بسم الله ...
كلمات لأستاذي ...حفظه الله ..كنت قد خططتها هنا منذ سنوات ...والآ أعيد كتابتهــــــــا ...
وذات مساء
أجدبت فيه القريحة وغاض ماؤها
وهبت ريح صرصر عاتية فأطفأت مصباحا عتيقا ، كان هُنا يخفتُ ويضيء
وجاء من أقصى القلب ضمير يسعى
قال : إن القلم وحروفه يأتمرون بك ليقتلوك ، فاحذر ، إني لك من الناصحين !
قلت: ومن أنتَ ؟
قال : أنا ضمير مستترٌ ، تقديره أنتَ .
فقضيتُ مسائي خائفا أترقّبُ
حتى إذا انبلج الفجر وتنفس ، وأشرقت شمس الحياة على قلبي ، أبصرت فيه آثار ذلك الضمير بادية ، فأيقنت أنه محضني النصح ، وصدقني الخبر !
فأعلنت حالة الطوارئ ، وحظرت التجوّل في كل مكان من قطاعات قلبي ، وأنشأت محكمةً عاجلةً ، وبعثت حروفا كنت أعدّها لمثل هذا اليوم ، فقبضوا على القلم وأتوني به طائعا مكرها .
- أنت أيها المتمرد ، ما لذي ساقك إلى ما فعلت ؟
- يا سيدي ، لا تعجل عليّ ، إنما أمتثل رأيك ، وأأتمر بأمرك .
- وهل من أمري ورأيي أن تنقلب عليّ ، وتستأثر بمملكتي ، وتقتلني غدرا ؟
- يا سيدي ، أطال الله بقاءك ، لم تعهدني إلا قائما بطاعتك ، مستوفزا في طلب رضاك ، فلا تحمّلني ما لا ذنب لي فيه ولا خطيّة !
- ولكني أحللتك محلّ الثقة الأمين ، فأعجبتك منزلتك ، وغرك مقامك ، حتى تجاوزت وأسرفت !
- يا سيدي ، إنما ثقتي امتداد لثقتك ، ومقامي بين أناملك تقلبني كما تشاء ، لا كما أشاء !
- لا عذر لك اليوم ، ولا مناص من قتلك !
وفي ساحة الإعدام ، التي أظلم بياضها ، وأضاء سوادها ، وجيء به يبكي حروفه ، ويرسف في قيد أسره ، والسيف يلمع فوق رأسه ، نظر إليّ وأنا أقرأ في عينيه علامات تعجبٍ واستفهام
ثم قال :
كذا قضى اللّه للأقلام إذْ بُرِيَتْ ... أن السيوف لها مذ أُرْهِفْت خَدَمُ
إيه يا سيدي ، واعجبا ليومٍ يقتلني فيه خادمي !!
ثم أمرتُهُ ، فضربَ عنقَهُ ، وسالَ مدادُه على يدي ، فاستيقظت من نومي فزعا ، وإذا أنا قد أخذتني غفوة ، وقلمي في يدي ، وأنا أخطّ مقالا عنوانه :
" إعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــدام "
