- 20 سبتمبر 2008
- 105
- 1
- 18
- الجنس
- أنثى
ذكرى رحيل شيخ القراء العراقيين وأمير القراءة العراقية
الحافظ خليل إسماعيل رحمه الله تعالى
بقلم: الشيخ عبد اللطيف العبدلي
مستشار الرابطة العالمية الاسلامية للقراء والمجودين
عندما تغرب شمسالقراء والعلماء ورموز الأُمة تعود شمسهم لتشرق من جديد لتعيد إلى الذاكرة تاريخمجدهم التليد ومسيرتهم العلمية ليتواترها الناس جيلا بعد جيل من أجل إبقاء تلكالآثار لتكون دروسا للأجيال, قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىوَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍمُبِينٍ).
واليوم وفيذكرى رحيل شيخ القراء الحافظ خليل إسماعيل - رحمه الله تعالى -تعود بنا الذاكرةإلى تصفح مسيرته الإقرائية طيلة أكثر من نصف قرن, فهو الحافظ خليل إسماعيل عمرالجبوري, ولد في مدينة بغداد عام1920م, في محلة التكارتة قرب جامع ثريا من جانبالكرخ, ودرس القرءان الكريم على عدد من المشايخ الكبار منهم الملا رشيد والملا عبدالله بن عمر والملا علي إبراهيم العلي والملا عواد العبدلي وكذلك الشيخ سلامة.
دخل المدرسةالعلمية الدينية وكان المرحوم الشيخ نجم الدين الواعظ - رحمه الله تعالى - مديرالها وكان احد مدرسيها هو المرحوم الشيخ قاسم القيسي- رحمه الله تعالى -, وقد تخرجمنها عام 1943م, ولم يكتف بذلك بل واصل دراسته مرة أُخرى عام 1944م, إلى عام1953م, حيث حصل على الشهادة المدرسية, ومن خلال لقائي معه قبل وفاته- رحمه اللهتعالى - ذكر لي: انه تأثر كثيرا بالملا جاسم محمد سلامه وقرأ عليه القرءان كاملا,وكان الملا سلامة من القراء المشهورين حيث قرأ عليه كثير من القراء منهم الشيخ عبدالفتاح معروف والملا إبراهيم جريشة والملا علي الحيد والملا شهاب المشهداني والملامحمود الجبورى - رحمهم الله وأحسن مثواهم.
كان الحافظخليل إسماعيل - رحمه الله تعالى - صاحب ابتسامة لا يخلو كلامه منها, وكان الغالبعلى مجلسه ذكر القرءان الكريم والعلوم الفقهية والتوجيهية, ويتصف بسعة صدرهلجلسائه, ولا يجامل أو يحابي أحداً في الجانب العلمي, صريحا بكلامه, صادقا بأفكاره,لا يكل ولا يمل.
وفي لقاءٍ ليمع جريدة الحرية عام 1980م أطلقت لقبا خاصا بالحافظ خليل بأنه - أمير القراءةالعراقية - ولتواضعه وطيب قلبه قال لي: أنا لا استحق هذا الثناء.
كنت أزوره بينوقت وآخر للاطمئنان على صحته, وكانت آخر زيارتة له في المستشفى، وكثيرا ما كانيعاتبني من كثرة الزيارات بقوله: لا تتكلف وأنت في مكان بعيد.
قرأ القرءان لأولمرة في جامع السراي عام 1937م, ثم انتقل إلى جوامع عديدة في بغداد, وكان له جمهورذواق وشغوف, محب لصوته وأدائه, يتابع قراءته أينما حل وارتحل . ومن خلال متابعتيولقاءاتي معه أثناء نقل صلاة الجمعة من المساجد في بغداد تعلمت كثيرا من ملاحظاتهوتوجيهاته القيمة.
كان الحافظ يحبأهل القرءان ويعتز بهم, وكان ناقدا بصيرا لا يبالي من قولة الحق, صريحا مع القراءفي تبيان أخطائهم لا يجامل أحداً.
دخل الإذاعة لأولمرة عام 1941م وسط نخبة من كبار القراء وكان يقرأ على الهواء مباشرة لعدم توفر أجهزةالتسجيل آنذاك, الأمر الذي يدل على شجاعته وقدرته الأدائية.
قرأ المرحومالحافظ بالنغمات البغدادية كافة ولم يترك نغمة تعتب عليه كما يقولون, وادخل كثيرامن النغمات الشعبية التي لم تكن مألوفة لدى القراء كالحياوي والشطراوي والمحمداويوالعياش إضافة إلى النغمات الرئيسية, وكان يتحكم في هذه الأنغام دونما تجاوز على الأحكامالتجويدية البتة, وكانت تلاواته تصويرية معبرة عن عمق إدراكه للمعاني القرءانية.
طلبت منه ذاتيوم قراءة آيات من سورة الأحزاب فقرأها ولما خاض في عمق وتصوير معاني هذه الآياتوجدتني أشعر وكأنني أعيش معركة الأحزاب, لما انطوت عليه هذه التلاوة من تصويروتعبير رائع إذ كان يحسب لتلاوته حسابات دقيقة من حيث الوقف والابتداء ومراعاةبقية الأحكام التجويدية فضلا عن متابعته للنغم حرصا منه على عدم توضيب النغم على الأداء,مراعيا الدقة في الإتقان, سجل قراءة القرءان كاملا بصوته على ما اعتقد, وكان يشكوقلة الإمكانيات وعدم توفر أجهزة التسجيل فضلا عن سوء حالته الصحية.
أعجب به الكثيرمن مشاهير القراء العرب واثنوا عليه ثناءاً حاراً على حسن أدائه وجمال صوته ودقةانتقالاته, كان شعاره حديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي يقول فيه( مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِبِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ))([1]),وحديثه عليه الصلاة والسلام: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ))([2])أي: يحسن صوته, ومن هنا تبرز التلاوة الجيدة عندما يتمازج فيها جمال الصوت بجمالالأداء.
رحل الحافظخليل - رحمه الله تعالى - في اليوم الخامسمن شهر تموز عام 2000م, وترك ثروة هائلة من عشاقه ومحبيه, ومدرسة عامرة في العراقيتخذ منها العراقيون منهجا وطريقا لتعلم تجويد القرءان وأدائه نغما وتجويدا, حيثلم تكن تلاواته استعراضية وإنما كانت معبرة عن الإحساس الذوقي والأسلوب الإقرائيالناجح, فهي سلوكا وأخلاقا وأدبا وعلما ومدرسة تذكرها الأجيال.
رحم الله أبامهنا, وحشره مع حملة القرءان وجعل منزلته عند أخر أية يقرؤها, ولعلنا نتعلم منذكراه الكثير ونعتز بأهل القرءان ونعزهم والله الموفِّق لكل خير.
الحافظ خليل إسماعيل رحمه الله تعالى
بقلم: الشيخ عبد اللطيف العبدلي
مستشار الرابطة العالمية الاسلامية للقراء والمجودين
عندما تغرب شمسالقراء والعلماء ورموز الأُمة تعود شمسهم لتشرق من جديد لتعيد إلى الذاكرة تاريخمجدهم التليد ومسيرتهم العلمية ليتواترها الناس جيلا بعد جيل من أجل إبقاء تلكالآثار لتكون دروسا للأجيال, قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىوَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍمُبِينٍ).
واليوم وفيذكرى رحيل شيخ القراء الحافظ خليل إسماعيل - رحمه الله تعالى -تعود بنا الذاكرةإلى تصفح مسيرته الإقرائية طيلة أكثر من نصف قرن, فهو الحافظ خليل إسماعيل عمرالجبوري, ولد في مدينة بغداد عام1920م, في محلة التكارتة قرب جامع ثريا من جانبالكرخ, ودرس القرءان الكريم على عدد من المشايخ الكبار منهم الملا رشيد والملا عبدالله بن عمر والملا علي إبراهيم العلي والملا عواد العبدلي وكذلك الشيخ سلامة.
دخل المدرسةالعلمية الدينية وكان المرحوم الشيخ نجم الدين الواعظ - رحمه الله تعالى - مديرالها وكان احد مدرسيها هو المرحوم الشيخ قاسم القيسي- رحمه الله تعالى -, وقد تخرجمنها عام 1943م, ولم يكتف بذلك بل واصل دراسته مرة أُخرى عام 1944م, إلى عام1953م, حيث حصل على الشهادة المدرسية, ومن خلال لقائي معه قبل وفاته- رحمه اللهتعالى - ذكر لي: انه تأثر كثيرا بالملا جاسم محمد سلامه وقرأ عليه القرءان كاملا,وكان الملا سلامة من القراء المشهورين حيث قرأ عليه كثير من القراء منهم الشيخ عبدالفتاح معروف والملا إبراهيم جريشة والملا علي الحيد والملا شهاب المشهداني والملامحمود الجبورى - رحمهم الله وأحسن مثواهم.
كان الحافظخليل إسماعيل - رحمه الله تعالى - صاحب ابتسامة لا يخلو كلامه منها, وكان الغالبعلى مجلسه ذكر القرءان الكريم والعلوم الفقهية والتوجيهية, ويتصف بسعة صدرهلجلسائه, ولا يجامل أو يحابي أحداً في الجانب العلمي, صريحا بكلامه, صادقا بأفكاره,لا يكل ولا يمل.
وفي لقاءٍ ليمع جريدة الحرية عام 1980م أطلقت لقبا خاصا بالحافظ خليل بأنه - أمير القراءةالعراقية - ولتواضعه وطيب قلبه قال لي: أنا لا استحق هذا الثناء.
كنت أزوره بينوقت وآخر للاطمئنان على صحته, وكانت آخر زيارتة له في المستشفى، وكثيرا ما كانيعاتبني من كثرة الزيارات بقوله: لا تتكلف وأنت في مكان بعيد.
قرأ القرءان لأولمرة في جامع السراي عام 1937م, ثم انتقل إلى جوامع عديدة في بغداد, وكان له جمهورذواق وشغوف, محب لصوته وأدائه, يتابع قراءته أينما حل وارتحل . ومن خلال متابعتيولقاءاتي معه أثناء نقل صلاة الجمعة من المساجد في بغداد تعلمت كثيرا من ملاحظاتهوتوجيهاته القيمة.
كان الحافظ يحبأهل القرءان ويعتز بهم, وكان ناقدا بصيرا لا يبالي من قولة الحق, صريحا مع القراءفي تبيان أخطائهم لا يجامل أحداً.
دخل الإذاعة لأولمرة عام 1941م وسط نخبة من كبار القراء وكان يقرأ على الهواء مباشرة لعدم توفر أجهزةالتسجيل آنذاك, الأمر الذي يدل على شجاعته وقدرته الأدائية.
قرأ المرحومالحافظ بالنغمات البغدادية كافة ولم يترك نغمة تعتب عليه كما يقولون, وادخل كثيرامن النغمات الشعبية التي لم تكن مألوفة لدى القراء كالحياوي والشطراوي والمحمداويوالعياش إضافة إلى النغمات الرئيسية, وكان يتحكم في هذه الأنغام دونما تجاوز على الأحكامالتجويدية البتة, وكانت تلاواته تصويرية معبرة عن عمق إدراكه للمعاني القرءانية.
طلبت منه ذاتيوم قراءة آيات من سورة الأحزاب فقرأها ولما خاض في عمق وتصوير معاني هذه الآياتوجدتني أشعر وكأنني أعيش معركة الأحزاب, لما انطوت عليه هذه التلاوة من تصويروتعبير رائع إذ كان يحسب لتلاوته حسابات دقيقة من حيث الوقف والابتداء ومراعاةبقية الأحكام التجويدية فضلا عن متابعته للنغم حرصا منه على عدم توضيب النغم على الأداء,مراعيا الدقة في الإتقان, سجل قراءة القرءان كاملا بصوته على ما اعتقد, وكان يشكوقلة الإمكانيات وعدم توفر أجهزة التسجيل فضلا عن سوء حالته الصحية.
أعجب به الكثيرمن مشاهير القراء العرب واثنوا عليه ثناءاً حاراً على حسن أدائه وجمال صوته ودقةانتقالاته, كان شعاره حديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي يقول فيه( مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِبِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ))([1]),وحديثه عليه الصلاة والسلام: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ))([2])أي: يحسن صوته, ومن هنا تبرز التلاوة الجيدة عندما يتمازج فيها جمال الصوت بجمالالأداء.
رحل الحافظخليل - رحمه الله تعالى - في اليوم الخامسمن شهر تموز عام 2000م, وترك ثروة هائلة من عشاقه ومحبيه, ومدرسة عامرة في العراقيتخذ منها العراقيون منهجا وطريقا لتعلم تجويد القرءان وأدائه نغما وتجويدا, حيثلم تكن تلاواته استعراضية وإنما كانت معبرة عن الإحساس الذوقي والأسلوب الإقرائيالناجح, فهي سلوكا وأخلاقا وأدبا وعلما ومدرسة تذكرها الأجيال.
رحم الله أبامهنا, وحشره مع حملة القرءان وجعل منزلته عند أخر أية يقرؤها, ولعلنا نتعلم منذكراه الكثير ونعتز بأهل القرءان ونعزهم والله الموفِّق لكل خير.