- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
(بسم الل)
الهدي النبوي بين التصريح والتلميح في النصيحة
د. عبدالرحمن سعيد الحازمي (*)
إن الإنسان في الحياة تعترضه الكثير من المواقف السلبية التي تختلف حدتها من موقف لآخر، وقد تزيد أحيانا وقد تخبو أحيانا أخرى، ثم بعض هذه المواقف قد تحتاج الى معالجة سريعة، والبعض الآخر قد لايحتاج لذلك، وتختلف درجة التأثر والتفاعل الإيجابي مع هذه المعالجة حسب العادات والتقاليد ودرجة الوعي العلمي والثقافي والاجتماعي. ومن الاساليب التربوية المهمة في معالجة المواقف السلبية: أسلوبا التصريح والتلميح، واستخدام أي الأسلوبين يعود للموقف من جهة وللمستقبل من جهة أخرى، وربما للوقت والحال من جهة ثالثة، فهناك مواقف لايجدي معها إلا التصريح، ومواقف أخرى لايتناسب معها إلا التلميح، وربما قد يحتاج للأسلوبين في آن واحد.
والمتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد مواقف تعامل معها الحبيب صلى الله عليه وسلم بالتصريح، ومواقف اخرى تعامل معها بالتلميح، وهو الأغلب الأعم، ومن المواقف التي تعامل معها صلى الله عليه وسلم بالتلميح:
اولا: عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا: لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (رواه مسلم، رقم: 1401).
ثانيا: عن عائشة قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه، فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه، فكرهوه وتنزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشهدهم له خشية «رواه مسلم، رقم: 2356».
ثالثا: عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم الى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهين عن ذلك، أو لتخطفن ابصارهم «رواه البخاري، حديث رقم: 750».
ومن المواقف التي تعامل معها صلى الله عليه وسلم بالتصريح:
أولا: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ان معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذا فقال: انه منافق فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا «جمع ناضح وهو البعير» وان معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت فزعم اني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ أفتان أنت؟ ثلاثا، اقرأ: والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها «رواه البخاري، حديث رقم: 6101».
ثانيا: عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم: «يا أبا ذر عيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، اخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. «رواه البخاري، حديث رقم
30) وقبل ذكر اهم النقاط المستفادة من هذه الاحاديث الشريفة أؤكد ان الانفعال والاستعجال والتهور في معالجة المواقف له نتائج خطيرة، ويفسد اكثر مما يصلح وقد رأينا الكثير من الانفعالات لمعالجة بعض المواقف في حياتنا اليومية فترتب على ذلك اضرارا جسيمة ربما يخسر معها الانسان حياته.
ختاما اضع جملة من النقاط المستفادة من الاحاديث الشريفة السابقة وهي: ـ
1ـ التأسي بالاساليب النبوية في معالجة المواقف ومن ضمنها موضوع المقال هذا، فهي معين صاف وخير زاد لعلاج المواقف التي تواجهنا، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21).
2ـ على المؤسسات التربوية والقائمين عليها العناية باستخراج الاساليب النبوية التربوية اذ السيرة زاخرة بمثل هذه المواقف مما لا يحصيه عد، وعمل برامج تدريبية وتوجيهية للعمل على تفعيلها في ممارساتنا اليومية في مختلف المواقع.
3ـ ان هذين الاسلوبين التربويين ليسا مقتصرين على فئة دون اخرى، بل يشمل كل انسان له علاقة بالآخرين، ويتأكد في حق المربين على مختلف مستوياتهم من علماء ودعاة ومصلحين واولياء امور.
4ـ الحاجة الماسة الى العقل والحكمة والتي من معانيها وضع الشيء في موضعه ليتسنى للمعالج اختيار الاسلوب الامثل في معالجة المواقف التي تواجهه.
«*» المدير العام لفرع وزارة الشؤون الاسلامية بمنطقة مكة المكرمة
الهدي النبوي بين التصريح والتلميح في النصيحة
د. عبدالرحمن سعيد الحازمي (*)
إن الإنسان في الحياة تعترضه الكثير من المواقف السلبية التي تختلف حدتها من موقف لآخر، وقد تزيد أحيانا وقد تخبو أحيانا أخرى، ثم بعض هذه المواقف قد تحتاج الى معالجة سريعة، والبعض الآخر قد لايحتاج لذلك، وتختلف درجة التأثر والتفاعل الإيجابي مع هذه المعالجة حسب العادات والتقاليد ودرجة الوعي العلمي والثقافي والاجتماعي. ومن الاساليب التربوية المهمة في معالجة المواقف السلبية: أسلوبا التصريح والتلميح، واستخدام أي الأسلوبين يعود للموقف من جهة وللمستقبل من جهة أخرى، وربما للوقت والحال من جهة ثالثة، فهناك مواقف لايجدي معها إلا التصريح، ومواقف أخرى لايتناسب معها إلا التلميح، وربما قد يحتاج للأسلوبين في آن واحد.
والمتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد مواقف تعامل معها الحبيب صلى الله عليه وسلم بالتصريح، ومواقف اخرى تعامل معها بالتلميح، وهو الأغلب الأعم، ومن المواقف التي تعامل معها صلى الله عليه وسلم بالتلميح:
اولا: عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا: لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (رواه مسلم، رقم: 1401).
ثانيا: عن عائشة قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه، فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه، فكرهوه وتنزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشهدهم له خشية «رواه مسلم، رقم: 2356».
ثالثا: عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم الى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهين عن ذلك، أو لتخطفن ابصارهم «رواه البخاري، حديث رقم: 750».
ومن المواقف التي تعامل معها صلى الله عليه وسلم بالتصريح:
أولا: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ان معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذا فقال: انه منافق فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا «جمع ناضح وهو البعير» وان معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت فزعم اني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ أفتان أنت؟ ثلاثا، اقرأ: والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها «رواه البخاري، حديث رقم: 6101».
ثانيا: عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم: «يا أبا ذر عيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، اخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. «رواه البخاري، حديث رقم
ختاما اضع جملة من النقاط المستفادة من الاحاديث الشريفة السابقة وهي: ـ
1ـ التأسي بالاساليب النبوية في معالجة المواقف ومن ضمنها موضوع المقال هذا، فهي معين صاف وخير زاد لعلاج المواقف التي تواجهنا، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21).
2ـ على المؤسسات التربوية والقائمين عليها العناية باستخراج الاساليب النبوية التربوية اذ السيرة زاخرة بمثل هذه المواقف مما لا يحصيه عد، وعمل برامج تدريبية وتوجيهية للعمل على تفعيلها في ممارساتنا اليومية في مختلف المواقع.
3ـ ان هذين الاسلوبين التربويين ليسا مقتصرين على فئة دون اخرى، بل يشمل كل انسان له علاقة بالآخرين، ويتأكد في حق المربين على مختلف مستوياتهم من علماء ودعاة ومصلحين واولياء امور.
4ـ الحاجة الماسة الى العقل والحكمة والتي من معانيها وضع الشيء في موضعه ليتسنى للمعالج اختيار الاسلوب الامثل في معالجة المواقف التي تواجهه.
«*» المدير العام لفرع وزارة الشؤون الاسلامية بمنطقة مكة المكرمة