- 22 يناير 2012
- 792
- 10
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
أول ما نزل من القرآن
اختلف الباحثون في شؤون القرآن ، في أنَّ أيَّ آياته أو سوَره نزلت قبْل ؟ والأقوال في ذلك ثلاثة :
1 ـ سورة العلَق : لأنَّ نبوّته ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بدأت بنزول ثلاث أو خمس آيات من أوّل سورة العلَق ، وذلك حينما فجأه الحقّ وهو في غار حراء ، فقال له المَلَك : ( اقرأ ،فقال : ما أنا بقارئ فغطّه غطّاً ، ثمَّ قال له : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبّكَ الأَكْرَمُ * الّذِي عَلّمَ بِالْقَلَمِ * عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )العلق1-4 )( صحيح مسلم : ج1 ، ص97) .
2 ـ سورة المدّثّر : لِمَا روي عن ابن سلمة ، قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري : أيّ القرآن أُنزل قبْل ؟ قال : ( يا أيّها المدّثّر ) ، قلت : أو ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ ) ؟ قال : أُحدثكم ما حدَّثنا به رسول الله ، قال ( صلّى الله عليه وسلم ) : ( إنّي جاورت بِحراء ، فلمّا قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي ، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي ـ ولعلّه سمع هاتفاً ـ ثمّ نظرت إلى السماء فإذا هو ـ يعني جبرائيل ـ فأخذتني رجفة ، فأتيت خديجة ، فأمرتهم فدثّروني ) ، فأنزل الله : ( يا أيّها المُدَّثِّر * قُم فأنذِر ) (صحيح مسلم : ج1 ، ص99) .
هذا ، ولعلَّ جابراً اجتهد من نفسه أنَّها أوَّل سورة نزلت ، إذ ليس في كلام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) دلالة على ذلك ، والأرجح أنَّ ما ذكره جابر كان بعد فترة انقطاع الوحي ، فظنَّه جابر بدْء الوحي (راجع البرهان لبدر الدين الزركشي : ج1 ، ص206) . وإليك حديث فترة انقطاع الوحي برواية جابر أيضاً :
قال : سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلم ) يحدّث عن فترة الوحي ، قال : فبينما أنا أمشي إذ سمعت هاتفاً من السماء ، فرفعت رأسي فإذا المَلَك الذي جاءني بِحراء جالساً على كرسيٍّ بين السماء والأرض ، فجُئثت منه فرِقاً ـ أي فزعتُ ـ فرجعت ، فقلت : زمِّلوني زمِّلوني فدثَّروني ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ ) وهي الأوثان ، قال ( صلّى الله عليه وسلم ) : ثمَّ تتابع الوحي (صحيح مسلم : ج1 ، ص98 / صحيح البخاري : ج1 ، ص4 ، وفيه ( فحمى الوحي وتتابع )) .
3 ـ سورة الفاتحة : قال الزمخشري : أكثر المفسِّرين على أنَّ الفاتحة أوَّل ما نزل (الكشّاف : ج4 ، ص775 . وناقشه ابن حجر مناقشة سطحية لا مجال لها ، بعد توضيحنا الآتي في وجه الجمع بين الأقوال الثلاثة / راجع فتح الباري : ج8 ، ص548) .
وروى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل ، قال : كان رسول الله ( صلّى الله عليه وسلم ) إذا خُلّي وحده سمع نداء فيفزع له ، وللمرّة الأخيرة ناداه المَلَك : ( يا محمّد ،قال : لبَّيك ، قال : قل : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ...) ، حتّى بلغ : ( وَلاَ الضَّالِّينَ ) ) (أسباب النزول للواحدي : ص11) .
قلت : لا شكّ أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كان يصلّي منذ بِعثته ، وكان يصلّي معه آخرون، ولا صلاة لمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (مستدرك الحاكم : ج1 ، ص238 و239 / صحيح مسلم : ج2 ، ص9) ، فقد ورد في الأثر : ( أوّل ما بدأ به جبرائيل أن علَّمه الوضوء والصلاة ) (سيرة ابن هشام : ج1 ، ص260 و261) ، فلابدّ أنَّ سورة الفاتحة كانت مقرونة بالبعثة ، قال جلال الدين السيوطي : لم يحفظ أنَّه كان في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب (الإتقان : ج1 ، ص12 ، من الطبعة الأُولى ، ومن الثانية : ص30) .
* * *
وبعد ، فلا نرى تنافياً جوهريّاً بين الأقوال الثلاثة ؛ نظراً لأنّ الآيات الثلاث أو الخَمس من أوّل سورة العلَق ، إنَّما نزلت تبشيراً بنبوَّته ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا إجماع أهل المِلَّة ، ثمَّ بعد فترة جاءته آيات أيضاً من أوَّل سورة المدَّثِّر ، كما جاء في حديث جابر ثانياً .
أمّا سورة الفاتحة فهي أوّل سورة نزلت بصورة كاملة ؛ وبسِمة كونها سورة من القرآن كتاباً سماوياً للمسلمين ، فهي أوّل قرآن نزل عليه ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بهذا العنوان الخاصّ ، وأمّا آيات غيرها سبقتها نزولاً ، فهي إنَّما نزلت لغايات أخرى ، وإن سُجِّلت بعدئذٍ قرآناً ضمن آياته وسوَره .
ومن هنا صحَّ التعبير عن سورة الحمد بسورة الفاتحة ، أي أوَّل سورة كاملة نزلت بهذه السِمة الخاصّة ، هذا الاهتمام البالغ بشأنها في بدء الرسالة ، واختصاص فَرْضها في الصلوات جميعاً ، جَعلها في الفضيلة عِدلاً للقرآن العظيم : ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) (الحجر : 87) ، فقد امتنَّ الله على رسوله بهذا النزول الخاصّ تجاه سائر القرآن .
نعم ، لو اعتبرنا السوَر باعتبار مفتتحها ، فسورة الحمد تقع الخامسة ، كما جاء في رواية جابر بن زيد (الإتقان : ج1 ، ص25 ) الآتية .
اختلف الباحثون في شؤون القرآن ، في أنَّ أيَّ آياته أو سوَره نزلت قبْل ؟ والأقوال في ذلك ثلاثة :
1 ـ سورة العلَق : لأنَّ نبوّته ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بدأت بنزول ثلاث أو خمس آيات من أوّل سورة العلَق ، وذلك حينما فجأه الحقّ وهو في غار حراء ، فقال له المَلَك : ( اقرأ ،فقال : ما أنا بقارئ فغطّه غطّاً ، ثمَّ قال له : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبّكَ الأَكْرَمُ * الّذِي عَلّمَ بِالْقَلَمِ * عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )العلق1-4 )( صحيح مسلم : ج1 ، ص97) .
2 ـ سورة المدّثّر : لِمَا روي عن ابن سلمة ، قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري : أيّ القرآن أُنزل قبْل ؟ قال : ( يا أيّها المدّثّر ) ، قلت : أو ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ ) ؟ قال : أُحدثكم ما حدَّثنا به رسول الله ، قال ( صلّى الله عليه وسلم ) : ( إنّي جاورت بِحراء ، فلمّا قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي ، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي ـ ولعلّه سمع هاتفاً ـ ثمّ نظرت إلى السماء فإذا هو ـ يعني جبرائيل ـ فأخذتني رجفة ، فأتيت خديجة ، فأمرتهم فدثّروني ) ، فأنزل الله : ( يا أيّها المُدَّثِّر * قُم فأنذِر ) (صحيح مسلم : ج1 ، ص99) .
هذا ، ولعلَّ جابراً اجتهد من نفسه أنَّها أوَّل سورة نزلت ، إذ ليس في كلام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) دلالة على ذلك ، والأرجح أنَّ ما ذكره جابر كان بعد فترة انقطاع الوحي ، فظنَّه جابر بدْء الوحي (راجع البرهان لبدر الدين الزركشي : ج1 ، ص206) . وإليك حديث فترة انقطاع الوحي برواية جابر أيضاً :
قال : سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلم ) يحدّث عن فترة الوحي ، قال : فبينما أنا أمشي إذ سمعت هاتفاً من السماء ، فرفعت رأسي فإذا المَلَك الذي جاءني بِحراء جالساً على كرسيٍّ بين السماء والأرض ، فجُئثت منه فرِقاً ـ أي فزعتُ ـ فرجعت ، فقلت : زمِّلوني زمِّلوني فدثَّروني ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ ) وهي الأوثان ، قال ( صلّى الله عليه وسلم ) : ثمَّ تتابع الوحي (صحيح مسلم : ج1 ، ص98 / صحيح البخاري : ج1 ، ص4 ، وفيه ( فحمى الوحي وتتابع )) .
3 ـ سورة الفاتحة : قال الزمخشري : أكثر المفسِّرين على أنَّ الفاتحة أوَّل ما نزل (الكشّاف : ج4 ، ص775 . وناقشه ابن حجر مناقشة سطحية لا مجال لها ، بعد توضيحنا الآتي في وجه الجمع بين الأقوال الثلاثة / راجع فتح الباري : ج8 ، ص548) .
وروى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل ، قال : كان رسول الله ( صلّى الله عليه وسلم ) إذا خُلّي وحده سمع نداء فيفزع له ، وللمرّة الأخيرة ناداه المَلَك : ( يا محمّد ،قال : لبَّيك ، قال : قل : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ...) ، حتّى بلغ : ( وَلاَ الضَّالِّينَ ) ) (أسباب النزول للواحدي : ص11) .
قلت : لا شكّ أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كان يصلّي منذ بِعثته ، وكان يصلّي معه آخرون، ولا صلاة لمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (مستدرك الحاكم : ج1 ، ص238 و239 / صحيح مسلم : ج2 ، ص9) ، فقد ورد في الأثر : ( أوّل ما بدأ به جبرائيل أن علَّمه الوضوء والصلاة ) (سيرة ابن هشام : ج1 ، ص260 و261) ، فلابدّ أنَّ سورة الفاتحة كانت مقرونة بالبعثة ، قال جلال الدين السيوطي : لم يحفظ أنَّه كان في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب (الإتقان : ج1 ، ص12 ، من الطبعة الأُولى ، ومن الثانية : ص30) .
* * *
وبعد ، فلا نرى تنافياً جوهريّاً بين الأقوال الثلاثة ؛ نظراً لأنّ الآيات الثلاث أو الخَمس من أوّل سورة العلَق ، إنَّما نزلت تبشيراً بنبوَّته ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا إجماع أهل المِلَّة ، ثمَّ بعد فترة جاءته آيات أيضاً من أوَّل سورة المدَّثِّر ، كما جاء في حديث جابر ثانياً .
أمّا سورة الفاتحة فهي أوّل سورة نزلت بصورة كاملة ؛ وبسِمة كونها سورة من القرآن كتاباً سماوياً للمسلمين ، فهي أوّل قرآن نزل عليه ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بهذا العنوان الخاصّ ، وأمّا آيات غيرها سبقتها نزولاً ، فهي إنَّما نزلت لغايات أخرى ، وإن سُجِّلت بعدئذٍ قرآناً ضمن آياته وسوَره .
ومن هنا صحَّ التعبير عن سورة الحمد بسورة الفاتحة ، أي أوَّل سورة كاملة نزلت بهذه السِمة الخاصّة ، هذا الاهتمام البالغ بشأنها في بدء الرسالة ، واختصاص فَرْضها في الصلوات جميعاً ، جَعلها في الفضيلة عِدلاً للقرآن العظيم : ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) (الحجر : 87) ، فقد امتنَّ الله على رسوله بهذا النزول الخاصّ تجاه سائر القرآن .
نعم ، لو اعتبرنا السوَر باعتبار مفتتحها ، فسورة الحمد تقع الخامسة ، كما جاء في رواية جابر بن زيد (الإتقان : ج1 ، ص25 ) الآتية .