إعلانات المنتدى


هموم الأرض في الشعر الإسلامي المعاصر (3)

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

المساوي

مزمار نشيط
22 مارس 2007
37
0
0
الجنس
ذكر
[align=center](بسم الل) [/align]
[align=justify]:x18: [/align]

[align=justify]نحو نقد إسلامي تطبيقي :[/align]
[align=center]هموم الأرض في الشعر الإسلامي المعاصر

وقفة عند العتبة الأولى لديوان الدكتور عبد الغني التميمي
قراءة في أبجديات " رسالة من المسجد الأقصى " [/align]


[align=left]الأستاذ عبد الرزاق المساوي[/align]


[align=justify]هندسة العـنوان:
نقصد بهندسة العنوان كيفية بروز العنوان في إطار استراتيجيته التي تم اختيارها، وكيف يتحقق وجوده بها، وكيف استطاع أن يعطي للمتلقي مظهره ومنظره وشكله وتركيبته، وكيف استطاع أن يكشف له عن قناعه.. هندسة العنوان تتحدث عن تصميمه وصناعته وطريقة صياغته وكيف هي تركيبته، ومدى انسجامه مع نفسه ومع ما يحيط به.. هندسة العنوان هو ذلك الشكل الذي يتمظهر من خلاله رمزا دالا ويتجلى به..
هل يمكن للعنوان أن يتحقق من فراغ مكاني؟ هل يستطيع أن يظهر كهيولى أم أنه يحتاج إلى شكل واقعي لغويا وبصريا يمكنه أن يحمل نبض النص المعنون وأن يرسم تجاعيده وأن يصور ترسباته البنيوية أو يشخص تضاريسه التركيبية وذلك على كل المستويات الدلالية والرمزية..؟
إن هندسة العنوان بشكل عام في حقيقة الأمر ليست مثبتة وليست مستقرة على حال، ولا تنبني على هيكلة واحدة، ولا تأخذ إطارا معينا يوحده.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال رصدها في شكل واحد راسخ العلامة، أو حتى في أشكال محددة اللهم إلا على المستوى التجريدي بالاعتماد على بعض علوم اللسانيات..
إن هندسة العنوان تتجلى حسب الرؤية الجمالية والصيغة الهندسية والتركيبة التقنية والطريقة الفنية التي يرغب في الوصول إليها كل من المرسل - على اعتبار أنه هو المهندس الأساس والأول بشكل مباشر- من خلال وضعه أو صياغته لكل مكونات الغلاف دون تأثير الآخر أي دون حدوث بصمات مؤثر خارج الذات المبدعة في هذه الهندسة، وهذا لا يتم إلا في حالات ناذرة أن يقوم المرسل المبدع بكل ما يتعلق بالعنوان وما حوله.. هذا من جهة ومن جهة ثانية يمكن أن تتم عملية هندسة العنوان بتواطئ المرسل الأساس مع غيره ممن له الكفاءة على أن يساهم في ذلك كالخطاط والرسام والمخرج ومستلزمات الطباعة، وهذا هو الغالب والمشهور.. وكذلك –وهذا هو الأهم - بتواطئه مع غائب حاضر بالضرورة، يدفع بكل ثقله كي تكون هندسة العنوان في مستوى التطلعات وفي مستوى التعبير عن جمالية البناء داخليا وخارجيا.. أي أن العنوان تتم هندسته من خلال تمريره عبر قناة رضا المرسل/ المبدع على نظر المتلقي المفترض والذي يساهم بطريقة غير مباشرة في العنونة، لأنه يجثم بكل كلكله على كل عملية إبداعية.. لأنه في الحقيقة وفي آخر المطاف هو الذي يضغط بشكل خفي – أراد من أراد وأبى من أبى - على مهندس العنوان ويمارس عليه وهو غائب جسديا حاضر فكريا أنواعا كثيرة من التأثير..
فالمرسل يهندس العنوان ويؤثته ويجمع خيوطه انطلاقا من البناء نفسه وتحت تأثيره وهو يشيده، وتحت التأثير أو الضغط أو الحضور الذهني للمتلقي المفترض، وبذلك يحاول تحت التأثير المباشر وغير المباشر أن يحرك كل أدواته الإجرائية والمرجعية والإفهامية كي يقدم هندسة متوازنة للعنوان تكون من الناحية الفنية والجمالية مقبولة، ومن الناحية التركيبية منسجمة ومترابطة إسناديا، كما يتمتع بتوازن منطقي يساهم في تفكيك النص/النصوص وتركيبه/تركيبها من خلال استكناه بنياته/بنياتها الدلالية والرمزية مما يسهم منذ البداية بل ومنذ الوهلة الأولى في إضاءة النص/النصوص ككل..
ما يفهم مما سبق بكل وضوح هو أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار العنوان بالمرتبة الأولى حلية تزيينية يرصع بها أعلى النص أو ينمق بها غلاف الكتاب، أو أداة ووسيلة لجذب انتباه المتلقي وكسب رغبته في الاقتناء أو على أقل تقدير التصفح.. وإن كنا في الحقيقة لا ننفي وجود مثل هذه القضية فكم من مقروء ليس له غير العنوان الخادع.. وإنما الواجب أن يعتبر العنوان بالأساس أفقا واسعا من التعبير وعالما كبيرا من الكلم، وإن قلت عباراته وألفاظه، وأن يعتبر اكتناها للدلالة، وتساوقا تكوينيا مع النص ومنجزه الجمالي والقيمي..
لذا يمكن القول بأن الشاعر عبد الغني التميمي في هندسته للديوان عمل على جعل عتبته الأولى ترتكز على عدد من المكونات اللفظية البسيطة التي جاءت على شكل جملة اسمية تفتتح بمبتدأ نكرة وخبره المعرف شبه جملة من الجار والمجرور ويأتي المجرور منعوتا.. وتتوفر هذه التشكيلة اللفظية على مجموعة من المقومات الدلالية العميقة غير الخاضعة للزمنية.. وتتمتع بعناصر تصويرية وإيحائية تجعل المكان رمزا سيميولوجيا وليس رمزا جغرافيا أو طبوغرافيا.. وتتحلى هذه التشكيلة الاسمية بخصائص رمزية طافحة وأخرى كامنة يمكن استشفافها على المستوى النفسي والاجتماعي والثقافي والحضاري..
إن العتبة الأولى لهذا البناء التميمي جاءت هندستها على الشكل التالي: ("( رسالة من المسجد الأقصى)") تركيبة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه، ودالة ومعبرة وحاملة لأفق شاسع، تضع المتلقي في غمرة الواقع المعاصر بأحداثه ووقائعه.. وتأخذه إلى الماضي القريب والبعيد لاستحضار أصول وجذور هذا الواقع.. كما تحرك فيه ذكريات ضاربة جذورها في التاريخ البشري عن طبيعة الأداة المشهور عملها ووظيفتها والتي هي "الرسالة"، وتثير فيه ذكريات موغلة في القدم عن طبيعة المكان في عمقه القدسي وبعده الإنساني وكينونته التاريخية..
("( رسالة من المسجد الأقصى)") معان سامية ودلالات عميقة وقضايا جليلة وأحداث لا تنسى وأمور تنتظر أن تقضى.. أناس قضوا وأناس ينتظرون.. كل ذلك وغيره كثير نقش على العتبة الأولى لهذا البناء التميمي الشامخ الذي يتكون من طوابق ثمانية.. أولاها تتبنى العتبة نفسها ("( رسالة من المسجد الأقصى)")، وهذه ظاهرة أدبية معروفة بحيث نجد الأديب يستعير العتبة الأولى على الغلاف من بناء آخر يكون طابقا في بنائه الجديد ذي الطوابق العديدة يضمنها إياه.. لذلك نجد هذه العتبة دالة على البناء كله بطوابقه الثمانية وتتصدره أيضا في طابقه الأول.. وثانية هذه الطوابق تأخذ من العتبة الأولى بعضا من ألفاظها وجمالها، وتضيف إلى نور مكوناتها الجمادية جمالا آخر إنسانيا بكل ما تحمل اللفظة من دلالات ومعان.. فتتحول العتبة من التركيبة الاسمية ("( رسالة من المسجد الأقصى)") إلى التركيبة الاسمية ("( رسالة من حراس الأقصى)").. وهذا التغيير في مكونات الجملة لم يطرأ على المستوى السطحي إلا على الاسم المجرور وما ارتبط به، فكان من "المسجد" إلى "حراس" من "معرف" إلى "نكرة" من "منعوت" إلى "مضاف".. وهذا الأمر على المستوى العميق له دلالات بعيدة يرتبط أو يمتزج فيها ما هو ساكن بما هو متحرك، ما هو جامد بما هو حي، ما هو مكاني بما هو إنساني، ما هو مسجد بما هو حراس.. في رمزية معبرة عن القدسية والكرامة والإخلاص والتجذر في التاريخ، والارتباط بين مكان السجود والساجد والتوحد في الإحساس..
ثم تتوالى الطبقات في سماء الإبداع الشعري الإسلامي من خلال هذا البناء الشامخ الواحدة تلو الأخرى من ("( مجزرة)") التي تصور الفظاعة والغلظة والبشاعة والعداء المستحكم في نفس الصهاينة نحو المسجد الأقصى وحراسه:
في ساحة الأقصى
تدور مجزره
مدافع منصوبة
وجثث منتثره
رجالنا نساؤنا
أطفالنا مستنفره
دماؤنا نازفة
نساؤنا محسره
منابر، مآذن
تحت الحراب صابره
في ساحة الأقصى
بكل موضع مجنزره
وحولنا مشجعون
فأدى هذا الوضع المزري إلى غضب المكان وانتفاضته المقدسة، لقد تحرك الجماد الذي أحس بالجفاء "وحولنا مشجعون" فأضحى يمتلك إحساسا إنسانيا لقسوة ما يرتكب على ظهره وفوق ظهره، فأنشد نشيده وهز صوته وانتفض ("( نشيد:القدس غضب)")
القدس تقول تقول
يا سارق شمع الدار
يا مطفئ فيها الأنوار
لا تقطف في الأزهار
لا تلمس في الأحجار
مائي سم
حجري لغم
يا نجسا يا رجسة عار
لن تملك في القدس طريقا
لن تظفر فيها بغبار، أو ريح غبار
يا ذنب استعمار مرجوم
يا نعل استعمار..
فكان هذا النشيد المكاني القدسي الذي يتقاطع عموديا وأفقيا مع النشيد الإنساني القدسي المضمر فيه أصلا.. كان مدعاة لتحرك البراءة ورفع صوتها برفض الواقع المهين.. وحافزا لغضبة الطفولة ورفع سواعدها ترمي العدو بصواريخ من حجارة من سجيل.. محدثة بذلك ربكة عسكرية واضطراب سياسي في صفوف الأعداء.. إنها أيادي صغيرة تقذف ولا تهن ولا تكترث مادام الكبار عن القضية والنشيد القدسي من الغافلين بسبب جبنهم:
اقذف به ولا تهن، لا تكترث بمن جبن
لا تكترث بمن وقف
اقذف به ولا تخف
ألا ترى إلى العدو في سلاحه
ارتجف
اقذف به وذق وذب في حبه
فإن من ذاق عرف
فاستحقت هذه الطفولة البريئة وهي عنفوان الأمة ومستقبلها على شجاعتها وإقدامها وصبرها وصلابتها كالأحجار التي بأيديها.. استحقت جائزة عظيمة هي عتبة الطابق الخامس ("( براءة اختراع)") التي أثارت حفيظة الأعداء ومن خلفهم من دول الاستكبار مما أدى إلى استصدار مرسوم ملؤه الغبن والظلم والجور في شكل منحة صرفت زمانا بقيمة إمهال طويل الأمد.. كي تفضي هذه المنحة الدولية التي منحت للعدو الصهيوني إلى القضاء الكلي على انتفاضة الحجارة، والمشروع الإسلامي الفلسطيني.. وهذا هو الموضوع الذي يؤثث به التميمي طابقه السادس ذي العتبة ("( مرسوم)"):
جاء مرسوم من القمة يقضي:
أمهلوا شارون دهرا
أمهلوه بعد"صبرا" صبرتين أو ثلاثا
وعلى الأكثر عشرا
واصبروا صبرا... فصبرا
لا تقولوا كان –يوما-
واحدا من هؤلاء القتلة
امنحوه بعد هذا العام
عامين ونصفا كي يحل المشكله
امنحوه فرصة –يا قوم- أخرى
ولماذا العجله؟
امنحوه مثل (شاتيلا) شُتيْلات
فشاتيلا وصبرا مهزله
ربما من بعد خمس
بعد سبع.. بعد تسع
سيلاقي فشله
عندها في مجلس الأمن
أثيروا المسأله
هذا المرسوم الدولي أو المهزلة العالمية، حري بمن صدر ضده أن يستفيق من سباته، وأن يراجع حساباته، وأن يعيد ترتيب أوراقه، في علاقاته مع الآخر كيفما كان نوعه وجنسه وموطنه.. وأن لا يجعل البرنامج الوطني الذي يجب أن يخدم الوطن وأن يقف إلى جانبه في محنته وأن يتقدم به نحو التحرر والحرية والكرامة، هو البرنامج نفسه المؤامرة على الوطن أو ضد الأهداف السامية للوطن والمواطنة..
فعلى هذا الذي صدر ضده المرسوم أن يرد الاعتبار لوطنيته وواجبه القومي.. وأن يحافظ على البسمة في شفتي وطنه الذي "شرم يهديه إلى شرم".. وألا يتركه طريد العدو الغاشم المتآمر على الوطن "الجيش الغاصب في صلف / قتل نهبا...هدم اغتصبا / أرض الإسراء غدت سلبا" وألا يدعه تحت نير ظلم القريب النائم الذي "بطنه تملأ المكتب / تبيت تقدس الأرقام / كالأصنام ملفها / تنكب:
أتظل طريدا يا وطني
ظلم يغريك إلى ظلم؟
شرم يهديك إلى شرم؟
أتظل أسير مؤامرة
ومزايدة ومقامرة
وتباح وتباع كمجمرة
الأمس يبيعك لليوم؟
جاء الشارون
فشارون من قوم يهود
وآخر من قومي
أتظل البسمة في شفتيك
للغاصب واجبك القومي؟
فإذا تجوّز هذا الوضع الذي يصوره شعر الشاعر في طابقه السابع ذي العتبة ("( برنامج وطني)").. وأصبح الوطن وطنا رسميا وليس اسميا، حينها وحينها فقط سيعلم الجميع كيف نؤثث طابقنا الأخير الذي يرقى في السماء، وسيعرف العالم كله ("( من نحن؟)")
منا الزمان وخطبه يتعلم
وعلى خطانا للعلا يترسم
وإذا طمى جرح الزمان فإننا
نحن الشفاء لجرحه والبلسم
إن كنت تجهل من نكون فإنما
للعمى هذي الشمس جرم مظلم
عجبا أتجهل من نكون وهذه
الدنيا بكل فعالنا تتكلم؟
من أنت، لا من نحن، يا متجاهلا
أو يجهل البحر الخضم العوم؟
إن كنت تجهلنا فذي آثارنا
في كل الأرض للهداية معلم
وهكذا يمكن الاعتراف (9) بكل تقدير أدبي وإجلال شعري بأن الدكتور عبد الغني التميمي استطاع أن يهندس بناءه الشعري بشكل جميل ورائع ومتناسق يؤدي أوله إلى آخره، ويفضي آخره إلى أوله، وبين الأول والآخر ينتشر إيقاع الغربة والحزن والهموم، وتنبعث ألحان العودة والفرح والسرور.. يتموسق ويتناغم الإيقاع والألحان تموسقا وتناغما داخليين منبعثين من طبيعة التكوين الشخصي المنبثق عن التصور الإسلامي للموضوع والقضية في إطار قول الرسول صلى الله عليه وسلم "((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس..))" (اللفظ للترمذي وهو عند أحمد وابن ماجة والدارمي بروايات وأوله في صحيح مسلم)..
كما استطاع التميمي أن يؤثث بناءه هذا بالطريقة المتموسقة والمتناغمة نفسها التي تترك بصماتها على نفسية المتلقي فتجعله يتفاعل وينفعل بالقضية التي رسم معالمها هنا بكل فنية وجمالية انطلاقا من اللفظ والتعبير والصورة..[/align]


[align=left]للبحث بقية بإذن الله تعالى..[/align]
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع