- 11 أبريل 2008
- 3,981
- 153
- 63
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
ولد الشيخ العلامة عمر مولود الديبكي عام 1919م في ناحية ديبكة الواقعة في محافظة اربيل ضمن (كردستان العراق )، من عائلة كريمة محافظة على التقاليد الإسلامية ،والأعراف السامية .
البداية : كانت في مدرسة دينية تابعة لناحية ديبكة التي يسكن فيها الشيخ ،حيث ختم القران ،وتمكن من إتقان ألفاظه وتجويده حروفه ،والتي كان لها الأثر البالغ في تفوقه في علم النحو والصرف كما سيأتي، ثم تدرج في تعلم العلوم الشرعية ،وعلوم الآلة وباقي ما كان مقررا في المدرسة الدينية آنذاك .
مدرسة الشيخ نور الدين :التحق الشيخ بعد إكماله مبادئ العلوم الشرعية واللغوية على عادة طلاب المدارس العلمية الدينية في شمال العراق فدخل بعدها مدرسة نور الدين حيث كان مدرسها ومديرها العلامة الملا صالح الكوزه بانكي – من تلامذة العلامة أبو بكر المعروف بالملا أفندي ابن الحاج عمر أفندي الاربيلي- ،وبعد أن أكمل الدراسة العلمية فيها نال الإجازة العلمية في عام 1949 .
إلى بغداد مدينة العلم والسلام : وجد الشيخ أن بغداد – مدينة تغص بالعلم والعلماء – هي أجدر بلد يشد إليها الرحال لطلب العلم من العلماء ،فسافر إليها عام 1950 ،وأول من التقى به العلامة امجد الزهاوي الحنفي 1882رئيس رابطة علماء العراق ومفتيها ،فاخذ منه أصول المذهب الحنفي فقد كان رحمه الله أفضل من درس المذهب وأصوله، ثم درس عند الشيخ القزلجي وهو أبو الحسن محمد بن حسين بن محمد بن علي القزلجي، وأصله من قريةقزلجة المتاخمة للحدود الإيرانية ، من جهة شمال العراق، وولد في مدينة سابلاق في شهر محرم الحرام من عام 1313هـ/ 1895م، وكان أبوه العالم الملا حسين القزلجي المشهور صاحب التصانيف والحواشي بين علماء أهل السنة في شمال العراق ،وقد درس الشيخ عمر عليه تفسير الزمخشري، وقد تحصل للشيخ في نهاية المطاف وبعد التجوال على العلماء في مختلف أنحاء العراق علوم جمة ،وفنون متنوعة منها: النحو والصرف والمنطق والفلك والبلاغة والفقه والتفسير وغير ذلك .
الوظائف التي تنقل فيها : تنقل الشيخ عمر الديبكي في وظائف عدة منها : الإمامة في مسجد بنات الحسن – كان يحتوي على جثمان شخص تم نقل إلى مقبرة الشهداء ،وأعيد تجديده من قبل وزارة الأوقاف من عام 1962 - في الرصافة القديمة محلة القاطر خانة من عام 1950 ،ثم انتقل بعدها إلى مسجد النعمانية ،ثم جامع علي أفندي في شارع الجمهورية وهو في الأصل مدرسة علمية جدد بنائه من قبل وزارة الأوقاف عام 1963، ثم انتقل الشيخ إلى جامع الفاروق عام 1973 في منطقة شارع فلسطين – قام الأوباش الحاقدين بالاعتداء عليه وحرق أجزاء منه كبقية مساجد أهل السنة – وقد بقي الشيخ في جامع الفاروق فترة طويلة ،كنت أتردد عليه قرابة ثلاث سنوات للدراسة عليه ،وفي عام 1989 انتقل إلى مسجد بدرية في منطقة حي أور وبقي فيه إلى حين إصابته بالشلل الذي توفي فيه رحمه الله .
في مجال التعليم والتدريس : اشتهر الشيخ رحمه الله بحبه وشغفه بالتوجيه والتعليم عامة وخاصة ، فهو أول من القي المحاضرات والدروس الوعظية في الإذاعة وباللغة الكردية والعربية، ومنذ بداية تأسيس الإذاعة إلى حين وفاته ،وله دروس يواظب عليها في المسجد لا يتركها لأي ظرف كان ،وكان يستفيد منها الكثير من العوام فضلا عن طلاب العلم وخاصة في مسجد بدرية والفاروق ،وهي عبارة عن شرح لأحاديث رياض الصالحين يلقيها بأسلوب وعظي نافع مع شرح للغامض من الألفاظ، ثم يفتح باب الأسئلة الفقهية في نهاية الدرس ،وكان لا يمل من مجالسة من يسأله ويستمع إليه، وبعد صلاة العصر يخصص الوقت لطلاب العلم للدراسة عليه في مجال العلوم الشرعية واللغوية كما سيأتي بيانه ،.وفي الصباح كان يدرس في المعاهد والجامعات الأكاديمية مثل المعهد الإسلامي في الكريعات إلى جانب الشيخ محمد طه البيلساني رحمه الله في بداية السبعينيات ،ودرس في المدرسة القادرية مؤخرا قبل وفاته ،وفي الجامعة الإسلامية – جامعة صدام للعلوم الإسلامية –
- انتخب الشيح العلامة عمر الديبكي عضوا في المجلس العلمي لوزارة الأوقاف في بداية السبعينيات لما تميز به من علم واسع ومعرفة قوية بأقوال المذاهب وفروعها ،وخاصة المذهب الشافعي الذي يتمذهب به، وقد كان المجلس يضم جمهرة من العلماء أمثال عمر العزي ،وشاكر البدري ،ويونس السامرائي،وصبحي الهيتي ، وعلاء الدين القيسي المقرئ المشهور وغيرهم ،وهو إلى جانب ذلك عضو في رابطة العلماء في العراق منذ بداية الستينيات ،وقد كان يسند للشيخ اختبار من يتقدم للامتحان في مجال الإمامة والخطابة وخاصة في المجال الفقهي، وقد كنت - ولله المنة- ممن اجتاز الاختبار بقرار من المجلس ،حيث سئلت وقتها عن أركان الصلاة، وفرائض الوضوء على المذهب .
- منهج الشيخ في التدريس والتعليم :سنطيع أن نجمل منهج الشيخ في نقاط عدة منه:
أولا : التدرج في التعليم : أي تعليم صغارالعلم قبل كباره وهو ما كان يهتم به الشيخ ويوصي به ،وقد كان يقوم باختبار من يطلب منه التدريس قبل أن يباشر لمعرفة مستوى الطالب ،وقد طلبت منه أن يدرسني شرح ابن عقيل على الألفية فأبى إلا تدريسي قطر الندى وبل الصدى لابن هشام ،وقد كان الشيخ يحب تدريس الكتاب – قطر الندى وبل الصدى –ويلتذ بتدريسه ،وطلبت منه أن إقراء عليه متن إيساغوجي في المنطق - تأليف أثير الدين الأبهري، وهو من المتون المشهورة في هذا العلم وعليه شروح كثيرة من أشهرها شرح الشيخ زكريا الأنصاري- فرفض إلا بعد دراسة الفقه وأصوله – وهكذا نجد الشيخ يطبق منهج التدرج والتنقل في العلوم .
ولابد من التنيه على موضوع إتقان الشيخ لعلوم اللغة، فقد اشتهر عن علماء الأكراد خاصة إتقانهم لعلوم النحو والصرف والمناظرة والمنطق، وقد كان طلاب العلم يتوافدون عليهم لأجل ذلك ،والسبب هو اعتزاز علماء الأكراد بالقران واللغة العربية التي نزل بها القران، إضافة غالى تعظيمهم لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم ،ولذا ترى علماء اللغة في بغداد هم من أمثال محمد طه وعبد الكريم بيارة ،والشيخ عمر الديبكي وغيرهم من الأكراد .
ثانيا : المنهجية المرحلية :بمعنى انه يعطي للطالب من العلم والفنون ما يناسب فهمه وإدراكه ،والمراحل هي ثلاث مبتدئ ومتوسط ومنتهي ،فقد كان يعطي للمبتدئ مثلا في الفقه متن الغاية والتقريب لأبي شجاع ويطالبه بحفظ ما سمعه وقراءه، وللمتوسط الإقناع شرح متن أبي شجاع للخطيب الشربيني،أو شرح المنهاج للمحلي ،وللمنتهي المجموع والشروح الموسعة ،وفي النحو للمبتدى متن الاجرومية ،ثم قطر الندى وللمنتهي الألفية وشرحها ،وهكذا وهو يتبع مقولة خذ من كل علم طرفه ،ثم تتدرج في الدرجات حتى يبلغ طالب العلم مطلوبه ومبتغاة، ومقولة التربية على صغاره العلم قبل كباره ،أو صغاره قبل كباره .
ثالثا :التعليم والتربية : وهو من أساليب الشيخ في التعليم ،حيث كان يقصد من التعليم التربية على معاني العلم والأخلاق من تواضع وصبر ،وسعة صدر، وتحمل واجتهاد ،وقد كنت اطلب منه أن يزيد من مدة الدرس فيقول (قليل تنتفع منه خير من كثير تنساه) أو نحو ذلك، وقد أكملت معه قطر الندى لمدة تزيد على ثلاث سنوات، إقراء معه كل يوم صفحة واحد لا غير، وكان يطلب مني أن أطبق ما اسمعه عن طريق القراءة الموافقة لقواعد النحو واللغة، ويحاسبني على الخطاء .
رابعا : القدوة الصالحة: وجدت في الشيخ رحمه الله القدوة الصالحة ،والمثل الصالح للعالم الرباني الذي يطبق ما يقول ،ووجدته صبورا على التعليم ،ولم يوافق انه تخلف عن الدرس يوما ما إلا لطارئ شديد كان يكون عزاء لأحد المصلين ،وفي مجال التعبد والسلوك كان السيخ مواظبا على الأذكار المسنونة خاصة بعد صلاة الفجر والمغرب ،ولم يكن احد منا يجرئ على التكلم معه أثناء انشغاله بالذكر .
أخلاقه وتواضعه : ومن ابرز ما يدل على تواضعه هو بذله للعلم لطلابه دون السؤال عن المذهب أو المنهج أو الفكر، كما هي عادة بعض العلماء حيث أنهم لا يدرسون إلا بعد معرفة منهج وفكر الطالب ،فان كان يوافقهم وألا طردوه، وقد تحمل الشيخ من بعض علماء الصوفية لأجل ذلك المتاعب والكلام ،فكان رحمه الله لا يكترث بأقوالهم لأنه يعتقد أن العلم أمانة، وانه ينبغي أن يبذل للعالمين، ولم يكن ليحتكره ويختزنه كما يفعل غيره ،وقد اشتهر الشيخ أيضا ببعده عن رجال السياسة والمنصب والتزلف لهم ،ولم يكن من أخلاقه المداهنة والتملق،لأنه رضي من الدنيا باليسير والقليل ،والقناعة بالموجود،وإيثار الآخرة على العاجلة ومتاعها الزائل ومما يذكر من الموقف المضيئة من حياة الشيخ ما ذكره الدكتور مصطفى السامرائي – وهو من تلامذة الشيخ على ما أظن -انه قال (كان شيخنا عمر الديبكي رحمه الله عند وزير الأوقاف العراقي عبد الله فاضل رحمه الله ،فاتصل أحد بالوزير ويبدو أنه طلب من الوزير نسخ من المصحف ،فقال له الوزير : غالي والطلب رخيص ...- مثل بغدادي - فغضب الشيخ وقال للوزير ماذا قلت ؟؟!غالي والطلب رخيص .. هل القرآن رخيص ...? فتلعثم الوزير وهو يقول يا شيخنا ما كنت أقصد بكلامي .... قال الشيخ احذر مثل هذه الكلمات)، ومن أخلاق الشيخ التي تميز بها انه كان يكره ألمراء والجدال، بل يبغضه ،وإذا وصل إلى خلاف بين العلماء ردد قوله تعالى (ولكل وجه هو موليها ).
في مجال التأليف : لم يكن الشيخ من المكثرين في التأليف لانشغاله بالتعليم والتوجيه، والاختبارات العلمية ،ورغم ذلك فله مؤلفات قليلة – كتيبات صغيرة – في الصيام والحج والزكاة والتربية ،وتفسير سورة النور، وهي على قلتها وصغر حجمها إلا نافعة ومؤثرة .
طلابه وتلامذته : تخرج على الشيخ طلاب عدة من شتى بقاع العراق ،ومن المع طلابه الشيخ جمال مرشد محمد ،فقد قراء على الشيخ( البهجة المرضية لشرح الألفية)، وماجد الشيخاوي اخذ منه الإجازة العلمية ،وحيدر الحيالي- له رسالة ماجستير بعنوان آيات الكيد في القران دراسة موضوعية - والعبد الفقير مرشد الحيالي قرأت عليه قطر الندى ومتن المراح وعزى والبناء في الصرف من كتاب مجوعة صرف ،ومتن الغاية في الفقه مرات، واستمعت إلى شرح المجموع للنووي رحمه الله .
وفاته : تولى الشيخ إمامة مسجد بدرية بداية التسعينيات، وبقي وفيا للعلم حتى أصيب بجلطة أقعدته عن أداء وظيفة الإمامة، ثم عوفي بعدها فكان يأبى إلا الذهاب إلى المسجد ،وقد نصحه الطبيب بالراحة التامة ولكنه لم يأخذ بنصيحته فرجع إليه المرض اشد من ذي قبل، وكنا نتردد عليه ونعرض عليه بعض الأمور التي تهم المسجد ،ونشكو إليه حال المعممين من بعض الصوفية ،فكان رحمه الله يوصينا بالصبر ، وكان يتوافد إليه طلاب العلم رغم مرضه ،فكان يدرسهم حتى وفاه الأجل على فراشه من عام 2002 عن عمر جاوز الثمانين بقليل، وكان يكثر من ذكر الله تعالى في أيامه الأخيرة ،وبذا فقدنا من يناصرنا في المسجد ،ومن يدافع عنا بعد الله سبحانه ،حيث تولى المسجد من أساء إلى المصلين ،ونسال الله أن يسامح الجميع ويعفو عنهم بمنه وكرمه ،ونسأله الرحمة والرضوان لشيخنا واستأذنا، وان يتغمده بواسع الرحمة واللطف والكرم انه سمع الدعاء ،قريب لمن ناجاه ،والله اعلم وصلى الله على تبينا محمد واله وصحبه أجمعين .
_____________________
استفدت من المصادر التالية :
1- تراجم علماء بغداد في القرن الراع عشر الهجري للشيخ يونس السامرائي .
2- ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
التعديل الأخير: