- 17 أغسطس 2011
- 11
- 1
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- ناصر القطامي
بلاغة القسم في سورة النازعات
﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً.وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً. وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من أجساد الكفار غرقاﹰ، أي : تنزعها من أقاصى الأجساد من أناملها وأظفارها ،وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من أجساد المؤمنين ،وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أي : تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم. أقسم الله بالملائكة التي تقبض الأرواح ،وخصها بهذه الأوصاف لما في هذه الاوصاف من خبايا وإيماءات بلاغية :-
أولها :تهويل أمر الساعة ؛لأن النفوس المحسوسات نزّاعة،وثانيها : تذكير المشركين الغافلين عن الآخرة وعن ما بعد الموت من بعث وحساب وعقاب، أو بالأحرى منكرين لها ، ولأنهم شديدو التعلق بالحياة أقسم الله عز وجل بالملائكة التي تقبض الأرواح ،والقسم على هذا الوجه مناسب للغرض الأهم من السورة ألا وهو إثبات البعث؛ لأن الموت أول منازل الآخرة وهذا من براعة الاستهلال.أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها ؛ لأنها عراب . والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب.وإن كان المراد بالسابحات خيل الغزاة فالمراد بالتدبير: تدبير مكائد الحرب من كر، وفر، وغارة، وقتل، وأسير، ولحاق للفارين، أو ثبات بالمكان. وإسناد التدبير إلى السابحات على هذا الوجه مجاز عقلي لأن التدبير للفرسان والخيل وسائل لتنفيذ التدبير... وفي هذا المجاز إيماء إلى حذق الخيل وسرعة فهمها مقاصد فرسانها حتى كأنها هي المدبرة لما دبره فرسانها.
ومكمن بلاغة القسم بالخيل التعريض بتهديد المشركين بحرب تشن عليهم وهي غزوة فتح مكة ، أو غزوة بدر وهي من دلائل نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم
والتعريض بعذاب المشركين في الدنيا؛لأن هذه التهديدات صريحها وتعريضها في مدة مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة والمسلمون في ضعف.
قال أبن القيم : (وجواب القسم محذوف يدل عليه السياق - وهو البعث المستلزم لصدق الرسول وثبوت القرآن أو أنه من القسم الذي أريد به التنبيه على الدلالة والعبرة بالمقسم به دون أن يراد به مقسماً عليه بعينه وهذا القسم يتضمن الجواب المقسم عليه وإن لم يذكر لفظاﹰ)) وقيل: جملة ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ .جواب القسم وصريح الكلام موعظة. والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث ؛لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام. وقد علم أن المراد ب ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ يوم القيامة ،ومكمن بلاغة جواب القسم تهويل يوم البعث والإنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه .
____________________________________
ينظر الكشاف للزمخشري و نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور للبقاعي ، التحرير والتنوير، لابن عاشور، التبيان في أقسام القرآن ،لابن قيم الجوزية
التعديل الأخير بواسطة المشرف: