إعلانات المنتدى


خالد بن معدان الحمصيّ

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
بسم الله الرحمن الرحيم


هو أبو عبد اللّه خالد بن مَعْدان الكَلاعيّ الحمصيّ ، تابعيّ ثقة . يُعدّ من الطبقة الثالثة من فقهاء أهل الشام بعد الصحابة . رُوي عنه قولُه : أدركتُ سبعين من أصحاب النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم . كانت له حلقة ، يشهدها جمهور غفير من أهل العلم ، حتّى إنّ الخليفة الوليد بن عبد الملك (96) كان يكنّ له عظيم التقدير ويرفع من شأنه ؛ فقد رُوي عن بَحير بن سعد
قولُه : "كتب الوليد بن عبد الملك إلى خالد بن معدان في مسألة ، فأجابه فيها خالد ، فحمل القضاةَ على قوله ." [تهذيب الكمال 8/170] أي حملهم الوليدُ على قوله .

كان كثير الجهاد ، يغزو الروم [كتاب المعرفة والتاريخ 1/152] ؛ فقد رُوي أنّه ، إذا أُمر الناسُ بالغزو ، كان فُسطاطُه أوّلَ فسطاط بدابِق [تهذيب الكمال 8/170] ، قرية قريبة من حلب . ذكره ابن حبّان البستيّ (354) في مشاهير علماء الأمصار 183 (865) ووصفه بأنّه "من متقشّفي العُبّاد والمتجرّدين من الزهّاد ."

قال ابن كثير الدمشقيّ (774) : "كان إمام أهل حمص . وكان يصلّي التراويح في شهر رمضان ، فكان يقرأ فيها في كلّ ليلة ثلث القرآن" [البداية والنهاية 9/230]. من خلال إمامته ، خاصّة في شهر رمضان ، كانت الفرصة متاحة أمام جمهور المصلّين خلفه لسماع قراءته مباشرة وما يتخلّلها من المظاهر والظواهر ، كالوقوف والابتداء في القراءة .

هنا تستوقفني دور الإمامة في شهر رمضان الذي يُقرأ فيه القرآن بكثافة ويُختَمُ ، فهي تشكّل فرصة سانحة ، يتعرّف جمهور المصلّين من خلالها على قراءة الإمام ، خاصّة تلك الحالات التي قد ينفرد بها عن القراءة العامّة ، فتبقى في ذاكرتهم لانفرادها . هذا هو برأيي ما يفسّر ورود مواضع متفرّقة من فرش الحروف ، تُروَى عن إمام قارئ بشكل مخصوص ، انفرد أو شذّ بها . من الشواهد على ذلك ما رُوي عن ابن مسعود وزيد بن ثابت ، رضي الله عنهما ، من قراءات مخالفة وشاذّة من طريق سعيد بن جبير (95) .

"قال إسماعيل بن عبد الملك : كان سعيد بن جبير يؤمّنا في شهر رمضان ، فيقرأ ليلةً بقراءة ابن مسعود وليلةً بقراءة زيد بن ثابت ."[غاية النهاية 1/305 (1340)]. كذلك الحال مع عبد الرحمن بن الأسود النخعيّ (98/99) ، من فقهاء أهل الكوفة . "قال زُبيد الياميّ عن عبد الرحمن بن الأسود : إنّه كان يصلّي بقومه في رمضان اثنتي عشرة ترويحة ويصلّي لنفسه بين كلّ ترويحتين اثنتي عشرة ركعة . ويقرأ بهم ثلث القرآن كلّ ليلة . قال : وكان يقوم بهم ليلة الفطر ويقول : إنّها ليلة عيد ."(1) على هذا النحو تعرّف أهل البصرة من جهتهم ، خاصّة أهالي حيّ بني ضُبيعة ، بشكل كامل وتامّ على قراءة عمران بن عصام (83) وقتادة بن دعامة السدوسيّ (118) الذي خلفه في إمامة مسجدهم .

"قال المثنّى بن سعيد : أدركتُ عمران بن عصام وهو إمام مسجد بني ضُبيعة يؤمّهم في رمضان ويختم بهم في كلّ ثلاث . ثمّ أمّهم قتادة ، فكان يختم في سبع ."[تاريخ الإسلام ط9/159 (115)] ؛

فما رُوي عن هؤلاء الأئمّة من حالات خاصّة متفرّقة لانفرادها وشذوذها عن القراءة العامّة هو ما لفت انتباه جمهور المصلّين وراءهم واسترعى سمعهم ، فحفطته ذاكرتهم التي روت عنهم ما انفردوا به دون المتّفق عليه ، وهو ما دُوّن عنهم لاحقًا . كذلك الأمر مع خالد بن معدان وقراءته ، لكن مع فارق كبير ، هو أنّه لم يُرْوَ عنه حرف شاذّ أو قراءة شاذّة في كتب القراءات ، ممّا يعني ضرورة أنّه لم يخالف في قراءته القراءة العامّة ، قراءة الناس ، وإلا لحُفظ عنه غير ذلك ، لأنّه قراءته كانت منكشفة على الناس وقت الإمامة عمومًا وفي صلاة التراويح خاصّة .

بعد هذه الوقفة أنتقل إلى الحديث عن مصحف خالد بن معدان الخاصّ به ؛ فقد استوقفتني باهتمام بالغ روايةُ بَحير بن سعد التي قال فيها : "كان عِلْمُهُ في مصحف ، له أزرارٌ وعُرًى ." يُفهم من هذه الرواية ثلاثة أمور أساسيّة :

•كان له مصحف خاصّ به .
•لهذا المصحف أزرار وعُرًى ، أي مغلّف غرض المحافظة عليه .
•مصحفه يحوي علمه .

لا شكّ أنّ الأمر الثالث مثير للتساؤلات والاستفسارات : ما المقصود بهذا الاحتواء ؟ كيف يحتوي مصحف على علم ؟ عن أيّ علم يدور الكلام هنا ؟

لأوّل وهلة يُتَصَوَّرُ أنّ الإجابة عنها غير ممكنة لغرابتها واستبعاد طرحها ، لكن هذا التصوّر لا يلبث طويلاً حتّى يتلاشى تمامًا ، إذا أمعنّا النظر وأعملنا البصيرة في هذه المسألة ، فليس ثمّة علم قابل للإدراج أو التدوين في المصحف إلا علم واحد وأوحد في تلك الفترة ، هو علم العدد ، أي عدد الآي في المصحف ، وذلك من خلال إدراج إشارات ورموز خاصّة تفي بالغرض .

يبقى الإشكال مطروحًا بالنسبة لما قدّمته من تفسير وتحليل ، ما لم يتوفّر دليل قاطع أو حجّة دامغة عليه . بعد المراجعة الطويلة والفحص الدؤوب ، خاصّة في كتب العدد ، وُفّقت في الوقوف على الدليل المنشود ، وهو ما رواه أبو عمرو الدانيّ (444) بإسناده عن كثير بن عبد الله المذحجيّ ، مقرئ أهل مسجد حمص من قول : "هذا عدد أهل حمص الذي استخرجوه من مصحف خالد بن معدان ."(2)

واضح من هذه الرواية أنّ مصحفه كان العدد فيه مضبوطًا بشكل تامّ ، ممّا مكّنهم من استخلاص العدد الحمصيّ بناءً عليه . كذلك يُستفاد منها أنّ علم العدد علمٌ قديم ، عُمِل به في صدر الإسلام وحَظي بالإدراج في المصاحف في مرحلة مبكّرة جدًّا ؛ فخالد بن معدان ، صاحب المصحف ، يعتبر من العلماء والأئمّة المعدودين والمشهورين في القرن الهجريّ الأوّل ؛ فرغم الاختلاف في سنة وفاته إلا أنّ القول الراجح المجمع عليه من قبل الجمهور يُرجِع وفاته إلى سنة 103 للهجرة .

وهذا الإدراج ، أي إدراج العدد في المصاحف ، تعود أدراجه إلى مشروع المصاحف الثاني الذي انعقد بين 84-85 هـ في واسط بمبادرة من الحجّاج بن يوسف الثقفيّ (95) ، والي العراقين في حينه ، ودعم وتبريك من الخليفة عبد الملك بن مروان (86) ، إذ كانت من جملة مساهماته تجزئةُ القرآن ، كالفصل بين الآية والأخرى والتخميس والتعشير .
لا بدّ هنا من وقفة على العدد الحمصيّ غرض التعريف به . تندرج في علم العدد مجموعة من الأعداد ، هي كالتالي :

-العدد المدنيّ الأوّل : 6217 آية في رواية الكوفيّين عن أهل المدينة ، 6214 آية في رواية أهل البصرة عن ورش .

-العدد المدنيّ الأخير : 6214 آية .
-العدد المكّيّ : 6210 آيات .
-العدد البصريّ : 6204 آيات .
-العدد الكوفيّ : 6236 آية ؛ وهو المعتمد في طبعة القاهرة .
-العدد الدمشقيّ : 6227 آية .
-العدد الحمصيّ : 6232 آية(3).

قال أبو عمرو الدانيّ (444) بشأن العدد الحمصيّ : "لأهل حمص عدد سابع ، كانوا يعدّون به قديمًا . وافقوا في بعضه أهل دمشق وخالفوهم في بعضه . وأَوْقَفَتْهُ جماعتُهم على خالد بن معدان ، رحمه الله ؛ وهو من كبار تابعي الشاميّين ." [البيان 70]
تجدر الإشارة هنا إلى السور المجمع على عدد آياتها من غير خلاف ، هي سبع وثلاثون سورة ، كما يلي : سورة يوسف (111) والحجر (99) والنحل (128) والفرقان (77) والأحزاب (73) والفتح (29) والحجرات (18) وق (45) والذاريات (60) والقمر (55) والحشر (24) والممتحنة (13) والصفّ (14) والجمعة (11) والمنافقون (11) والتغابن (18) ون (52) والجنّ (28) والإنسان (31) والمرسلات (50) والانفطار (19) والمطفّفين (36) والأعلى (17) والغاشية (26) والبلد (20) والليل (21) والضحى (11) والشرح (8) والتين (8) والعاديات (11) والتكاثر (8) والهمزة (9) والفيل (5) والكوثر (3) والكافرون (6) والنصر (3) والفلق (5) (4). أمّا سائر السور ، فمختلف في عدد آياتها(5) . هذا كلّه حسب العُمَانيّ (بعد500) ، لكن عند أبي عمرو الدانيّ (444) "جملة السور المختلف في عدد الآي فيهنّ خمس وسبعون سورة واللائي لا خلاف فيهنّ تسع وثلاثون سورة .

"[البيان 83]، فزاد بذلك سورة العصر (3) وسورة المسد (5) [هناك 287 و 295] ، ثمّ تحدّث عن مجمل الآيات المختلف في عدّها ، فقال : "وجملة المختلف فيه من الآي مئتا آية وسبع وأربعون آية ."[هناك 83].
هنا يُطرح السؤال التالي : ما الموجب لهذا الاختلاف في عدد الآي ؟ الجواب عليه : ليس الأمر راجعًا إلى رأي أو قياس ، بل النقل والتوقيف على نحو اختلاف القراءات(6) .

أمّا أهمّيّة علم العدد بمفهومه الواسع الذي يشمل بالإضافة إلى عدد الآي في المصحف عددَ سوره وكلماته وحروفه ، فيترتّب على معرفته فوائد ، منها أحكام فقهيّة ومعرفة الوقف والابتداء وغير ذلك . يحضرني بهذا الصدد ما نقله الإمام السيوطيّ (911) في الإتقان في علوم القرآن 1/1/189 (962) عن كتاب الكامل في القراءات الخمسين -خ للإمام الهذليّ (465) ، كما يلي : "اعلمْ أنّ قومًا جهلوا العدد وما فيه من الفوائد حتّى قال الزعفرانيّ : العدد ليس بعلم . وإنّما اشتغل به بعضهم ، ليروّج به سوقه . قال : وليس كذلك ؛ ففيه من الفوائد معرفة الوقف ولأنّ الإجماع انعقد على أنّ الصلاة لا تصحّ بنصف آية . وقال جَمْعٌ من العلماء : تجزئ بآية ، وآخرون : بثلاث آيات ، وآخرون : لا بدّ من سـبع . والإعجاز لا يقع بدون آية ، فللعدد فائدة عظيمة . انتهى"

هذا الكلام الذي عرف السيوطيّ قيمته ومقداره ، فنقله بدوره - وهو يتحدّث عمّا يترتّب عليه معرفة العدد - عن صاحبه ، وهو "الأستاذ الكبير الرحّال والعَلَم الشهير الجوّال" [غاية النهاية 2/397-1]، كما وصفه ابن الجزريّ (833) في بداية ترجمته التي جاء فيها أيضًا : "طاف البلاد في طلب القراآت ، فلا أعلمُ أحدًا في هذه الأمّة رحل في القراآت رحلته ولا لقي مَن لقي من الشيوخ . قال في كتابه الكامل : (فجملة مَن لقيتُ في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستّون شيخًا من آخر المغرب إلى باب فرغانة يمينًا وشمالاً وجبلاً وبحرًا . ولو علمتُ أحدًا تقدّم عليّ في هذه الطبقة في جميع بلاد المسلمين ، لقصدته) . قال : (وألّفت هذا الكتابَ ، فجعلته جامعًا للطرق المتلوّة والقراآت المعروفة ونسختُ به مصنَّفاتي كالوجيز والهادي)" [هناك 2/1398-7] ، ثمّ علّق ابن الجزريّ على ما تقدّم مادحًا له بقوله : "قلتُ : كذا تُرى همم السادات في الطلب ." [هناك 2/1398].

لقد دفعني أهمّيّة كتاب الكامل في بحوث علوم القرآن ومكانة صاحبه الرفيعة وحسن تقدير السيوطيّ لما نقله عنه في هذا السياق إلى الرجوع إلى الأصل المخطوط الذي تتوفّر عندي منه نسخة مصوَّرة عن مخطوطة مكتبة جامعة الأزهر (المغاربة) ، لأقف على كلام الهذليّ على أصالته ، فوجدته يتحدّث عن هذه المسألة في كتاب العدد من كتاب الكامل مدافعًا عن قيمته ومبرزًا لدوره من جهة ورادًّا على مَن أسقطه وأنكره وداحضًا لزعمهم وادّعائهم من جهة أخرى(7) ، فقال في بدايته : "اعلم أنّ قومًا جهلوا العدد ، فقالوا : ليس بعلم . وإنّما اشتغل به بعضهم ، ليروّج به سوقه ويتكبّر به عن الناس . وحُقَّ في ذلك على [ا]بن الفضل الرازيّ . وهذا جَهْلٌ من قائله . لم يعلم مواقع العدد وما يحتوي عليه من العلم . وأنا أبيّن ذلك ، إن شاء الله . من ذلك أنّ ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : العدد مسامير القرآن . وهكذا رُوي عن عليّ ، رضي الله عنه ، أنّه ذكر العدد ؛ وهو عدد أهل الكوفة . وجعل الحجّاجُ لكلّ آية علامةً حتّى جعل القرآنَ أخماسًا

وأعشارًا . ولو لم يكن علمًا ، لَمَا اشْتُغِلَ به في زمن الصحابة ولبَدَّعوا الحجّاجَ بما فعل . يدلّ عليه أنّه حسب النصف والثلث والربع والخمس والسدس والسبع بالآيات" [كتاب الكامل 23ب10-17] ، ثمّ عاود للحديث عن ذلك في موقع لاحق من كتاب العدد ، فقال : "رجعنا إلى بيان خلاف ما ذكره الزعفرانيّ . قلنا : ويدلّ على أنّ العدد علمٌ ما رَوَت أمّ سلمة أنّ رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، قرأ الفاتحة ووقف على الآي ؛ ورُوي مثلُ ذلك عن أبيّ . وقال ابن عمر : الوقف على الآية سنّة . يدلّ عليه أنّه نهى عن خلط آية [رحمة] بآية عذاب . ولا يُعلَمُ ذلك إلا بسماع ومعرفة في العدد . يدلّ عليه أنّ القرّاء اختلفوا في ضمّ الميمات عند أواخر الآي" [كتاب الكامل 24ب10-14] ، ثمّ أضاف : "وأيضًا إنّه لو لم يُعرَفِ العددُ ، لَمَا عُلم الناسخ والمنسوخ . ألا ترى أنّهم قالوا : نسخت آية القتال مائة وأربعًا وعشرين آية ؟ ومَن جحد علم العدد ،

فقد جحد علم الحروف والكلمات والأعشار والأخماس والسور" [كتاب الكامل 24ب10-14] ، ثمّ ختم دفاعه عن علم العدد بقوله : "فإذا كان هذا كذلك ، عُلم أنّ العدد علمٌ يُحتاج إليه . ويا عجباه ممّن يقول : الوقف والابتداء علمٌ والعددُ ليس بعلم ... دلّ على أنّ منكره مبطل وهو في قوله جاهلٌ . ذكرتُ هذا الفصل على الاختصار ، ليُجْتَنَبَ قولُ هذا المبطل"[كتاب الكامل 25ب3-9].


مجلة الفرقان ( د. عمر يوسف عبد الغنيّ حمدان )
 

الموجودة

مشرفة قديرة سابقة
5 يناير 2010
8,498
406
83
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: خالد بن معدان الحمصيّ

بارك الله فيك غاليتي نور
وفقك الله وسدد خطاك...
حفظك الرحمن

 

فتاة الأمل

مشرفة سابقة
29 نوفمبر 2009
5,701
104
0
الجنس
أنثى
رد: خالد بن معدان الحمصيّ

جزاك الله خير ونفع بك اختي نور مشرق...
 

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع