إعلانات المنتدى


الإطناب في اللغة والبلاغة

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

مريم حافظ

مزمار فعّال
29 فبراير 2012
77
6
8
الجنس
أنثى
لديّ سؤال، هل أضعه هنا؟
((ما هو أسلوب الإطناب؟)) ممكن توضيح مع مثال. شكرًا.
 

محمد أبو سالم

مشرف سابق
27 أبريل 2011
1,969
40
48
الجنس
ذكر
علم البلد
رد: ***ديوانيـــــة...ركن علوم اللغة العربية وآدابها***

لديّ سؤال، هل أضعه هنا؟
((ما هو أسلوب الإطناب؟)) ممكن توضيح مع مثال. شكرًا.
هل تريدنه بإيجاز أم إسهاب...:think:
أرى أن هذا الموضوع يعطيه نوعا من حقه..
........................................
الإطناب في اللغة والبلاغة حدوده ـــ أقسامه وأغراضه
د. ياسين الأيّوبي


1-تعريفه:

أ-في اللغة: جاء في لسان العرب أن الإطناب هو: البلاغة في المنطق والوصف، مدحاً كان أو ذمّاً. وأطنب في الكلام: بالغ فيه. والإطناب: المبالغة في مدح أو ذم والإكثار فيه.

وقال ابن الأنباري: أطنب في الوصف، إذا بالغ واجتهد. وأطنبت الريح: إذا اشتدت في غبار(1).

وأصل الإطناب (بالكسر) من: الطُّنْب والطُّنُب، وهما معاً: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. والجمع: أطناب (بالفتح).

وقال ابن سيده: الطنب: حبل طويل يشد به البيت والسرادق. وطنبه: مده بأطنابه وشده(2).

ب-في الاصطلاح البلاغي: الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة(3). هذا هو التعريف البلاغي المختصر. ولو شئنا التوسع قليلاً لقلنا: إن الإطناب باب بلاغي قديم قدم الإيجاز، ارتبط به ارتباط العضو بالعضو يتتامان ليؤلفا هيئة أدبية سوية البنية والملامح... فقد وصفه الجاحظ، ولم يسمه، في ذكره فضائل الصمت والكلام الموزون، يقال في موضعه(4).

ثم ذكره صراحة عندما عرض لحاجات الكلام ومنطقه، رافضاً الفضول والتكلف فقال: هناك أبواب توجب الإطالة وتحوج إلى الإطناب. وليس بإطناب ما لم يجاوز مقدار الحاجة، ووقف عند منتهى البغية(5).

ووصفه أبو العباس المبرِّد (ت 286هـ/ 899م) بالكلام المفَخِّم، في مقابل: الاختصار المفهم، والإيماء البيِّن، واللمحة الدالة(6).

"وقيل لعمرو بن العلاء (ت 154هـ/ 770م) هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم؛ كانت تطيل ليسمع منها، وتوجز ليحفظ عنها"(7).

ج-الربط بين التعريفين اللغوي والبلاغي:

لو قارنا تعريف اللسان، بتعريف البلاغيين القائل: (الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة) لما وجدنا خلافاً. لأن القولين يرميان، من وراء الزيادة اللفظية إلى الفائدة.

و (المبالغة في المدح أو الذم)، من شروط التصوير الفني الأدبي، لأنه لا يصح في الأدب، أن يوصف الممدوح أو المهجو بما فيهما من معالم التمييز الإيجابي أو السلبي، من دون زيادة أو نقصان. إذاً لانتفى دور الأدب وجماله وتأثيره في النفوس. حتى قول المعجم عن (إطناب الريح واشتدادها في غبار)، يصب في هذه الغاية الجمالية التي ينتهي إليها الإطناب. لأن "الغبار" في النهاية هو الدليل الحسي على اشتداد الريح وقسوتها.

والذي يزيد في توضيح صورة الإطناب، تفريق البلاغيين بينه وبين التطويل الذي عدوه زيادة لفظية، من غير فائدة. فقال أبو هلال العسكري (ت 395هـ/ 1004م):

الإطناب بلاغة؛ والتطويل عِيٌّ. لأن التطويل بمنزلة سلوك ما يبعد جهلاً بما يقرب. والإطناب بمنزلة السلوك طريق بعيد نزه يحتوي على زيادة فائدة(8).

"ومن أوفى الشواهد دلالة على فائدة الإطناب، وحسنه، تكرار آية: [فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان] من سورة الرحمن، إحدى وثلاثين مرة، لأنه سبحانه وتعالى، عدَّد فيها نعماءه وأذكَر عباده آلاءه، ونبههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها؛ وجعلها فاصلة بين كل نعمة وأخرى ليعرف موضع ما أسداه إليهم منها"(9).

2-أقسامه أو أنواعه:

أ-الإطناب في الجملة الواحدة:

وهو في معظمه لا يتعدى إطاري الحقيقة والمجاز.

1-إطناب الحقيقة:

وهو ما يزاد الكلام فيه لشرح ما هو معروف فيظن السامع أنه زيادة لا حاجة إليه، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، لأن ما زيد في هذا الصدد يقال في كل شيء يعظم مناله، ويعز الوصول إليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه، دلالة على نيله والحصول عليه(10).

مثل قولهم: رأيته بعيني، وبأم عيني، وقبضته بيدي وذقته بفمي. فالمعروف أن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد.. وهكذا. ولكن عظم الأمر يستدعي مزيداً من التأكيد والاطمئنان، فيُعمد إلى هذه الإضافات التي ليست أكثر من معان أضيفت إلى نفسها، ليتم الوصول إلى قلب المعنى العزيز الجانب. كقوله تعالى لمن افترى عليه بالقول [ذلكمْ قولُكُمْ بأفواهكمْ].

2-إطناب المجاز:

قرَّظه ابن الأثير وعظَّمه فقال:

"وهذا موضع من علم البيان كثيرة محاسنه، وافرة لطائفه. والمجاز فيه أحسن من الحقيقة، لمكان زيادة التصوير في إثبات وصف الحقيقي للمجازي، ونفيه عن الحقيقي"(12).

كقوله تعالى: )فإنَّها لا تَعْمَى الأبصارُ ولكن تَعْمَى القلوبُ التي في الصدور((13) "ففائدة ذكر الصدور" ههنا أنه قد تُعُورف وعُلم أن المعنى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تُصاب الحدقة بما يَطمس نورها، واستعمالها في القلب تشبيه ومثل. فلما أريد إثبات ما هو خلاف المتعارف من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة، ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف، ليتقرر أن مكان العمى إنما هو القلوب، لا الأبصار"(14).

ب-القسم الثاني، الإطناب في الجمل المتعددة:

ويتضمن أربعة أشكال، فصَّلها ابن الأثير وشرحها بعناية..

1-ذكر الشيء والإتيان به بمعان مختلفة:

إلا أن كل معنى يختص بشيء ليس للآخر وقد استعمله أبو تمام في مواضع كثيرة، كقوله من قصيدة في رثاء القاسم بن طوق(15):

زكيٌّ سجاياهُ تضيف ضيوفُهُ

ويُرجى مرجِّيه ويسأل سائلُهْ


فالفكرة العامة تدور على عظمة الممدوح وقوة عطائه. ولكن الشاعر نَفَذ إلى ما وراء ذلك، عارضاً لصور ومعان أخرى، يتوهمها السامع أنها مكررة، وهي في الحقيقة لازمة لفائدتها في تجميل الصورة العامة وتعميق الفكرة الرئيسة.

ومعنى البيت بصورة تفصيلية: أن ضيفه يستصحب معه ضيفاً طمعاً في كرم مُضيفه؛ ويعطي السائل عطاء كثيراً يصير به معطياً. ومعنى "يرجَّى مُرجِّيه": إذا تعلق به رجاء راج فقد أيقن بالفلاح والنجاح حتى يصبح هذا الأخير موضع رجاء الآخرين، لمكان رجائه الممدوح. وهذا أبلغ الأوصاف الثلاثة(16).

2-النفي والإثبات:

وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي، ثم يذكر على سبيل الإثبات، أو بالعكس.

شرط أن يكون في أحدهما زيادة ليست في الآخر، وإلا عُدَّ تكراراً. كقول الحق المبارك: [لا يَسْتأذنُكَ الذين يؤمنون بالله واليوم الآخرِ أن يُجاهِدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليمٌ بالمتَّقين* إنما يَسْتأذِنُكَ الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارْتابَتْ قلوبُهُم فهم في ريبهم يتردَّدون](17).

فقد ذكر الشيء منفياً، ثم ذكره مثبتاً، لوجود الفائدة في الذكر الثاني، وهي تأكيد المعنى الأول المنفي، فقد نفى ربُّ العزة استئذان المؤمنين للنبي بالجهاد وأثبت ذلك بالنسبة للملحدين المُشكِّكين.

"والمعنى في ذلك سواء. إلا أنه زاد في الآية الثانية قوله: )وارْتابَتْ قلوبهم فهم في ريبهم يترددون( ولولا هذه الزيادة لكان حكم هاتين الآيتين، حكم التكرير"(18).

3-ذكر المعنى الواحد تاماً، ثم يضربُ له مثال من التشبيه:

قال عنه ابن الأثير "هذا الضرب من أحسن ما يجيء في باب الإطناب"(19) كقول أبي عبادة البحتري متغزلاً:

ذات حسن لو استزادت من الحسـ

ـن إليه لما أصابت مزيدا

فهي كالشمس بهجة، والقضيب اللَّـ

ـدْنِ قدَّاً، والريم طرْفاً وجيدا(20)


البيت الأول كاف لبلوغ الغاية في الحسن؛ ومع ذلك فقد جاء الشاعر، في البيت الثاني، بتشبيهات ليزيد السامع تصويراً وتخيلاً.

ومثل ذلك قول البحتري أيضاً- من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان:

تنقَّل في خُلقي سؤدد

سماحاً مرجَّى وبأساً مَهيبا

فكالسيف إن جئتَهُ صارخاً

وكالبحر إن جئته مستثيبا(21)


فالبيت الأول تضمن معنيين رئيسيين بارزين هما الكرم والقوة. فجاء البيت الثاني ليصور ذلك تصويراً جمالياً كان التشبيه حليته وزينته، بعد أن كان المعنى عارياً تماماً في البيت السابق.. وفي ذلك وجه آخر من وجوه الحسن في الإطناب.

4-استيفاء معاني الغرض المقصود من الكلام:

كقول الشاعر المخضرم حميد بن ثور الهلالي (ت 30هـ/ 650م) واصفاً ذئباً:

يَنامُ بإحدى مُقلتَيه ويتَّقي

بأخرى، المنايا، فهو يقظان هاجعُ(22)


فالبيت مكتمل المعنى والسياق في صدره ونصف عجزه. لكن الشاعر أراد استيفاء المعنى في خاطره وخاطر السامع، فقال، مضيفاً ومطنباً: فهو يقظان هاجع". وهذه الإضافة مفيدة على الصعيدين الفكري والبلاغي، إذ لخصت الكلام كله، والصورة كلها بهاتين الكلمتين الجامعتين: (اليقظة، والهجوع).

قال ابن الأثير عن هذا الضرب: إنه أصعب الضروب الأربعة طريقاً وأضيقها باباً لأنه يتفرع إلى أساليب كثيرة من المعاني..(23) وضرب لنا مثلاً آخر آية قرآنية غاية في الإيجاز، وهي في وصف بستان، [فيهِ منْ كُلِّ فاكِهَةٍ زوجان] شرحها ابن الأثير شرحاً إطنابياً فقال: جنَّة علت أرضها أن تُمسك ماءً وغنيت بينبوعها أن يستجدي سماء، وهي ذات ثمار مختلفة الغرابة، وتربة منجبة، وما كل تربة توصف بالنجابة... ففيها المَّشمش الذي يسبق غيره بقدومه... وفيها التفاح الذي رقَّ جلده وتورَّد خدُّه... وفيها العنب الذي هو أكرم الثمار طينة... وفيها الرمان الذي هو طعام وشراب... وفيها التين الذي أقسم الله به تنويهاً بذكره.. وفيها من ثمرات النخيل ما يُزهى بلونه وشكله.. الخ(24).

ج-القسم الثالث: الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني:

كان للقزويني (ت 739هـ) دور هام في وضع القواعد شبه النهائية لعلوم البلاغة ومصطلحاتها، فأسهم في الإضافة والتفريع والترسيخ الأمر الذي جعل البلاغيين المحدثين يعتمدون تقسيماته وتعريفاته التي كانت هي حصيلة التطور النظري للبلاغة العربية خلال العصور السابقة.

وهكذا وجدنا الدارسين المعاصرين يتناولون الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني، على شيء من الاختلاف، لجهة التنويع، فكان له ولهم الأنواع الآتية:

1-الإطناب بالإيضاح بعد الإبهام:

ليُرى المعنى في صورتين مختلفتين؛ أو ليتمكن في النفس أفضل تمكن، ويكون شعورها به أتم(25). كقوله تعالى: )وإنَّ لكُمْ في الأنْعام لَعِبْرةً نَسْقيكُمْ مما في بطونه من بين فَرْثٍ ودَم لَبَنَا خالصاً سائغاً للشاربين((26).

فقد ذكر المعنى العام وهو (العبرة)، غير الواضح، ثم أعقبه بشرح وتوضيح لا لبس فيه ولا غموض. كان التوضيح على مرحلتين: الأولى هي (سُقيا البطون) والثانية: (اللبن السائغ) الذي يخرج من موضع دقيق لا يكاد يعرفه إلا الطبيب الجراح المختص، تماماً كخلق الإنسان، في قوله تعالى: )من ماءٍ دافقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبْ((27). فتأمل فائدة هذا الإطناب التوضيحي، وأهميته في شرح جوامع الكَلِمَ.

2-إطناب التوشيع:

ومعنى التوشيع اللغوي لف القطن بعد ندفه. وهو أن يؤتى في سياق الكلام، وبخاصة الشعر، بمثنى مفسر باسمين، أحدهما معطوف على الآخر. ومنه قول عبد الله بن المعتز (ت 296هـ/ 908م):

سقتني في ليل شبيه بشعرها

شبيهة خديها بغير رقيب

فما زلت في ليلين: شعر وظلمة

وشمسين: من خمرٍ ووجهِ حبيب(28)


فالبيت الثاني، يتضمن ذكر لليلين فسرهما الشاعر بالشَّعر والظلمة، وكذلك عجز البيت نفسه، تضمن ذكراً لشمسين، مفسرين بالخمر ووجه الحبيب.

3-إطناب الخاص بعد العام أو العكس:

بالنسبة إلى الوجه الأول، يكون الإطناب للتنبيه على فضل المذكور أولاً، حتى كأنه ليس من جنسه "تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات"(29) كقوله جلَّ وعلا: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى](30). فالحفاظ على الصلوات، يتضمن حكماً الصلاة الوسطى. لكن الباري آثر التخصيص، بعد التعميم، للتنبيه على فضل المخصَّص وهو هنا الصلاة الوسطى (أي صلاة العصر) كونها حلقة اتصال بين صلاتي السُّحور والعشاء.

أما الجانب الثاني أي، ذكر العام بعد الخاص، فكقوله تعالى، ذاكراً أيام الصوم المتوجبة على الحاج والمعتمر غير القادرين على الصدقة والتضحية في الحج: [... فَمَنْ لم يَجِدْ فَصيامُ ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رَجَعْتُم تلك عشرة كاملة](31).

4-إطناب التكرير:

فصَّل القزويني أغراض هذا النوع فذكر منها خمسة، نلخصها على الوجه الآتي:

*النكتة؛ وهي هنا الفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس(32)، كتأكيد الإنذار في قوله تعالى: )كَلاَّ سوف تعلمون، ثم كَلاَّ سوف تعلمون((33). ففي التكرار إنذار مُبين أشد وأبلغ مما لو اكتفي بالآية الأولى.

*زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة، ليحصل قبول المتلقي لما يقال له أو يخاطب به كما في قوله تعالى: )وقال الذي آمن: يا قومِ اتَّبعونِ أهْدكُمْ سبيلَ الرَّشاد، يا قومِ إنما هذه الحياة الدنيا مَتاعٌ وإنَّ الآخرة هي دارُ القَرار((34).

*طول الكلام، زيادة في التأثير النفسي المطلوب، كقول الحق تبارك: [ثمَّ إنَّ ربَّكَ للَّذين هاجروا من بعد ما فُتِنوا، ثمَّ جَاهَدوا وصَبَروا، إنَّ ربَّكَ من بعدها لَغفورٌ رحيم](35). الفتنةُ ههنا، بمعنى الابتلاء والاختبار.

*تَعدُّد المتعلَّق، لتنوع الغرض الذي يبرز من خلال كل قول مكرَّر. وخير مثال على ذلك تكرار قول الله تعالى )فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان( ثلاثين مرة في سورة الرحمن لأنه كان في كل مرة يذكر عَقِبَ نعمة جديدة من نِعَم الله على الإنسان.

*الزَّجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات. نحو قوله تعالى )وَيْلٌ يومئذٍ لِلْمُكَذِّبين( المتكرر عشر مرات في سورة (المُرسلات) "لأنه تعالى، ذكر قصصاً مختلفة، وأتبعَ كل قصة بهذا القول. فصار كأنه قال عقب كل قصة: ويلٌ يومئذٍ للمكذبين بهذه القصة"(36).

وهناك من جعل للتكرير أقساماً، بعضها،

*في اللفظ والمعنى معاً، نحو قولنا، هَلُمَّ! هَلُمَّ! وبعضها الآخر،

*في المعنى دون اللفظ، نحو: اصدُق معي ولا تمكرُ بي!‍ فعدم المكر هو الصدق والوفاء.

*ومنها ما هو مفيد يأتي في الكلام توكيداً له وتسديداً لأمره، وإشعاراً بعظَم شأنه.

كقوله تعالى: )وقال اللهُ لا تَتَّخِذوا إلهَيْنِ اثْنين إنما هو إلهٌ واحد((37).

فهو من تكرير المعنى دون اللفظ؛ والغرض منه تأكيد معنى المعدود ومنع الالتباس في شأنه.

*ومنها ما هو غير مفيد، كقول المتنبي، من قصيدة في مدح المغيث بن العجلي:

ولم أرَ مثل جيراني ومثلي

لِمثْلي عند مِثلهُمُ مقامُ(38)


ومعنى البيت: لم أر مثل جيراني في سوء الجوار وقلة المراعاة؛ ولا مثلي في مصابرتهم مع جفوتهم. فهو يشكو جيرانه ويلوم نفسه على الإقامة بينهم. فقد حذف الشاعر وأوجز، ولكن على حساب التكرار الإطنابي غير المفيد(39).

5-إطناب الإيغال:

وهو ضرب من المبالغة في الوصف والتصوير، أو هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها(40). كقول الأعشى (ت 007هـ/ 629م):

كناطحِ صخرة يوماً ليفلِقَها

فلم يَضِرْها، وأوهى قَرْنَه الوعِلُ(41)


قال ابن رشيق (ت 456هـ) إن المثل في هذا البيت قد تمَّ بقول الشاعر:

"وأوهى قرنه فلما احتاج إلى القافية قال: "الوعِلُ"(42). فقد استخدم الشاعر نوعاً من الإيغال في القافية، لا البيت. ومثله قول ذي الرمة (ت 77 أو 117هـ/ 696 أو 735م):

قِفِ العيس في أطلال مية واسألِ

رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل(43)


فتمَّ كلامه قبل إضافة (المسلسل) ولكنه احتاج إلى القافية، فزاد شيئاً(44)، وأطال المعنى والصورة. ومثله قول ذي الرمَّة، في القصيدة نفسها:

أظنُّ الذي يُجدي عليك سؤالها

دموعاً كتبديد الجُمان المفصَّل


فتم كلامه عند قوله: "الجمان". لكنه احتاج إلى القافية فقال: "المفصَّل" فزاد شيئاً..

وعرَّفه قدامة بن جعفر (ت 327هـ/ 948م) فقال: الإيغال أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تاماً من غير أن يكون للقافية في ما ذكره صنع، ثم يأتي بها لحاجة الشعر، فيزيد بمعناها في تجويد ما ذكره من المعنى في البيت، كما قال امرؤ القيس:

كأنَّ عيون الوحشِ حول خِبائنا

وأرحُلنا الجِزعُ الذي لم يُثقَبِ(45)


فقد أوفى الشاعر التشبيه قبل القافية، لأن عيون الوحش شبيهة بالجزع. ولكن إضافة القافية "لم يثقَّب" جعلت الشاعر يوغل في الوصف وتوكيده، فإن عيون الوحش غير مثقبة وهي بالجزع الذي لم يثقب أدخل في التشبيه(46).

ومن هذا القبيل، قول الخنساء (ت 24هـ/ 646م) ترثي أخاها صخراً:

وإنَّ صَخراً لتأتمُّ الهُداةُ به

كأنَّه عَلَمٌ في رأسه نارُ(47)


لم ترض أن تشبهه بالعلم الذي هو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، حتى جعلت في رأسه ناراً(48).

6-إطناب التذييل:

معناه إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد بعينه ليظهر لمن لم يفهمه، ويتأكد عند مَن فَهِمَهُ، كقول الشاعر ربيعة بن مقروم الضبِّي (ت 16 هـ/ 637م):

فَدعَوا نَزالِ فكنت أوَّل راكبٍ

وعلام أركبُهُ إذا لم أنْزل؟(49)


فالمصراع الأول مكتمل المعنى. لكن الشاعر لم يكتف بذلك، بل ذيل به مصراعاًُ آخر، توضيحاً للمعنى وتأكيداً، ومثله قول الشريف الرضي متغزلاً:

قمرٌ إذا استَخْجَلتَهُ بعتابِهِ

لبس الغروبَ ولم يعُد لِطلوعِ

أبغي رضاهُ بشافعٍ من غيره

شرُّ الهوى ما رمته بشفيعِ(50)


فقد استوفى المعنى في صدر البيت الثاني. لكنه ذيله في العجز تحقيقاً لمزيد من الفهم والتوضيح وقد جعله بعضهم أحد مواضع البلاغة الثلاثة: الإشارة والمساواة والتذييل، لأن فيه موقعاً جليلاً ومكاناً شريفاً خطيراً يزداد بهما المعنى انشراحاً والمقصد إيضاحاً. ومن الأمثلة الشعرية الدالة على إطناب التذييل، قول أبي نواس يمتدح الخليفة العباسي الأمين:

عَرمَ الزمانُ على الذين عَهِدتُهُمْ

بكِ قاطنينَ، وللزمانِ عُرامُ(52)


المعنى مستوفى في صدر البيت. والعجز المذيَّل جعل منه ما يشبه الحكمة عندما أكَّد شدَّة الزمان وثباتها على الأيام.
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: الإطناب في اللغة والبلاغة

تمّ نقل الموضوع من الديوانية

جزاك الله خيرًا مشرفنا على هذا الإطناب في الإجابة
وشكرًا للأخت مريم على طرح السؤال بإيجاز
 

مريم حافظ

مزمار فعّال
29 فبراير 2012
77
6
8
الجنس
أنثى
رد: الإطناب في اللغة والبلاغة

جُزيتم خيرًا..
أخ محمد أبو سالم، الله يبارك في علمك.. و عندي سؤال بعيد: هل أنتم حقًا الآن في غزّة؟ اغفروا لنا تقصيرنا، فالحياة عندكم هي الحياة.. و ادعوا لنا، نحن من يحتاج دعاء المرابطين، فدعاؤهم أرجى..
بالأمس وصل وفد من أطفال غزّة لعندنا بالبحرين، و غدًا الخميس سيقدّمون فقرات (أطفال من حرب الفرقان).. و نحن في شوق للقياهم.. هم و نور إيمانهم..

اختي ابنة اليمّ.. شكر الله مرورك اللطيف و إشرافك و جهدك.. الله يتقبّل منكم..

-------------
كنت أقرأ في كتاب التحرير و التنوير للطاهر بن عاشور -جزاه الله خيرًا-، و استوقفني ذكره لكلمة (الإطناب):

(...)
[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(...)
[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
تَذْيِيلٌ لِأَنَّ فِيهِ تَعْمِيمَ أَحْوَالِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ أَنْ ذُكِرَ حَالٌ خَاصٌّ بِبَعْضِهِمْ.
وَأُدْمِجَ فِيهِ الْأَمْوَالُ لِأَنَّهَا لَمْ يَشْمَلْهَا طَلَبُ الْحَذَرِ وَلَا وَصْفُ الْعَدَاوَةِ. وَقُدِّمَ ذِكْرُ الْأَمْوَالِ عَلَى الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ.
وَوَجْهُ إِدْمَاجِ الْأَمْوَالِ هُنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَدْ أُصِيبُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَلَمْ تُذْكَرِ الْأَمْوَالُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُوَ التَّحْذِيرُ مِنْ أَشَدِّ الْأَشْيَاءِ اتِّصَالًا بِهِمْ وَهِيَ أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ. وَلِأَنَّ فِتْنَةَ هَؤُلَاءِ مُضَاعَفَةٌ لِأَنَّ الدَّاعِي إِلَيْهَا يَكُونُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِنْ مَسَاعِيَ الْآخَرِينَ وَتَسْوِيلِهِمْ. وَجُرِّدَ عَنْ ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ هُنَا اكْتِفَاءً لِدَلَالَةِ فِتْنَةِ الْأَوْلَادِ عَلَيْهِنَّ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ، فَإِنَّ فِتْنَتَهُنَّ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ جُرْأَتَهُنَّ عَلَى التَّسْوِيلِ لِأَزْوَاجِهِنَّ مَا يُحَاوِلْنَهُ مِنْهُمْ أَشَدُّ مِنْ جُرْأَةِ الْأَوْلَادِ.
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَاد من (إنَّما) قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صِفَةٍ، أَيْ لَيْسَتْ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ إِلَّا فِتْنَةً. وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ مُلَازَمَةِ هَذِهِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ إِذْ يَنْدُرُ أَنْ تَخْلُوَ أَفْرَادُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَهُمَا أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادُهُمْ عَنِ الِاتِّصَافِ بِالْفِتْنَةِ لِمَنْ يَتَلَبَّسُ بهما.
والإخبار بـ(فتْنَةٌ) لِلْمُبَالَغَةِ. وَالْمُرَادُ: أَنَّهُمْ سَبَبُ فِتْنَةٍ سَوَاءً سَعَوْا فِي فِعْلِ الْفَتْنِ أَمْ
لَمْ يَسْعَوْا. فَإِنَّ الشُّغْلَ بِالْمَالِ وَالْعِنَايَةَ بِالْأَوْلَادِ فِيهِ فِتْنَةٌ.
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ عِلْمِ الْمَعَانِي التَّذْيِيلُ وَالْإِدْمَاجُ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْإِطْنَابِ، وَالِاكْتِفَاءُ وَهُوَ مِنَ الْإِيجَازِ، وَفِيهَا الْإِخْبَار بِالْمَصْدَرِ وهو فتْنَةٌ، والإخبار بِهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ، وَفِيهَا الْقَصْرُ، وَفِيهَا التَّعْلِيلُ، وَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْفَصْلِ، وَقَدْ يُعَدُّ مِنْ مُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِ أَيْضًا فَتِلْكَ سِتُّ خُصُوصِيَّاتٍ.
وَفُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى التَّذْيِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَكِلَاهُمَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْفَصْلِ.

(...)
 

محمد أبو سالم

مشرف سابق
27 أبريل 2011
1,969
40
48
الجنس
ذكر
علم البلد
رد: الإطناب في اللغة والبلاغة

جُزيتم خيرًا..
أخ محمد أبو سالم، الله يبارك في علمك.. و عندي سؤال بعيد: هل أنتم حقًا الآن في غزّة؟ اغفروا لنا تقصيرنا، فالحياة عندكم هي الحياة.. و ادعوا لنا، نحن من يحتاج دعاء المرابطين، فدعاؤهم أرجى..
بالأمس وصل وفد من أطفال غزّة لعندنا بالبحرين، و غدًا الخميس سيقدّمون فقرات (أطفال من حرب الفرقان).. و نحن في شوق للقياهم.. هم و نور إيمانهم..
نعم أختي الفاضلة...
نحن بخير ما كان هناك قلوب نابضة بالوفاء لقضيتنا...أمثالك....
حياك الله وحيا شعبك الأصيل وحفظه من كيد الكائدين...
.........
وقلوبنا معكم .... همنا همكم ... وجرحنا جرحكم...
بوركتم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع