- 26 مايو 2009
- 25,394
- 1,156
- 0
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
اهتم دارسو الأدب العربي بالموشحات , وأولوها عنايتهم وأقبلوا على دراستها و تمحيصها , فقدموا فيها الآراء , وتناولوها بالنقد والتعليق , ولم يكن القدماء أقل اهتمامًا بها من المحدثين , فكتب الأدب العربي حافلة بالدراسات الضافية لهذا اللون الجديد من الشعر.
و من الدارسين للموشحات : ابن خلدون في (مقدمته ) , وابن بسام في ( الذخيرة ) , و المَقَّري في ( نفح الطيب)
و لكن ابن سناء الملك أفرد لها كتابًا خاصًا هو ( دار الطراز ) درس فيه أنواعها و عرض لأوزانها
و الموشحات فنٌّ أندلسيٌّ خالص . أما ما قيل عن من أن الشاعر العباسي ابن المعتز هو أول ناظمٍ في هذا اللون فوهمٌ باطل خُدع به بعض الدارسين لمّا وقفوا على موشحة ابن زهر الأندلسي مدسوسة ضمن ديوان الشاعر العباسي المذكور
و قد سميت الموشحات بهذه التسمية لِما كانوا يجدون فيها من شبهٍ بوشاح المرأة المزركش المحلى بالجواهر و كريم الأحجار
وقد انتشرت وصادفت اقبالاً من أهل الأندلس , ووافقت هواهم تجاوبًا مع طبيعة نفوسهم المتعطشة للنغم المحبة للطرب
و قد أدرك ابن خلدون ذلك فقال : ( ... و استطرفهُ الناس ـ يعني الموشح ـ جملةً : الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقته)
فالموشح فن اندلسي يمثل نزعات أهل الأندلس الراغبة في التحرر والانطلاق , فقد كانت بداية للتحرر من الأوزان التقليدية والقافية الواحدة التي تُضيِّق الحدودَ على الشعراء .
كان الموشح ذا أثر بعيدٍ في أذهان الناس , وقد وقف منه القدماء موقفًا شديدًا متعصبًا , فرأوا فيه خروجًا على القديم , وبدعةَ جديدة لم يألَفوها فأنكروها , وعابوا على أصحابها ما يقدمون عليه
واتهموهم بالضعف والركاكة وحكموا على قصائدهم بالموت
أشكال الموشحات و أوزانها
إذا كان الموشح فنًا شعريًا جديدًا , فما الشكل الجديد الذي بني عليه , و ما العلاقة بين هذا الشكل و شكل القصيدة العربية التقليدية ,
ولا بد أن أشير هنا إلى محاولات سبقت الموشح في تبديل شكل القصيدة العربية , من ذلك شعر الرُجّاز الذي يقوم على شطرٍ واحد .
أما الموشح فقد انصرف غالبًا ( وليس دائمًا ) عن مبدأ البيت ذي الشطرين الذي بنيت عليه القصيدة التقليدية , فكان أوسع المحاولات التي سبقته و قد اعتمد على نوع جديد من التقسيم ليلائم الغناء والايقاع
فالموشح يتألف من مجموعة أقفالٍ وأبيات
فإذا كان مؤلفًا من ستةِ أقفال و خمسة أبيات سمي ( التام )
و إذا كان مؤلفًا من خمسة أقفال وخمسة أبيات سمي ( الأقرع )
والتام : هو الذي يبدأ بالقفل و ينتهي بالقفل , والأقرع : هو الذي يبدأ بالبيت و ينتهي بالقفل
والقفل يتألف من عدد من الأجزاء لا تقل عن اثنين و لا تزيد على ثمانية أجزاء , و يجب فيه أن يتفق مع بقية الأقفال في : الوزن ـ و القافية وعدد الأجزاء
والبيت يتألف من عدد من الأجزاء لا تقل عن ثلاثة ولا تزيد عن سبعة , و هو الذي يقع بين قفلين ـ و يجب فيه أن يتفق مع بقية الأبيات في : الوزن وعدد الأجزاء , و لا يشترط فيه الاتفاق مع بقية الأبيات في القافية
و أول قفل في الموشح يقال له ( الَمطلع )
و آخر قفل يسمى ( الخرجة )
و اجتماع البيت مع القفل الذي يليه يسمى ( السمط ) و فيما يلي تطبيقٌ يوضح هذه التسميات يبين أماكنها :
يقول ابن بقي في مطلع موشحه ( غلب الشوق ) :
غلبَ الشوقُ بقلبي فاشتكى
ألمَ الوجدِ فلبَّتْ أدمعي
............
هذا ما يسمى المطلع , و قد جاء في جزأين , و هو أول قفلٍ في الموشح
ثم يقول :
أيها الناسُ فؤادي شَغِفُ
و هو مِن بغيِ الهوى لا يُنصَفُ
كم أداريهِ و دمعي يَكِفُ
..............
و هذا ما يقال عنه ( البيت ) , و قد جاء في ثلاثة أجزاء
و يتابع :
أيها الشادنُ مَن علّمكا
بسهام اللحظِ قتل السَّبَعِ
...............
و هذا قفل أيضًا
أما اجتماع البيت الذي يبدأ بـ ( أيها الناس فؤادي .. ) مع القفل الذي ينتهي بــ ( .. قتلَ السّبَعِ ) يسمى (( السمط ))
أما الأوزان التي تنظم عليها الموشحات فتنقسم إلى قسمين :
الأول
ــ ما جاء على أوزان العرب و هو نوعان :
1ــ ما كان على أوزانهم نفسها دون أن تتخلله كلمة تخرجه عن الوزن الشعري , ويجده الاندلسيون أقرب إلى المخمسات :
ومن ذلك قول ابن زيدون :
سقى الله أطلالَ الأحبةِ بالحمى ... و حاك عليها ثوبَ وَشيٍ منمنما
وأطْلَعَ فيها للأزاهيرِ أنْجُما ... فكم رَفَلَتْ فيها الخرائدُ و الدمى
إذِ العيشُ غَضٌّ و الزمانُ غلامُ
2 ــ ما كان على أوزان العرب لكن كلمةً تخللته فأخرجته عن أوزانهم
ومنه قولُ ابن بقي :
صبرتُ , و الصبرُ شيمة العاني ......... و لم أقل للمطيل هجراني : معذبي كفاني
فقد جاء هذا الموشح على وزن البحر المنسرح غير أن عبارة ( معذبي كفاني ) أخرجته عن هذا الوزن
الثاني
ما لا دخل فيه لشيء من أوزان العرب و هو كثير و أوزانه كثيرة صعبة الحصر
غير أن الجديد في الموشح لا يتجاوز حدود الشكل , أما المضامين العامة له فهي ذاتها التي جاءت في الشعر التقليدي
أغراض الموشحات ومضامينها
لقد كان ظهورُ فنّ التوشيح استجابةً لدواعي البيئة , و تعبيرًا عن انفعالات النفس , و رغبة في تطوير الشعر لحاجات الغناء المتجدد
.لقد كان ظهور فن التوشيح استجابة لدواعي البيئة , و تعبيراً عن انفعالات النفس , و رغبة في تطوير الشعر لحاجات الغناء المتجدد
و من هذه الدوافع كان الموشح صورةً عن المَواجِد و العواطف ,
فقد بدأ شعرًا وجدانيًا خالصًا ينصرف إلى الغزل , و يتحدث عن لواعج النفوس و رغباتها , و يشدو في جو الطرب الخالص , و ظل الطبيعة الآسرة
ومن الموشحات التي صورت هذه الجوانب من المشاعر موشحة ابن زهرالأندلسي في الغزل و الوصف
أيها الساقي إليك المشتكى ........ قد دعوناك وإن لم تسمعِ
و نديمٍ هِمْتُ في غُرّتِهِ
و بشربِ الراحِ من راحتهِ
كلما استيقظَ منْ سَكْرتِهِ
جذبَ الزِّقَ إليه و اشتكا ....... و سقاني أربعًا في أربعِ
و موشحة لسان الدين بن الخطيب :
جادكَ الغيثُ إذا الغيثُ همى ...... يا زمان الوصلِ بالأندلسِ
لم يكن وصلُكَ إلا حُلماً ..... في الكرى أو خلسةَ المختلسِ
ثم اتسعت دائرة الموشحات لتشمل جميع الأغراض التقليدية كالمديح و الرثاء و الهجاء ... و لكن هذاالنوع من الموشحات لم يستأثر بإعجاب الناس , و لم يُ كتب لها الخلود و البقاء لأنها لم تستطع أن تلامس أغوارالنفوس
و إن الحديث عن أغراض الموشحات يضعنا أمام موضوع الوصف كغرضٍ مستقل في الموشحات , و لا يخفى على أحد مقدار اهتمام الأندلسيين بطبيعتهم و انصرافهم إليها
فقد كان الوصف في التوشيح لونًا محببًا , وغرضًا أساسيًا .. وقد نجد من الوشّاحين من ينظم موشحة كاملة في وصف مفاتن الطبيعة
و لنلقِ نظرة على للوزير أبي جعفر بن سعيد يصف فيه مُتَنزّه الحور بغرناطة :
ذَهَّبتْ شمسُ الأصيلِ
فضةَ النهرِ
أيُّ نهرٍكالمدامهْ
صيَّرَ الظلَّ فِدامهْ
نسجتهُ الريحُ لامَهْ
فهو كالغَضْبِ الصقيل
حُفَّ بالزهرِ
مُضحِكاً ثغرَ الكِمامْ
مبكياً جفنَ الغمامْ
مُنطِقاً وُرقَ الحمام
ولا بد لي من الإشارة أخيرًا إلى أنه رغم ما في الموشحات من لفتات بارعة , ولمسات جميلة غيرأنها لا تصل إلى مستوى الشعر العربي التقليدي من حيث قة اللغة , و روعة التعبير , و متانة الأسلوب , فلقد اضطر شعراء الموشحات ـ تحت وطأة انصرافهم إلى الأنغام و الألحان و محاولة إحداث تجانس بين اللفظ و النغم ـ
إلى تجاوز حدود اللغة فوقعوا في الخطأ , و تسرَّبَ الضعف إلى موشحاتهم
و على الرغم مما ذكرنا من سلبيات الموشحات إلا أنها تظل ظاهرة جديرة بالاهتمام , و صورة عن نزوع النفس نحو التجديد و الرغبة في الانطلاق من إسار القيود , فهي محاولٌ فتحت الطرق بعد ألف عام ــ أمام شعراء التجديد في عصرنا الحاضر
و برأيي ـ كما أسلفت ـ تبقى القصيدة التقليدية العمودية العمود الفقري في جسد الأدب العربي , و هي الينبوع الذي تستقي منه كافة أنواع الشعر الأخرى