- 12 سبتمبر 2007
- 1,826
- 14
- 0
- الجنس
- ذكر
بَسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيمِ
أيّهَ القُرّاءُ الفُضلاءُ ، والأبرارُ النّبلاءُ ، مَعادِنُ الفَضلِ ومعَاقِدُهُ ، ومكَامِنُ البِرّ وَمَوارِدُهُ
سلامُ اللهِ عليكُم ورحمتُهُ وبركَاتُهُ
أمّا بَعدُ
فهَذا مَبحَثٌ صَغيرٌ ماتِعٌ ، عَن كَلِمَةِ : أمّا بعدُ ، ساقَنِي إليهِ نِقاشٌ مَعَ فَاضلٍ بَرٍّ حَولَ أحكامِهَا وَما تَقتَضيهِ ، فجمَعتُهُ ونظمتُهُ لكُم فِي هذهِ السطورِ ، راجِياً أن ينتَفِعَ بهِ منتَفعٌ ، ويستَفيدَ مِنهُ قَارئٌ ، وَلا غُنيَة لِي عَن تنبِيهٍ أو تَصحيحٍ أو تَصويبٍ ، إن اقتَضاهُ المَقالُ والمقَامُ .
أمّا بعدُ ، كَلِمَة يُقدّمها الخُطبَاءُ في مَطالِع خُطبهِم ، ويبتَدئُ بِهَا الكُتّّابُ رَسائلهُم ومؤلّفاتِهمْ ، وَهي في الخُطَبِ والرّسائِلِ آكَدُ وأبلَغُ ، وَمقصَدُهم فِيهَا لَفتُ انتِباهٍ ، واستِدعاءُ استِماعٍ وإصغاءٍ ، وَقد جعلَها سحبَانُ وائِلٍ عَلامَة فخرِهِ ، وأمارَةَ سَبقِهِ فقَالَ :
وقد عَلِمَ الحَيّ اليمَانونَ أنّني .. إذا قيلَ أمّا بعدُ أنّي خطِيبُها
قيلَ أنّهُ أولُ مَن قالهَا - أي سحبانُ وائلٍ - وَهُو أخطَبُ العَربِ ، لِذا قالوا في المَثلِ : أخطَبُ مِن سحبَانَ ، وَهُو سحبانُ بنُ زُفر بن إياسٍ الوَائليّ ، عَاصَرَ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ، وأسلَمَ ولَم يجتَمِع بهِ ، مَاتَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ للهجرَةِ .
كانَ خَطِيباً لا تُعوِزهُ الكَلِمَةُ ، ولا يستَعصِي عَلى لِسَانِهِ الحَرفُ ، قَالوا إنّه إذا خَطبَ تصبّبَ عرقاً ، ولَم يتَوقّفْ أو يُعِدْ ، وَلم يقعُد حَتّى يُتمّ خُطبتَهُ .
وقيلَ أنهُ قَدِم عَلى مُعاوِيةَ رضيَ اللهُ عَنهُ فطلبَ مِنهُ معاويةُ أن يتكَلّمَ ، فَقَال : انظُرُوا لي عصاً تُقوّمُ مِن أودي . فَقَالُوا : وَمَا تَصنَعُ بِها وأنتَ بِحضرَةِ أميرِ المُؤمنينَ ؟ . قالَ : مَاكان يصنَعُ بِها مُوسى وَهوَ يخَاطِبُ ربّهُ ، وعصَاهُ في يَدِهِ . فَضحِكَ مُعاوِيةُ رضيَ اللهُ عَنهُ وقالَ : هَاتُوا عصاهُ ، فأخذهَا ثُمّ قامَ فتكَلّمَ مِنَ صلاةِ الظّهرِ حَتّى قامَت صلاةُ العَصرِ ، مَا تنحنحَ ولا سعلَ ولا تَوقّفَ ولا ابتدَأ فِي مَعنىً فخرجَ مِنهُ وقد بَقِي عليهِ شئٌ ، فما زالَ عَلى حالهِ تلكَ ، حتّى أشارَ عليهِ معاويةُ بيدِهِ ، يريدُه أن يكفّ ، فأشارَ إليهِ سحبانُ أن لا تقطَع عليّ كَلامِي . فقالَ معاويةُ : الصلاةَ ، فقالَ : هيَ أمامَكَ ، ونَحنُ في صَلاةٍ وتحمِيدٍ ، ووعدٍ ووعيدٍ . فقال معاويةُ : أنتَ أخطبُ العربِ ، قالَ سَحبانُ : والعَجَمُ ، والإنسُ والجِنّ .
وَقَالُوا : أوّلُ مَن قالَ " أمّا بعدُ " هُو كعبُ بنُ لُؤي فِي الجَاهليّةِ ، وقيلَ : قِسّ بن ساعِدةَ الإيادِيّ ، وقيلَ : أولُ مَن قالهَا : داود نبيّ الله عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، وفسّروا قَولهُ تعالَى : " وآتينَاه الحِكمَةَ وفصلَ الخِطابِ " بأنّ فصلَ الخِطابِ هِيَ : أمّا بعدُ ، نَقلَهُ الطّبريّ عَن الشعبيّ ولَم يُرجّحهُ ، واللهُ أعلَمُ .
وَفِي مَعنَاها قالَ صاحِبُ تهذِيبِ اللغةِ : مَعنَى " أما بعدُ " أما بعدُ مَا مَضَى مِنَ الكَلامِ فهُو كَذا وكَذا .
قَالُوا : وإذَا جَاءت بَعدَ البَسمَلةِ مُبَاشَرةً كانَ معنَاها : أمّا بعدَ قَولِنا بِسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ فقَد كانَ كَذا وكَذا .
وأمّا بعدُ مُركّبةٌ مِن لفظَينِ : أمّا وهوَ حَرفُ شَرطٍ و بعدُ وهوَ ظرفُ زمانٍ ، وأجَازوا فِي بعد الرّفعُ والتنوينُ ، والنّصبُ والتنوينُ أيضاً ، أمّا بعدُ ، وبعدٌ ، وبعدَ ، وبعداً ، ذكرَهُ الفرّاءُ .
وأمّا إتبَاعِها بالفاءِ فَوجوباً ، قالَ الصولي : لابدّ مِن مَجيءِ الفاءِ بَعد أمّا لأنّ أما لا عملَ لها إلاّ اقتضاءَ الفاءِ واكتسابَها ، فإنّ الفاءَ تصِلُ بعضَ الكلامِ ببعضٍ ، وصْلاً لا انفصَالَ بينَه وَلا مُهلةَ فيهِ ، ولَهَا صُورٌ : أمّا بعدُ ، فأطَالَ اللهُ بقَاءكَ إنّي كَذا وكذا ، أمّا بعدُ أطَالَ اللهُ بقاءكَ ، فإنّي كَذا وكذاَ ، أمّا بعدُ فأطَالَ اللهُ بقاءكَ ، فإنّي كَذا وكذاَ ، أمّا بعدُ ثُمّ أطَالَ اللهُ بقاءكَ ، فإنّي كَذا وكذاَ ، نقلَها القَلقشَنديّ عَنِ النّحاسِ .
قالُوا : وإذا أضيفَت أمّا بعدُ إلى مَا بعدَها فُتحَتْ ، فيُقالُ : أمّا بعدَ حمدِ اللهِ والثنَاءِ عَليهِ .
واللهُ أعلَى وأعلَمُ .
أيّهَ القُرّاءُ الفُضلاءُ ، والأبرارُ النّبلاءُ ، مَعادِنُ الفَضلِ ومعَاقِدُهُ ، ومكَامِنُ البِرّ وَمَوارِدُهُ
سلامُ اللهِ عليكُم ورحمتُهُ وبركَاتُهُ
أمّا بَعدُ
فهَذا مَبحَثٌ صَغيرٌ ماتِعٌ ، عَن كَلِمَةِ : أمّا بعدُ ، ساقَنِي إليهِ نِقاشٌ مَعَ فَاضلٍ بَرٍّ حَولَ أحكامِهَا وَما تَقتَضيهِ ، فجمَعتُهُ ونظمتُهُ لكُم فِي هذهِ السطورِ ، راجِياً أن ينتَفِعَ بهِ منتَفعٌ ، ويستَفيدَ مِنهُ قَارئٌ ، وَلا غُنيَة لِي عَن تنبِيهٍ أو تَصحيحٍ أو تَصويبٍ ، إن اقتَضاهُ المَقالُ والمقَامُ .
أمّا بعدُ ، كَلِمَة يُقدّمها الخُطبَاءُ في مَطالِع خُطبهِم ، ويبتَدئُ بِهَا الكُتّّابُ رَسائلهُم ومؤلّفاتِهمْ ، وَهي في الخُطَبِ والرّسائِلِ آكَدُ وأبلَغُ ، وَمقصَدُهم فِيهَا لَفتُ انتِباهٍ ، واستِدعاءُ استِماعٍ وإصغاءٍ ، وَقد جعلَها سحبَانُ وائِلٍ عَلامَة فخرِهِ ، وأمارَةَ سَبقِهِ فقَالَ :
وقد عَلِمَ الحَيّ اليمَانونَ أنّني .. إذا قيلَ أمّا بعدُ أنّي خطِيبُها
قيلَ أنّهُ أولُ مَن قالهَا - أي سحبانُ وائلٍ - وَهُو أخطَبُ العَربِ ، لِذا قالوا في المَثلِ : أخطَبُ مِن سحبَانَ ، وَهُو سحبانُ بنُ زُفر بن إياسٍ الوَائليّ ، عَاصَرَ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ، وأسلَمَ ولَم يجتَمِع بهِ ، مَاتَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ للهجرَةِ .
كانَ خَطِيباً لا تُعوِزهُ الكَلِمَةُ ، ولا يستَعصِي عَلى لِسَانِهِ الحَرفُ ، قَالوا إنّه إذا خَطبَ تصبّبَ عرقاً ، ولَم يتَوقّفْ أو يُعِدْ ، وَلم يقعُد حَتّى يُتمّ خُطبتَهُ .
وقيلَ أنهُ قَدِم عَلى مُعاوِيةَ رضيَ اللهُ عَنهُ فطلبَ مِنهُ معاويةُ أن يتكَلّمَ ، فَقَال : انظُرُوا لي عصاً تُقوّمُ مِن أودي . فَقَالُوا : وَمَا تَصنَعُ بِها وأنتَ بِحضرَةِ أميرِ المُؤمنينَ ؟ . قالَ : مَاكان يصنَعُ بِها مُوسى وَهوَ يخَاطِبُ ربّهُ ، وعصَاهُ في يَدِهِ . فَضحِكَ مُعاوِيةُ رضيَ اللهُ عَنهُ وقالَ : هَاتُوا عصاهُ ، فأخذهَا ثُمّ قامَ فتكَلّمَ مِنَ صلاةِ الظّهرِ حَتّى قامَت صلاةُ العَصرِ ، مَا تنحنحَ ولا سعلَ ولا تَوقّفَ ولا ابتدَأ فِي مَعنىً فخرجَ مِنهُ وقد بَقِي عليهِ شئٌ ، فما زالَ عَلى حالهِ تلكَ ، حتّى أشارَ عليهِ معاويةُ بيدِهِ ، يريدُه أن يكفّ ، فأشارَ إليهِ سحبانُ أن لا تقطَع عليّ كَلامِي . فقالَ معاويةُ : الصلاةَ ، فقالَ : هيَ أمامَكَ ، ونَحنُ في صَلاةٍ وتحمِيدٍ ، ووعدٍ ووعيدٍ . فقال معاويةُ : أنتَ أخطبُ العربِ ، قالَ سَحبانُ : والعَجَمُ ، والإنسُ والجِنّ .
وَقَالُوا : أوّلُ مَن قالَ " أمّا بعدُ " هُو كعبُ بنُ لُؤي فِي الجَاهليّةِ ، وقيلَ : قِسّ بن ساعِدةَ الإيادِيّ ، وقيلَ : أولُ مَن قالهَا : داود نبيّ الله عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، وفسّروا قَولهُ تعالَى : " وآتينَاه الحِكمَةَ وفصلَ الخِطابِ " بأنّ فصلَ الخِطابِ هِيَ : أمّا بعدُ ، نَقلَهُ الطّبريّ عَن الشعبيّ ولَم يُرجّحهُ ، واللهُ أعلَمُ .
وَفِي مَعنَاها قالَ صاحِبُ تهذِيبِ اللغةِ : مَعنَى " أما بعدُ " أما بعدُ مَا مَضَى مِنَ الكَلامِ فهُو كَذا وكَذا .
قَالُوا : وإذَا جَاءت بَعدَ البَسمَلةِ مُبَاشَرةً كانَ معنَاها : أمّا بعدَ قَولِنا بِسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ فقَد كانَ كَذا وكَذا .
وأمّا بعدُ مُركّبةٌ مِن لفظَينِ : أمّا وهوَ حَرفُ شَرطٍ و بعدُ وهوَ ظرفُ زمانٍ ، وأجَازوا فِي بعد الرّفعُ والتنوينُ ، والنّصبُ والتنوينُ أيضاً ، أمّا بعدُ ، وبعدٌ ، وبعدَ ، وبعداً ، ذكرَهُ الفرّاءُ .
وأمّا إتبَاعِها بالفاءِ فَوجوباً ، قالَ الصولي : لابدّ مِن مَجيءِ الفاءِ بَعد أمّا لأنّ أما لا عملَ لها إلاّ اقتضاءَ الفاءِ واكتسابَها ، فإنّ الفاءَ تصِلُ بعضَ الكلامِ ببعضٍ ، وصْلاً لا انفصَالَ بينَه وَلا مُهلةَ فيهِ ، ولَهَا صُورٌ : أمّا بعدُ ، فأطَالَ اللهُ بقَاءكَ إنّي كَذا وكذا ، أمّا بعدُ أطَالَ اللهُ بقاءكَ ، فإنّي كَذا وكذاَ ، أمّا بعدُ فأطَالَ اللهُ بقاءكَ ، فإنّي كَذا وكذاَ ، أمّا بعدُ ثُمّ أطَالَ اللهُ بقاءكَ ، فإنّي كَذا وكذاَ ، نقلَها القَلقشَنديّ عَنِ النّحاسِ .
قالُوا : وإذا أضيفَت أمّا بعدُ إلى مَا بعدَها فُتحَتْ ، فيُقالُ : أمّا بعدَ حمدِ اللهِ والثنَاءِ عَليهِ .
واللهُ أعلَى وأعلَمُ .