- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم النحت:
النحت: النشر والقشر، ونَحَتَ الجبلَ يَنْحَتُهُ: قَطَعَهُ، وفي التنزيل: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [الشعراء:149]،... إلخ(6) وقيّد بعضهم النحت في الشيء الذي فيه صلابة وقوة كالحجر والخشب(7) ونحو ذلك.
والنحت في الاصطلاح، عرّفه ابن فارس بقوله: "ومعنى النحت: أن تأخذ كلمتين وتنحت منهما جميعاً كلمة تكون آخذةً منهما بحظّ (8).
ويُعرّفه الدكتور نهاد الموسى بقوله: "هو بناء كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر أو من جملة، بحيث تكون الكلمتان أو الكلمات متباينتين في المعنى والصورة، وبحيث تكون الكلمة الجديدة آخذة منهما جميعاً بحظ في اللفظ، دالّة عليهما جميعاً في المعنى".(9)
من خلال هذه التعاريف يتبين أن النحت نوع من الاشتقاق، وإذا استعملنا مصطلحات لسانية صحَّ أن نقول: إن النحت ضربٌ من الاختزال (réduction)، حيث يتم اختزال كلمتين أو أكثر في كلمة واحدة، وتقوم هذه الظاهرة على ما يسمى في اللسانيات بالدمج (10) (incorporation)، حيث يتم دمج كلمات عديدة في كلمة واحدة.
أنواع النحت:
يمكن تقسيم النحت، حسب طبيعة المقولات التركيبية المنحوتة، إلى ما يلي:
أ. النحت الاسمي: وهو أن يُنحَت من كلمتين اسماً نحو (زمكان)، من: "زمان" و"مكان".
ب. النحت الفعلي: وهو أن يُنحَت من كلمتين أو من جملة بأكملها فعلاً واحداً، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
- (حَمْدَل)، إذا قال: "الحمد لله".
- (بَسْمَل)، إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم".
- (حَسْبَل)، إذا قال: "حسبي الله ونعم الوكيل".
ج- وهناك كلمات أُوِّلَت على أنها منحوتة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بباب (النُّكَت والطرائف)، وقد يكون هذا النوع لأخذ العبرة. ومن أمثلة ذلك ما أورده الجاحظ في كتابه (البخلاء) عن أبي عبد الرحمن الثوري أنه قال لابنه: "أي بُني، إنما صار تأويل الدرهم: دار الهم، وتأويل الدينار: يدني إلى النار"، قال الجاحظ: "إنما هذا شيء كان يتكلم به عبد الأعلى، وإذا قيل له: لِمَ سُمي العصفور عصفوراً؟ قال: لأنه عصى وفرّ". (11)
وظيفة النحت:
بناءً على المعطيات السابقة يمكن القول بأن للنحت وظيفتين أساسيتين:
أ- الوظيفة الأولى تتمثل في كونه وسيلة من وسائل تنمية اللغة وتكثير مفرداتها، حيث يتم اشتقاق كلمات جديدة لمعان حديثة. وإذا استعملنا مصطلحات النحو التوليدي صحَّ أن نقول: إن النحت إجراء توليدي، إذ يساهم في توليد كلمات جديدة في اللغة العربية، ومن هذه الزاوية يسعى إلى تنمية اللغة وتوسيعها، ومن ثم فهو يعبر عن شجاعة اللغة العربية وعبقريتها.
ب- أما الوظيفة الثانية فتتمثل في كونه وسيلة من وسائل الإيجاز والاختصار، ومن ثم التواصل بأقل ما يمكن من الكلمات. يقول ابن فارس: "العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار" (12). وقال جرجي زيدان : "النحت ناموس فاعل على الألفاظ، وغاية ما يفعله فيها إنما هو الاختصار في نطقها".
وفي وقتنا الحالي عِوَض أن يُوظَّف النحت يتم استعمال وسائل أخرى لها نفس الوظيفة كاستعمال الحرف الأول من الكلمة فقط (Abreviation) كأن نختصر: (منظمة التربية والعلم والثقافة) (UNESCO) في الحروف التالية:
(م-ت-ع-ث) وهذه الظاهرة تستعمل بكثرة في الجرائد والصحف، والغاية منها الاختصار والتواصل بأقل ما يمكن من العناصر اللسانية.
وفي الختام، فقد لاحظنا أن اللغة العربية تمتلك جملة من الظواهر التي تعبر عن شجاعة هذه اللغة وعبقريتها، وإزاء كل هذه المزايا والخصائص في اللغة العربية ألا يجدر بنا أن نعتز بها ونحبها؟
أليس من حقها علينا أن نتذوقها ونستمتع بجمالياتها؟
فإن كنتَ تحب هذه اللغة حقّاً يجب عليك أن تتدانى منها وتتعلم فنونها وخصائصها بإخلاص،
ذلك أن معرفتك بخصائص اللغة العربية يعني احترامك لذاتك قبل اعتزازك بلغتك.
هوامش:
1- ابن جني: الخصائص، ج2، ص192.
2- انظر على سبيل المثال: تشومسكي 1995، ص87، والفاسي الفهري: اللسانيات واللغة العربية ص89.
3- تبين علامة الاستفهام أن الجملة (ب) ذات درجة دنيا من حيث المقبولية (acceptability).
4- للمزيد من التفاصيل حول مبدأ التعقيد المقولي ينظر: أحمد المتوكل: اللسانيات الوظيفية – مدخل نظري، ص162. وكذلك: الجملة المركبة في اللغة العربية، ص165.
5- عن هذا الضرب من القواعد، انظر: الفاسي الفهري، البناء الموازي، ص55.
6- لسان العرب، مادة (نحت).
7- تاج العروس، مادة (نحت).
8- مقاييس اللغة: ج1، ص328-329.
9- الدكتور نهاد الموسى: النحت في اللغة العربية، ص67.
10- حول مفهوم الدمج، انظر: الفاسي الفهري: البناء الموازي، ص93.
11- البخلاء، ص98.
12- ابن فارس: مقاييس اللغة، ج1، ص328-329.
د: محمد الغريسي / أستاذ وباحث في اللسانيات – المغرب
مفهوم النحت:
النحت: النشر والقشر، ونَحَتَ الجبلَ يَنْحَتُهُ: قَطَعَهُ، وفي التنزيل: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [الشعراء:149]،... إلخ(6) وقيّد بعضهم النحت في الشيء الذي فيه صلابة وقوة كالحجر والخشب(7) ونحو ذلك.
والنحت في الاصطلاح، عرّفه ابن فارس بقوله: "ومعنى النحت: أن تأخذ كلمتين وتنحت منهما جميعاً كلمة تكون آخذةً منهما بحظّ (8).
ويُعرّفه الدكتور نهاد الموسى بقوله: "هو بناء كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر أو من جملة، بحيث تكون الكلمتان أو الكلمات متباينتين في المعنى والصورة، وبحيث تكون الكلمة الجديدة آخذة منهما جميعاً بحظ في اللفظ، دالّة عليهما جميعاً في المعنى".(9)
من خلال هذه التعاريف يتبين أن النحت نوع من الاشتقاق، وإذا استعملنا مصطلحات لسانية صحَّ أن نقول: إن النحت ضربٌ من الاختزال (réduction)، حيث يتم اختزال كلمتين أو أكثر في كلمة واحدة، وتقوم هذه الظاهرة على ما يسمى في اللسانيات بالدمج (10) (incorporation)، حيث يتم دمج كلمات عديدة في كلمة واحدة.
أنواع النحت:
يمكن تقسيم النحت، حسب طبيعة المقولات التركيبية المنحوتة، إلى ما يلي:
أ. النحت الاسمي: وهو أن يُنحَت من كلمتين اسماً نحو (زمكان)، من: "زمان" و"مكان".
ب. النحت الفعلي: وهو أن يُنحَت من كلمتين أو من جملة بأكملها فعلاً واحداً، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
- (حَمْدَل)، إذا قال: "الحمد لله".
- (بَسْمَل)، إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم".
- (حَسْبَل)، إذا قال: "حسبي الله ونعم الوكيل".
ج- وهناك كلمات أُوِّلَت على أنها منحوتة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بباب (النُّكَت والطرائف)، وقد يكون هذا النوع لأخذ العبرة. ومن أمثلة ذلك ما أورده الجاحظ في كتابه (البخلاء) عن أبي عبد الرحمن الثوري أنه قال لابنه: "أي بُني، إنما صار تأويل الدرهم: دار الهم، وتأويل الدينار: يدني إلى النار"، قال الجاحظ: "إنما هذا شيء كان يتكلم به عبد الأعلى، وإذا قيل له: لِمَ سُمي العصفور عصفوراً؟ قال: لأنه عصى وفرّ". (11)
وظيفة النحت:
بناءً على المعطيات السابقة يمكن القول بأن للنحت وظيفتين أساسيتين:
أ- الوظيفة الأولى تتمثل في كونه وسيلة من وسائل تنمية اللغة وتكثير مفرداتها، حيث يتم اشتقاق كلمات جديدة لمعان حديثة. وإذا استعملنا مصطلحات النحو التوليدي صحَّ أن نقول: إن النحت إجراء توليدي، إذ يساهم في توليد كلمات جديدة في اللغة العربية، ومن هذه الزاوية يسعى إلى تنمية اللغة وتوسيعها، ومن ثم فهو يعبر عن شجاعة اللغة العربية وعبقريتها.
ب- أما الوظيفة الثانية فتتمثل في كونه وسيلة من وسائل الإيجاز والاختصار، ومن ثم التواصل بأقل ما يمكن من الكلمات. يقول ابن فارس: "العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار" (12). وقال جرجي زيدان : "النحت ناموس فاعل على الألفاظ، وغاية ما يفعله فيها إنما هو الاختصار في نطقها".
وفي وقتنا الحالي عِوَض أن يُوظَّف النحت يتم استعمال وسائل أخرى لها نفس الوظيفة كاستعمال الحرف الأول من الكلمة فقط (Abreviation) كأن نختصر: (منظمة التربية والعلم والثقافة) (UNESCO) في الحروف التالية:
(م-ت-ع-ث) وهذه الظاهرة تستعمل بكثرة في الجرائد والصحف، والغاية منها الاختصار والتواصل بأقل ما يمكن من العناصر اللسانية.
وفي الختام، فقد لاحظنا أن اللغة العربية تمتلك جملة من الظواهر التي تعبر عن شجاعة هذه اللغة وعبقريتها، وإزاء كل هذه المزايا والخصائص في اللغة العربية ألا يجدر بنا أن نعتز بها ونحبها؟
أليس من حقها علينا أن نتذوقها ونستمتع بجمالياتها؟
فإن كنتَ تحب هذه اللغة حقّاً يجب عليك أن تتدانى منها وتتعلم فنونها وخصائصها بإخلاص،
ذلك أن معرفتك بخصائص اللغة العربية يعني احترامك لذاتك قبل اعتزازك بلغتك.
هوامش:
1- ابن جني: الخصائص، ج2، ص192.
2- انظر على سبيل المثال: تشومسكي 1995، ص87، والفاسي الفهري: اللسانيات واللغة العربية ص89.
3- تبين علامة الاستفهام أن الجملة (ب) ذات درجة دنيا من حيث المقبولية (acceptability).
4- للمزيد من التفاصيل حول مبدأ التعقيد المقولي ينظر: أحمد المتوكل: اللسانيات الوظيفية – مدخل نظري، ص162. وكذلك: الجملة المركبة في اللغة العربية، ص165.
5- عن هذا الضرب من القواعد، انظر: الفاسي الفهري، البناء الموازي، ص55.
6- لسان العرب، مادة (نحت).
7- تاج العروس، مادة (نحت).
8- مقاييس اللغة: ج1، ص328-329.
9- الدكتور نهاد الموسى: النحت في اللغة العربية، ص67.
10- حول مفهوم الدمج، انظر: الفاسي الفهري: البناء الموازي، ص93.
11- البخلاء، ص98.
12- ابن فارس: مقاييس اللغة، ج1، ص328-329.
د: محمد الغريسي / أستاذ وباحث في اللسانيات – المغرب