إعلانات المنتدى


كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ]
لتحميل الكتاب كامل
http://www.almeshkat.com/books/open.php?cat=6&book=2158


حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) شرح الكلمات
{ حم } : هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا : حم ويقرأ هكذا : حَامِيم .
{ تنزيل الكتاب } : أي تنزيل القرآن .
{ من الله العزيز الحكيم } : أي من لدن الله العزيز في ملكه الحكيم في صنعه .
{ إلا بالحق وأجل مسمَّى } : أي ما خلقنا السموات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق وبأجل مسمى لفنائهما .
{ عما أنذروا معرضون } : أي عن ما خوفوا به نم العذاب معرضون عنه غير ملتفتين إليه .
{ ما تدعون من دون الله } : أي من الأصنام والأوثان .
{ أروني ماذا خلقوا من الأرض } أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الأرض .
{ أم لهم شرك في السموات } : أي أم لهم شركة .
{ أئتوني بكتاب من قبل هذا } : أي منزل من قبل القرآن .
{ أو اثارة من علم } : أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام .
{ إن كنتم صادقين } : أي في دعواكم أن عبادة الأصنام والأوثان تقربكم من الله تعالى .
{ من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } : أي لا أحد أضل ممن يدعو من لا يستجيب له في شيء يطلبه منه أبداً .
{ وهم عن دعائهم غافلون } : أي وهم الأصنام أي عن دعاء المشركين إياهم غافلون لا يعرفون عنهم شيئاً .
{ وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء } : أي في يوم القيامة كانت الأصنام أعداء لعابديها .
{ وكانوا بعبادتهم كافرين } : أي وكانت الأصنام بعبادة المشركين لها جاحدة غير معترفة .
معنى الآيات
قوله تعالى { حم } الله أعلم بمراده به إذ هذه من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر معناه إلى الله منزلة . وقوله { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } ي تنزيل القرآن الكريم من لدن الله العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في صنعه وتدبيره . وقوله تعالى { ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما } من العوالم والمخلوقات { إلاّ بالحق } أي إلاّ لِحِكَمٍ عالية وليس من باب العبث واللعب ، وإلاّ بأجل مسمى عنده وهو وقت إفنائهما وانهاء وجودهما لاستكمال الحكمة من وجودهما . وقوله تعالى : { والذين كفروا عما انذروا معرضون } يخبر تعالى بأن الذين كفروا بتوحيد الله ولقائه وآياته ورسوله عما خوفوا به من عذاب الله المترتب على كفرهم وشركهم معرضون غير مبالين به ، وذلك لظلمة نفوسهم ، وقساوة قلوبهم . وقوله تعالى { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله } أي من الأصنام والأوثان { أروني ماذا خلقوا من الأرض } أي من شيء { أم لهم شرك في السموات } ولو أدنى شرك وأقله ، وقوله { ائتنوني بكتابٍ من قبل هذا أو أصارة من علم } أي بقية من علم تشهد بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الأرض وليس لها أدنى شرك في السموات { إن كنتم صادقين } في دعواكم أناه آلهة تستحق أن تُعبد ، وقوله تعالى { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } ينفي تعالى على علم تام أنه لا أضل من أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء وطر مهما كان صغيراً أبداً وحقا لا أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء يدعوه ويسأله حاجته وقوله { وهم عن جعائهم غافلون } أي وأولئك الأصنام المدعوون غافلون تماما عن داعيهم لا يعلمون عنه شيئا لعم الحياة فيهم ، ولو كانوا يوم القيامة يُنطقهم الله ويتبرءون ممن عبدوهم ويخبرون أنهم ما عبدوهم ولكن عبدوا الشيطان الذي زين لهم عبادتهم ، وهو ما دل عليه قوله تعالى { وإذا حشر الناس } أي ليوم القيامة كانوا لهم أعداء وخصوماً وكانوا بعبادتهم من دعاء وذبح ونذر وغيره كافرين أي جاحدين غير معترفين .
(4/66)

هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسول المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم .
2- انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السموات والأرض . وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله .
3- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد .
4- بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعو من لا يستجيب له أبداًَ كمن يدعون الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاع والتبرك .
(4/67)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) شرح الكلمات :
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } : أي أهل مكة من كفار قريش ، والآيات آيات القرآن والبينات الواضحات .
{ قال الذين كفروا للحق لما جاءهم } : أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ هذا سحر مبين } : أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاره لما رأوا من تأثيره على النفوس .
{ أم يقولون افتراه } : أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه .
{ قل إن افتريته } : أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي .
{ فلا تملكون لي من الله شيئاً } : أي فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا إن أراد أن يعذبني .
{ هو أعلم بنا تفيضون فيه } : أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن فيَّ وفي القرآن .
{ كفى به شهيداً بيني وبينكم } : أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم .
{ ما كنت بْيني وبينكم } : أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون .
{ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } : أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي ، أو أُقتل ، وهل تُرجمون بالحجارة أو يُخسف بكم .
{ إن أتبع إلا ما يوحى إليّ } : أي ما أتبع إلا ما يوحيه إليّ ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به .
{ وأما أنا إلا نذير مبين } : أي وما أنا إلا نذير لكم بين الأنذار .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامةوقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن دعوة لهم إلى الإِيمان والتوحيد قالوا ردّاًَ عليه ما أخبر به تعالى في قوله { وإذا تتلى عليهم } أي على كفار قريش { آياتنا بيّناتٍ } أي ظاهرات الدلالة واضحات المعاني { قال الذين كفروا } بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا { للحق } وهو القرآن { لما جاءهم هذا سحر مبين } بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في لانظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله { أم يقولون افتراه } أي بل أيقولون افتارهأي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه . وقوله تعالى { قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً } أي على فرض أنني افتريته على الله وقلت أوحيَ إليَّ ولم يُوحَ إليَّ وأراد الانتقام مني بتعذيبي ، فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني ، وعليه فكيف أُعرِّض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى ، فهذا لن يكون مني أبداً . وقوله تعالى { هو أعلم بما تفيضون فيه } أي الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون فيَّ وفي القرآن فتقولون فيَّ ساحر وفي القرآن سحر مبين وتقولون فيَّ مفترٍ وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائض { وفي به شهيدا بيني وبينكم } أي كفى بالله شهيدا عليَّ وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي لكا بما عمل { وهو الغفور الرحيم } لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب .
(4/68)

وقوله تعالى في الآية ( 9 ) { قل ما كنت بدعاً من الرسل } يأمر تعالى رسوله أن يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم { ما كنت بدعاً من الرسل } أي ما أنا بأول عبد نُبىء وأُرسل فأكون بدعاً في هذا الشأن فينكر عليَّ أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة . وقوله { وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم } أي وقل لهم أيضا أني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أُقتل أو تقبل دعوتي وأنصر ولا ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أُقتل { إن أتبع إلا ما يوحي إليَّ وما أنا إلاّ نذير مبين } أي ما أنا بالذي يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا ، ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربيّ إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه .
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) شرح الكلمات :
{ قل أرأيتم } : أي أخبروني ماذا تكون حالكم .
{ إن كان من عند الله } : أي إن كان القرآن من عند الله .
{ وكفرتم به } : أي وكذبتم به أي بالقرآن .
{ وشهد شاهد من بني إسرائيل } : أي وشهد عبدُ الله بن سلام .
{ على مثله فآمن } : أي عليه إنه من عند الله فآمن .
{ واستكبرتم } : أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين .
{ لو كان خيرا ما سبقونا إليه } : أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن خيرا ما سبقنا إليه المؤمنون .
{ وإذ لم يهتدوا به } : أي بالقرآن العظيم .
{ فسيقولون هذا إفك قديم } : أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الأولين .
{ وهذا كتاب مصدق } : أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته .
{ لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا } : أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين .
{ وبشرى للمحسنين } : وهو أي القرآن بُشرى لأهل الإِحسان في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم .
{ ثم استقاموا } : أي فلم يرتدوا واستمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات .
{ فلا خوف عليهم ولا يحزنون } : أي في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة .
{ بما كانوا يعملون } : أي جزاهم الله بما جزاهم به بنفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة وتركهم الأعمال الفاسدة .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في طلب هداية النبي صلى الله عليه وسلم من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين { أرأيتم } أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله . وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل وهو عبد الله بن سلام على مثله أي على التوراة أنها نزلت من عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سِيَّمَا والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضاً ، بدلالتهما معاً على أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد . { فآمن } هذا الشاهد { واستكبرتم } أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإِيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن الله لا يهدي القوم الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإِلهية وقوله تعالى في الآية ( 11 ) { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه } هذا القول جائز أن يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها . وجائز أن يقوله المشركون في مكة وفي غيرها من العرب إذ المقصود هو الاعتذار عن عدم قبول الإِسلام بحجة انه لا فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ولا خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادسة لاعتنقوه ودخلوا فيه ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين .
(4/70)

وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قوله { وقال الذين كفروا للذين آمنوا } أي في شأن الذين قالوا لو كان الإِسلام خيراً ما سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا . وقوله تعالى { وإذ لم يهتدوا به لسيقولون هذا إفك قديم } أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم فعموا فلم يهتدوا بالقرآن فسيقولون { هذا إفك قديم } وقد قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد وعثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا القول وما أقبحه وأقبح قائله .
وقوله تعالى { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة } أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزالنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين . وهو ما دل عليه قوله هذا كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم لينذر به الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذاب الله المترتب على تدسية النفوس بأوضار الشرك والمعاصي وهو بُشرى للمحسنين من المؤمنين الذي احسنوا النية والعمل بالفوز العظيم يوم القيامة وهو النجاة من النار ودخول الجنة وقوله تعالى { إن الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا } بعد أن ذكر تعالى المبطلين وباطلهم عقّب على ذلك بذكر المحسنين وأعمالهم على نهج الترهيب والترغيب فأخبر تعالى أن الذين قالوا ربنا الله أي آمنوا وصرحوا بإِيمانهم وجاهروا به ثم استقاموا على منهج لا إله إلا الله فعبدوا الله بما شرع وتركوا عبادة غيره حتى ماتوا على ذلك هؤلاءَ يخبر تعالى عنهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة فهم آمنون في الحيوات الثلاث ، وبشرهم بالجنة فأخبر أنهم أصحابه الخالدون فيها ، وأشار إلى أن ذلك الفوز والبشرى كانا نتيجة أعمالهم في الدنيا من الإِيمان والعمل الصالح الذين دل عليها قوله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- اعتبار الشهادة وانها أدة يتوصل بها إلى احقاق الحق وابطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي اجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا .
2- تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه ، إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم .
3- بيان تآخي وتلاقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للآخر أثبتت صحته .
4- وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر .
5- فضل الاستقامة حتى انها خير من ألف كرامة ، والاستقامة هي التمسك بالإِيمان العبادة كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة .
(4/71)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) شرح الكلمات :
{ ووصينا الانسان بوالديه } : أي أمرناه أمراً أمراً مؤكداً بالإِيصاء .
{ إحسانا } : أي أن يُحسن بهما إحسانا وهو المعاملة بالحسنى .
{ حملته أُمه كُرها ووضعته كرها } : أي حملته أثناء حمله في بطنها على مشقة وولدته كذلك على مشقة .
{ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } : أي مدة حمله في بطنها وفطامه من الرضاع ثلاثون شهرا .
{ حتى إذا بلغ أشده } : أي اكتمال قوته البدنّية العقلية وهي من الثلاث والثلاثين فما فوق .
{ رب أوزعني أن أشكرك نعمتك } : أي ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك بصرفها فيما تحب .
{ وأن أعمل صالحا ترضاه } : أي وبأن أعمل صالحا ترضاه مني أي تتقبله عني .
{ ونتجاوز عن سيئاتهم } : أي فلا نؤاخذهم بها بل نغفرها .
{ في أصحاب الجنة } : أي في جملة أصحاب الجنة وعدادهم .
{ وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } : أي في مثل قوله تعالى وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار الآية .
معنى الآيات :
إن الفرد كالجماعة فقد أوصى تعالى الإِنسان بالإِحسان بوالديه وببرهما في جميع كتبه وعلى ألسنة كافة رسله ، ولإِنسان بعد ذلك قد يحسن ويبرُّ وقد يسيء وعُقُّ ، فكذلك الجماعة والأمة من الناس يرسل إليهم الرسول فمنهم من يؤمن ومنهم من يكذب ، ومنهم من يتابع ومنهم من يخالف فلما ذكر تعالى اختلاف قوم النبي صلى الله عليه وسلم في الإِيمان بما جاء به ، والكفر به ذكر أن هذه حال الإِنسان فقال تعالى { ووصينا الإِنسان } أي جنس الإِنسان أي أمرناه بما هو آكد من الأمر وهو الوصيّة بوالديه أي أمه وأبيه إحسانا بمهما وذلك بكف الأذى عنهما وإيصال الخير بهما وطاعتهما في المعروف وببرهما أيضا بعد موتهما . فمن الناس من ينفذ هذه الوصية ومنهم من يهملها ولا ينفذها وقوله ، حملته أمه كرها ووضعته كرها بيان لوجوب الإِحسان بهما وبرهما إذ معاناة الأُم وتحملها مشقة الحمل تسعة أشهر ومشقة الوضع وهي مشقة لا يعرفها إلا من قاسى آلامها كالأمهات . وقوله { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } بيان لمدة تحمل المشقة إنها ثلاثون شهرا بعضها للحمل وبعضها للإِرضاع والتربية وقوله تعالى حتى إذا بلغ أي عاش حتى إذا بلغ أشده أي اكتمال قواه البدنية والعقلية وذلك من ثلاث وثلاثين سنة إلى الأربعين وبلغ أربعين سنة قال أي الإِنسان البار بوالديه المنفذ للوصية الإِلهية كأبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ بلغ الأربعين من عمره بعد البعثة المحمدية بسنتين . { قال ربّ أوزعني أن أشكرك نعمتك التي أنعمت عليَّ } وهي نعمة الإِيمان والتوحيد والإِسلام عليّ وعلى والديَّ إذ آمن وآمن أبواه أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي وآمنت أمه أم الخير سلمى ، وأولاده عامة من بنين وبنات ولم يحصل لأحد من الصحاابه أن سأل ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لأن يشكر نعمة الله عليه وعلي والديه بالإِسلام ، وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله ويتقبله عن صاحبه ، وقد استجاب له ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لأن يشكر نعمة الله عليه وعلي والديه بالإِسلام ، وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله ويتقبله عن صاحبه ، وقد استجاب الله تعالى له فآمن أولاده أجمعون ذكورا إناثا ، وقوله { إني تبت إليك وإني من المسلمين } هذا توسل منه رضي الله وهو الخضوع لله والانقياد لأمره ونهيه .
(4/72)

وقوله تعالى { أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم } فلا يؤاخذهم بها بعد توبتهم منها في جملة أصحاب الجنة إذ لا يدخل الجنة أحد إلا بعد مغفرة ذنبه ، وقوله { وعد الصدق } أي أنجز لهم هذا لأنه وعد صدق وعدهم فأنجزه لهم ، وقوله { الذي كانوا يوعدون } أي في الكتاب مثل قوله تعالى { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } الآية .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب البر بالوالدين بطاعتهما في المعروف والإِحسان بهما بعد كف الأذى عنهما .
2- الإشارة إلى أن مدة الحمل قد تكون ستة أشهر فأكثر ، وأن الرضاع قد يكون حولين فأقل .
3- جواز التوسل بالتوبة إلى الله والانقياد له بالطاعة .
4- فضيلة آل أبي بكر الصديق على غيرهم من سائر الصحابة ما عدا آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5- بشارة الصديق وأسرته بالجنة ، إذ آمنوا كلهم وأسلموا أجمعين وماتوا على ذلك .
(4/73)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) شرح الكلمات
{ والذي قال لوالديه } : الذي اسم موصول استعمل استعمال الجنس فدل على متعد بدليل الخبر عنه وهو أولئك الذين حق عليهم القول .
{ إفٍ لكما } : أي نتناً وقبحاً لكما .
{ أن أخرج } : أي من القبر حيا بعد موتي .
{ وقد خلت القرون } : أي مضت الأمم قبلي ولم يخرج منها أحد من قبره .
{ وهما يستغيثان الله } : أي يطلبان الغوث برجوع ولدهما إلى الإِيمان بعد الإِلحاد والكفر .
{ ويلك آمن } : أي يقولان له إن لم ترجع ويلك أي هلاكك أي هلكت آمن بالبعث .
{ إن وعد الله حق } : وقد وعد العباد بارجوع إليه ومحاسبتهم على أعمالهم ومجازاتهم بها .
{ فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين } : أي ما القول بوجود بعث للناس أحياء بعد الموت إلا أكاذيب الأولين .
{ أولئك الذين حق عليهم القول } : أي وجبت عليهم القول بالعذاب يوم القيامة .
{ في أمم قد خلت من قبلهم } : أي في جملة أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإِنس .
{ ولكل درجات مما عملوا } : أي ولكل من المؤمنين البارين ، والكافرين الفاجرين درجات مما عملوا درجات المؤمنين في الجنة ودرجات الكفار في النار .
{ أذهبتم طيباتكم في حياتكم } : أي يقال لهم أذهبتم طيباتكم باشتغالكم بملذاتكم في الدنيا .
{ واستمتعتم بها } : أي تمتعتم بها في الحياة الدنيا .
{ فاليوم تجزون عذاب الهون } : أي جزاؤكم عذاب الهوان .
{ بما كنتم تستكبرون في الأرض } : أي تتكبرون في الأرض .
{ بغير الحق } : أي إذ لا حق لكم في الكبر والكبرياء لله ، ولم يأذن لكم فيه .
{ وبما كنتم تفسقون } : أي تخرجون عن طاعة الله ورسوله .
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى الرجل المؤمن وأعماله الصالحة ومواقفه المشرفة ذكر هنا الرجل الكافر وأعماله الباطلة ومواقفه السيئة وذلك من باب الدعوة إليه تعالى بالترغيب والترهيب فقال تعالى { والذي قال لوالديه أفٍ لكما أتعدانني أن اخرج وقد خلت القرون من قبلي } يخبر تعالى عن أخبث إنسان هو ذاك الملحد العاق لوالديه المنكر للبعث والجزاء إذ قال لوالديه أُمه وأبيه أُف لكما أي نتناً وقبحا لكما أتعدانني بأن أخرج من قبري حياً بعد ما مت ، وقد مضت أُمم وشعوب قبلي ، وما خرج منها أحد من قبره فكيف تعدانني أنتما ذلك إن هذا لتخلف عقلي وتأخر حضاري وقوله تعالى { وهما يستغيثان الله } أي ووالداه يستغيثان الله ويستصرخانه طلبا إغاثتهما بهداية ولدهما الملحد الشيوعي ، ويقولان للولد ويلك أي هلاكك حضر يا ولد هلكت آمن بالعبث والجزاء وصلِّ وصُم واترك الزنا والخمر ويلك إن وعد الله حق أي إن ما وعد الله به عباده من إحيائهم للحشر والحساب والجزاء حق فلا يتخلف أبد فيرد عليهما الولد الملحد الدّهريُّ بما أخبر تعالى به عنه في قوله فيقول { ما هذا إلا أساطير الأولين } أي أكاذيبهم التي كانوا يعيشون عليها ويقصونها في مجالسهم ، وبما أن الذي قال لوالديه لفظه مفرد ولكنه دال على جنس كان الخبر جمعا فقال تعالى في الإِخبار عنهم { أولئك الذين حق عليهم القول } أي القول بالعذاب الدال عليه قوله تعالى
(4/74)

{ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } ، وفي قوله { في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإِنس } أي في جملة أمم سبقتهم في الإِلحاد والكفر من العالمين عالم الجن وعالم الإِنس وقوله { إنهم كانوا خاسرين } وأي خسران أعظم من عبد يخسر نفسه وأهله ويعش في جهنم خالدا فيها أبدا . وقوله تعالى { ولكل درجات مما عملوا } أي ولكل من المؤمنين البارين والكافرين العاقين درجات مما عملوا من خير أو شر إلا أن درجات المؤمنين في الجنة تذهب في عُلو متزايد ودرجات الكافرين في النار تذهب في سفل متزايد إلى أسفل سافلين وقوله تعالى { وليوفيهم أعمالهم } كاملة غير منقوصة الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها وهم لا يظلمون بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة . وقوله تعالى { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين يوم يعرضون على النار ويقال لهم في توبيخ وتقريع { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } أي باقبالكم على الشهوات والملآذ ناسين الدار الآخرة فاستمتعم بكل الطيبات ولم تبقوا للآخرة شيئا { فاليوم تجزون عذاب الهون } أي الهوان { بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق } إذ لا حق لكم في الكبر لضعفكم وعجزكم إنما الكبرياء لله الملك الحق أما أنتم فقد ظلمتم باستكباركم عن الإِيمان بربكم ولقائه وعن طاعته { وبما كنتم تفسقون } أي وبفسقكم عن طاعة ربكم وطاعة رسوله . إذاً فادخلوا جهنم داخرين .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- حرمة عقوق الوالدين وأنها من الكبائر .
2- بيان حنان الوالدين وحبهما لولدهما وبذلك كل ما يقدران عليه من أجل إسعاده وهدايته .
3- التحذير من الانغماس في الملاذ والشهوات والاستمتاع .
4- التحذير من الكبر والفسق وأن الكبر من أعمال القلوب والفسق من أعمال الجوارح .
5- مدى فهم السلف الصالح لهذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها .
1 ) قرأ يزيد حتى بلغ { وبما كنتم تفسقون } ثم قال تعلمون والله إن أقواما يسترطون حسناتهم استبقى رجل طيباته إن استطاع ولا قوة إلا بالله .
2 ) روى أن عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت لكنت أطيبكم طعام وألينكم لباسا ، ولكن استبقي طيباتي .
وذُكِر أنه لمّا قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله ، قال هذا لنا لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا لا يشبعون من خبر الشعير؟ فقال له خالد بن الوليد لهم الجنة ، فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه وقال لئن كان حظنا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا وبنا بعيدا .
(4/75)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) شرح الكلمات :
{ واذكر أخا عاد } : أي نبي الله هودا عليه السلام .
{ إذ أنذر قومه بالأحقاف } : أي خوف قومه عذاب الله بوادي الأحقاف .
{ وقد خلت النذر } : أي مضت الرسل .
{ من بين يديه ومن خلفه } : أي من قبله ومن بعده إلى أُممهم .
{ ألا تعبدون إلا الله } : أي أنذروهم بأن لا يعبدوا إلا الله .
{ إني أخاف عليكم } : أي إن عبدتم غير الله .
{ عذاب يوم عظيم } : أي هائل بسبب شرككم بالله وكفركم برسالتي .
{ أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا } : أي لتصرفنا عن عبادتها .
{ فأتنا بما تعدنا } : أي من العذاب على عبادتها .
{ إن كنت من الصادقين } : أي في انه يأتينا قطعا كما تقول .
{ قال إنما العلم عند الله } : أي علم مجيء العذاب ليس لي وإنما هو لله وحده .
{ وأبلغكم ما أرسلت به إليكم } : أي وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلني به ربي إليكم .
{ ولكني أراكم قوما تجهلون } : أي حظوظ أنفسكم وما ينبغي لها من الإِسعاد والكمال وإلاّ كيف تستعجلون العذاب مطالبين به .
{ فلما رأوه عارضا } : أي رأوا العذاب سحابا يعرض في الأفق .
{ مستقبل أوديتهم } : أي متجها نحو أودتيهم التي فيها مزارعهم .
{ قالوا هذا عارض ممطرنا } : قالو مشيرين إلى السَّحاب هذا عارض ممطرنا .
{ بل هو ما استعجلتم به } : أي ليس هو بالعارض الممطر بل العذاب الذي استعجلتموه .
{ ريح تدمر كل شيء } : أي ريح عاتية تهلك كل شيء تمر به .
{ بأمر ربها } : أي بإِذن ربها تعالى .
{ فأصبحوا لا يرى إلاّ مساكنهم } : أي أهلكتمهم عن آخرهم فلم يبق إلا مساكنهم .
{ كذلك نجزي القوم المجرمين } : أي كذلك الجزاء الذي جازينا به عاداً قوم هود وهو الهلاك الشامل نجزي المجرمين من سائر الأمم .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { واذكر } أي لقومك للعبرة والاتعاظ { أخا عاد } وهو هود عليه السلام والأخوة هنا أخوة نسب لا دين . اذكره { إذ أنذر قومه بالأحقاف } أذ خوفهم عذاب الله إن لم يتوبوا إلى الله ويوحدوه ، والآحقاف وادي القوم الذي به مزارعهم ومنازلهم وهو ما بين حضرموت ومهرت وعُمان جنوب الجزيرة العربية . وقوله { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده في أممهم . أي لم يكن هود أول نذير ، ولا أمته أول أمة انذرت العذاب وقوله { ألاَّ تعبدوا إلا الله } أي كل رسول أنذر أمته عاقبة الشرك فأمرهم أن لا يعبدوا إلا الله ، وهو معنى لا إله إلا الله التي دعا إليها محمد صلى الله عليه وسلم أمته فهي أمر بعبادة الله وترك الشرك فيها ، وقوله { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } يوم هائل عظيم وهو يوم القيامة ، فكان رد القوم ما أخبر تعالى به في قوله { قالوا أجئتنا لتأفكنا } أي تصرفنا عن عبادة آلهتنا { فأتنا بما تعدنا } أي من العذاب { إن كنت من الصادقين } فيما توعدنا به وتهددنا ، فأجابهم هود عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه بقوله { قال } أي هود { إنما العلم عند الله } أي علم مجيء العذاب وتحديد وقته هذا ليس لي وإنما هو لله منزله ، فمهتمي أن أنذركم العذاب قبل حلوله بكم وابلغكم ما أرسلت به إليكم من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والمعاصي ، { ولكني أراكم قوما تجهلون } أي بما يضركم وما ينفعكم في الدنيا والآخرة وإلا كيف تستعجلون العذاب وتطالبون به إذ المفروض أن تطلبوا الرحمة والسعادة لا العذاب والشقاء قوله تعالى { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم } أي فلما رأى قوم هود العذاب متجها نحو أوديتهم التي بها مزارعهم ومنازلهم { قالوا هذا عارض ممطرنا } أي هذا سحاب يعرض في السماء ذاهباً صوب وادينا ليسقينا ، وهو معنى قوله { هذا عارض ممطرنا } أي ممطر أراضينا المصابة بالجفاف الشديد .
(4/76)

قال تعالى { بل هو ما استعجلتم به } أي ليس بالسحاب الممطر بل هو العذا بالذي طالبتم به لجهلكم وخفة أحلامكم . وبيّنه بقوله { ريح فيها عذاب أليم } أي تحمل في ثناياها العذاب الموجع ، تدمر كل شيء تمر به فتهلكه { بأمر ربها } أي بإِذنه وقد أتت عليهم عن آخرهم ولم ينج إلا هود والذين آمنوا معه برحمة من الله خاصة ، { فأصحبوا لا يرى إلا مساكنهم } أي لا يرى الرائي إذ نظر إليهم إلاّ مساكنهم خالية ما بها أحد . قال تعالى { وكذلك نجزي القوم المجرمين } أي كهذا الجزاء بالدمار والهلاك نجزي المجرمين أي المفسدين أنفسهم بالشرك والمعاصي .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان سنة الله في الأمم في إراسل الرسل إليهم .
2- وبيان مهمة الرسل وهي النذارة والبلاغ .
3- بيان سفه وجهل الأمم التي تطالب بالعذاب وتستعجل به .
4- بيان أن عاداً أهلكت بالريح الدَّبور ، وأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نُصر بريح الصبا كما في الحديث الصحيح .
5- بيان سنة الله تعالى في إهلاك المجرمين وهم الذين يصرون على الشرك والمعاصي .
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28) شرح الكلمات :
{ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } : أي ولقد مكنا قوم عاد من القوة التي لم نمكنكم أنتم من مثلها .
{ وجعلنا لهم سمعا وأبصاراً } : وجعلنا لهم أسماعاً وأبصاراً .
{ فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء } : أي من الإِغناء .
{ إذ كانوا يجحدون بآيات الله } : أي لعلة هي أنهم كانوا يجحدون بآيات الله وهي حججه البيّنة .
{ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } : أي نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به .
{ ولقد أهلكنا ما حولكم من } : أي من أهل القرى كعاد وثمود وقوم لوط القرى وأصحاب مدين .
{ وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون } : أي كررنا الحجج وضربنا الأمثال ونوعنا الأساليب لعلهم يرجععون إلى الحق فيؤمنون ويوحدون .
{ فلولا نصرهم الذين اتخذوا من : أي فهلا نصرهم بدفع العذاب عنهم الذين من دون الله قربانا آلهة } من دون الله آلهة يتقربون بهم إلى الله في زعمهم .
{ بل ضلوا عنهم } : أي غابوا عنهم عند نزول العذاب .
{ وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } : أي خذلان آلهتهم لهم وعدم نصرته لهم بل غيابهم عنهم هو إفكهم وافتراؤهم الذي كانوا يفترونه .
معنى الآيات :
ما زال السياق في مطلب هداية قريش انه لما قص تعالى عليهم قصة عاد وتجلت فيها عظات كثيرة وعبرة كبيرة قال لهم { ولقد مكناهم } أي قوم عاد مكناهم في الأرض فأعطيناهم من مظاهر القوة المادية { فيما إن مكناكم فيه } أنتم يا معشر كفار قريش وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة أي قلوباً فيما إنى عنهم سمعهم أي أسماعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء من الإِغناء إذ كانوا يجحدون بآيات الله أي بحججه وبيّناته الدالة على وجوب توحيده وحاق أي نزل بهم العذاب الذي كانوا إذا خوفوا به وأنذروا استهزأوا وسخروا وقوله تعالى { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين قوله { وصرفنا الآيات } أي وكررنا الحجج وضربنا الأمثال ونوعنا العظات والعبر لعلهم يرجعون إلى الحق الذي انصرفوا عنه وهو التوحيد والاستقامة فأبوا إلاّ الإِصرار على الشرك والباطل فأهلكناهم . فلولا أي فهلا نصرهم الذين اتخذوهم من دون الله قرباناً آلهة يتقربون بها إلى الله في زعمهم والجواب ما نصروهم بل ضلوا عنهم أي غابوا فلم يعثروا عليهم بالكلية . قال تعالى { وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } أي ذلك الذي تم لهم من الخذلان والعذاب هو إفكهم أي كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يعيشون عليه قبل هلاكهم .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان أن الإِعراض عن دين الله والإِصرار على الفسق عن أمر الله ، والاستمرار على الخروج على طاعته إذ استوجب صاحبه العذاب ونزل به لم يغن عنه ذكاؤه ولا دهاؤه ولا علمه وحضارته ولا علوه وتطاوله .
2- بيان أن الآيات والحجج وضرب الأمثال وسوق العبر والعظات لا تنفع في هداية العبد ، إذا لم يرد الله هدايته { إن الله لا يهدي من يضل } ويحيق به العذاب ويهلكه جزاء تكذيبه وكفره وإعراضه وفسقه .
3- بيان غياب الشركاء من الأنداد التي كانت تعبد عن عابديها فضلا عن نصرتها لهم وذلك الخذلان هو جزاء كذبهم وافترائهم في الحياة الدنيا .
(4/78)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) شرح الكلمات :
{ وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن } : أي واذكر إذ أملنا إليك نفراً من الجن جن نصيبين أو نينوي .
{ فلما حضروه قالوا انصتوا } : أي حضروا سماع القرآن قالوا أي بعضهم لبعض أصغوا لاستماع القرآن .
{ فلما قضي ولّوا إلى قومهم منذرين } : أي فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم مخوفين لهم من العذاب .
{ مصدقا لما بين يديه } : أي من الكبت السابقة كالتوراة والانجيل والزبور وغيرها .
{ يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } : أي من العقائد في الشرئع والاسلام .
{ ويجركم من عذاب أليم } : أي ويحفظكم هو عذاب يوم القيامة .
{ فليس بمعجز في الأرض } : أي فليس بمعجز الله هرباً منه فيفوته .
{ أولئك في ضلال مبين } : أي الذين لا يجيبوا داعي الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإِيمان .
: أي في ضلال عن طريق الإِسعاد والكمال ظاهر بيّن .
معنى الآيات :
ما زال السياق في طلب هداية قوم النبي صلى الله عليه وسلم إنه بعد أن ذكرهم بعاد وما أصابهم من دمار وهلاك نتيجة شركها وكفرها وإصرارها على ذلك فقال تعالى { واذكر أخا عاد } إلى آخر الآيات ذكرهم هنا بما هو تقريع له وتوبيخ إذ أراهم أن الجن خير منهم لسرعة استجابتهم للدعوة والقيام بتبليغها فقال تعالى { وإذ صرفا إليك نفراً من الجن } أي اذكر لقومك من كفار مكة وغيرها إذ صرفنا إليك نفراً من الجن وهم عد ما بين السبعة إلى التسعة من جن نصيبين وكانوا من أشراف الجن وسادتهم صرفناهم إليك أي أملناهم إليك وأنت تقرأ في صلاة الصبح ببطن نخلة بين مكة والطائف صرفناهم إليك يستمعون القرآن فلما حرضوه قالوا أنصتوا أي أصغوا واستمعوا ولا تشوشوا ، قاله بعضهم لبعض ، فلما قضي أي القرآن فرغ منه ، ولّوا إلى قومهم أي رجعوا إلى قومهم من الجن بنصيبين ونينوي منذرين إياهم أي مخوفينهم من عذاب الله إذا استمروا على الشرك والمعاصي فماذا قالوا لهم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أُنزل من بعد موسى وهو القرآن مصدقا لما بين يديه أي من الكتب الإِلهية التي سبق نزلوها كصحف ابراهيم والتوراة والزبور والإنجيل ، ووصفوا القرآن بما يلي يهدي إلى الحق والصواب في كل شيء اختلف فيه الناس من العقائد والديانات والأحكام ، ويهدي إلى صراط مستقيم أي طريق قاصد غير جور ألا وهو الإِسلام ين الأنبياء عامة .
وقالوا مبلغين منذرين { يا قومنا أجيبوا داعي الله } وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم { وآمنوا به } أجيبوه إلى ما يدعو إليه من توحيد الله وطاعته وآمنوا بعموم رسالته وبكل ما جاء به من الهدى ودين الحق ويكون جزاؤكم على ذلك أن { يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } أي يغفر لكم الذنوب التي بينكم وبين الله تعالى بسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها ، وأما الذنوب التي بينكم وبين بعضكم بعضاً فإِنها لا تغفر إلا من قِبل المظلوم نفسه باستسماحه أو ردِّ الحق إليه ، وقوله ويجركم من عذاب أليم أي ويحفظكم منقذاً لكم من عذاب أليم أي ذي ألمٍ موجع وهو عذاب النار ، ثم قالوا : { ومن لا يجب داعي الله } أي لم يستجب لنداء محمد فيؤمن به ويوحد الله تعالى فليس بمعجز في الأرض أي لله بل الله غالب على أمره ومهما حاول الهرب فإِن الله مدركه لا محالة { وليس له من دون الله أولياء } يتولون أمره ولا أنصار ينصرونه .
(4/79)

قال تعالى { أولئك } أي المذكورون في هذا السياق ممن لم يجيبوا داعي الله محمد صلى الله عليه وسلم { في ضلال مبين } أي في عمى وغواية بين أمرهم واضح لا يستره شيء .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- إثبات عالم الجن وتقريره في هذا السياق ولذا كان إنكار الجن كإِنكار الملائكة كفراً .
2- وجوب التأدب عند تلاوة القرآن بالإِصغاء التام .
3- وجوب البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث بلغو عني ولو آية .
4- الإِعراض عن دين الله يوجب الخذلان والحرمان .
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) شرح الكلمات :
{ ولم يعيى بخلقهن } : أي لم يتعب ولم ينصب لخلق السموات والأرض .
{ بقادر على أن يحييى الموتى بلى } : أي انه قادر على إحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم للحشر .
{ ويوم يعرض الذين كفروا على النار } : أي ليعذبوا فيها .
{ أليس هذا بالحق } : أي يقال له تقريعاً : أليس هذا أي العذاب بحق؟ .
{ قالوا بلى وربنا } : أي انه لحق وربنا حلفوا بالله تأكيداً لخبرهم .
{ فاصبر } : أي يا رسولنا محمد على أذى قومك .
{ أولوا العزم } : أي أصحاب الحزم والصبر والعزم وهم نوح ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم وهم أصحاب الشرائع .
{ ولا تستعجل لهم } : أي ولا تستعجل نزول العذاب لأجلهم .
{ كأنهم يوم يرون العذاب } : أي في الآخرة .
{ لم يلبثوا إلا ساعة } : أي لم يقيموا في الدنيا إلا ساعة من نهار وذلك لطول العذاب .
{ بلاغ } : أي هذا القرآن بلاغ للناس أي تبليغ لهم .
{ هل يهلك إلا القوم الفاسقون } : أي ما يهلك إلا القوم التاركون لأمر الله المعرضون عنه الخارجون عن طاعته .
معنى الآيات :
ما زال السياق في مطلب هداية قريش الكافرة بالتوحيد المكذبة بالبعث والنبوة فقال تعالى { أو لم يروا } أي أعمُوا { أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض } إنشاءًا وإِبداعا من غير مثال سابق { ولم يعي } أي ينصب ويتعب { بخلقهن } أي السموات والأرض بقادر على أن يحييى الموتى لحشرهم إليه ومحاسبتهم ومجازاتهم بحسب أعمالهم في الدنيا الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها { بلى إنه على كل شيء قدير } وقوله تعالى { ويوم يعرض الذين كفرو على النار } لما أثبت البعث وقرره ذكر بعض ما يكون فيه فقال ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي تعرضهم الزبانية على النار فيقولون لهم تقريعاً وتوبيخاً { أليس هذا بالحق؟ } أي أليس هذا التعذيب بحق؟ فيقولون مقسمين على ثبوته بما أخبر تعالى عنهم في قوله : { قالوا بلى وربنا } فلما اعترفوا قيل لهم { فذوقوا العذاب ما كنتم تكفرون } أي بسبب كفركم أي جحودكم لتوحيد الله ولقائه . قم أمر تعالى رسوله أن يتدرَّع بالصبر وأن يتمثل صبر أولي العزم ليكون أقوى منهم صبراً كما هو أعلى منهم درجة فقال له فاصبر يا رسولنا لى ما تلاقي من أذى قومك من تكذيب وأذى فاثبت لذلك كما ثبت أولوا العزم من قبلك ، والظاهر انهم المذكورون في قوله تعالى في سورة الأحزاب { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم } ، ومن الجائز أن يكون عدد أولي العزم أكثر من مما ذُكر وقوله تعالى { ولا تستعجل لهم } لما أمره بالصبر نهاه عن استعجال العذاب لقومه فقال فاصبر ولا تستعجل العذاب لهم . { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } تعليل لعدم استعجال العذاب لأنه قريب جداً حتى إنهم يوم ينزل بهم ويرونه كأنهم لم يلبثوا في الدنيا على طول الحياة فيها إلا ساعة من نهار وقوله تعالى { بلاغ } أي هذا القرآن وما حواه من تعليم وبيان للهدى تبليغ للناس وقوله { فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } ينفي تعالى هلاك غير الفاسقين عن أوامره الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(4/81)

هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء .
2- الكفر هو الموجب للناس والكفر هو تكذيب بوجود الله تعالى وهو الإِلحاد أو تكذيب بلقائه تعالى أو بآياته أو رسله ، أو شرائعه بعضا أو كُلاًّ .
3- وجوب الصبر على الطاعات فعلا ، وعن المعاصي تركا ، وعلى البلاء بعدم التّضجُّروا والسّخط .
4- اطلاق الفسق على الكفر باعتباره خروجا عن طاعة الله فيما يأمر به من العقائد والعبادات وينهى عنه من الشرك والمعاصي .
(4/82)

 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

تفسير سورة محمد

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) شرح الكلمات :
{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } : أي كفروا بتوحيد الله ولقائه وبآياته ورسوله وصدوا غيرهم عن الدخول في الإِسلام .
{ أضل أعمالهم } : أي أحبط أعمالهم الخيرية كإِطعام الطعام وصلة الأرحام فلا يرى لها أَثَرُ يوم القيامة .
{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } : أي آمنوا بالله وآياته ورسوله ولقائه وأدوا الفرائض وجتنبوا النواهي .
{ وآمنوا بما نزل على محمد } : أي بالقرآن الكريم .
{ كفر عن سيئاتهم } : أي محا عنه ذنوبهم وغفرها لهم .
{ وأصلح بالهم } : أي شأنهم وحالهم فهم لا يعصون الله تعالى .
{ ذلك } : أي اضلال أعمال الكافرين وتكفير سيئات المؤمنين .
{ بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل } : أي الشيطان في كل ما يمليه عليهم ويزينه لهم من الكفر .
والشرك والمعاصي .
{ وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم } : أي التوحيد والعمل الصالح .
{ كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } : أي كما بيّن تعالى حال الكافرين ، وحال المؤمنين في هذه الآية يبين للناس أمثالهم ليعتبروا .
معنى الآيات :
قوله تعالى { الذين كفرا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } هذه جملة خبريّة أخبر تعالى فيها عن حال من كفر بالله ورسوله وصد عن سبيل الله أي الإِسلام غيره من الناس أضل الله عمله فأحبطه فلم يحصل له ثواب في الآخرة ، ولازمه انه هالك في النار ، وتكون هذه الجملة كأنها جواب السؤال نشأ عن قوله تعالى في خاتمة سورة الأحقاف قبل هذه السورة وهي فهل يُهلك إلاّ القوم الفاسقون أي ما يهلك إلاّ القوم الفاسقون فقال قائل من هم القوم الفاسقون؟ فكان الجواب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وهو وجه ارتباط بين السورتين حسن . هذا وقوله تعالى { والذين آمنوا } أي بالله ورسوله وآياته ولقائه وعملوا الصالحات أي أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا البيت الحرام ووصلوا الأرحام وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، ولو بالاستعداد للقيام بذلك إذ بعض هذه الصالحات لم يشرع بعد وآمنا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة لأنها وحي إلهي يتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحيح الحيث [ ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه } وقوله تعالى { وهو الحق من ربهم } أي القرآن لأنه ناسخ للكتب قبله ولا ينسخ بكتاب بعده . فهو الحق الثابت الباقي إلى نهاية الحياة . وقوله { كفّر عنهم سيئاتهم } أي محا عنهم ذنوبهم وأصلح بالهم أي شأنهم وحالهم فلم يفسدوا بعد بشرك ولا كفر هذ جزاؤهم على إيمانهم وصالح أعمالهم . وقوله تعالى { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل } وهو الشيطان وما يزينه من أعمال الشرك والشر والفساد ، { وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم } وهو القرآن وما جاء به ودعا إليه من العقائد الصحيحة والعبادات المزكية للنفس المهذبة للأرواح .
(4/83)

أي ذلك الجزاء للذين كفرروا والذين آمنوا بسبب أن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم . وقوله تعالى { كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } أي مثل هذا التبيين لحال الكفرين وحال المؤمنين في هذه الآيات يبّين الله للناس أمثالهم أي أحوالهم بالخسران والنجاح ليعتبروا فيسلكوا سبيل النجاح ، ويتجنبوا سبيل الخسران ، فضلا منه تعالى .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان طريقي الفلاح والخسران فطريق الفلاح الإِيمان والعمل الصالح وطريق الخسران الشرك والمعاصي .
2- بيان أن أعمال البر مع الكفر والشرك لا تنفع صاحبها يوم القيامة ولا تشفع له وقد يثاب عليها في الدنيا فيبارك الله في ماله وولده .
3- بيان الحكمة في ضرب الأمثال وهي هداية الناس إلى ما يُفلحون به ، فينجون من النار ويدخلون الجنة .
(4/84)

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) شرح الكلمات :
{ فإذا لقيتم الذين كفروا } : أي إذا كان الأمر كما ذُكر فإِذا لقيتم الذين كفروا في ساحة المعركة فاضربوا رقابهم ضرباً شديداً تفصلون فيه الرقاب عن الأبدان .
{ حتى إذا أثخنتموهم } : أي أكثرتم فيهم القتل ولم يصبح لهم أمل في الانتصار عليكم .
{ فشدوا الوثاق } : أي فأسروهم بدل قتلهم وشدوا الوثاق أي ما يوثق به الأسير من إسار قِدّاً كان أو حبلا حتى لا يتفلتوا ويهربوا .
{ فإِما مناً بعد وإما فداء } : أي عبد أسركم لهم وشد وثاقهم فإِما أن تمنوا منّا أي تفكوهم من الأسر مجاناً ، وإما تفادونهم بمال أو أسير مسلم ، وهذا بعد نهاية المعركة .
{ حتى تضع الحرب أوزارها } : أي واصلوا القتال والأخذ والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها وهي آلاتها وذلك عند إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم فهذه غاية انتهاء الحارب حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
{ ذلك } : أي الأمر ذلك الذي علمتم من استمرار القتال إلى غاية إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم وذمتكم .
{ ولو يشاء الله لانتصر منهم } : أي بغير قتال منكم كأن يخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوباء ونحوه .
{ ولكن ليبلو بعضكم ببعض } : ولكن أمركم بالقتال وشرعه لكم لحكمة هي أن يبلو بعضكم ببعض أي يختبركم من يقاتل منكم ومن لا يقاتل ، والمؤمن يُقتل فيدخل الجنة والكافر يُقتل فيدخل النار .
{ والذين قتلوا في سبيل الله } : أي قتلهم العدو ، وقرى ، قاتلوا في سبيل الله . { فلن يضل أعمالهم } : فلن يضل أعمالهم : أي لا يحبطها ولا يبطلها .
{ سيهديهم ويصلح بالهم } : أي سيوفقهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم ويصلح شأنهم .
{ ويدخلهم الجنة عرفها لهم } : أي ويدخل يوم القيامة الجنة بينها لهم فعرفوها بما وصفها لهم في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
{ ان تنصروا الله } : أي في دينه ورسوله وعباده المؤمنين .
{ ينصركم ويثبت أقدامكم } : أي على عدوكم ويثبت أقدامكم في المعارك .
{ والذين كفروا فتعساً لهم } : أي تعسوا تعسا أي هلاكا وخيبة لهم .
{ وأضل أعمالهم } : أي احبطها وأبطلها فلم يحصلوا بها على طائل .
{ ذلك } : أي الضلال والتعس .
{ بأنهم كرهوا ما أنزل الله } : أي من القرآن المشتمل على أنواع الهدايات والاصلاحات .
{ فأحبط أعمالهم } : أي أبطلها وأضلها فلا ينتفعون بها لا في الدنيا ولا في الآخرة .
معنى الآيات :
لقد تقدم أن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد أضل أعمالهم وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله إذا كان الأمر كذلك فليقاتلوا لانهاء كل من المفسدتين كفرهم وصدهم غيرهم عن الإِسلام وهذا ما دل عليه قوله تعالى فإِذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب أي فاضربوا رقابهم ضربا يفصل الرأس عن الجسد وواصلوا قتالهم حتى إذا أثخنتموهن أي كثرتم فيهم القتل ، فشدوا الوثاق أي احكموا ربط الأسرى بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم وبعد ذلك أنتم وما يراه إمامكم من المصلحة العليا فإِن رأى المن فمنوا عليهم مجانا بلا مقابل ، وإما تفادونهم فداء بمال ، أو برجال ، وستظل تلك حالكم قتل وأخذ وأسر ثم من وعفو مجاني ، أو فداء بعوض ومقابل إلى أن تضع الحرب أوزارها أي اثقالها من عُدد وعتاد حربي ، وذلك لوصولكم إلى الغاية من الحرب وهي أن يسلم الكافر ، أو يدخل في ذمة المسلمين ، وهو معنى قوله تعالى في سورة البقرة
(4/85)

{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } وقوله تعالى { ذلك } أي الأمر الذي علمتم من استمرار القتل والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها بالدخول في الإسلام أو في ذمة المسلمين وقوله ولو شاء الله لانتصر منهم أي بدون قتالٍ منكم ولكن بخسف أو وباء أو صواعق من السماء ولكن لم يفعل ذلك من أجل أن يَبْلُوَ بعضكم ببعض أي ليختبركم بهم . فيعلم المجاهدين . منكم والصابرين ، ويبلوهم بكم فيعاقب من شاء منهم بأيديكم ، ويتوب على من يشاء منهم كذلك . إذ انتصاركم عليهم ووقوعهم تحت سلطانكم يساعدهم على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق فيسلموا فيفلحوا بالنجاة من النار ودخلو الجنة ، وقوله تعالى { والذين قاتلوا في سبيل الله } وفي قراءة والذين قُتلوا في سبيل الله وهذه عامة في شهداء أُحد وغيرهم وإن نزلت الآية فيهم فإِن الله تعالى يخبر عن إنعامه عليهم بقوله فلن يضل أعمالهم سيهديهم في الدنيا ويوفقهم إلى كل خير ويصلح شأنهم ، ويدخلهم في الآخرة الجنة عرفها لهم أي بينها لهم في كتابه ولسان رسوله وطيّبيها لهم أيضا ، وفي الآخرة يهديهم إلى منازلهم في الجنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم « فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا » « البخاري » ، وقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } أي يامن آمنتم بالله ربا وبالإِسلام دنيا وبمحمد رسولا إن تنصروا الله بنصر دينه ونبيّه وأوليائه بقتال أعدائه ينصركم الله ويجعل الغلبة لكم ، ويثبت أقدامكم في كل معترك لقيتم فيه المشركين والكافرين . وهذا وعد من الله تعالى كم أنجزه لعباده المؤمنين في تاريخ الجهاد في سبيل الله ، وقوله تعالى والذين كفروا فتعساً لهم أي تعسوا تعسا وهلكوا هلاكا وخابوا وخسروا ، وأضل أعمالهم فلم يعثروا عليها ولم يروا لها أدنى فائدة ذلك الجزاء وتلك العقوبة بأنهم أي بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله أي من القرآن من آيات التوحيد والشرائع والأحكام فأحبط أي لذلك أعمالهم فخسروا في الحياتين .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب الجهاد على أمة الإِسلام ومواصلته كما بيّن تعالى في هذه الآيات إلى أن لا يبقى كافر يحارب بأن يدخلوا في الإسلام أو يعاهدوا ويدخلوا في ذمة المسلمين ويقبلوا على إصلاح أنفسهم وإعدادها للخير والفلاح .
2- إمام المسلمين مخير في الأسرى بين المنّ والفداء ، القتل أيضاً لأدلة من السنة .
3- بشرى المجاهدين في سبيل الله بإكرام الله لهم وإنعامه عليهم في الدنيا والآخرة .
4- يظفر بالنصر الحقيقي من نصر الله تعالى في دنيه وأوليائه .
5- إنذار الكفارين بالتعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة .
(4/86)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) شرح الكلمات :
{ أفلم يسيروا في الأرض } : أي أغفل هؤلاء المشركون فلم يسيروا في البلاد .
{ فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } : أي كيف كانت نهاية الذين من قبلهم كعاد وثمود .
{ دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها } : أي دمر عليهم مساكنهم فأهلكهم وأولادهم وأموالهم وللكافرين أمثال تلك العاقبة السيئة .
{ وأن الكافرين لا مولى لهم } : أي لا ناصر لهم .
{ والذين كفروا يتمتعون ويأكلون } : أي بمُتع الدنيا من مطاعم ومشارب وملابس ويأكلون .
{ كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } : أي كأكل الأنعام بنهم وازدراد والنار مأواهم .
{ وكأين من قرية هي أشد قوة } : أي وكثير من أهل قرية هي أشد قوة .
{ من قريتك التي أخرجتك } : أي مكة إذ أخرج أهلها النبي صلى الله عليه وسلم .
{ أفمن كان علي بينة من ربه } : أي على حجة وبرهان من أمر دينه فهو يعبد الله على علم .
{ كن زين له سوء علمه } : أي كمن زين الشيطان له سوء عمله .
{ واتبعوا أهواءهم } : أي واتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام والجواب ليسوا سواء ولا مماثلة بينهما أبدا .
معنى الآيات :
قوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض } يوبخ تعالى المشركين المصرين على الشرك والكفر على إصرارهم على الشرك والعناد فيقول أغفلوا { أفلم يسيروا في الأرض فينظر كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم } كعاد وثمود وقوم لوط إذ دمر تعالى عليهم بلادهم فأهلكم وأولادهم وأموالهم فيعتبروا بذلك ، وقوله تعالى { وللكافرين } أمثال تلك العاقبة المدمّرة ، وعيد لكفار مكة بأن ينزل عليهم عقوبة كعقوبة الأولين إن لم يتوبوا من شكرهم وإصرارهم عليه ، وعنادهم فيه . وقوله { ذلك } أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين بسبب أن الله مولى الذين آمنوا أي وليهم ومتولي أمرهم وناصرهم ، وأن الكفارين لا مولى لهم لأن الله تعالى خاذلهم ومن يخذله الله فلا ناصر له ، وقوله تعالى { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } هذا وعد من الله تعالى لأهل الإِيمان والعمل الصالح بأن يدخلهم يوم القيامة جنات أي بساتين تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار وقوله { والذين كفروا يتمتعون } في الدنيا بملاذها وشهواتها ، { ويأكلون كما تأكل الأنعام } إذ ليس لهم هَمٌ إلا بطونهم وفروجهم ، ولذا هم لا يلتفتون إلى الآخرة . { والنار مثوى لهم } أي مقام ومنزل ومصير ، وهذا وعيد شديد للكافرين ، وهذا هو الترغيب والترهيب الذي هو سمة بارزة في أسلوب القرآن في الهداية البشرية وقوله تعالى { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } هذه الآية نزلت ساعة خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته إلى غار ثور مهاجراً فقد التفت إلى مكة وقال أنت أحب البلاد إلى الله وأحب بلاد الله إليَّ ولو أن المشركين لم يُخرجوني لم أخرج منك .
(4/87)

ومعنى الآية الكريمة وكثيرة من القرى أهلا أشد قوة من أهل قريتك « مكة » التي أخرجك أهلها حيث حكموا بإِعدامه صلى الله عليه وسلم أهلكناه أي أهل تلك القرى فلا ناصر وجد لهم عند إهلاكنا لهم . فكانت هذه الآية تحمل تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأي تسلية!! وقوله تعالى { أفمن كان على بيّنة من ربه } أي على علم وبرهان من صحة معتقده وعبادته لله تعالى راجياً ثوابه خائفا من عقابه وهؤلاء هم المؤمنون ، كمن زين له سوء أي قبيح عمله من الشرك والكفر فهو يعبد الأصنام ، واتبعوا أهواءهم هم في ذلك فلم يتعبوا وحياً إلهياً ولا عقلا إنسانيا فهل حالهم كحال من ذُكروا قبله والجواب لا يتماثلان إذ بينهما من الفوارق كما بين الحياة والموت ، والجنة والنار .
هداية الآيات :
1- تقرير قاعدة : العاقل من اعتبر بغيره .
2- تقرير ولاية الله لأهل الإِيمان والتقوى .
3- بيان الفرق بين الماديين وأهل الإِيمان والاستقامة على منهج الإِسلام .
4- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم تخفيفا من آلامه التي يعانيها من إعراض المشركين وصدوفهم عن الإسلام .
(4/88)

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) شرح الكلمات :
{ مثل الجنة التي وعد المتقون } : أي صفة الجنة دار السلام التي وعد الله بها عباده المتقين له .
{ من ماء غير آسن } : أي غير متغيّر الريح والطعم لطول مكثه .
{ وأنهار من عسل مصفى } : أي من الشمع وفضلات النحل .
{ وسقوا ماء حميما } : أي حاراً شديد الحرارة .
{ فقطع أمعاءهم } : أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم .
معنى الآيات :
قوله تعالى { مثل الجنة التي وعد المتقون } هذه الآية الكريم تضمنت شرحا وافيا لآنهار الجنة ، وشراب أهل النار ، كما اشتملت على مقارنة بين حال أهل الإِيمان والتقوى وما وعدوا به من مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة ، وبين حال أهل النار وهم خالدون فيها وما وعدوا فيها من ألوان العذاب الشديد فقوله تعالى { مثل الجنة } أي صفتها الممثلة لها الشارحة لحالها التي وُعد المتقون أي ا لتي وعد الله تعالى بها عباده المتقين له وهم أوليائه الذين عبدوه ووحدوه فأطاعوه في الأمر والنهي فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي . فيها أنهار من ماء غير آسن أي غير متغير الطعم ولا الريح بطول المكث وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي بحموضة ولم يصر قارصا ولذلك لم يتغير ريحه أيضا وأنهار من خمرة لذة للشاربين أي وفيها أنهار من خبر هي لذة لمن يشربها وسبب لذاذتها أنها غير كدرة ولا مسكرة ولا ريح غير طيبة لها ، وأنهار من عسل مصفى أي وفيها أنهار من عسل مصفى أي من الشمع وفضلات النحل وقوله فيها من كل الثمرات أي من سائر أنواع الثمار من فواكه وغيرها . ومع ذلك غفرة من ربهم لسائر ذنوبهم فهل يستوى من هذه حالهم بحال من هو خال في النار لا يخرج منها وسقوا ماء حميما حارا شديد الحرارة فلما سقوه وشربوه قطع أمعاءهم أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم والعياذ بالله من النار وحال أهل النار اللهم أجرنا من النار اللهم اجرنا من النار اللهم أجرنا من النار .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- التقوى هي السب المورث للجنة هكذا جعلها الله عز وجل ، والتقوى هي بعد الإِيمان فعل المأمورات وترك المنهيات من سائر أنواع الشرك والمعاصي .
2- بيان بعض نعيم الجنة من الشراب والفواكه .
3- بين بعض عذاب النار وهو الخلود فيها وشرب الحميم .
4- تقرير البعث والجزاء ، وأن لا مماثلة بين أهل السعادة وأهل الشقاء .
(4/89)

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) شرح الكلمات :
{ ومنهم من يستمع إليك } : أي ومن الكفار المنافقين من يستمع إليك في خطبة الجمعة .
{ ماذا قال آنفا } : أي الساعة أي استهزاء منهم وسخرية يعنون انه شيء لا يُرجع إليه ولا يعتد به لعدم فائدته .
{ طبع الله على قلوبهم } : أي بالكفر فلذا هم لا يعون .
{ واتبعوا أهواءهم } : أي في الكفر والنفاق .
{ والذين اهتدوا } : أي المؤمنون .
{ زادهم هدى } : أي زادهم الله هدى .
{ وآتاهم تقواهم } : أي ألهمهم ما يتقون به عذاب الله تعالى .
{ فهل ينظرون إلا الساعة } : أي ما ينتظر أهل مكة إلاّ الساعة .
{ أن تأتيهم بغتة } : أي فجأة .
{ فقد جاء أشراطها } : أي علامتها كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان .
{ فأنى له إذ جاءتهم ذكراهم } : أي أنى لهم إذا جاءتهم التذكر الذي نفعهم إذ قد أُغلق باب التوبة .
{ فاعلم انه لا إله إلا الله } : أي فبناء على ما تقدم لك يا نبيّنا فاعلم أنه لا يستحق العبودية إلا الله فاعبدوه وتوكل عليه .
{ واستغفر لذنبك } : أي قبل استغفر الله أو اللهم اغفر لي .
{ وللمؤمنين والمؤمنات } : أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات .
{ والله يعلم متقبلكم } : أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم .
{ ومثواكم } : أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومكم بالليل .
معنى الآيات :
قوله تعالى ومنهم من يستمع إلي هذه الآية ( 16 ) والآية التي بعدها مدنيَّتان لا شك لأنها نزلت في شأن المنافقين قال تعالى مخبراً رسوله عن بعض المنافقين { ومنهم } أي ومن بعض المنافقين { من يستمع إليك } أي إلى حديثك يوم الجمعة وأنت تخطب الناس على المنير { حتى إذا خرجوا من عندك } أي من المسجد { قالوا للذين أوتوا العلم } من أصحابك كعبد الله بن مسعود { ماذا قال آنفا } ، وقولهم هذا ظاهر عليه الخبث إذا لو كانوا مؤمنين محبين لقالوا ماذا قال رسول الله آنفا ، ولكن قالوا ماذا قال آنفا ، وهم يعنونأن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشيء مفيد يرجع إليه . قال تعالى { أولئك } أي البعداء في الشر والنفاق الذين طبع الله على قلوبهم أي بالكفر والنفاق وذلك لكثرة تلوثهم بأوضار الكفر والنفاق حتى ران على قلوبهم ذلك فكان ختما وطابعا على قلوبهم ، واتبعوا أهواءهم فهما علتان الأولى الطبع المانع من طلب الهداية والثانية اتباع الهوى وهو يعمي ويصم ، فلاذ هم لا يهتدون ، وقوله تعالى { والذين اهتدوا } إلى الإِيمان الصحيح والعمل الصالح زادهم الله هدى حسب سنته في نماء الأشياء وزكاتها وزيادتها ، وآتاهم تقواهم أي ألهمهم ما يتقون وأعانهم على ذلك فهم يتقون مساخط الله تعالى ومن أعظمها الشرك والمعاصي . وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق ( 18 ) فهل ينظرون أي كفار قريش من زعماء الكفر في مكة إلا الساعة أي ما ينتظرون إلا الساعة أي القيامة أن تأتيهم بغتة أي فجأة إن كانوا ما ينظرون بإِيمانهم إلا الساعة فالساعة قد جاء أشراطها وأول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وثانيها الدخان ، وثالثها انشقاق القمر .
(4/90)

وقوله تعالى { فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } أي أنى لهم التذكر الذي ينفعهم إذا جاءت الساعة بل شروطها أي بظهور علاماتها الكبرى لا تقبل التوبة من أحد لم يكن مؤمنا لقوله تعالى من سورة الأنعام « يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً » على كل حال فالآية تستبطىء إيمان كفار مكة وتنكر عليهم تأخر إيمانهم الذي لا داعي له مع ظهو أدلة العقل والنقل ووضوح الحجج والبراهين الدالة على توحيد الله ووجوب عبادته وحده دون من سواه ولذا قال تعالى فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات أي فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين ، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صلى الله عليه وسلم قال تعالى يا عباد الله أيها الناس والرسول على رأسكم اعلموا انه لا إله إلا الله واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات والله يعلم متقلبكم أي تصرفكم في النهار في مصالح معاشكم ومعادكم ويعلم مثواكم في فرشكم نائمين فهو يعلمكم على ما أنتم عليه في كل ساعة من ليل أو نهار فاخشوه واتقوه حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنيّة .
2- التحذير من اتباع الهوى فإِنه يعمي ويصم والعياذ بالله .
3- بيان أن لقيام الساعة أشراطاً أي علامات تظهر قبلها فتدل على قربها .
4- وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله ، وذلك يتم على الطريقة التالية .
الاعتراف بأن الإِنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله ، وكل مخلوق لا بد له من خالق فمن خالق الإِنسان والكون إذاً؟ والجواب قطعاً : الله . قما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته ، ومن يُؤله ويُعبد إذاً الخالق أم المخلوق؟ والجواب : الخالق . إذاً تعيّن انه لا معبود إلا لله وهو معنى لا إله إلا الله ولما كانت العبادة لا تعرف إلا بالوحي وجب الإِيمان برسول الله فكان لا بُد من زيادة محمد رسول الله فنقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
(4/91)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) شرح الكلمات :
{ لولا نزلت سورة } : أي هلاّ نزلت سورة يقول هذا المؤمنون طلباً للجهاد .
{ سورة محكمة } : أي لم ينسخ منها شيء من أوامرها ونواهيها .
{ وذكر فيها القتال } : أي طلب القتال بالدعوة إليه والترغيب فيه .
{ في قلوبهم مرض } : أي شك وهم المنافقون .
{ نظر المغشي عليه من الموت } : أي خوفا من القتال وكراهية له فتراهم ينظرون إلى الرسول مثل نظر المغشي عليه من سكرات الموت .
{ فأولى لهم طاعة وقوله معروف } : أي فأجدر بهم طاعة لرسول الله وقول معروف حسن له .
{ فإذا عزم الأمر } : أي فرض القتال وجد أمر الخروج إليه .
{ فلو صدقوا الله } : أي وفواله ما تعهدوا به من أنهم قاتلون .
{ لكان خيراً لهم } : أي الوفاء بما تعهدوا به خيراً في دنياهم وآخرتهم .
{ فهل عسيتم ان توليتمم } : أي أعرضتم عن الإِيمان الصوري الذي أنتم عليه وأعلنتم عن كفركم .
{ أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } : أي تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي ولا تصلوا أرحامكم .
{ فأصمهم وأعمى أبصارهم } : يُبصرون الخير والمعروف .
معنى الآيات :
قوله تعالى ويقول الذين آمنوا إلى آخر السورة ظاهرهُ انه مدني وليس بمكي وهو كذلك فأَغلب آية السورة مدني إذاً ، ولا حرج : لأن القتال لم يفرض إلا بعد الهجرة النبوية والنفاق لم يظهر إلا بعد الهجرة كذلك والسياق الآن في علاج النفاق وأمور الجهاد قال تعالى ويقول الذين آمنوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متمنين الجهاد لولا نزلت سورة أي هلا أنزل الله سورة قرآنية تأمر بالجهاد قال تعالى فإِذا انزلت سورة محكمة ليس فيها نسخ وذكر فيها القتال أي الأمر به والترغيب فيه . رأيت يا محمد الذين في قلوبهم مرض أي مرض الشك والنفاق ينظرون إليك يا رسولنا نظر أي مثل نظر المغشي أي الغمي عليه من الموت أي من سياقات الموت وسكراته . قال تعالى { فأولى لهم } هذا الفظ صالح لأن يكون دعاء عليهم بالهلاك أي هلاك لهم لجبنهم ونفاقهم وصالح أن يكون بمعنى الأجدر بمثلهم طاعة لله ورسوله وقوله معروف أي حسن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى فإِذا عزم أي جد الأمر للجهاد فلو صدقوا الله ما عاهدوا عليه نم أنهم يقاتلون مع رسوله لكان خيراً لهم في الدنيا والآخرة . ثم قال لهم مخاطباً إياهم توبيخاً وتقريعا فهل عسيتم بكسر السين وفتحها قراءتان إن توليتم أي عن الإِيمان الصوري إلى الكفر الظاهر فأعلنتم عن ردتكم أن تفسدوا في الأرض بفعل الشرك وارتكاب المعاصي وتقطعوا أرحامكم بإعلان الحرب على أقربائكم المؤمنين الصادقين . هذا إذ كان التولى بمعنى الرجوع إلى الكفر العلني وإن كان بمعنى الحكم فالأمر كذلك إذا حكموا ليفعلون ما هو أعظم من الشرك والفساد في الأرض وتقطيع الأرحام ، وأخيراً سجلت الآية ( 22 ) لعنة الله فقال تعالى أولئك أي البعداء في الخسة والحطة الذين لعنهم الله فأبعدهم من رحمته فأصمهم عن سماع الحق وأعمى أبصارهم عن رؤية الهدى والطريق المستقيم .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- جواز تمنى الخير والأولى أن يسأل الله تعالى ولا يتمنى بلفظ ليت كذا .
2- في القرآن محكم ومنسوخ من الآيات وكله كلام الله يُتلى ويتقرب به إلى الله تعالى ويعمل بالمحكم دون المنسوخ وهو قليل جدا .
3- ذم الجبن والخور والهزيمة الروحية .
4- شر الخلق من إذا تولى أفسد في الأرض بالشرك والمعاصي .
(4/92)

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) شرح الكلمات :
{ أفلا يتدبرون القرآن } : أي يتفكرون فيه فيعرفون الحق من الباطل .
{ أم على قلوب أقفالها } : أي بل على قلوب لهم أقفالها فهم لا يفهمون إن تدبروا .
{ إن الذين ارتدوا على أدبارهم } : أي رجعوا كافرين بنفاقهم .
{ من بعد ما تبين لهم الهدى } : أو من بعدما تبين لهم صدق الرسول وصحة دينه بالحجج والبراهين .
{ الشيطان سول لهم وأملى لهم } : أي زيّن له الشيطان نفاقهم وأملى لهم أي واعدهم بطول العمر وَمنَّاهم .
{ ذلك بأنهم قالوا الذين كرهوا ما : أي ذلك الإِضلال بسبب قولهم للذين كرهوا ما أنزل الله وهم أنزل الله } المشركون .
{ سنطيعكم في بعض الأمر } : أي بأن نتعاون معكم على عداوة الرسول وبتثبيط المؤمنين عن الجهاد وكان ذلك سرا منهم لا جهرة فأظهره الله لرسوله .
{ يضربون وجوههم وأدبارهم } : أي بمقامع من حديد يضربون وجوههم وظهورهم .
{ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله } : أي التَوفِيّ على الحالة المذكوة من الضرب على الوجوه والظهور بسبب اتباعهم ما أسخط الله من الشرك والمعاصي .
{ وكرهوا رضوانه } : أي ما يرضيه تعالى من التوحيد والعمل الصالح .
{ فأحبط أعمالهم } : أي ابطلها فلم يحصلوا منها على ثواب حسن .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تأديب المنافقين بعيبهم الإِنكار عليهم وتهديدهم لعلهم يرجعون إذ حالهم كحال المشركين في مكة فقال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن } أي مالهم؟ أغفلوا فلم يتدبروا القرآن أي يتفكروا فيه فيعرفوا الحق من الباطل والهدى من الضلال لأن القرآن نزل لبيان ذلك . أم على قلوب أقفالها أي بل على قلوب لهم أقفالها أي اقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر والحجج والأدلة والبراهين حتى يكون الله هو الذي يفتح تلك الأقفال ، والله تعالى يقفل ويفتح حسب سنن له في ذلك وقد ذكرنا هذا المعنى مرات في بيان الهداية والإِضلال ، وقوله تعالى { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } أي رجعوا إلى الكفر بقلوبهم دون ألسنتهم وهم المنافقون من بعد ما تبين لهم الهدى أي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دينه الإِسلام هؤلاَء المرتدون الشيطان سوَّل له أي زين لهم ذلك الارتداد وأملى لهم أي واعدهم ممنيّا لهم بطول العمر والبقاء الطويل في الحياة والعيش الطيب الواسع فيها وقوله تعالى ذلك أي الإِضلال الذي حصل لهم بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله من القرآن والشرائع وإبطال الشرك والشر والفساد وهم المشركون قالوا لهم سرا وخفية سنطيعكم في بعض الأمر ، وذلك كعدم قتالكم وتثبيط الناس عن القتال إلى غير ذلك مما أسروه لإِخوانهم المشركين . وقوله تعالى والله يعلم إسرارهم يخبر تعالى انهم لما كانوا يسرِّون كلمات الكفر للمشركين كان تعالى مطلعا عليهم فهو يعلم إسرارهم وأسرارهم وها هو ذا قد أطلع عليهم رسوله والمؤمنين ، وقوله تعالى فكيف أي حالهم إذا توفتهم الملائكة ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب وهم يضربون بمقامع من حديد وجوههم وأدبارهم أي ظهورهم .
(4/93)

وقوله تعالى ذلك أي العذاب النازل بهم بسبب أنهم اتبعوا ما اسخط الله من الكفر به وبرسوله . وكرهوا رضوانه أي ما يرضيه عنهم وهو الجهاد في سبيله فأحبط الله أعاملهم أي أبطلها فلم يثبهم عليها لأنهم مشركون كافرون وعمل المشرك والكافر باطل وهو خاسر .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب تدبر القرآن الكريم عن تلاوته أو سماعه وهو تفهم معانيه في حدود قدرة المسلم على الفهم .
2- الارتداد عن الإِسلام كالرجوع عن الطاعة إلى المعصية سببهما تزيين الشيطان للعبد ذلك وإملاؤه له بالتمنيّي والوعد الكاذب .
3- من الردة التعاون مع الكافرين علىلمؤمنين بأي شكل من أشكال التعاون ضد الإِسلام والمسلمين .
4- تقرير عقيدة عذاب القبر وأنه حق ثابت أعاذنا الله منه آمين .
(4/94)

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) شرح الكلمات :
{ في قلوبهم مرض } : أي مرض النفاق .
{ أن لن يخرج الله أضغانهم } : أي أن لن يظهر أحقادهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
{ ولو نشاء لأريناكهم } : أي لعرَّفناك بهم فلعرفتهم .
{ سيماهم } : أي بعلاماتهم .
{ ولتعرفنهم في لحن القول } : أي إذا تكلموا عندك في لحن القول أي معناه وذلك بأن يُعرِّضوا فيه بتهيجين أمر المسلمين أي تقبيح أمرهم .
{ والله يعلم أعمالكم } : أي أيها المؤمنون إن الله يعلم أعمالكم وسيجزيكم بها خيراً .
{ ولنبلونكم } : ولنختبرنّكم بالجهاد وغيره من التكاليف .
{ حتى نعلم } : أي نعلم علم ظهور لكم ولغيركم إذ الله يعلم ذلك قبل ظهوره لما حواه كتاب المقادير .
{ المجاهدين منكم والصابرين } : أي الذين جاهدوا وصبروا من غيرهم .
{ ونبلوا أخباركم } : أي ونُطهر أخباركم للناس من طاعة وعصيان في الجهاد وفي غيره .
{ إن الذي كفروا } : أي بالله ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق .
{ وصدوا عن سبيل الله } : أي عن الإِسلام .
{ وشاقوا الرسول } : أي خالفوه وعادوه وحاربوه .
{ من بعد ما تبيّن لهم الهدى } : أي عرفوا الرسول حق والإِسلام حق كاليهود وغيرهم .
{ لن يضروا لله شيئا } : أي من الضرر لأنه متعال أن يناله خلقه بضرر .
{ وسيحبط أعمالهم } : أي يبطلها فل تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والآخرة .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين بكشف عُوارهم وإزاحة الستار عما في قلوبهم من الشك والنفاق فقال تعالى { أم } أي أحسب الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون والمرض هو من النفاق الناجم عن الشك في الإِسلام وشرائعه أن لن يخرج الله أضغانهم أي أحقادهم فيظهرها لرسوله والمؤمنين فحسبانهم هذا باطل وقوله تعالى لرسوله { ولو نشاء لأيناكهم فلعرفتهم بسيماهم } بعلامات النفاق فيهم وقوله { ولتعرفنّهم في لحن القول } أي وعزتي وجلالي لتعرفنهم في لحن القول أي في معاني كلامهم إذا تكلموا عندك وبين يديك فإِن كلامهم لا يخلو من التعريض بالمؤمنين بانتقاصهم والقدح في أعمالهم ، كما قيل « من أضمر سريرة ألبسه الله رداءها » وقوله تعالى في خطابه المؤمنين { والله يعلم أعمالكم } ولازمه أنه سيجزيكم بها فاصبروا على الإِيمان والتقوى . { ولنبلونكم } أي ولنختبرنكم بالجهاد والإِنفاق والتكاليف { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } أي حتى نظهر ذلك لكم فتعرفوا المجاهد من القاعد والصابر من الضاجر منكم وبينكم ، { ونبلو أخباركم } أي ما تخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنظهر الصدق من خلافه فيه ، ولذا كان الفُضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللهم لا تبتلنا فإِنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا ، وقوله جل ذكره { أن الذين كفروا } أي كذبوا الله ورسوله { وصدوا عن سبيل الله } أي الإِسلام فصرفوا الناس عنه بأي سبب من الأسباب ، { وشاقوا الرسول } أي خالفوه وعادوه وحاربوه { من بعد ما تبيّن لهم الهدى } أي ظهر لهم الحق وأن الرسول حق والإِسلام حق بالحجج والبراهين هؤلاء الكفرة لن يضربوا الله شيئا من الضرر لتنزهه عن صفات المحدثين من خلقه ولامتناعه تعالى وعزته ، { وسيحبط أعمالهم } أي يبطلها عليهم فلا ينالون ما يؤملون في الدنيا بذهاب كيدها وخيبة أملهم إذ ينصر الله رسوله ويعلي كلمته ، وفي الآخرة لأن أعمال المشرك والكافر باطلة حابطة لا ثواب عليها سوى ثواب الجزاء المهين .
(4/95)

هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان حقيقة وهى من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها فكشفه للناس .
2- ومن أحب شيئا ظهر على وجهه وفلتات لسانه .
3- تقرير قاعدة هي أنه لا بد من الابتلاء لمن دخل في الإِسلام ليكون الإِيمان على حقيقته لا إيمانا صوريا أدنى فتنة تصيب صاحبه يرتد بها عن الإِسلام .
4- أعمال المشرك والكافر باطلة لا ثواب خير عليها لأن الشرك محبط للأعمال الصالحة .
(4/96)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) شرح الكلمات :
{ ولا تبطلوا أعمالكم } : أي بالرياء والشرك والمعاصي .
{ وصدوا عن سبيل الله } : أي عن الإِسلام .
{ فلن يغفر الله لهم } : أي لأنهم ماتوا على الكفر والكفر محبط للعمل .
{ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم } : أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى الصلح مع الكفار .
{ وأنتم الأعلون } : أي الغالبون القاهرون .
{ ولن يتركم أعمالكم } : أي ولن ينقصكم أجر أعمالكم وثوابها .
{ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } : أي الاشتغال بالدنيا التفرغ لها ما هو إلا لهو ولعب لعدم الفائدة منه .
{ ولا يسألكم أموالكم } : أي ولا يكلفكم بإِنفاق أموالكم كلها بل بالزكاة فقط .
{ فيحفكم تبخلوا } : أي بالمبالغة في طلبكم المال تبخلوا .
{ ويخرج أضغانكم } : أي أحقادكم وبغضكم لدين الإِسلام .
{ فإِنما يبخل عن نفسه } : أي عائد ذلك على نفسه لا على غيره فهو الذي يحرم الثواب .
{ وان تتلوا يستبدل قوما غيركم } : أي عن طاعة الله وطاعة رسوله يأت بآخرين غيركم .
{ ثم لا يكونوا أمثالكم } : أي في الطاعة أي يكونوا أطوع منكم لله ورسوله .
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى الكفار ومشاقتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم نادى المؤمنين وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله فقال يا أيها الذين آمنوا بالله ربا وبالإِسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا اطيعوا الله وأطعيوا الرسول أي فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه من المعتقدات والأقوال والأعمال ولا تبطلوا أعمالكم أي ونهاهم أن يبطلوا أعمالهم باشرك والرياء والمعاصي والمراد من إبطال الأعمال أي حرمانهم من ثوابها . ثم أعلمهم مذكرا واعظا له فقال إن الذين كفروا أي بالله ورسوله وصدوا عن سبيل الله أي عن الإسلام بأي سبب من الأسباب ثم ماتوا وهم كفار قبل أن يتوبوا . فهؤلاء لن يغفر الله لهم ويعذبهم العذاب المعد لأمثالهم وقوله تعالى فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يضعفوا عن قتال أعدائهم من الكافرين ويدعوا الكافرين إلى الصلح والمهادنة وهم أقوياء قادرون وهو معنى قوله وأنتم الأعلون أي الغالبون القاهرون . ولن يتركم أعمالكم أي لا ينقصكم أجر أعمالكم بل يجزيكم بها ويزيدكم من فضله وقوله { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } هذه حقيقة وهي أن الحياة الدنيا إن أقبل عليها العبد ناسيا الدار الآخرة مقبلا على الدنيا لن تكون في حقه إلا لهواً ولعبا باعتبار أنه لم يظفر منها على طائل ولم تعد عليه بعائد خير وإسعاد كاللاعب اللاهي بشيء يلعب ويلهو فترة ثم لا يعود عليه ذلك اللعب بشيء كلعب الصبيان ولهوهم فإِنهم يلهون ويلعبون بجد ثم يعودون إلى والديهم يطلبون الطعام والشراب . وقوله وإن تؤمنوا أي الإِيمان الصحيح وتتقوا ما يغضب ربكم ويسخطه عليكم من الشرك والمعاصي يؤتكم أجوركم المترتبة على الإِيمان والتقوى . وقوله ولا يسألكم أموالكم أي ولا يطلب منكم أموالكم كلها أي كراهة إحفائكم بذلك إن يسألكموها فيحفكم أي بكثرة الإِلحاح عليكم تبخلوا إذ هذا معروف من طباع البشر أن الإِنسان إذا ألح وألحف عليه في الطلب يبخل بالمال ولم يعطه وقد يترك الإِسلام لذلك ، وقوله ويخرج أضغانكم أي أحقادكم وبغضكم للدين وكراهيتكم له ولذا لم يسألكم أموالكم وقوله تعالى : { ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله } أي جزءاً من أموالكم في الزكاة أو الجهاد لا كُل أموالكم لما يعلم تعالى من شح النفس بالمال وقوله { فمنكم من يبخل } أي يمنع ومن يبخل فإِنما يبخل عن نفسه إذ هي التي حرمها أجر النفقه في سبيل الله ذات الأجر العظيم وقوله { والله الغني وأنتم الفقراء } إلى الله تعالى فهو غني عنكم لا يحضكم على النفقة لحاجته إليها ولكن لحاجتكم أنتم إليها إذ بها تزكوا نفوسكم وتقوم أموركم وتنتصروا على عدوكم وقوله وإن تتولوا أي ترجعوا عن الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله يستبدل الله بكم قوما غيركم أي يذهبكم ويأت بآخرين ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونون أطوع لله تعالى منكم وأسرع امتثالا لما يطلب منهم .
(4/97)

وحاشاهم أن يتولوا وما تولوا ولا استبدل الله تعالى بهم غيرهم . وإنما هذا من باب حثهم على معالى الأمور والأخذ بعزائمها نظرا لمكانتهم من هذه الأمة فهم أشرفها وأكملها وأطوعها لله وأحبها له ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله .
2- وجوب اتمام العمل الصالح من صلاة وغيرها بالشروع فيه .
3- بطلان العمل الصالح بالرياء أو بإِفساده عند أدائه أبو الردة عن الإِسلام .
4- حرمة الركون إلى مصالحة الأعداء مع القدرة على قتالهم والتمكن من دفع شرهم .
5- التنفير من الإِقبال على الدنيا والإِعراض عن الآخرة .
6- حرمة البخل مع الجدة والسعة .
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

تفسير سورة الفتح


إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) شرح الكلمات :
{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا } : أي قضينا لك بفتح مكة وغيرها عُنة بجهادك فتحا ظاهرا بيّنا . { ليغفر لك الله } : أي بسبب شكرك له وجهادك في سبيله .
{ ما تقدم من ذنبك وما تأخر } : أي ما تقدم الفتح وما تأخر عنه .
{ ويتم نعمته عليك } : أي بنصرك على أعدائك وإظهار دينك ورفع ذكرك .
{ ويهديك صراطا مستقيما } : ويرشدك طريقا من الدين لا اعوجاج فيه يُفضي بك إلى رضوان ربك .
{ وينصرك الله نصرا عزيزا } : أي وينصرك الله على أعدائك ومن ناوأك نصرا عزيزا لا يغلبه غالب ، ولا يدفعه دافع .
{ أنزل السكينة في قلوب : أي الطمأنينة بعد ما أصابهم من الاضطراب والقلق من المؤمنين } الصلح .
{ وكان الله عليما حكيما } : أي عليما بخلقه حكيما في تدبيره لأوليائه .
{ ليدخل المؤمنين والمؤمنات } : أي قَضَى بالفتح ليشكروه ويجاهدوا في سبيله ليدخلهم جنات .
{ وكان ذلك عند الله فوزا عظيما } : أي وكان ذلك الإِدخال والتكفير للسيئات فوزا عظيما .
{ ويعذب المنافقين والمنافقات } : والمشركين والمشركات أي يعذبهم بالهم والحزن لما يرون من نصرة الإِسلام وعزة أهله .
{ الظانين بالله ظن السوء } : أي أن الله لا ينصر محمداً وأصحابه .
{ عليهم دائرة السوء } : أي بالذال والعذاب والهوان .
{ وكان الله عزيزا حكيما } : أي كان وما زال تعالى غالبا لا يُغلب حكيما في الانتقام من أعدائه .
معنى الآيات :
قوله تعالى { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } الآيات هذه فاتحة سورة الفتح التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم « أُنزلت عليَّ سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس ، » ثم قرأ { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وذلك بعد صلح الحديبية سنة ست من الهجرة وفي منصرفه منه وهو في طريقه عائد مع أصحابه إلى المدين النبويّة . وقد خالط أصحابه حزن وكآبة حيث صدوا عن المسجد الحرام فعادوا ولم يؤدزا مناسك العمرة التي خرجوا لها ، وتمت أحداث جسام تحمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه من أولى العزم غيره فجزاه الله وأصحابه وكافأهم على صبره وجهادهم بما تضمنته هذه الآيات إلى قوله { وكان ذلك عند الله فوزاً عظيما } فقوله تعالى { إنا فتحنا لك } يا رسولنا { فتحاً مبيناً } أي قضينا لك بفتح مكة وخيبر غيرهما ثمرة من ثمرات جهادك وصبرك وهو أمر واقع لا محالة وهذا الصلح بداية الفتح فاحمد ربك واشكره ليغفر لك بذلك وبجهادك وصبرك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك بنصرك على أعدائك وعلى كل من ناوأك ، ويهيدك صراطاً مستقيما أي ويرشدك إلى طريق لا اعوجاج فيه يفضي بك وبكل من يسلكه إلى الفوز في الدنيا والآخرة وهو الإِسلام دين الله الذي لا يقبل دينا سواه . ونصرك الله نصراً عزيزا أي وينصرك ربك على أعدائك وخصوم دعوتك نصرا عزيزا إي ذا عزّ لا ذُل معه هذه أربع عطايا كانت لرسول الله صلى الله ففرح بها وهي مغفرة الذنب السابق واللاحق ، الفتح للبلاد ، الهداية إلى أقوم طريق يفتضي إلى سعادة الدارين ، والنصر المؤزر العزيز ، فلذا قال أُنزلت علَّ آية هي أحب إليَّ من الدنيا جميعا .
(4/99)

وقوله تعالى { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } أي هو الله المنعم عليك بما ذكر لك الذي أنزل السكينة أي الطمأنينة على قلوب المؤمنين من أصحابك وكان عددهم ألفا وأربعمائة صاحب أنزل السكينة عليهم بعد اضطراب شديد أصاب نفوسهم دل عليه قول عمر رضي الله عنه لرسول صلى الله عليه وسلم ألست نبيَّ الله حقا؟ قال : « بلى ، » قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : « بلى ، » قلت فَلَمَ نُعطى الدنيّة في ديننا إذاً ؟ قال « إني رسول الله ولستُ أعصيه وهو ناصري . » قلت أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال فأتيت أبا بكر فقالت يا أبا بكر أليس هذا نبئ الله حقا؟ قال بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى ، قلت : فَلِمَ نُعطى الدنيّة في ديننا؟ قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بِغَرْزِهِ أي سر على نهجه ولا تخالفه . فوالله إنه لعلى الحق ، قلت أليس كان يحدثنا انه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال بلى . قال فهل أخبرك انه العام؟ قلت : لا قال فإِنك تأتيه وتطوف به . وقوله { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } أي بشرائع الإِسلام كلما نزل حكم آمنوا به وعملوا به ومن ذلك الجهاد وبذلك يكون إيمانهم في ازدياد . وقوله تعالى ولله جنود السموات والأرض أي ملائكة السماء وملائكة الأرض وكل ذي شوكة وقوة من الكائنات هو لله كغيره ويسخره كما يشاء ومتى شاء فقد يسلط جيشاً كافراً على جيش كافر نصرة لجيش مؤمن والمراد من هذا انه تعالى قادر على نصرة نبيّه ودينه بغيركم أيها المؤمنون وكان الله وما زال أزلا وأبدا عليما بخلقه حكيما في تدبيرأمور خلقه . وقوله تعالى { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك } أي الإِدخال للجنة وتكفير السيئات فوزاً عظيماً أي فتح على رسوله والمؤمنين ليشكروا بالطاعة والجهاد والصبر أي تم كل ذلك ليُدخل المؤمنين والمؤمنات الآية . . وقوله { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } أي فَتَحَ على رسوله والمؤمنين ونصرهم ووهبه وما وهبه من الكمال ليكون ذلك غما وهما وحزنا يعذب الله به المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات في الدنيا والآخرة وقوله { الظانين بالله ظن السوء } هذا وصف للمنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات حيث إنهم كانوا ظانّين أن الله لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يعلي كلمته ولا يظهر دينه وقوله تعالى { عليهم دائرة السوء } اخبارا منه عز وجل بأن دائرة السوء تكون على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات كما أخبر عنهم بأنه غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ومعنى أعدَّ هيأ وأحضر لهم ، وساءت جهنم مصيرا يصير إليه الإِنسان والجان .
(4/100)

بعد نهاية الحياة الدنيا ، وقوله تعالى { ولله جنود السموات والأرض } ينصر بها بها من يشاء ويهزم بها من يشاء { وكان الله عزيزا } أي غالبا لا يمانع في مراده { حكيما } في تدبيره وصنعه .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- الذنب الذي غفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المعلوم بالضرورة انه ليس من الكبائر في شيء وهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين .
2- إنعام الله على العبد يوجب الشكر والشكر يوجب المغفرة وزيادة الإِنعام .
3- بيان مكافأة الله لرسوله والمؤمنين على صبرهم وجهادهم .
4- بيان أن الكافرين يحزنون ويُغموُّن لنصر المؤمنين وعزهم فيكون ذلك عذابا لهم في الدنيا .
(4/101)

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) شرح الكلمات :
{ شاهدا ومبشرا ونذيرا } : أي شاهدا على أمتك أُمة الدعوة يوم القيامة ومبشراً من آمن منهم وعمل صالحا بالجنة ونذيراً من كفر أو عصى وفسق بالنار .
{ ليؤمنوا بالله ورسوله } : أي هذا علة للإِرسال .
{ وتعزروه وتوقروه } : أي ينصروه ويعظموه وهذا لله وللرسول .
{ وتسبحوه بكرة وأصيلا } : أي الله تعالى بالصلاة والذكر والتسبيح .
{ إن الذين يبايعونك } : أي بيعة الرضوان بالحديبية .
{ إنما يبايعون الله } : لأن طاعة الرسول طاعة لله تعالى .
{ يد الله فوق أيديهم } : أي لأنهم كانوا يبايعون الله إذ هو الذي يجاهدون من أجله ويتلقون الجزاء من عنده .
{ فمن نكث } : أي نقض عهده فلم يقاتل مع الرسول والمؤمنين .
{ فإِنما ينكث على نفسه } : أي وبال عهده عائد عليه إذ هو الذي يجزي به .
{ فسؤتيه أجرا عظيما } : أي الجنة إذ هي الأجر العظيم الذي لا أعظم منه إلا رضوان الله عز وجل .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في بيان ما أنعم الله تعالى به على رسوله فقال تعالى { إنا أرسلناك شاهداً } لله تعالى بالوحدانية والكمال المطلق له عز وجل وشاهداً على هذه الأمة التي أرسلت فيها وإليها عربها وعجمها ومبشراً لأهل الإِيمان والتقوى بالجنة ونذيراً لأهل الكفر والمعاصي أي مخوفاً لهم من عذاب الله يوم القيامة . وقوله تعالى { لتؤمنوا بالله ورسوله } أي أرسلناه كذلك لتؤمنوا بالله ورسوله { وتعزروه } بمعنى تنصروه { وتوقروه } بمعنى تجلوه وتعظموه وهذه واجبة لله ولسوله الإِيمان والتعزير والتوقير ، وأما التسبيح والتقديس . فهو لله تعالى وحده ويكون بكلمة سبحان الله وبالصلاة وبالذكر لا إله إلا الله ، وبدعاء الله وحده . وقوله { بكرة وأصيلا } أي تسبحون الله { بكرة } أي صباحاً { وأصيلا } أي عشية وقوله تعالى { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } يخبر تعالى رسوله بأن الذين يبايعونه على قتال أهل مكة وأن لا يفروا عند اللقاء { إنّما يبايعون الله } إذ هو تعالى الذي أمرهم بالجهاد وواعدهم الأجبر فالعقد وإن كانت صورته مع رسول الله فإنه في الحقيقة مع الله عز وجل ، ولذا قال { يد الله فوق أيديهم } وقوله تعالى { فمن نكث } أي نقض عهده فلم يقاتل { فإنما ينكث على نفسه } { ومن أوفى } بمعنى وفىّ { بما عاهد عليه الله } من نصرة الرسول والقتال تحت رايته حتى النصر { فسيؤتيه } الله { أجراً عظيماً } الذي هو الجنة دار السلام .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإِعلان عن شرفه وعلو مقامه .
2- وجوب الإِيمان بالله ورسوله ووجوب نصرة الرسول وتعظيمه صلى الله عليه وسلم .
3- وجوب تسبيح الله وهو تنزيهه عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله مع الصلاة ليلا ونهارا .
4- وجوب الوفاء بالعهد ، وحرمة نقض العهد ونكثه .
(4/102)

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) شرح الكلمات :
{ المخلفون من الأعراب } : أي الذين حول المدينة وقد خلّفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع .
{ شغلتنا أموالنا وأهلونا } : أي عن الخروج معك .
{ فاستغفر لنا } : أي الله من ترك الخروج معك .
{ يقولون بألسنتهم } : أي كل ما قالوه هو ألسنتهم وليس في قلوبهم منه شيء .
{ قل فمن يملك لكم من الله شيئا } : أي لا أحد لأن الاستفهام هنا للنفي .
{ إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً } : وبَّخهم على تركهم صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا من قريش .
{ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول : أي حسبتم أن قريشا تقتل الرسول والمؤمنين فلم يرجع والمؤمنين } منهم أحد إلى المدينة .
{ وظننتم ظن السوء } : هو هذا الظن الذي زينه الشيطان في قلوبهم .
{ وكنتم قوما بورا } : أي هالكين عند الله بهذا الظن السيء ، وواحد بور بائر .
هالك .
{ فإِنا أعتدنا للكافرين سعيرا } : أي ناراً شديدة الاستعار والالتهاب .
{ يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } : يغفر لمن يشاء وهو عبد تاب وطلب المغفرة بنفسه ، ويعذب من يشاء وهو عبد ظن السوء وقال غير ما يعتقد وأصبر على ذلك الكفر والنفاق .
{ وكان الله غفورا رحيما } : كان وما زال متصفا بالمغفرة والرحمة فمن تاب غفر الله له ورحمه .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين في الحضر والبادية وذلك بتأنيبهم وتوبيخهم وذكر معايبهم إرادة إصلاحهم فقال تعالى لرسوله { سيقول لك المخلفون من الأعراب } وهم غفار موزينة وجهينة وأشعج وكانوا أهل بادية وأعرابا حول المدينة استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا معه إلى مكة للعمرة تحسبا لما قد تُقدم عليه قريش من قتاله صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن هؤلاء المخلفين من الأعراب أصابهم خوف وجبن من ملاقاة قريش وزين لهم الشيطان فكرة أن الرسول والمؤمنين لن يعودوا إلى المدينة فإِن قريشا ستقضي عليهم وتنهي وجودهم فَلِذَلِكَ خلفهم الله وحرمهم صحبة نبيّه المؤمنين فحرموا من مكرمة بيعة الرضوان وأخبر رسوله عنهم وهو عائد من الحديبية بما يلي { سيقول لك المخلفون من الأعراب } معتذرين لك عن تخلفهم { شغلتنا أموالنا } فتخلفنا لأجل إصلاحها ، { وأهلونا } كذلك { فاستغفر لنا } أي اطلب لنا من الله المغفرة . ولم يكن هذا منهم حقا وصدقا بل كان باطلا وكذا فقال تعالى فاضحاً لهم { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } فهم إذاً كاذبون . وهنا أمر رسوله أن يقول لهم أخبروني إن أنتم عصيتم الله ورسوله وتركتم الخروج مع المؤمنين جنبا وخوفا من القتل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضراً أي شراً لكم أو أرد بكم نفعاً أي خيراً لكم؟ والجواب قطعا لا أحد إذاً فإِنكم كنتم مخطئين في تخلفكم وظنكم معاً ، وقوله { بل كان الله بما تعملون خبيرا } اضرب تعالى عن كذبهم واعتذارهم ليهددهم على ذلك بقوله { بل كان الله بما تعملون خبيرا } وسيجزيكم به وما كان عملهم إلا الباطل والسوء ، ثم أضرب عن هذا أيضا إلى آخر فقال { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنين إلى أهليهم أبدا } إذ تقتلهم قريش فتستأصلهم بالكلية .
(4/103)

وزين ذلك الشيطان في قلوبكم فرأيتموه واقعاً ، وظننتم ظن السوء وهو أن الرسول والمؤمنين لن ينجوا من قتال قريش لهم ، وكنتم أي بذلك الظن قوما بورا لا خير فيكم هلكى لا وجود لكم . وقوله تعالى { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإِنا أعتدنا للكافرين سعيرا } وهو إخبار أُريد به تخويفهم لعلهم يرجعون من باطلهم في اعتقادهم وأعمالهم إلى الحق قولا وعملا ، ومعنى أعتدنا أي هيأنا وأحضرنا وسعيراً بمعنى نار مستعرة شديدة الالتهاب وقوله في الآية الأخيرة من هذا السياق ( 15 ) ولله ملك السموات والأرض } أي بيده كل شيء { يغفر لمن يشاء } من عباده ويعذب من يشاء فاللائق بهم التوبة والإِنابة إليه لا الإِصرار على الكفر والنفاق فإِنه غير مجد لهم ولا نافع بحال وقد تاب بهذا اكثرهم وصاروا من خيرة الناس ، وكان الله غفورا رحيما فغفر لكم من تاب منهم ورحمه . ولله الحمد والمنة .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك دال على أنه كلام الله أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
2- لا يملك النفع ولا الضر على الحقيقة إلا الله ولذا وجب أن لا يطمع إلا فيه ، ولا يرهب لا منه .
3- حرمة ظن السوء في الله عز وجل ، ووجب حسن الظن به تعالى .
4- الكفر موجب لعذاب النار ، ومن تاب تاب الله عليه ، ومن طلب المغفرة في صدق غفر له .
5- ذم التخلف عن المسابقة في الخيرات والمنافسة في الصالحات .
(4/104)

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) شرح الكلمات :
{ المخلفون من الأعراب } : أي المذكورون في الآيات قبل هذه وهم غفار وجهينة ومزينة وأشجع .
{ إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } : أي مغانم خيبر إذا وعدهم الله بها عند رجوعهم من الحديبية .
{ ذرونا نتبعكم } : أي دعونا نخرج معكم لنصيب من الغنائم .
{ يريدون أن يبدلوا كلام الله } : أي أنهم يطلبهم الخروج إلى خيبر لأخذ الغنائم يريدون أن يغيروا وعد الله لأهل الحديبية خاصة بغنائم خيبر .
{ كذلك قال الله من قبل } : أي قاله تعالى لنا قبل عودتنا إلى المدينة فلن تتبعونا ولن تخرجوا معنا .
{ فسيقولون بل تحسدوننا } : أي فسيقولون بل تحسدوننا وفعلا فق دقالوا ذلك وزعموا انه ليس امراً من الله هذا المنع ، وإنما هو من الرسول والمؤمنين حسداً لهم ، وهذا دال على نفاقهم وكفرهم والعياذ بالله .
{ بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } : أي لا يفهمون فهم الحاذق الماهر إلا قليلا وفي أمور الدنيا لا غير .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من الحضر والبادية وذلك بالحديث عنهم وكشف عوارهم ودعوتهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق عند ظهور انحرافهم وسوء أحوالهم فقال تعالى لرسوله . سيقول المخلفون الذي تقدم الحديث عنهم وأنهم تخلفوا عن الحديبية من الأعراب الذين هم مزينة وجهينة وغفار وأشجع . أي سيقولون لكم إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، وذلك أن الله تعالى بعد صلح الحديبية وما نال أهلها من آلام نفسيّة أكرمهم بنعم كثيرة منها انه واعدهم بغنائم خيبر بأن يتم لهم فتحها ويغنمهم أموالها وكانت أموالاً عظيمة ، فلما عادوا إلى المدينة وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخروج إلى خيبر جاء هؤلاء المخلفون يطالبون بالسير معهم لأجل الغنيمة لا غير ، قال تعالى { يريدون أن يبدلوا كلام الله } وهو وعده لأهل الحديبية بأن يُغنمهم غنائم خيبر ، ولذا أمر رسوله أن يقول لهم لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل أي فقد أخبرنا تعالى بحالكم ومقالكم هذا قبل أن تقولوه وتكنوا عليه . وقوله { فسيقولون بل تحسدوننا } هذا من جملة ما أخبر تعالى به رسوله والمؤمنين قبل قولهم له وق قالوه أي ما منعتمونا من الخروج إلى خيبر إلا حسداً لنا أن ننال من الغنائم أي لم يكن الله أمركم بمنعنا ولكن الحسد هو الذي أمركم وقوله تعالى بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا أي وصمهم بوصمة الجهل وجعلها هي علة تخبطهم وحيرتهم وضلالهم ، انهم قليلوا الفهم والإِدراك فليسوا على مستوى الرجل الحاذق الماهر البصير الذي يحسن القول والعمل .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وعد الله رسوله والمؤمنين بغنائم خيبر وهم في طريقهم من الحديبية إلى المدينة وانجازه لهم دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحمكته ورحمته ولكها موجبة للإِيمان والتوحيد وحب الله والرغبة إليه والرهبة منه .
2- بيان حيرة الكافر واضطراب نفسه وتخبط قوله وعمله .
3- ذم الجهل وتقبيحة إنه بئس الوصف يوصف به المرء ، ولذا لا يرضاه حتى الجاهل لنفسه فلو قلت لجاهل يا جاهل لا تفعل كذا أو لا تقل كذا الغضب عليك .
(4/105)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) شرح الكلمات :
{ قل للمخلفين من الأعراب } : أي الذين تخلفوا عن الحديبية وطالبوا بالخروج إلى خيبر لأجل الغنائم اختباراً لهم .
{ ستدعون إلى قوم أولي بأس : أي ستدعون في يوم ما من الأيام إلى قتال قوم أولى بأس وشدة شديد } في الحرب .
{ تقاتلونهم أو يسلمون } : أي تقاتلونهم ، أو هُم يسلمون فلا حاجة إلى قتالهم .
{ فإِن تطيعوا } : أي أمر الداعي لكم إلى قتال القوم أصحاب البأس الشديد .
{ يؤتكم الله أجرا حسنا } : أي عودة اعتباركم مؤمنين صالحين في الدنيا والجنة في الآخرة .
{ وإن تتلوا } : أي تعرضوا عن الجهاد كما توليتم من قبل حيث لم تخرجوا للحديبية .
{ يعذبكم عذابا أليما } : في الدنيا بالقتل والاذلال وفي الآخرة بعذاب النار .
{ حرج } : أي إثم .
{ ومن يتول } : أي يعرض عن طاعة الله ورسوله .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكيم في مطلب هداية المنافقين من الأعراب إذ قال تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم قل للمخلفين الذين أصبح وصف التخلف شعاراً لهم يعرفون به وفي ذلك من الذم واللوم العتاب ما فيه قل لهم مختبراً إياهم ستدعون في يوم من الأيام إلى قتال قوم أولي بأس شديد في الحروب تقاتلونهم ، أو يسلمون فلا تقاتلوهم وذلك بأن يرضوا بدفع الجزية وهؤلاء لا يكونوا إلاّ نصارى أو مجوساً فهم إما فارس وإما الروم وقد اختلف في تحديدهم فإِن تطيعوا الأمر لكم بالخروج الداعي للجهاد فتخرجوا وتجاهدوا يؤتكم الله أجراً حسناً غنائم في الدنيا وحسن الصيت والأحدوثة والجنة فوق ذلك ، وإن تتولوا أي تعرضوا عن طاعة من يدعوكم ولا تخرجوا معه كما تولتيم من قبل حيث لم تخرجوا مع رسول الله صلى الله إلى مكة للعمرة خوفاً من قريش ورجاء أن يُهلك الرسول والمؤمنين ويخلو لكم الجوّ يعذبكم عذاباً أليماً أي في الدنيا بأن يسلط عليكم من يعذبكم وفي الآخرة بعذاب النار وقوله تعالى ليس على الأعمى حرج الآية إنه لما نزلت آية المنافقين قل للمخلفين من الأعراب وكان ختامها وإن تولوا عن الجهاد يعذبكم عذابا أليما خاف أصحاب الاعذار من مرض وغيره وبكوا فأنزل الله تعالى قوله ليس على الأعمى حرج أي إثم إذا لم يخرج للجهاد ولاعلى الأعرج حرج وهو الذي عرج في رجليه لا يقدر على المشي والجري والكر والفر ولا على المريض حرج وهو المريض بالطحال أو الكبد أو السعال من الأمراض المزمنة التي لا يقدر صاحبها على القتال وكان يعتمد على الفر والكر ولا بُد كذلك من سلامة البدن وقدرته على القتال .
وقوله { ومن يطع الله ورسوله } أي في أوامرهما ونواهيهما { يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار } وهذا وعد صادق من رب كريم رحيم ، ومن يتول عن طاعة الله ورسوله يُعذبه عذاباً أليما وهذا وعيد شديد قوي عزيز ألا فليتق الله امرؤ بإِن الله شديد العقاب .
هداية الآيات :
من هداية الآيات
1- مشروعية الاختبار والامتحان لمعرفة القدرات والمؤهلات .
2- بيان أن غزوا الإِسلام ينتهي إلى أحد أمرين إسلام الأمة المغزوَّة أو دخولها في الذمة بإِعطائها الجزية بالحكم الإِسلامي وسياسته .
3- دفع الإِثم والحرج في التخلف عن الجهاد لعذر العمى أو العرج أو المرض .
4- بيان وعد الله ووعيده لمن أطاعه ولمن عصاه ، الوعد بالجنة . والوعيد بالنار .
(4/106)

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) شرح الكلمات :
{ لقد رضي الله عن المؤمنين } : أي الراسخين في الإِيمان الأقوياء فيه وهم أهل بيعة الرضوان من أصحاب سول الله صلى الله عليه وسلم .
{ إذ يبايعونك } : أي بالحديبية أيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
{ تحت الشجرة } : أي سمرة وهم ألف وأربعمائة بايعوا على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا .
{ فعلم ما في قلوبهم فأنزل } : أي علم الله ما في قلوبهم من الصدق والوفاء فأنزل الطمأنينة { السكينة عليهم } : والثبات على ما هم عليه .
{ وأثابهم فتحاً قريبا } : أي هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية في ذي الحجة .
وفي آخر المحرم من سنة سبع غزوا خيبر ففتحها الله تعالى عليهم .
{ ومغانم كثيرة يأخذونها } : أي من خيبر .
{ وكان الله عزيزا حكيما } : أي كان وما زال تعالى عزيزا غالبا حكيما في تصريفه شؤون عباده .
معنى الآيتين :
قوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين هذا إخبار منه تعالى برضاه عن المؤمنين الكاملين في إيمانهم وهم ألف وأربعمائة الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت شجرة سمرة إلاّ الجد بن قيس الأنصاري فإِنه لم يبايع حيث كان لاصقا بإِبط ناقته مختبئا عن أعين الأصحاب وكان منافقا ومات على ذلك لا قرت له عين . وسبب هذ البيعة كما ذكره غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أُمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحملة على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له « وهو الاعتمار » وذلك حين نزل الحديبية . فعقروا به جملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحبيش « فرَقٌ من شتى القبائل يُقال لهم الأحابيش واحدهم أحبوش يقال لهم اليوم : اللفيف الأجنبي عبارة عن جيش أفراده من شتى البلاد والدول . فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهنا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليهم ، ولكني إدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظّما لحرمته فراح عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته فحمله بين يديه ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى سفيان وعظماء قليش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شئت أن تطوف .
(4/107)

بالبيت فطف به قال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قتل . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم عندئذ « لا نبرح حتى نناجز القوم » ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، هذا معنى قوله تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم } أي من الصدق والوفقاء فأنزل السكينة أي الطمأنينة والثبات عليهم وأثابهم أي جزاهم على صدقهم ووفائهم فتحا قريبا هو صلح الحديبية وفتح خيبر ، ومغانم كثيرة يأخذونها وهي غنائم خيبر ، وكان الله عزيزا أي غالبا على أمره ، حكيما في تدبيره لأوليائه .
هداية الآيتين :
من هداية الآيات :
1- بيان فضل أهل بيعة الرضوان وكرامة الله لهم برضاه عنهم .
2- ذكاء عمر وقوة فراسته إذ أمر بقطع الشجرة خشية أن تعبد ، وكم عبدت من أشجار في أمة الإِسلام في غيبة العلماء وأهل القرآن .
3- مكافأة الله تعالى للصادقين الصابرين المجاهدين من عباده المؤمنين بخير الدنيا والآخرة .
(4/108)

وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) شرح الكلمات :
{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } : أي من الفتوحات الإِسلامية التي وصلت الأندلس غربا .
{ فعجل لكم هذه } : أي غنيمة خيبر .
{ وكف أيدي الناس عنكم } : أي أيدي اليهود حيث حيث هموا بالغارة على بيوت الصحابة وفيها أزواجهم وأولادهمم وأموالهم فصرفهم الله عنهم .
{ ولتكون آية للمؤمنين } : أي تلك الصرفة التي صرف اليهود المتآمرين عن الاعتداء على عيال الصحابة وهم غُيّب في الحديبية أو خيبر آية يستدلون بها على كلاءة الله وحمايته لهم في حضورهم ومغيبهم .
{ ويهديكم صراطا مستقيما } : أي طريقا في التوكل على الله والتفويض إليه في الحضور والغيبة لا اعوجاج فيه .
{ وأخرى لم تقدروا عليها } : أي ومغانم أخرى لم تقدروا عليها وهي غنائم فارس والروم .
{ قد أحاط بها } : أي فهي محروسة لكم إلى حين تغزون فارس والروم فتأخذونها .
{ ولو قاتلكم الذين كفروا } : أي المشركون في الحديبية .
{ لولوا الأدبار } : أي لانهزموا أمامكم واعطوكم أدبارهم تضربونها .
{ سنة الله التي قد خلت من قبل } : أي هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين الصابرين سنة ماضيه في كل زمان ومكان .
{ وهو الذي كف أيديهم عنكم } : حيث جاء ثمانون من المشركين يريدون رسول الله والمؤمنين ليصيبوهم بسوء .
{ وأيديكم عنهم ببطن مكة } : فأخذهم أصحاب رسول الله أسرى وأتوا بهم إلى رسول فعفا عنهم .
{ من بعد أن يظفر عليهم } : وذلك بالحديبية التي هي بطن مكة .
معنى الآيات :
ما زال السياق في ذكر إفضال الله تعالى وإنعامه على المؤمنين المبايعين الله ورسوله على مناجزة المشركين وقتالهم وأن لا يفروا فقد ذكر أَنه أنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم خيبر الكثيرة فعطف على السابق خبراً عظيماً آخر فقال { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه } أي غنيمة خيبر ، { وكف أيدي الناس عنكم } وذلك أن يهود المدينة تمالأوا مع يهود خيبر وبعض العرب على أن يغيروا على دور الأنصار والمهاجرين ، بالمدينة ليقتلوا من بها وينهبوا ما فيها فكف تعالى أيديهم وصرفهم عما هموا به كرامة للمؤمنين ، وقوله { ولتكون آية للمؤمنين } أي تلك الصرفة التي صرف فيها قلوب من هموا بالغارة على عائلات وأسر الصحابة بالمدينة وهم غُيَّب بالحديبية آية تهديهم إلى زيادة التوكل على الله والتفويض إليه والاعتماد عليه . وقوله { ويهديكم صراطا مستقيما } أي ويسددكم طريقا واضحا لا اعوجاج فيه وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم فتتولكوا عليه في جميعها فيكفيكم عكل ما يهمكن ، ويدفع عنكم ما يضركم في مغيبكم وحضوركم . وقوله تعالى { وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها } أي وغنائم أخرى لم تقدروا وهي غنائم الروم وفارس . وقد أحاط الله بهم فلم يفلت منها شيء حتى تغزوا تلك البلاد وتأخذوها كاملة ، { وكان الله على كل شيء قديرا } ومن مظاهر قدرته أن يغنمكم وأنتم أقل عُددا وعددا غنائم أكبر دولتين في عالم ذلك الوقت فارس والروم .
(4/109)

وقوله { ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا } أي ومن جملة انعامه عليكم أنه لو قاتلكم أهل مكة وأنتم ببطنها لنصركم الله عليهم ولا نهزموا أمامكم مولينكم ظهورهم ولايجدون وليّاً يتولاهم بالدفاع عنهم ولا نصاراً ينصرهم لأنا سلطناكم عليهم . وقوله تعالى { سنة الله التي قد خلت من قبل } أي في الأمم السابقة وهي لأنّ ينصر أولياءه على أعدائه لا بد فكان هذا كالسنن الكونية التي لا تتبدل ، وهو معنى قوله { ولن تجد لسنة الله تبديلا } ، وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق ( 24 ) { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا } هذه منّة أخرى وكرامة عظيمة وهي أن قريشا بعثت بثمانين شابا إلى معسكر رسول الله في الحديبية لعلهم يصيبون غرة من الرسول وأصحابه فينالونهم بسوء فأوقعهم تعالى أسرى في أيدي المسلمين فمّن الرسول صلى الله عليه وسلم بالعفو فكان سبب صلح الحديبية . وقوله { وكان الله بما تعملون بصيرا } أي مطلعا عالما بكل ما يجري بينكم فهو معكم لولايته لكم .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- صدق وعد الله لأصحاب رسوله فى الغنائم التي وُعِدوا بها فتحققت كلماته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي غنائم فارس والروم .
2- كرامة الله للمؤمنين إذ حمى ظهورهم من خلفهم مرتين الأولى ما همَّ به اليهود من غارة على عائلات وأسر الصحابة بالمدينة النبويّة ، والثانية ما همَّ به رجال من المشركين للفتك بالمؤمنين ليلا بالحديبية إذ مكَّن الله منهم رسوله والمؤمنين ، ثم عفا عنهم رسول الله واطلق سراحهم فكان ذلك مساعدا قويا على تحقيق صلح الحديبية .
3- بيان سنة الله في أنه ما تقاتل أولياء الله مع أعدائه في معركة إلا نصر الله أولياءه على أعدائه .
(4/110)

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) شرح الكلمات :
{ هم الذين كفروا وصدوكم عن : أي بالله ورسوله ومنعوكم من الوصول إلى المسجد الحرام .
المسجد الحرام } { والهدي معكوفا ان يبلغ محله } : أي ومنعوا الهدي محبوسا حال بُلوغ محله من الحرم .
{ ولولا رجال مؤمنون ونساء : أي موجودون في مكة .
مؤمنات } { لم تعلموهم } : أي لم تعرفوهم مؤمنين ومؤمنات .
{ أن تطأوهم } : أي قتلا لهم عند قتالكم المشركين بمكة .
{ فتصيبكم منهم معرة بغير علم } : أي إثم وديات قتل الخطأ وعتق أو صيام لأَذِن لكم الله تعالى في دخول مكة .
{ ليدخل الله في رحمته من يشاء } : أي لم يؤذن لكم في دخول مكة فاتحين ليدخل الله في الإِسلام من يشاء .
{ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا : أي لو تميزوا فكان المؤمنون على حدة والكافرون على منهم عذابا أليما } حدة لأذنا لكم في الفتح وعذبنا الذين كفروا بأيديكم عذابا أليما وذلك بضربهم وقتلهم .
{ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم : أي لعذبناهم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية الحمية } حمية : الجاهلية وهي الأنفة المانعة من قبول الحق ولذا منعوا الرسول وأصحابه من دخول مكة وقالوا كيف يقتلون أبناءنا ويدخلون بلادنا واللات والعزى ما دخلوها .
فأنزل الله سكينته على رسوله : أي فهمَّ الصحابة أن يخالفوا أمر رسول الله بالصلح وعلى المؤمنين } فأنزل الله سكينته عليهم فرضوا ووافقوا فتم الصلح .
{ وألزمهم كلمة التقوى } : أي ألزمهم كلمة لا إله إلا الله إذ هي الواقية من الشرك .
{ وكانوا أحق بها وأهلها } : أي أجدر بكلمة التوحيد وأهلا للتقوى .
{ وكان الله بكل شيء عليما } : أي من أمور عباده وغيره ومن ذلك علمه بأهليه المؤمنين وأحقيتهم بكلمة التقوى « لا إله إلا الله » .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحديث عن صلح الحديبية فقال تعالى في المشركين ذاماً عائبا عليهم صنيعهم { هم الذين كفروا } أي بالله ورسوله وصدوكم عن المسجد الحرام أن تدخلوه وأنتم محرمون والهدى معكوفاً أي وصدوا الهدى الهدى الحال أنه محبوس يُنْتَظَرُ به دخول مكة لينحر وقوله تعالى { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } بمكة لم تعلموهم لأنهم كانا يخفون إسلامهم غالباً ، كراهة أن تطأوهم أثناء قتالكم المشركين فتصيبكم منهم معرّة بغير علم منكم بهم والمعرة العيب والمراد به هنا التبعة وما يلزم من قتل المسلم خطأ من الكفارة والدية لولا هذا لأذن لكم في دخول مكة غازين فاتحين لها وقوله تعالى { ليدخل الله في رحمته من يشاء } أي لم يأذن لكم في القتال ورضي لكم بالصلح ليدخل في رحمته من يشاء فالمؤمنون نالتهم رحمة الله إذ لم يؤذوا بدخلولكم مكة فاتحين والمشركون قد يكون تأخر الفتح سببا في إسلام من شاء الله تعالى له الإِسلام لا سيما عندما رأوا رحمة الإِسلام تتجلى في تلك القتال رحمة بالمؤمنين والمؤمنات حتى لا يتعرضوا للأذى فدين يراعي هذه الأخوة دين لا يحرم منه عاقل .
(4/111)

وقوله تعالى { لو تزيلوا } أي لو تميّز المؤمنون والمؤمنات عن المشركين بوجودهم في مكان خاص بهم لأذناً لكم في دخول مكة وقتال المشركين وعذَّبناهم بأيديكم عذاباً أليما وقوله { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } هذا تعليل للإِذن بقتال المشركين في مكة وتعذيبهم العذاب الأليم لولا وجود مؤمنين ومؤمنات بها يؤذيهم ذلك والمراد من الحمية الأنفة والتعاظم وما يمنع من قبول الحق والتسليم به وهذه من صفات أهل الجاهلية فقد قالوا ، كيف نسمح لهم بدخول بلادنا وقد قتلوا أبناءنا واللات والعزى ما دخلوا علينا أبداً ، وقوله تعالى { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } وذلك لما همَّ المؤمنون بعدم قبول الصلح لما فيه من التنازل الكبير للمشركين وهم على الباطل والمؤمنون على الحق فلما حصل هذا في نفوس المؤمنين أنزل الله سكينته عليهم وهي الطمأنينة والوقار والحلم فرضوا بالمصالحة وتمت وكان فيها خير كثير حتى قيل فيها إنها فتح أوَّلي أو فاتحة فتوحات لا حدَّ لها . وقوله تعالى { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } أي وشرف الله وأكرم المؤمنين بإِلزامهم التشريعي بكلمة لا إله إلا الله . إذ هي كلمة التقوى أي الواقية من الشرك والعذاب في الدارين وجعلهم أحق بها وأهلها . أي أجدر من غيرهم بكلمة التوحيد وأكثر أهلية للتقوى وكان الله بكل شيء عليما ومن ذلك علمه بأهليه أصحاب رسول الله بما جعلهم أهلا له من الإِيمان والتقوى .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان حكم المحصر وهو من منع دخول المسجد الحرام وهو محرم بحجج أو بعمرة فإِنه يتحلل بذبح هدي ويعود إلى بلاده ، ويذبح الهدى حيث أُحصِر ، وليس واجبا إدخاله إلى الحرم .
2- الأخذ بالحيطة في معملة المسلمين حتى لا يؤذى مؤمن أو مؤمنةً بغير علم .
3- بيان أن كلمة التقوى هي لا إله إلاّ الله .
4- الإِشارة إلى ما أصاب المسلمين من ألم نفسي من جراء الشروط القاسية التي اشترطها ممثل قريش ووثيقة الصلح . وهذا نص الوثيقة وما تحمله من شروط لم يقدر عليها إلاّ رسول الله بما آتاه الله من العلم والحكمة والحلم والصبر والوقار ، ولمَّا أنزل الله ذلك على المؤمنين من السكينة فحملوها وارتاحت نفوسهم لها نص الوثيقة : « ورد أن قريشا لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية بعثت إليه ثلاثة رجال هم سهيل بن عمرو القرشي ، وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن يخلي له قريش مكة من العام المقبل ثلاث أيام فقبل ذلك وكتبوا بينهم كتاباً فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب
(4/112)

« اكتب بسم الله الرحمن الرحيم » فقالوا : ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ، فكتب ثم قال « اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة » فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قتلناك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم « اكتب ما يريد فهمَّ » المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقّروا وحلموا وتم الصلح على ثلاث أشياء هي :
1- أنَّ من أتاهم من المشركين مسلماً ردوه إليهم .
2- أنَّ من أتاهم من المسلمين لم يردوه إليهم .
3- أنْ يدخل الرسول والمؤمنون مكة من عام قابل ويقيمون بها ثلاثة أيام لا غير ولا يدخلها بسلاح .
فلما فرع من الكتاب قال صلى الله عليه وسلم قوموا فانحروا ثم احلقوا .
(4/113)

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) شرح الكلمات :
{ لقد صدق الله ورسوله الرؤيا : أي جعل الله رؤيا رسوله التي رآها في النوم عام بالحق } الحديبية حقاً .
{ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء : هذا مضمون الرؤيا أي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } آمنين .
{ محلقين رؤوسكمو مقصرين } : أي حالقين جميع شعوركم أو مقصرينها .
{ لا تخافون } : أي أبداً حال الإِحرام وبعده .
{ فعلم ما لم تعلموا } : أي في الصلح الذي تَمَّ ، أي لم تعلموا من ذلك المعرة التي كانت تلحق المسلمين بقتالهم إخوانهم المؤمنين وهم لا يشعرون .
{ فجعل من دون ذلك فتحاً قريبا } : هو فتح خيبر وتحققت الرؤيا في العام القابل .
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى : فلذا لا يخلفه رؤياه بل يصدقه فيها .
ودين الحق } { ليظهره على الدين كله } : أ يليُعليه على سائر الأديان بنسخ الحق فيها ، وإبطال الباطل فيها ، أو بتسليط المسلمين على أهلها فيحكمونهم .
{ وكفى بالله شهيدا } : أي انك مرسل بما ذكر أي بالهدى ودين الحق .
معنى الآيات :
ما زال السياق في صلح الحديبية وما تم فيها من أحداث فقال تعالى { لقد صدق الله رسوله } أي محمداً صلى الله عليه وسلم { الرؤيا بالحق } أي الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بها أصحابه عند خروجهم من المدينة إلى مكة فقد أخبر بها أصحابه فسروا بذلك وفرحوا ولما تم الصلح بعد جهاد سياسي وعيسكري مرير ، وأمرهم الرسول أن ينحروا ويحلقوا اندهشوا لذلك وقال بعضهم أين الرؤيا التي رأيت؟ ونزلت سورة الفتح عند منصرفهم من الحديبية وفيها قوله تعالى { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون } ، وقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق فلما جاء العام القابل وفي نفس الأيام من شهر القعدة خرج رسول الله والمسلمون محرمين يُلبون وأخلت لهم قريش المسجد الحرام فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة وتحللوا من عمرتهم فمنعم المحلق ومنهم المقصر .
وقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا فأثبت الصلح وقرره لأنه لو كان قتال ولم يكن صلح لهلك المؤمنون بمكة والمؤمنات بالحرب وتحصل بذلك معرة كبرى للمسلمين الذي قتلوا اخوانهم في الإِسلام هذا من بعض الأمور التي اقتضت الصلح وترك التقال وقوله وجعل من دون ذلك فتحا قريبا الصلح فتح ، وفتح خيبر فتح ، وفتح مكة فتح ، وكلها من الفتح القريب . وقوله هو الذي أرسل رسوله أي محمد بالهدى ودين الحق أي الإِسلام فكيف إذاً لا يصدقه رؤياه كما ظن البعض وكفى بالله شهيداً على أنك يا محمد مرسل بما ذكر تعالى من الهدى والدين الحق وإظهاره على الدين كله بنسخ الحق الذي فيه وابنطال الباطل الذي ألصق به . أو بتسليط المسلمين على قهر وحكم أهل تلك الأديان الباطلة وقد حصل من هذا شيء كبير .
هداية الآيتين :
من هداية الآيتين :
1- تقرير أن رؤيا الأنبياء حق .
2- تعبير الرؤيا قد يتأخر سنة أو أكثر .
3- مشروعية الحق والتقصير للتحلل من الحج أو العمرة وإن الحلق أفضل لتقدمه .
4- مشروعية قول إن شاء الله في كل قول أو عمل يراد به المستقبل .
5- الإِسلام هو الدين الحق وما عداه فباطل .
(4/114)

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) شرح الكلمات :
{ محمد رسول الله والذين معه } : أي أصحابه رضوان الله عليهم .
{ أشداء على الكفار } : أي غلاظ لا يرحمونهم .
{ رحماء بينهم } : أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد .
{ تراهم ركعا سجدا } : أي تبصرهم ركعاً سجداً أي راكعين ساجدين .
{ يبتغون فضلا من الله ورضوانا } : أي يطلبون بالركوع والسجود ثوابا من ربهم هو الجنة ورضوانا هو رضاه عز وجل .
{ سيماهم في وجوههم } : أي نور وبياض يعرفون به يوم القيامة انهم سجدوا في الدنيا .
{ ذلك } : أي الوصف المذكور .
{ مثلهم في التوراة } : أي صفتهم في التوراة كتاب موسى عليه السلام .
{ أخرج شطأه } : أي فراخه .
{ فآزره } : أي قواه وأعانه .
{ فاستغلظ فاستوى } : أي غلظ واستوى أي قَوِيَ .
{ على سوقه } : جمع ساق أي على أصوله .
{ ليغيظ بهم الكفار } : هذا تعليل أي قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار .
معنى الآيا :
لما أخبر تعالى انه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله شهادة منه بذلك أخبر أيضا عنه بما يؤكد تلك الشهادة فقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه } من أصحابه { أشداء على الكفار } أي غلاظ قساة عليهم ، وذلك لأمرين الأول انهم كفروا بالله وعادوه ولم يؤمنوا به ولم يجيبوه ، والله يبغضهم لذلك فهم إذاً غلاظ عليهم لذلك والثاني أن الغلظة والشدة قد تكون سببا في هدايتهم لأنهم يتألمون بها ، ويرون خلافها مع المسلمين فيسلمون فيرحمون ويفوزون . وقوله تعالى { رحماء بينهم } أي فيما بينهم يتعاطفون يتراحمون فَتَرَى أحدهم يكره أن يمس جسمه أو ثوبه جسم الكافر أو ثوبه ، وتراه مع المسلم إذا رآه صافحه وعانقه ولا طفه وأعانه وأظهر له الحب والود . وقوله تعالى { تراهم } أي تبصرهم أيها المخاطب { ركعاً سجداً } أي راكعين ساجدين في صلواتهم { يبتغون } أي يلطبون بصلاتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم وتعاطفهم مع بعضهم ، يطلبون بذلك { فضلا من ربهم ورضوانا } أ يالجنة ورضا الله . وهذا أسمى ما يطلب المؤمن أن يدخله الله الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه . وقوله { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } أي علامات إيمانهم وصفائهم في وجوههم من أثر السجود إذ يبعثون يوم القيامة غُراً محجلين من آثار الوضوء { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } وفي الدنيا عليهم يسما التقوى والصلاح والتواضع واللين والرحمة . وقوله تعالى { ذلك } أي المذكور { مثلهم في التوراة } { ومثلهم في الإِنجيل كزرع أخرج شطأه } أي فراخه { فآزره } أي قواه وأعانه { فاستغلظ } أي غلظ { فاستوى } أي قوي { على سوقه } جمع ساق ما يحمل السنبلة من أصل لها { يعجب الزراع } أي الزارعين له وذلك لحسنه وسلامة ثمرته وقوله تعالى { ليغيظ بهم الكفار } أي قواهم وكثرهم من أجل أن يغيظ بهم الكفار ولذا ورد عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أن من يغيظه أصحاب رسول الله فهو كافر وقوله { وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة } أي لذنوبهم { وأجراً عظيما } هو الجنة .
(4/115)

هذا وعد خاص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم وهناك وعد عام لسائر المؤمنين والمؤمنات وذلك في آيات أخرى مثل آية المائدة { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم } هداية الآية الكريمة :
من هداية الآية الكريمة :
1- تقرير نبوة رسول الله وتأكيد رسالته .
2- بيان ما كان عليه رسول الله وأصحابه من الشدة والغلظة على الكفار والعطف والرحمة على أهل الإِيمان وهذا مما يجب الأتساء بهم فيه والاقتداء .
3- بيان فضل الصلاة ذات الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع .
4- صفة أصحاب رسول الله في كل من التوراة والإِنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم .
5- بيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأوا قليلين ثم أخذوا يكثرون حتى كثروا كثرة أغاظت الكفار .
6- بُغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافى مع الإِيمان منافاة كاملة لا سيما خيارهم وكبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة والمبشرين بالجنة العشرة وأصحاب بيعة الرضوان ، وأهل بدر قبلهم .
ولذا روي عن مالك رحمه الله تعالى : أن من يغيظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر .
(4/116)

 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

تفسير سورة الحجرات

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) شرح الكلمات :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا : أي لا تتقدّموا بقول ولا فعل إذ هو من قدم بمعنى تقدم .
بين يدي الله ورسوله } : كمن ذبح يوم العيد قبل أن يذبح رسول صلى الله عليه وسلم ، وكإِرادة أحد الشيخين تأمير رجل على قوم قبل استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم .
{ واتقوا الله إن الله سميع عليم } : أي خافوا الله انه سميع لأقوالكم عليم بأعمالكم .
{ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } : أي إذا نطقتم فوق صوت النبيّ إذا نطق .
{ ولا تجهروا له بالقول كجهر : أي إذا ناجيتموه فلا تجهروا في محادثتكم معه كما تجهرون بعضكم لبعض } فيما بينكم إجلالا له صلى الله عليه وسلم وتوقيراً وتقديراً .
{ أن تحبط أعمالكم } : أي كراهة أن تبطل أعمالكم فلا تُثابون عليها .
{ وأنتم لا تشعرون } : بحبوطها وبطلانها . إذ قد يصحب ذلك استخفاف بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لا سيما إذا صاحب ذلك إهانة وعدم مبالاة فهو الكفر والعياذ بالله .
{ يغضون أصواتهم عند رسول : أي يخفضونها حتى لكأنهم يسارونه ومنهم أبو بكر رضي الله الله } عنه .
{ امتحن الله قلوبهم للتقوى } : أي شرحها ووسعها لتتحمل تقوى الله . مأخوذ من محن الأديم إذا وسعه .
{ لهم مغفرة وأجر عظيم } : أي مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم وهو الجنة .
معنى الآيات :
قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلت لنا وتاضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه وهو يريد أن لا يتم صلح بين المؤمنين والمشركين ، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إحرامهم ونحر هداءاهم والرسول يأمر وهُم لا يستجيبون حتى تقدمهم صلى الله عليه وسلم فنحر هديه ثم نحروا بعده وتحللوا ، إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي بين يدي الله ورسوله وفي ذلك مصرة لا يعلم مداها إلاّ الله ، ولما انتهت تلك الحا لوذلك الظرف الصعب أنزل الله تعالى قوله { يا أيها الذين آمنوا } أي بالله رباً وإلهاً وبالإِسلام شرعة ودينا وبمحمد نبيّا ورسولا ناداهم بعنوان الإِيمان ليقول لهم ناهيا { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } أي قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فكرا أي لا تقولوا ولا تعلموا إلا تبعا لما قال الله ورسوله ، وشرع الله ورسوله { واتقوا الله } في ذلك فإِن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زلّة كبرى وعاقبتها سوأى . ولذا قال واتقوا الله إن الله سميع } أي لأقوالكم { عليم } بأعمالكم وأحوالكم . ومن هنا فواجب المسلم أن لا يقول ولا يعمل ولا يقضي ولا يُفتَي برأيه إلا إذا علم قول الله ورسوله وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما ، فإّذا لم يجد من ذلك شيئا اجتهد فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله تعالى فإِذا لاح له بعد ذلك نص من كتاب أو سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة .
(4/117)

هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 1 ) أما الآية الثانية ( 2 ) وهي قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } فإِنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولا نهاهم رضي الله عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلال النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول الله أخفض من صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كلّم رسول الله يساره الكلام مسارة وثانيا نهاهم إذا هم ناجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم توقيره وتعظيمه . وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذا هم لم يوقروا رسول الله ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم كما تحبط بالشرك والكفر وهم لا يشعرون . إِذْ رَفْعُ الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا محمد أو يا نبيّ الله ويا رسول الله وبأعلى الأصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم مبالاة صار كفراً محبطاً للعمل قطعا . وفي الآية الثالثة ( 3 ) يثني الله تعالى على أقوام يغضون أصواتهم أي يخفضونها عند رسول الله أي في حضرته وبين يديه كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما هؤلاء يخبر تعالى أنه امتحن قلوبهم للتقوى أي وسعها وشرحها لتحمل تقوى الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثا ، ويذكر لهم بشرى نعم البشرى وهي أن لهم منه تعالى مغفرة لذنوبهم ، واجراً عظيما يوم يلقونه وهو الجنة دار المتقين جعلنا الله منهم بفضله ورحمته .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- لا يجوز للمسلم أن يقدم رأيه او اجتهاده على الكتاب والسنة فلا رأي ولا اجتهاداً إلاّ عند عدم وجود نص من كتاب أو سنة وعليه إذا اجتهد أن يكون ما اجتهد فيه أقرب إلى مراد الله ورسوله ، أي الصق بالشرع ، وإن ظهر له بعد الاجتهاد نص من كتاب أو سنة عاد إلى الكتاب والسنة وترك رأيه أو اجتهاده فوراً وبلا تردد .
2- بما أن الله تعالى قد قبض إليه نبيّه ولم يبق بيننا رسول الله نتكلم معه أو نناجيه فنخفض أصواتنا عند ذلك فإِن علينا إذا ذكر رسول الله بيننا أو ذكر حديثه أن نتأدب عند ذلك فا نضحك ولا نرفع الصوت ، ولا نظهر أي استخفاف أو عدم مبالاة وإلا يخشى علينا أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر .
3- على الذي يغشون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرفعوا أصواتهم فيه إلا لضرورة درس أو خطبة أو أذان أو إقامة .
(4/118)

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) شرح الكلمات :
{ إن الذين ينادونك من وراء : أي حجرات نسائه والذين نادوه وفد من أعراب بني تميم منهم الحجرات } الزَّبرقان بن بدر والأقراع بن حابس وعيينة بن حصن .
{ أكثرهم لا يعقلون } : أي فيما فعلوه بمحلك الرفيع ومقامك السامي الشريف .
{ ولو أنهم صبروا حتى تخرج : أي ولو أنهم انتظروك حتى تخرج بعد قيامك من قيلولتك .
إليهم } { لكان خيراً لهم } : أي من ذلك النداء بأعلى أصواتهم من كل أبواب الحجرات .
{ والله غفور رحيم } : أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذا أساءوا مرتين الأولى برفع أصواتهم والثانية كانوا ينادونه ويقولون أن اخرج إلينا فإِن مدحنا زين وذمنا شين .
{ فاسق بنبأ } : أي ذو فسق وهو المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والنبأ الخير ذو الشأن .
{ فتبيّنوا } : أي تثبتوا قبل أن تقولوا أن تفعلوا أو تحكموا .
{ أن تصيبوا قوما بجهالة } : أي خشية إصابة قوم بجهالة منكم .
{ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } : أي فتصيروا على فعلكم الخاطىء نادمين .
{ واعلموا أن فيكم رسول الله } : أي فاحذروا أن تكذبوا أو تقولوا الباطل فإِن الوحي ينزل وتفضحون بكذبكم وباطلكم .
{ لو يطيعكم في كثير من الأمر : أي لوقعتم في المشقة الشديدة والإِثم أحيانا .
لعنتم } { وكره إليكم الكفر والفسوق } : أي بغَّض إلى قلوبكم الكفر والفسوق كالكذب والعصيان بترك واجب أو فعل محرم .
{ أولئك هم الراشدون } : أي الذين فعل ما فعل من تحبيب الإِيمان وتكريه الكفر وما ذكر معه هم الراشدون أي السالكون سبيل الرشاد .
{ فضلا من الله ونعمة } : أي أفضل بذلك عليهم فضلا وأنعم إنعاما ونعمة .
{ والله عليم حكيم } : أي عليم بخلقه وما يعملون حكيم في تدبيره لعباده هذا بعامة وبخاصة عليم بأولئك الراشدين حكيم في إنعامه عليهم .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تأديب المؤمنين إزاء نبيهم صلى الله عليه وسلم فقد عاب تعالى أقواما معهم جفاء وغلظة قيل انهم وفد من أعراب بني تميم منهم الزبرقان بن بدر ، والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءوا والرسول قائل وقت القيلولة ووقفوا على أبواب الحجرات ينادون بأعلى أصواتهم يا محمد يا محمد صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا فإِن مدحنا زين وإن ذمنا شين فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية الكريمة تأديبا لهم { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } حجرات نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أبواب الحجرات إلى المسجد . { أكثرهم لا يعقلون } أي فيما فعلوه بمقام الرسول الشريف ومكانته الرفيعة . { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم } بعد هبوبك من قيلولتك { لكان خيراً } أي من ذلك النداء بتعالي الأصوات من وراء الحجرات وقوله تعالى { والله غفور رحيم } أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذ لم يعجل لهم العقوبة وفتح لهم باب التوبة وأدبهم ولم يعنف ولم يغلظ ، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق ( 6 ) { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإِ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } هذه الآية وإن كان لها سبب في نزولها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأتي بزكاة أموالهم ، وكان بينهم وبين أسرة الوليد عداء في الجاهلية فذكره الوليد وهاب أن يدخل عليهم دارهم وهموا بقتله فهرب منهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهمَّ بغزوهم .
(4/119)

وما زال كذلك حتى أتى وفد منهم يسترضي رسول الله ويستعتب عنده خوفا من أن يكون قد بلغه عنهم سوء فأخبروه بأنهم على العهد وأن الوليد رجع من الطريق ولم يصل إليهم وبعث الرسول خالد بن الوليد من جهة فوصل إليهم قبل المغرب فإِذا بهم يؤذنون ويصلون المغرب والعشاء فعلم أنهم لم يرتدوا وأنهم على خير والحمد لله . وجاء بالزكوات وأنزل الله تعالى هذه الآية قلت إن هذه الآية وإن نزلت في سبب معين فإنها عامة وقاعدة أساسية هامة فعلى الفرد والجماعة والدولة أن لا يقبلوا من الأخبار التي تنقل إليهم ولا يعملوا بمقتضاها إلا بعد التثبت والتبين الصحيح كراهية أن يصيبوا فرداً أو جماعة بسوء بدون موجب لذلك ولا مقتضٍ الاقالة سوء وفرية قد يريد بها صاحبها منفعة لنفسه بجلب مصلحة أو دفع مضرة عنه . فالأخذ بمبدأ التثبت والتبين عند سماع خبر من شخص لم يعرف بالتقوى والاستقامة الكاملة والعدالة التامة واجب صونا لكرامة الأفراد وحماية لأرواحهم وأموالهم . والحمد لله على شرع عادل رحيم كهذا . فقوله { إن جاءكم فاسق } المراد بالفاسق من يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب كالكذب مثلا ، والنبأ الخبر ذو الشأن والتبيّن التثبت وقوله { أن تصيبوا قوما بجهالة } أن تصيبوهم في أبدانهم وأموالهم بعدم علم منكم وهي الجهالة وقوله { فتبحوا على ما فعلتم نادمين } أي من جرَّاء ما اتخذتم من أجراء خاطىء ، وقوله تعالى في الآية ( 7 ) { واعلموا } يلفت الربّ تعالى نظر المسلمين إلى حقيقة هم غافلون عنها وهو وجود الرسول صلى الله عليه وسلم حيّاً بينهم ينزل عليه الوحي فإِن هذه حال تتطلب منهم التزام الصدق في القول والعمل وإلاّ يفضحهم الوحي فوراً إن هم كذبوا في قول أو عمل كما فضح الوليد لما أخبر بغير الحق . هذا أولا وثانيا لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيعهم في كل ما يرونه ويقترحونه لوقعوا في مشاكل تُعرّضهم لمشاق لا تطاق ، بل وفي آثام عظام . هذا معنى قوله تعالى { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } وقوله { ولكن الله حبب إليكم الإِيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } فوقاكم كثيرا من أن تكذبوا على رسولكم أو تقترحوا عليه أو تفرضوا آراءكم .
(4/120)

وقوله { أولئك هم الراشدون } أي أولئك أصحاب رسول الله هم السالكون سبيل الرشاد فلا يتهوكون ولا يضلون وقوله { فضلا من الله ونعمة } أي هدايتهم كانت فضلا من الله ونعمة ، والله عليم بهم وبنياتهم وبواعث نفوسهم حكيم في تدبيره فأهَّل أصحاب رسول الله للخير وأضفاه عليهم فهم أفضل هذه الأمة على الاطلاق ولا مطمع لأحد أتى بعدهم أن يفوقهم في الفضل والكمال في الدنيا ولا في الآخرة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وعنا معهم آمين .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان سمو المقام المحمدي وشرف منزلته صلى الله عليه وسلم .
2- وجوب التثبت في الأخبار ذات الشأن التي قد يترتب عليها أذى أو ضرر بمن قيلت فيه ، وحرمة التسرع المفضي بالأخذ لاظنة فيندم الفاعل بعد ذلك في الدنيا والآخرة .
3- من أكبر النعم على المؤمن تحبيب الله تعالى الإيمان إليه وتزيينه في قبله ، وتكريه الكفر إليه والفسوق والعصيان وبذلك أصبح المؤمن أرشد الخلق بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(4/121)

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) شرح الكلمات :
{ وإن طائفتان من المؤمنين } : أي جماعاتان قلَّ أفرادهما أو كثروا من المسلمين .
{ اقتتلوا فأصحلو بينهما } : أي همموا بالاقتتال أو باشروه فعلا فأصلحوا ما فسد بينهما .
{ فإن بغت إحداهما على الأخرى } : أي تعدت بعد المصالحة بأن رفضت ذلك ولم ترض بحكم الله .
{ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء : أي قاتلوا أيها المؤمنون مجتمعين الطائفة التي بغت حتى إلى أمر الله } ترجع إلى الحق .
{ فإن فاءت فأصلحوا بينهما : أي رجعت إلى الحق بعد مقاتلتها فأصلحوا بينهما بالعدل أي بالعدل } بالحق .
{ وأقسطوا إن الله يحب : أي وأعدلوا في حكمكم إن الله يحب أهل العدل .
المقسطين } { إنما المؤمنون إخوة } : أي في الدين الإسلامي .
{ فأصلحوا بين أخويكم } : أي إذا تنازعا شيئا وتخاصما فيه .
{ واتقوا الله لعلكم ترحمون } : أي خافوا عقابه رجاء أن ترحموا إن أنتم اتقيتموه .
{ لا يسخر قوم من قوم } : أي لا يزدر قوم منكم قوما آخرين ويحتقرونهم .
{ عسى أن يكونوا خيرا منهم } : أي عند الله تعالى والعبرة بما عند الله لا ما عند الناس .
{ ولا تلمزوا أنفسكم } : أي لا تعيبوا بعضكم بعضا فإنكم كفرد واحد .
{ ولا تنابزوا بالألقاب } : أي لا يدعو بعكم بعضا بلقب يكرهه نحو يا فاسق يا جاهل .
{ بئس الاسم الفسوق بعد : أي قبح اسم الفسوق يكون للمرء بعد إيمانه وإسلامه .
الإيمان } { ومن لم يتب فأولئك هم : أي من لمز ونبز المؤمنين فأولئك البُعداء هم الظالمون .
الظالمون }
{ اجتنبوا كثيرا من الظن } : أي التهم التي ليس لها ما يوجبها من الأسباب والقرائن .
{ إن بعض الظن إثم } : أي كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين .
{ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم : أي لا تتبعوا عورات المسلمين وما بهم بالبحث عنها .
بعضا } { أيحب أحدكم أن يأكل لحم : أي لا يحسن به حب أكل لحم أخيه ميتا ولا حيا معا .
أخيه ميتا } { فكرهتموه } : أي وقد عرض عليك الأول فكرهتموه فاكرهوا أي كما كرهتم أكل لحمه ميتا فاكرهوه حيا وهو الغيبة .
{ وجعلناكم شعوبا وقبائل } : أي جمع شعب والقبيلة دون الشعب .
{ لتعارفوا } : أي ليعرف بعضكم بعضا فتعارفوا لا للتفاخر بعلو الأنساب .
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } : أي عليم بكم وبأحوالكم خبير بما تكونون عليه من كمال ونقص لا يخفى عليه شيء من أشياء العباد .
معنى الآيات :
قوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } الآيات ما زال الكريم في طلب تأديب المسلمين وتربيتهم واعدادهم للكمال الدنيوي والأخروي ففي الآيتين ( 9 ) و ( 10 ) من هذا السياق يرشد الله تعالى المسلمين إلى كيفة علاج مشكلة النزاع المسلح بين المسلمين الذي قد يحدث في المجتمع الإِسلامي بحكم الضعف الإِنساني من الوقت إلى الوقت وهو مما يكاد يكون من ضروريات الحياة البشرية وعوامله كثيرة لا حاجة إلى ذكرها فقال تعالى { وإن طائفتان } أي جماعتان { من المؤمنين اقتتلوا } ولو كان ذلك بين اثنين فقط { فأصلحوا } أيها المسلمون { بينهما } بالقضاء على أسباب الخلاف وترضيه الطرفين بما هو حق وخير وليس هذا بصعب مع وجود قلوب مؤمنة وهداية ربانية وقوله { فإِن بغت احداهما } أي اعتدت إحدى الطائفتين بعد الصلح { على الأخرى } بأن رفضت حكم الله الذي قامت المصاحلة بموجبه { فقاتلوا } مجتمعين { التي تبغي } أي تعتدي { حتى تفيىء إلى أمر الله } أي إلى الحق { فإِن فاءت } أي أذعنت للحق ورضيت به { فأصحلوا بينهما بالعدل وأقسطوا } في حكمكم دائما وأبدا { إن الله يحب المقسطين } .
(4/122)

وقوله تعالى في الآية ( 10 ) { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } يقرر تعالى الأخوة الإسلامية ويقصر المؤمنين عليها بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك { واتقوا الله } في ذلك فلا تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان الإِيمان والإِسلام في دياره وقوله { لعلكم ترحمون } فلا يتصدع بنيانكم ولا تتشتت أمتكم وتصبح جماعات وطوائف متعادية يقتل بعضها بعضا . ولما لم يتق المؤمنون الله في الإِصلاح الفوري بين الطوائف الإسلامية المتنازعة حصل من الفساد والشر ما الله به عليم في الغرب الإِسلامي والشرق . وقوله في الآية ( 11 ) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن } إذ من عوامل النزاع والتقاتل وأسبابهما سخرية المؤمن بأخيه واحتقاره لضعف حاله ورثاثة ثيابه وقلة ذات يده فحرم تعالى بهذه الآية على المسلم أن يحتقر أخاه المسلم ويزدريه منبهاً إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد يكون غالبا غير خيرا عند الله من المحتقر له والعبرة بما عند الله لا بما عند الناس والرجال في هذا والنساء سواء فلا يحل لمؤمنة أن تزدري وتحتقر أختها المؤمنة عسى أن تكون عند الله خيرا منها والعبرة بالمنزلة عند الله لا عند الناس وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لإِفضائها إلى العداوة والشحناء ثم التقاتل حرم كذلك اللمز والتنابز بالألقاب فقال تعالى { ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } ومعنى لا تلمزوا أنفسكم أي لا يعب بعضكم بعضا بأي عيب من العيوب فإِنكم كشخص واحد فمن عاب أخاه المسلم وأنما عاب نفسه كما أن المعاب قد يرد العيب بعيب من عابه وهذا معنى ولا تلمزوا أنفسكم وقوله ولا تنابزوا بالألقاب أي يلقب المسلم أخاه بلقب يكرهه فإِن ذلك يفضي إلى العداوة والمقاتلة وقوله { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } أي قبح أشدَّ القبح أن يلقب المسلم بلقب الفسق بعد أن اصبح مؤمنا عدلا كاملا في أخلاقه وآدابه فلا يحل لمؤمن أن يقول لأخيه يا فاسق أو يا كافر أو يا عاهر أو يا فاسد ، إذ بئس الاسم اسم الفسوق كما أن الملقب للمسلم بألقاب السوء يعد فاسقا وبئس الاسم له أن يكون فاسقاً بعد إيمانه بالله ولقائه والرسول وما جاء به ، وقوله تعالى { ومن لم يتب } أي من احتقار المسلمين وازدرائهم وتلقيبهم بألقاب يكرهونها { فأولئك هم الظالمون } المتعرضون لغضب الله وعقابه .
(4/123)

وقوله في الآية ( 12 ) { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا } ينادي الله تعالى المسلمين بعنوان الإِيمان إذ به أصبحوا أحياء يسمعون ويبصرون ويقدرون على الفعل والترك إذ الإِيمان بمثابة الروح إذ احلت الجسم تحرك فأبصرت العين وسمعت الأذن ونطق اللسان وفهم القلب .
فيقول { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } وهو كل ظن ليس له ما يوجبه من القرائن والأحوال والملابسات المقتضية له ، ويعلل هذا النهي المقتضى للتحريم فيقول { إن بعض الظن إثم } وذلك كظن السوء بأهل الخير والصلاح في الأمة فإِن ظن السوء فيهم قد يترتب عليه قول باطل أو فعل سوء أو تعطيل معروف ، فيكون إثما كبيراً ، وقوله { ولا تجسسوا } أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها والاطلاع عليها لما في ذلك من الضرر الكبير ، وقوله { ولا يغتب بعضكم بعضا } أي لا يذكر أحدكم أخاه في غيبته بما يكره وهنا يروى في الصحيح من الأحاديث ما معناه أن رجلا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال له « ذكرك أخاك بما يكره » فقال الرجل فإِن كان فيه ما يكره قال « فإِن كان فيه ما يكره فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما يكره فقد بهته والبهتان أسوأ الغيبة . » وقوله أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا؟ والجواب لا قطعاً إذاً فكما عرض عليكم لَحْمُ أخيكم ميتا فكرهتموه فاكرهوا إذاً أكل لحمه حيّاً وهو عرضه والعرض أعز وأغلى من الجسم وقوله { واتقوا الله } في غيبة بعضكم بعضا فإِن الغيبة من عوامل الدمار والفساد بين المسلمين ، وقوله { إن الله تواب رحيم } جملة تعليلية للأمر بالتوبة فأخبر تعالى انه يقبل توبة التائبين وأنه رحيم بالمؤمنين ومن مظاهر ذلك انه حرم الغيبة للمؤمن لما يحصل له بها من ضرر وأذى . وقوله تعالى في الآية ( 13 ) { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعبوبا وقبائل لتعارفوا } هذا نداء هو آخر نداءات الله تعالى عباده في هذه السورة وهو أعم من النداء بعنوان الإِيمان فقال { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } من آدم وحواء باعتبار الأصل كما أن كل آدمي مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والآخر أنثى { وجعلناكم شعوبا وقبائل } وبطوناً وأفخاذاً وفصاسل كل هذا لحكمة التعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان لا يعرف الحيوان الآخر ولكن جعلكم شعوباً وقبائل وعلائلات وأسر لحكمة التعارف المقتضي للتعاون إذا التعاون بين الأفراد ضروري لقيام مجتمع صالح سعيد فتعارفوا وتعاونوا ولا تتفرقوا لأجل التفاخر بالأنساب فإِنه لا قيمة للحسب ولا للنسب إذا كان المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
(4/124)

إن الشرف والكمال فيما عليه الإنسان من زكاة روحه وسلامة خلقه وإصابة رأيه وكثرة معارفه وقوله تعالى { إن الله عليم خبير } جملة تعليلية يبين فيها تعالى أنه عليم بالناس عليم بظواهرهم وبواطنهم وبما يكملهم ويسعدهم خيبر بكل شيء في حياتهم فليسلم له التشريع بالتحليل والتحريم والأمر والنهي فإِنه على علم بالحال والمآل وبما يسعد الإِنسان وبما يشقيه فآمنوا به وأطيعوه تكملوا وتسعدوا .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب مبادرة المسلمين إلى إصلاح ذات البين بينهم كلما حصل فساد أو خلل فيها .
2- وجوب تعاون المسلمين على تأديب أية جماعة تبغي وتعتدي حتى تفيىء إلى الحق .
3- وجوب الحكم بالعدل في قضية من قضايا المسلمين وغيرهم .
4- تقرير الأخوة الإِسلامية ووجوب تحقيقها بالقول والعمل .
5- حرمة السخرية واللمز والتنابز بين المسلمين .
6- وجوب اجتناب كل ظن لا قرينة ولا حال قوية تدعو إلى ذلك .
7- حرمة التجسس أي تتبع عوارات المسلمين وكشفها وإطلاع الناس عليها .
8- حرمة الغيبة والنميمة هي نقل الحديث على وجه الإِفساد ولذا يجوز ذكر الشخص وهو غائب في مواطن هي التظلم بأن يذكر المسلم من ظلمه لازالة ظلمه ، الاستعانة على تغيير المنكر بذكر صاحب المنكر . الاستفتاء نحو قول المستفتي ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له ذلك ، تحذير المسلمين من الشر بذكر فاعله قصد أن يحذروه ، المجاهر بالفسق ولا غيبة له ، التعريف بلقب لا يعرف الرجل إلا به .
9- حرمة التفاخر بالأنساب ووجوب التعارب للتعاون .
10- لا شرف ولا كرم إلا بشرف التقوى وكرامتها { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وفي الحديث « ا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلى بالتقوى » رواه الطبراني .
(4/125)

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) شرح الكلمات :
{ قالت الأعراب آمنا } : هم نفر من بني أسد قدموا على الرسول وقالوا له آمنا وهم غير مؤمنين .
{ قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } : أي قل لهم إنكم ما آمنتم بعد ولكن قولوا أسلمنا أي استسلمنا وانقدنا .
{ ولما يدخل الإِيمان في قلوبكم } : أي ولما يدخل الإِيمان بعد في قلوبكم ولكنه يتوقع له الدخول .
{ وإن تطيعوا الله ورسوله } : أي في الإِيمان والقيام بالفرائض واجتناب المحارم .
{ لا يلتكم من أعمالكم شيئا } : أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا .
{ إن الله غفور رحيم } : أي غفور للمؤمنين رحيم بهم إن هم صدقوا في إيمانهم .
{ إنما المؤمنون } : أي حق وصدقا لا ادعاء ونطقا هم .
{ الذين آمنوا بالله ورسوله } : أي بالله ربا وإلها وبالرسول محمد نبيا ورسولا .
{ ثم لم يرتابوا } : أي لم يشكوا فيما آمنوا به .
{ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في : أي جاهدوا مع رسول الله أعداء الله وهم الكافرون بأموالهم سبيل الله } وأنفسهم .
{ أولئك هم الصادقون } : أي في إيمانهم لا الذين قالوا آمنا بألسنتهم واستسلموا ظاهراً ولم يسلموا باطناً .
{ قل أتعلمون الله بدينكم } : أي قل لهم يا رسولنا أي لهؤلاء الأعراب أتشعرون الله بدينكم .
{ يمنون عليك أن أسلموا } : أي كونهم أسلموا بون قتال وغيرهم أسلم بعدَ قتالٍ .
{ قل لاتمنوا عليَّ إسلامكم } : أي لا حق لكم في ذلك بل الحق لله الذي هداكم للإِيمان إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم مؤمنون .
{ إن الله يعلم غيب السموات } : أي ان الله يعلم ما غاب في السموات وما غاب في الأرض فلا يخفى عليه أَمرُ مَن صدقَ في إيمانه وأمرُ مَن كذب ، ومن أسلم رغبة ومن أسلم رهبة .
معنى الآيات :
قوله تعالى { قالت الأعراب آمنا } هؤلاء جماعة من أعراب بني أٍد وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بأولادهم ونسائهم في سنة مجدبة فأظهروا له الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في نفوسهم ، فكانوا يفدون على رسول الله ويروحون ويقولون : أتتك العرب بأنفسها على ظهور واحلها ، ونحن قد جئناك بالأطفال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، يمنون على رسول الله وهم يريدون الصدقة ويقولون أعطنا فأنزل الله تعالى هذه الآية تربية لهم وتعليما إتماما لما اشتملت عليه سورة الحجرات من أنواع الهداية والتربية الإِسلامية فقال تعالى { قال الأعراب } أعراب بني أسد آمنا أي صدَّقنا بتوحيد الله وبنبوتك . قل لهم را عليم لم تؤمنوا بعد ، ولكن الصواب أن تقولوا أسلمنا أي أذعنا للإسلام وانقدنا لقبوله وهو الإِسلام الظاهري ، ولما يدخل الإِيمان في قلوبكم بعد وسيدخل إن شاء الله . وإن تطيعوا الله ورسوله أيها الأعراب في الإِيمان الحق وفي غيره من سائر التكاليف لا يلتكم أي لا ينقصكم الله تعالى من أجور أعمالكم الصالحة التي تعملونها طاعة لله ورسوله شيئا وإن قل .
(4/126)

وقوله غفور رحيم في هذه الجملة ترغيب لهم في الإِيمان الصادق والإِسلام الصحيح فأعلمهم أن الله تعالى غفور للتائبين رحيم بهم وبالمؤمنين قتوبوا إليه واصدقوه يغفر لكم ويرحمكم وقوله تعالى في الآية ( 15 ) إنما المؤمنون } أي حقا وصدقا الذين آمنوا بالله ربّاً وإلها ورسوله نبيا مطاعا ، ثم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا ابدا في صحة ما آمنوا به ، وجاهدوا أي أنفسهم فألزموها الاستعداد للنهوض بالتكاليف الشرعية في المنشط والمكره ، كما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعداء الإسلام من المشركين والكافرين وذلك الجهاد بالنفس والمال لا هدف له إلا طلب رضا الله سبحانه وتعالى أي لم يكن لأي غرض مادية دنيوي ، وإنما لرضا الله ولإِعلاء كلمة الله هؤلاء هم الصادقون في دعوى الإِيمان وقوله تعالى في الآية ( 16 ) { قل أتعلمون الله بدينكم } أي قل يا رسولنا لأولئك الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم أتعلّمِون الله بدينكم أي بإِيمانكم وطاعتكم وتشعرونه بهما والحال أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ، والله بكل شيء عليم إنه لا معنى لتعليمكم الله بدينكم وهو يعلم ما في السموات وما في الأرض وهو بكل شيء عليم إنه مظهر من مظاهر جهلكم بالله تعالى ، إذ لو علمتم انه يعلم ما في السموات وما في الأرض من دقيق وجليل لما فهتم بما فهتم به من إشعاركم الله بإِيمانكم وطاعتكم له . وقوله تعالى في الآية ( 17 ) { يمنون عليك أن أسلموا } أي يمّن أولئك الأعراب عليك يا رسولنا إيمانهم إذ قالوا آمنا بك ولم نقاتلك كما فعل غيرنا قل لهم لا تمنوا عليَّ إسلامكم واضرب عن هذا وقل لهم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإِيمان إن كنتم صادقين في دعواكم الإِيمان ، فالمنة لله عليكم لا أن تمنوا أنتم على رسوله . قوله تعالى { إن الله يعلم غيب السموات والأرض } أي كل ما غاب في في حاجة أن تعلموه بدينكم وتمنونه على رسوله صلى الله عليه وسلم والله بصير بما تعملون من عمل قلَّ أو كثر خفيَّ أو ظهر فاعلموا هذا وتأدبوا مع الله وأحسنوا الظن فيه تنجو من هلاك لازم لمن أساء الظن بالله وأساء الأدب مع رسوله الله .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان طبيعة أهل البادية وهي الغلظة والجفاء والبعد عن الكياسة والأدب .
2- بيان الفرق بين الإِيمان والإِسلام إذا اجتمعا فالإِيمان أعمال القلوب والإِسلام من أعمال الجوارح . وإذا افترقا فالإِيمان هو الإِسلام ، والإِسلام هو الإِيمان والحقيقة هي أنه لا يوجد إيمان صحيح بدون إسلام صحيح ، ولا إسلام صحيح بدون إيمان صحيح ، ولكن يوجد اسلام صوري بدون إيمان ، وتوجد دعوى إيمان كاذبة غير صادقة .
3- بيان المؤمنين حقا وهم الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم .
4- بيان حكم المنّ وأنه مذموم من الإِنسان ومحمود من الرحمن عز وجل وحقيقة المن هي عد النعمة وذكرها للمنعم عليه وتعدادها المرة بعد المرة .
5- بيان إحاطة علم الله بسائر المخلوقات ، وأنه لا يخفى عليه من أعمال العباد شيء .
(4/127)
 

القاسمية 26

مزمار داوُدي
2 أغسطس 2010
6,454
202
63
الجنس
أنثى
رد: كتاب ايسر التفاسير لابي بكر الجزائري || جزء الاحقاف [ نصيا ] متجدد باذن الله

تفسير سورة ق


ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) شرح الكلمات :
{ ق } : هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب هكذا ق وتقرأ هكذا قاف .
{ والقرآن المجيد } : أي والقرآن المجيد أي الكريم قَسَمِي لقد أرسلنا محمدا مبلغا عنا .
{ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } : أي بل عجب أهل مكة من مجيء منذر أي رسول منهم ينذرهم عذاب الله يوم القيامة .
{ فقال الكافرون هذا شيء : أي فقال المكذبون بالعبث هذا أي البعث بعد الموت والبلى عجيب } شيء عجيب .
{ أئذا متنا وكنا ترابا } : أئذا متنا وصرنا ترابا أي رفاة وعظاما نخرة نرجع أحياء .
{ ذلك رجع بعيد } : أي بعيد الإِمكان في غاية البعد . { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم } : أي قد أحاط علمنا بكل شيء فعلمنا ما تنقص الأرض من أجساد الموتى وما تأكل من لحومهم وعظامهم فكيف يستبعد منا إحياؤهم بعد موتهم .
{ وعندنا كتاب حفيظ } : أي كتاب المقادير الذي قد كتب فيه كل شيء ومن بين ذلك أعداد الموتى وأسماؤهم وصورهم وأجسامهم ويوم إعادتهم .
{ بل كذبوا بالحق لما جاءهم } : بل كذب المشركون بما هو أقبح من تكذبيهم بالبعث وهو تكذيبهم بالنبوة المحمدية وبالقرآن ومن نزل عليه .
{ فهم في أمر مريج } : أي مختلط عليهم فهم فيه مضطربون لا يثبتون على شيء إذ قالوا مرة سحر ومرة قالوا شعر ومرة كهانة وأخرى أساطير .
معنى الآيات :
قوله تعالى { ق } الله أعلم بمراده به إذ هو من الحروف المقطعة الآحادية نحو ص . ون وقوله تعالى { والقرآن المجيد } أي الكريم فالقرآن مجيد كريم لما فيه من الخير والبركة إذ قراءة الحرف الواحد منه بعشر حسنات . وقوله والقرآن المجيد قسم والجواب محذوف تقديره إن محمداً لرسول أمين . وقوله تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } أي إنهم لم يستنكروا أصل الإِرسال إليهم وإنما أنكروا كون المرسل بشراً مثلهم ينذرهم عذاب يوم القيامة وهم لا يؤمنون بالبعث الآخرة فلذا قالوا ما أخبر تعالى به عنهم وقوله { فقال الكافرون } أي بالبعث { هذا شيء عجيب }
أي أمر يدعو إلى التعجب إذ من مات وصار ترابا لا يعقل أن يبعث مرة أخرى فيُسأل ويحاسب ويجزي وقد أفصحوا عن معتقدهم { أئذا متنا وكنا تراباً } ذلك الرجوع إلى الحياة رجوع بعيد التحقيق . قال تعالى { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ } هذه برهنة واضحة على إبطال دعواهم وتحقيق عقيدة البعث أي قد علمنا ما تنقص الأرض منهم بعد الموت من لحم وعظم ، وعندنا كتاب حفيظ قد حوى كل شيء وحفظه مادة وكميَّة وكيفية بمقتضاه يعود الخلق كما بدأ لا ينقص منه شيء وقوله { بل كذبوا بالحق لما جاءهم } أي إن هناك ما هو أشنع من إنكاهرم وأقبح عقلا وهو تكذبيهم بالقرآن ومن أنزل عليه وهو الحق من الله فلذا هم فيه في أمر مريج أي مختلط فمرة قالوا في الرسول إنه ساحر وقالوا شاعر وقالوا مفتر كذاب وقالوا في القرآن أساطير الأولين فهم حقا في أمر مريج مختلط عليهم لا يدرون ما يقولون ويثبتون عليه .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان شرف القرآن ومجده وكرمه .
2- تقرير البعث والوحي الإِلهي .
3- البرهنة الصحيحة الواضحة على صحة البعث والجزاء وإمكانهما .
4- تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير كتاب المقادير .
(4/128)

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) شرح الكلمات :
{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم } : أي أعموا فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى السماء كائنة فوقهم فيعلموا أن استبعادهم للبعث غير صحيح .
{ كيف بنيناها وزيناها } : أي كيف بنيناها بلا عمد . وزيناها بالكواكب .
{ وما لها من فروج } : أي وليس لها من شقوق تعيبها .
{ والأرض مددناها } : أي بسطناها .
{ وألقينا فيها رواسي } : أي جبالا رواسي ثوابت لا تسير ولا تتحرك مثبتة للأرض كي لا تميد بأهلها .
{ وأنبتا فيها من كل زوج بهيج } : أي وأنبتنا في الأرض من كل صنف من أنواع النباتات حسن .
{ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } : أي جعلنا تبصرة وذكرى منا لكل عبد منيب إلى طاعتنا رجاع إلينا .
{ ونزلنا من السماء ماء مباركا } : أي ماء المطر كثير البركة .
{ فأنبتا به جنات وحب الحصيد } : أي أنبتنا بماء السماء بساتين وحب الحصيد أي المحصود من البر والشعير .
{ والنخل باسقات } : أي وأنبتنا بالماء النخيل الطوال العاليات .
{ لها طلع نضيد } : أي لها طلع متراكب بعضه فوق بعض .
{ رزقا للعباد } : أي انبتنا ما أنبتنا من الجنات والحب الحصيد والنخل الباسقات قوتا للعباد ورزقا لهم مؤمنهم وكافرهم .
{ وأحيينا به بلدة ميتا } : وأحيينا بذلك الماء الذي أنزلناه بلدة ميتا لا نبات فيها من الجدب الذي أصابها والقحط .
{ كذلك الخروج } : أي كما أخرجنا النبات من الأرض الميتة بالماء نخرجكم أحياء من قبوكم يوم القيامة بماء ننزله من السماء على الأرض فتنبتون كما ينبت البقل .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث وهي العقيدة التي بُنيَ عليها كل إصلاح يراد للإِنسان بعد عقيدة الإِيمان بالله تعالى ربّا وإلهاً قال تعالى { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج } أي أعمي أولئك المنكرون للبعث المكذبون بلقاء ربهم يوم القيامة فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى حجم السماء الواسع العالي الرفيع الكائن فوقهم وقد رفع بلا عند ولا سند . وقد زينّه خالقه بكواكب نيّرة وأقمار منيرة وشموس مضيئة ولم يُر في السماء من تصدع ولا شقوق ولا تفطر الحياة كلها أليس القادر على خلق السماء قادر على إحياء موتى خلقهم وأماتهم بقدرته أليس القادر على الخلق ابتداء وعلى الإِماتة ثانية بقادر على إحياء من خلق وأمات؟ وقوله { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي } أي مالهم لا ينظرون إلى الأرض أي بسطهى وألقى فيها الجبال لتثبيتها حتى لا تميد بهم . وقوله { وأنبتنا فيها من كل زوج } أي صنف من النباتات والزروع بهيج المنظر حسنه ، وقوله { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } وقوله { وأنزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا فيه جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد } أي أليس الذي أنزل من السماء ماء مباركا لما يكثر به من الخيرات والبركات من النبات والحيوان فأنبت به جنّات أي بساتين من أشجار ونخيل وأعناب ، وأنبت به حب الحصيد وهو كل حب يحصد عند طيبه من قمح وشعير وذرة وغيرها وأنبت به النخل إلى رطبٍ شهيٍ يأكله الإِنسان وقوله رزقا للعباد أي قوتا لهم يقتاتون به مؤمنين وكافرين إلاّ أن المؤمن إذا أكل شكر والكافر إذا أكل كفر ، وقوله { وأحيينا به } أي بالماء الذي أنزلناه من السماء مباركاً بلدة ميتا لا نبات بها ولا عشب ولا كلأ فأصحبت تهتز رابية كذلك الخروج أي هكذا يكون كما يخرج الشجر والزرع من الأرض بواسطة الماء المبارك فبأي عقل تنكرون البعث أيها المنكرون .
(4/129)

إنها كما قال تعالى { لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } .
هداية الآيات :
من هداية الآيات : 1- تقرير عقيدة البعث بمظاهر القدرية الإِلهية في الكون .
2- مشروعية النظر والاعتبار فيما يحيط بالإِنسان من مظاهر الكون والحياة للعبرة طلبا لزيادة الإِيمان والوصول به إلى مستوى اليقين .
3- فضل العبد المنيب وفضيلة الإِنابة إلى الله تعالى والمنيب هو الذي يرجع إلى ربه في كل ما يهمه والإِنابة التوبة إلى الله والرجوع إلى طاعته بعد معصيته .
(4/130)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) شرح الكلمات :
{ كذبت قبله قوم نوح } : أي قبل قومك يا رسولنا بالبعث والتوحيد والنبوة قوم نوح .
{ وأصحاب الرس وثمود } : أي وكذب أصحاب الرس وهي بئر كانوا مقيمين حولها يعبدون الأصنام وثمود وهم أصحاب الحجر وقوم صالح .
{ وعاد وفرعون } : وكذبت عاد قوم هود ، وكذب فرعون موسى عليه السلام .
{ وإخوان لوط وأصحاب الأيكة } : أي وكذب قوم لوط أخاهم لوطا ، وكذب أصحاب الأيكة شعيبا .
{ وقوم تبع } : أي وكذب قوم تبع الحميري اليمني .
{ كل قد كذب الرسل } : أي كل من ذكر قد كذب الرسل فلست وحدك المكذَّب يا محمد صلى الله عليه وسلم .
{ فحق وعيد } : أي فوجب وعيدي لهم بنزول العذاب عليهم فنزل فهلكوا .
{ أفعيينا بالخلق الأول } : أي أفعيينا بخلق الناس أولا والجواب لا إذاً فكيف نعيى بخلقهم ثانية وإعادتهم كما كانوا؟ .
{ بل هم في لبس من خلق جديد } : أي هم غير منكرين لقدرة الله عن الخلق الأول بل هم في خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة وهي أن كل من مات منهم يرونه يفنى ولا يعود حيّاً .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثبات النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { كذبت قبلهم } أي قبل قريش المكذبين بالبعث والجزاء بالنبوة المحمدية كذبت قبلهم قوم نوح وهم أول أمة كذبت وعاش نوح نبيها ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوها إلى الله فلم يؤمن منهم أكثر من نيف وثمانين نسمة ، وأصحاب الرس أيضا قد أخذا نبيهم ورسوه في بئر فقتلوه فأهلكهم الله تعلاى في بئر كانوا يقيمون على أصنام حولها يعبدونها فأهلكهم في تلك البئر وأهلك ثموداً وهم قوم صالح ، وعاداً وهم قود هود وفرعون موسى وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة أي الشجر الملتف إذ كانا يعبدون أشجار تلك الأيكة ، وقوم تبع وهو تبع الحميري اليميني . وقوله تعالى { كل كذب الرسل } أي كل تلك الأمم التي ذكرنا كذبوا الرسل ولم يؤمنوا بهم ولا بما جاءوهم به من التوحيد والشرع { فحق وعيد } أي فوجب لذلك عذابهم الذي واعتدهم به على ألسنة رسلي إن لم يؤمنوا فأهلكناهم أجمعين وقومك يا محمد هم موعودون أيضاً بالعذاب إن لم يبادروا بالإِيمان الطاعة .
وقوله تعالى { أفعيينا بالخلق الأول } والجواب لا إذ الاستفهام للنفي أي لم يَعْيَ الله تعالى بخلق كل ما خلق الملائكة والإنس والجن فكيف إذاً يعيى بالإعادة وهي أهون من البدء والبداية ، وقوله تعالى { بل هم في لبس من خلق جديد } أي انهم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأولى بل هم في لبس أي خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة حيث هم يرون الناس يموتون ولا يحيون .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم بإِعلامه بأن قومه ليسوا أول من كذب الرسل .
2- تهديد المصرين على التكذيب من كفار قريش بالعذاب إذ ليسوا بأفضل من غيرهم وقد أهلكوا لما كذبوا .
3- تقرير البعث والجزاء وإثبات عقيدتهما بالأدلة العقلية كبدء الخلق .
4- ضعف إدراك المنكرين للبعث لظلمة نفوسهم بالشرك والمعاصي .
(4/131)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) شرح الكلمات :
{ ولقد خلقنا الإِنسان } : أي خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة اقتضت خلقه فلم نخلقه عبثا .
{ ونعلم ما توسوس به نفسه } : أي ونعلم ما تحدث به نفسه أي نعلم ما في نفسه من خواطر وإرادات .
{ ونحن أقرب إليه حبل الوريد } : أي نحن بقدرتنا على الأخذ منه العطاء والعلم بما يُسر ويُظهر أقرب إليه من حبل الوريد الذي هو في حلقه .
{ إذ يتلقى المتلقيان } : أي نحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عمله فيكتبانه .
{ عن اليمين وعن الشمال قعيد } : أي أحدهما عن يمينه قعيد والثاني عن شماله قعيد أيضا .
{ ما يلفظ من قول } : أي ما يقول من قول .
{ إلا لديه رقيب عتيد } : أي إلا عنده ملك رقيب حافظ عتيد حاضر معد للكتابة .
{ ما يلفظ من قول } : أي ما يقول من قول .
{ وجاءت سكرة الموت بالحق } : أي غمرة الموت وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر لها عيانا .
{ ذلك ما كنت منه تحيد } : أي ذلك الموت الذي كنت تهرب منه وتفرغ .
{ ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد } : أي ونفخ في الصور الذي هو القرن ذلك يوم الوعيد للكفار بالعذاب .
{ معها سائق وشهيد } : أي معها سائق يسوقها إلى المحشر وشهيد يشهد عليها .
{ لقد كنت في غفلة من هذا } : أي من هذا العذاب النازل بك الآن .
{ فكشفنا عنك غطاءك } : أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم .
{ فبصرك اليوم حديد } : أي حاد تدرك به ما كنت تنكره في الدنيا من البعث الجزاء .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى { ولقد خلقنا الإِنسان } حسب سنتنا في الخلق خلقناه بقدرتنا وعلمناه لحكمة اقتضت خلقه منا ولم نخلقه عبثا ونحن نعلم ما توسوس به نفسه أي ما تتحدث به نفسه من إرادات أو خواطر ، ونحن أي ربّ العزة والجلال أقرب إليه من حبل الوريد فلو أرادنا أن نأخذ منه أو نعطيه أو نسمع منه أو نعلم به لكنا على ذلك قادرين وقربنا في ذلك منه أقرب من حبل عنقه إلى نفسه وذلك في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان المتلقيان سائر أقواله وأعماله يثبتانها ويحفظانها وقوله عن اليمين وعن الشمال قعيد أي أحد الملكين وهما المتلقيان عن يمينه قاعد والثاني عن شماله قاعد هذا يكتب الحسات وذاك يكتب السيئات .
ولفظ قعيد معناه قاعد كجليس بمعنى مجالس أو جالس ، وقوله تعالى { ما يلفظ من قول } أي ما يقول الإِنسان إلا لديه رقيب عتيد أي إلا عنده ملك رقيب حافظ ، وعتيد حاضر لا يفارقانه مدى الحياة إلا أنهما يتناوبان ملكان بالنهار ، وملكان بالليل ويجتمعون في صلاتي الصبح والعصر وقوله تعالى { وجاءت سكرة الموت بالحق } أي وإن طالب العمر فلا بد من الموت وها هي ذي قد جاءت سكرة الموت أي غمرته وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر للبعث والدار الآخرة المكذب به يراه عياناً .
(4/132)

{ ذلك ما كنت منه تحيد } أي يقال له هذا الموت الذي كنت منه تحيد أي تهرب وتفزع . وقوله تعالى { ونفخ في الصور } أي نفخ اسرافيل في الصور أي القرن الذي قد التقمه وجعله في فيه من يوم بعث النبي الخاتم نبيّ آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم وهو ينتظر متى يؤمؤ فينفخ نفخة الفناء ذلك أن يوم ينفخ في الصور هو يوم الوعيد بالعذاب للكافرين ، وفعلا نفخ في الصور نفخة البعث بعد نفخة الفناء { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } أي ملك يسوقها إلى المحشر وملك شاهد يشهد عليها . ويقال لذلك الذي جاء به سائق يسوقه وشاهد يشهد عليه لقد كنت في غفلة من هذا أي كنت في الدنيا غفلة عن الآخرة وما فيها وغفلتك من شهواتك ولذَّاتك وغرورك بالحياة الدنيا من هذا العذاب النازل بك الآن فكشفنا عنك غطاءك أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم عيانا بيانا من ألوان العذاب فبصرك اليوم حديد أي حاد تدرك به وتبصر ما كنت تكفر به في الدينا وتُنكرهُ .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان قدرة الله وعلمه وأنه أقرب إلى الإِنسان من حبل وريده ألا فليتق الله امرؤ .
2- تقرير عقيدة أن لكل إنسان مكلف ملكين يكتبان حسناته وسيئاته .
3- بيان أن للموت سكرات قطعا اللهم هون علينا سكرات الموت .
4- ساعة الاحتضار يؤمن كل إنسان بالدار الآخرة إذ يرى ما كان ينكره يراه بعينه .
5- تقرير عقدية البعث والجزاء بعرض بعض أحوال وأهوال الآخرة .
(4/133)

وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) شرح الكلمات :
{ وقال قرينه } : أي الملك الموكل به .
{ هذا ما لديّ عتيد } : أي هذا عمله حاضر لديّ .
{ كل كفار عنيد } : أي كثير الكفر والجحود لتوحيد الله وللقائه ولرسوله معاند كثير العناد .
{ مناع للخير معتد مريب } : أي مناع للحقوق والواجبات من المال وغيره .
{ الذي جعل مع الله إلهاً آخر } : أي أشرك بالله فجعل معه آلهة أخرى يعبدها .
{ ربنا ما أطغيته } : أي يقول قرينه من الشياطين يا ربنا ما أطغيته أي ما حملته على الطغيان .
{ ولكن كان في ضلال بعيد } : أي ولكن الرجل كان في ضلال بعيد عن كل هدى متوغلا في الشرك والشر .
{ وقد قدمت إليكم بالوعيد } : أي قدمت إليكم وعيدي بالعذاب في كتبي وعلى لسان رسلي .
{ ما يبدل القول لديّ } : أي ما يغير القول عندي وهو قوله لأملأن جهنم منكم أجمعين .
{ يوم نقول لجهنم هل امتلأت } : أي وما الله بظلام للعبيد يوم يقول لجهنم هل امتلأت .
{ وتقول هل من مزيد } : أي لم أمتليء هل من زيادة فيضع الجبار عليها قدمه فتقول قط قط .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مشاهد القيامة وأحوال الناس فيها فقال تعالى { وقال قرينه } أي قال قرين ذلك الكافر الذي جيىء به إلى ساحة فصل القضاء ومعه سائق يسوقه وشهيد يشهد عليه . قال قرينه وهو الملك الموكل بههذا ما لديّ أي من أعمال هذا الرجل الذي وكلت بحفظ أعماله وكتابتها عتيد أي حاضر . وهنا يقال لمن استحق النار { ألقيا في جهنم } وهو خطاب لمن جاءا به وهما السائق والشهيد { كل كفّار عنيد مناع للخير معتد مريب } فهذه خمس صفات قد اجتمعت في شخص واحد فأوبقته الأولى { كفار } أي كثير الكفر الذي هو الجحود لما يجب الإِيمان به والتصديق من سائر أركان الإِيمان الستة ، والثانية عنيد والعنيد التارك لكل ما وجب عليه المعاند في الحق المعاكس في المعروف وهي صفة . الثالثة مناع للخير أي كثير المنع للخير مالاً كان أو غيره لا يبذل معروفاً قط ، الرابعة معتدٍ أي على حدود الشرع معتد على الناس ظالم لهم بأكل حقوقهم وأذيتهم في أعراضهم وأموالهم وأبدانهم الخامسة مريب أي شاك لا يعرف التصديق بشء من أمور الدين فهو جامع لكل أنواع الكفر وقوله { الذي جعل مع الله إلهاً } وهذا وصف سادس وهو أسوأ تلك الصفات وهو اتخاذه إلهاً آخر يعبده دون الله تعالى وقوله تعالى { فألقياه في العذاب الشديد } هذا أمر آخر أكد به الأمر الأول وهو ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . وقوله تعالى { قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } قال هذا القول القرين لما قال المشرك معتذراً ربّ إن قريني من الشياطين أطغاني فرد عليه القريب ما أخبر تعالى به عنه في قوله قال قرينه ربنا ما أطغتيه ولكن كان في ضلال بعيد فقال الرب تعالى { لا تختصموا لديّ وقد قدمت إليكم بالوعيد } فرد الله حجة كل من الكافر والقرين من الشياطين وأعلمهما أنه قد قدم إليهما بالوعيد في كتبه وعلى ألسن رسله من كفر بالله وأشرك به وعصى رسله فإن له نار جهنم خالداً فيها أبدا .
(4/134)

وقوله تعالى { ما يبدل القول لديّ وما أنا بظلام للعبيد } أخبر تعالى أن حكمه نافذ فيمن كفر به وعصى رسله إذ سبق قول لإِبليس عندا أخرج آدم من الجنة بوسواسه وهو لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين . فهذا القول الإِلهي لا يبدل ولا يقدر أحد على تبديله وتغييره وقوله { وما أنا بظلام للعبيد نفى تعالى الظلم عن نفسه والظلم هو أن يعذب مطيعا ، أو يدخل الجنة كافراً عاصياً .
وقوله تعالى { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } أي اذكر يا نبينا لقومك هل امتلأت فتقول هل من مزيد بعدما يدخل فيها كل كافر وكافرة من الإِنس والجن وتقول طالبة الزيادة هل من مزيد؟ ولما لم يبق أحد يستحق عذاب النار يضع الجبار فيها قدمه فينزوي بعضها في بعض وتقول قط قط والحديث معناه في الصحيحين وغيرهما .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء .
2- التحذير من الصفات الست التي جاءت في الآية وهي الكفر والعناد ومنع الخير والاعتداء والشك والشرك .
3- بيان خصومة أهل النار من إنسان وشيطان .
4- نفي الظلم عن الله تعالى وهو كذلك فلا يظلم الله أحدا من خلقه .
5- إثبات صفة القدم للربّ تعالى كما يليق هذا الوصف بذاته التي لا تشبه الذوات سبحانه وتعالى عن صفات المحدثين من خلقه .
(4/135)

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) شرح الكلمات :
{ وأزلفت الجنة للمتقين } : أي قرّبت الجنة للمتقين الذين اتقوا الشرك والمعاصي .
{ غير بعيد } : أي مكانا غير بعيد منهم بحيث يرونها .
{ لكل أواب حفيظ } : أي رجاع إلى طاعة الله كلما ترك طاعة عاد إليها حافظ لحدود الله .
{ من خشي الرحمن بالغيب } : أي خاف الله تعالى فلم يعصه وإن عصاه تاب إليه وهو لم يره .
{ وجاء بقلب منيب } : أي مقبل على طاعته تعالى .
{ أدخلوها بسلام } : أي ويقال لهم وهم المتقون أدخلوها أي الجنة بسلام أي مع سلام وحال كونكم سالمين من كل مخوف .
{ ولدينا مزيد } : أي مزيد من الأنعام والتكريم في الجنة وهو النظر إلى وجه الله الكريم .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير البعث والجزاء بذكر بعض مظاهره قال تعالى بعد ما ذكر ما لأهل النار من عذاب { وأزلفت الجنة } أي أدنيت وقربت { للمتقين غير بعيد } وهم الذي اتقوا الله تعالى بترك الشرك والمعاصي فلا تركوا فريضة ولا غشوا كبيرة . وقوله تعالى هذا ما توعدون أي يقال لهم هذا ما توعدون أي من النعيم المقيم ، لكل أواب حفيظ أي رجاع إلى طاعة الله تعالى حفيظ أي حافظ لحدود الله . حفيظ أيضا لذنوبه لا ينساها كلما ذكرها استغفر الله تعالى منها . وقوله من خشي الرحمن بالغيب هذا بيان للأواب والحفيظ وهو من خاف الرحمن تعالى بالغيب أي وهو غائب عنه لا يراه ولم يعصه بترك واجب ولا بفعل حرام ، وقوله وجاء بقلب منيب أي إلى ربه أي مقبل على طاعته بذكر الله فلا ينساه ويطيعه فلا يعصيه ، وقوله تعالى ادخلوها أي يقال لهم أي للمتقين ادخلوها أي الجنة بسلام أي مسلما عليكم وسالمين من كل مخوف كالموت والمرض والألم والحزن وذلك يوم الخلود أي في الجنة وفي النار فأهل الجنة خالدون فيها وأهل النار خالدون فيها وقوله لهم ما يشاءون فيها أي لأهل الجنة ما يشاءون أي ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم وقوله ولدينا مزيد أي وعندنا لكم مزيد من النعيم وهو النظر إلى وجهه الكريم .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- فضل التقوى وكرامة المتقين على ربّ العالمين .
2- فضل الأواب الحفيظ وهو الذي كلما ذكر ذنبه استغفر ربّه .
3- بيان أكبر نعيم في الجنة وهو رضا الله والنظر إلى وجهه الكريم .
(4/136)

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) شرح الكلمات :
{ وك أهلكنا قبلهم من قرن } : أي كثيرا من أهل القرون قبل كفار قريش أهلكناهم .
{ هم أش منهم بطشا } : أي أهل القرون الذي أهلكناهم قبل كفار قريش هم أشد قوة وأعظم أخذا من كفار قريش ومع هذا أهلكناهم .
{ فنقبوا في البلاد هل من محيص } : أي بحثوا وفتشوا في البلاد علَّهم يجدون مهرباً من الهلاك فلم يجدوا .
{ إن في ذلك لذكرى } : أي إن في المذكور من إهلاك الأمم القوية موعظة .
{ لمن كان له قلب أو ألقى السمع } : أي الموعظة تحصل للذي له قلب حيٌ وألقى سمعه يستمع .
{ وهو شهيد } : وهو شهيد أي حاضر أثناء استماعه حاضر القلب والحواس .
{ وما مسنا من لغوب } : أي من نصب ولا تعب .
{ فاصبر على ما يقولون } : أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله اليهود وغيرهم من التشبيه لله والتكذيب بصفاته .
{ وسبح بحمد ربك قبل طلوع : أي صل حامداً لربك قبل طلوع الشمس وهي صلاة الصبح .
الشمس } { وقبل الغروب } : أي صل صلاة الظهر والعصر .
{ ومن الليل فسبحه } : أي صل صلاتي المغرب والعشاء .
{ وأدبار السجود } : أي بعد أداء الفرائض فسبح بألفاظ الذكر والتسبيح .
{ واستمع } : أي أيها المخاطب إلى ما أقول لك .
{ يوم ينادي المناد من مكان قريب } : أي يوم ينادي إسرافيل من مكان قريب من السماء وهو صخرة بيت المقدس فيقول أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء .
{ يوم يسمعون الصيحة بالحق } : أي نفخة إسرافيل الثانية وهي نفخة البعث يعلمون عاقبة تكذيبهم
. { ذلك يوم الخروج } : أي من القبور .
{ يوم تشقق الأرض عنهم سراعا } : أي يخرجون من قبورهم مسرعين بعد تشقق القبور عنهم .
{ ذلك حشر علينا يسير } : أي ذلك حشر للناس وجمع لهم في موقف الحساب يسير سهل علينا .
{ نحن أعلم بما يقولون } : أي من الكفر والباطل فلا تيأس لذلك سننتقم منهم .
{ وما أنت عليهم بجبار } : أي بحيث تجبرهم على الإِيمان والتقوى .
{ فذكر بالقرآن } : أي عظ مرغبا مرهبا بالقرآن فاقرأه على المؤمنين فهم الذين يخافون وعيد الله تعالى ويطمعون في وعده .
معنى الآيات :
بعد ذلك العرض العظيم لأحوال القيامة وأهوالها على كفار قريش المكذبين بالتوحيد والنبوة والبعث ولم يؤمنوا فكانوا بذلك متعرضين للعذاب فأخبر تعالى رسوله أن هلاكهم يسير فكم أهلك تعالى { قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً } أي قوة وأخذاً ولما جاءهم العذاب فروا يبحثون عن مكان يحيصون إليه أي يلجأون فلم يجوا وهو معنى قوله تعالى { فنقبوا في البلاد هل من محيص } ؟ وقوله تعالى { إن ذلك } أي الذي ذكرنا من قوله وكم أهلكنا قبلهم من قرن لذكرى أي موعظة يتعظ بها عبد كان له قلب حيٌّ وألقى سمعه يستمع وهو شهيد أي حاضر بكل مشاعره وأحاسيسه . وقوله تعالى { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام } أولها الأحد وآخرها الجمعة { وما مسنا من لغوب } أي نصب أو تعب ، هذا الخبر ردَّ الله تعالى به على اليهود الذين قالوا أتم الله خلق السموات والأرض في يوم الجمعة واستراح يوم السبت فلذا هم يسبتون أي يستريحون يوم السبت فرد تعالى عليهم بقوله { وما مسنا من لغوب } أ يتعب ، إذ التعب يلحق العامل من الممارسة والمباشرة لما يقوم بعمله والله تعالى يخلق بكلمة التكوين فلذا لا معىن لأن يصيبه تعب أو نصب أو لغوب وقوله تعالى { فاصبر على ما يقولون وسبح } أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله يهود وغيرهم من الكفر والباطل واستعن على ذلك أي على الصبر وهو صعب بالصلاة التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ، ومن الليل فسبحه أدبار النجوم فشمل هذا الإِرشاد والتعليم الإِلهي الصلوات الخمس ، إذ قبل طلوع الشمس فيه صلاة الصبح وقبل الغروب في صلاة الظهر العصر ومن الليل فيه صلاة المغرب والعشاء ، ولنعم العون على الصبر الصلاة ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وقوله وأدبار السجود أي بعد الصلوات الخمس سبح ربك متلبسا بحمده ، نحو سبحان الله والحمد لله والله أكبر .
(4/137)

وقوله { واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب } أي واستمع أيها الخاطب يوم ينادي اسرافيل من مكان قريب وهو صخرة بيت المقدس وهو مكان قريب من السماء فيقول المنادي وهو اسرافيل أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء وقوله { يوم يسمعون الصيحة بالحق } وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة البعث { ذلك يوم الخروج } من القبور ويوم يرى المكذبون عاقبة تكذيبهم ، وقوله { يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً } أي يخرجون مسرعين ذلك المذكور من تشقق الأرض وخروجهم مسرعين حشر علينا لهم يسير أي سهل لا صعوبة فيه ، وقوله { نحن أعلم ما يقولون } فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وفيه تهيد لكفار قريش . وقوله { وما أنت عليهم بجبار } أي بذي قوة وقدرة فائقة تجبرهم بها على الإيمان الاستقامة وعليه فمهمتك ليست الإِجبار وأنت عاجز عنه وإنما هي التذكير { فذكر بالقرآن } إذا { من يخاف وعيد } وهم المؤمنون الصادقون والمسلمون الصالحون .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- مشروعية تخويف العصاة والمكذبين بالعذاب الإلهي وقربه وعدم بعده .
2- للانتفاع بالمواعظ شروط أن يكون السامع ذا قلب حي واعٍ وأن يلقى بسمعه كاملا وأن يكون حاضر الحواس شهيدها .
3- وجوب الصبر الاستعانة على تحقيقه بالصلاة .
4- مشروعية الذكر والدعاء بعد الصلاة فرادى لا جماعات .
5- تقرير البعث وتفصيل مبادئه .
6- المواعظ ينتفع بها أهل القلوب الحية .
(4/138)
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع