتب التراجم وهو مطبوع بطوابع المتكلمين والمعتزلة منهم خاصة إذ نراه يمزجه باصطلاحاتهم نافذا إلى أغوار المعاني متصرفا فيها تصرف الحاذق الفطن وملائما بينها إلى أبعد حدود الملاءمة يعينه في ذلك حسٌ دقيق مرهف وشعور رقيق حادّ..."

فلعل افتتانه ببلاغة العرب جعلته يحسبهم قادرين على مصل القرآن الكريم وإلى هذا الأصل يشير بعض الدارسين بقوله[28] : "...فإنّ القول بالصرفة نجم من الإغترار بما روي من رشيق الكلمات , وبليغ العبارات عن العرب فزعم هؤلاء أنّ كلّ من قدر على تلك الأساليب البلاغية يقدر على المعارضة , إلاّ أنه سبحانه عرقلهم عنها وثبّطهم فيها ...." اهـ

الهوامش :

[17] الدكتور أحمد جمال العمرى ؛ أستاذ الدراسات القرآنية والبلاغية ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها بكليتي الآداب والتربية جامعة الزقازيق , له مصنفات عدّة ودراسات شتّى أشهرها : شروح الشعر الجاهلي نشأتها وتطورها , دراسات في التفسير الموضوعي , جهود الأشاعرة في علم البلاغة الباقلاني نموذجا ...

[18] د . أحمد جمال العمرَى : المباحث البلاغية في ضوء قضية الإعجاز القرآني ؛ مكتبة الخانجي القاهرة 1410هـ 1990م ص27

[19] الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب : البخلاء ؛ تحق : د . محمد الإسكندراني دار الكتاب العربي بيروت 1427هـ 2006م

[20] محمد خضري بك : محاضرات تاريخ أمم الإسلام , الدولة العباسية دار الكتاب العربي بيروت 1427هـ 2006م

[21] الفرق بين الفرق لعبد القهار البغدادي ص270 نقلا من الصرفة دلالتها لدى القائلين بها وردود المعارضين لها ص10 راجع ترجمته كاملة في هذا البحث

[22] أ.د علي سامي النشار ؛ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام , دار السلام 2008 ــ 1\557

[23] نفسه

[24] د. سامي عطا حسن (جامعة آل البيت ): الصرفة دلالتها لدى القائلين بها وردود المعارضين لها ؛ نسخة منزلة من الشبكة العنكبوتية

[25] المرجع نفسه نقلا من د أحمد أبو زيد , الاستدلال العقلي على إعجاز القرآن ص257

[26] أثر القرآن في النقد العربي ص 71 دار المعارف نقلا من المباحث البلاغية في ضوء قضية الإعجاز القرآني ص29 مكتبة الخانجي القاهرة 1410هـ 1990م [أستاذ الدراسات القرآنية والبلاغية ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها بكليتي الآداب والتربية جامعة الزقازيق من كتبه وبحوثه (دراسات في التفسير الموضوعي) (شروح الشعر الجاهلي نشاتها وتطوّرها) (جهود الأشاعرة في علم البلاغة الباقلاني نموذجا)]

[27] الجاحظ ؛ الحيوان 2ـ 230 ط. الحلبي نقلا من المباحث البلاغية في ضوء قضية الإعجاز القرآني د. أحمد جمال العمرى ,مكتبة الخانجي القاهرة ص 28 ـ 29

[28] آية الله جعفر السبحاني أحد علماء الشيعة الإلهيات ج3 ص337 وما بعدها نقلا من الشبكة موقع (شبكة المعارف الإسلامية)
يتبع إن شاء الله ...فتحي بودفلة
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع