- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
بداية أحب أن أشكر الجميع على ما عبروا عنه من كلمات لطيفة ومشاعر صادقة واستقبال طيب للجزء الأول من هذا المقال فجزاكم الله خيرا على الدعم والتشجيع وبكم أتشرف !
تحدثت في الجزء الأول من هذه المقالة عن بعض تجاربي في تدريس مادة النحو واليوم أواصل حديثي عن تجربتي في تدريس مواد اللغة العربية
الأدب والبلاغة
عندما اطلعت على مقرر مادة الأدب العربي وجدته قد بني على المنهج التاريخي وهو منهج يعجبني ويتفق مع ميولي وكما قلت في الجزء الأول : إن المشكلة الكبرى التي واجهتني هي أن طلبة القسم العلمي يستثقلون المواد النظرية ويعتبرونها دخيلة عليهم وطلبة القسم الشرعي غير مبالين بالدراسة أصلا وأضيفت مشكلة جديدة تختص بمادة الأدب تحديدا وهي الأسلوب الجامد والجاف الذي يتبعه كثير من المعلمين في تدريسها وكان سببا في كره الطلاب لها فأكثرهم يسرد الأحداث الأدبية كما يسرد الأحداث التاريخية ولا يهتم ببيان أثرها في النصوص الأدبية كما أنهم لا يعتنون كثيرا بتحليل النصوص الأدبية ويغلب عليهم النمط التقليدي : معاني الكلمات , القائل , الأفكار , المعنى الإجمالي , قراءة النص وتسميعه فيتعرف الطالب على شكل النص الخارجي لكنه يجهل بنيته الفنية والبلاغية ويرجع ذلك إلى ضعف إعداد المعلم وإلى أن كثيرا من المعلمين اتجهوا إلى هذه المهنة اضطرارا لا رغبة !
هذه الأساليب التقليدية في تدريس الأدب ليست مملة للطالب وحده بل حتى للمعلم نفسه لذا بمجرد أن علم الزملاء بأن تخصصي في الجامعة بلاغة ونقد أوكلوا إلي تدريس معظم مواد الأدب والبلاغة وصادف ذلك هوى في نفسي أيضا !
كانت مهمتي توظيف المعلومات التاريخية في فهم النص الأدبي من خلال الربط بين الظواهر التاريخية والظواهر الأدبية واستنباط قواعد عامة تسهل على الطالب فهم أي نص أدبي يقع بين يديه حتى لو كان خارج المقرر الدراسي .
على سبيل المثال كنت أكرر على مسامعهم قاعدة مهمة هي : الشاعر ابن بيئته . لأنه نتاج تاريخها وجغرافيتها ونمط معيشتها والتي تنعكس على نصه الذي يكتبه أو يقوله فالشاعر الجاهلي مثلا يعيش في صحراء شاسعة لذا قصائده طويلة , وحياته صعبة لذا جاءت كلماته جزلة قوية , ومدى بصره وصوته واسع لذا يغلب عليه اختيار بحور الشعر ذات التفعيلات الكثيرة والطويلة , وحياته بسيطة لا تعقيد فيها لذا أفكاره ساذجة بسيطة , وصوره وتشبيهاته محدودة من بيئته لكنها عميقة فهي لا تتجاوز الخيمة وأوتادها وعمودها , والبئر وحبالها , والحيوانات التي تعيش بينه كالشاء والخيل والبقر والإبل وبعض الوحوش لكنه يفصل في تصويرها ويتعمق فمحدودية الصور جعلته يتعمق في تصوير جزئياتها .
وكثرة التنقل وعفاء الأثر ومفارقة الأحبة والوطن جعلته يتفكر في هذه الحياة سريعة الانقضاء ويبكيها حتى صار البكاء على الأطلال ركنا في قصائده وظهرت فئة من الموحدين الحنفاء الوعاظ كقس بن ساعدة , وغياب مظاهر الجمال عدا المرأة جعلته يكثر من وصفها والتغزل بها , وغياب الحكم المركزي وقتها في جزيرة العرب جعلته حرا لا يعرف الاستبداد ولا يرتضيه , يأنف الظلم ويأباه , ينتقم لكرامته ويكثر من الفخر والاعتزاز بنفسه وقبيلته .
كما جعلته يعتد بنفسه وأدبه يبحث عمن يقدره ويكافئه عليه كما أن الحياة المعتمدة على الغزو وجمع الغنائم جعلته يكثر من الحديث عن الفروسية والقوة وعن الكرم والشجاعة وهو مع ذلك عزيز النفس صاحب مروءة وشهامة ونخوة !
وكنت أبين لهم أن الظاهرة الأدبية لا تنفصل عن الظاهرة التاريخية فعندما ظهرت ظاهرة الزهد في العصر الأموي ظهر شعر الزهد مصاحبا لها وكذلك عندما انتشرت الفلسفة في العصر العباسي ظهر الشعر الفلسفي وهكذا !
صادف في تلك الأيام بث عدد من المسلسلات التاريخية والتراثية التي كان لها رواج كبير بين المشاهدين ورسخت في أذهان الطلاب عددا كبيرا من المعلومات التاريخية المهمة وهذا يبين خطر وأهمية الإعلام والدراما في صياغة وعي المشاهد وإيصال المعلومة إليه بشكل سهل ومشوق وهو ما أرجو أن تهتم به قنوات الأطفال خاصة والقنوات المحافظة عامة ولأن لي تجربة مع المسرح المدرسي طالبا ومعلما فقد حاولت توظيف هذه الخبرة في سرد الأحداث التاريخية والأدبية واستخدام أساليب التشويق وتزويد الطلاب بقصص وأبيات شعرية خارج المقرر تخدم الدرس .
عندما كنت أدرس طلاب المرحلة المتوسطة كنت ألحن لهم الأناشيد وأنشدها معهم وأشهرها قصيدة زاهر الألمعي :
أمتي يا ذروة المجد الذي __ شع نورا في دياجي الظلم
كنت ألحنها لهم بلحن نشيد :
خندقي قبري وقبري خندقي __ وزنادي صامت لم ينطق
وهو لحن أندلسي , هذا الأسلوب لم أطبقه في المرحلة الثانوية إلا في درس الموشحات الأندلسية لأني وجدت الطلاب لا يتفاعلون معه كثيرا .
لم أكن أهتم كثيرا بقضية الحفظ بل كنت أراعيهم وأخفف عنهم لقناعتي أنه متى أحب الطالب الأدب فسيقرأ فيه ويحفظ منه الكثير , بدلا من ذلك كنت أركز على حسن الإلقاء والتنويع الصوتي الذي يصور المعاني وهذه النقطة للأسف لم أنجح في غرسها في الطلاب لسبب واحد محزن هو ضعف مهارة القراءة عندهم فكيف لمن لا يحسن القراءة أن يحسن إلقاء ما يقرأ ؟!
وكنت عندما يسألني طالب عن معنى كلمة في النص أطلب منه محاولة استنباط معناها من السياق , وكنت أهتم كثيرا بالكتاب المدرسي وأجعل طالبا يقرأ منه على زملائه أثناء الشرح لتعويدهم على نمط الدراسة الجامعية .
كنت أعتني بأن يعرف الطلاب أغراض القصائد : مدح فخر رثاء هجاء غزل .. الخ ليميزوا بين خصائص كل غرض وكان الأمر سهلا والحمد لله .
كنت أدربهم في مادتي الأدب والمطالعة على استنباط الفكرة الرئيسية للنص وتوليد الأفكار الجزئية منها مع الاستعانة بالكتاب المدرسي وتسجيلها أمام موضعها في النص .
كنت أولي الخصائص الفنية للنص اهتماما كبيرا مع تزويد الطلاب بقواعد سهلة تساعدهم في التعامل مع أي نص فمثلا كنت أبين لهم كيف يحكمون على العاطفة في النص هل هي صادقة أم كاذبة , قوية أم ضعيفة ؟! فعاطفة الحزن عند من يرثي ابنه أقوى وأصدق ممن يرثي ابن وجيه من الوجهاء مثلا وعاطفة الفخر أصدق وأقوى من عاطفة المدح الخ ويحكم على قوة العاطفة أو ضعفها بناء على تأثيرها في نفس القارئ أو المستمع وغالبا العاطفة تكتسب قوتها من صدقها .
حرصت على تنبيه الطلاب على نقطة مهمة وهي أن الأحكام النقدية ليست قطعية وأن من حقك أن تخالف الناقد في أحكامه فالحكم النقدي يكشف عن علم وذوق الناقد الذي يتشكل نتيجة لتراكم المعرفة وطول الدربة وكثرة مصافحة الأدب الجيد قراءة واستماعا فتنمو الملكة وتقوى الحاسة النقدية فمتى بدا لك رأي نقدي يخالف رأي الناقد فاطرحه المهم أن تكون قادرا على شرحه وتوضيحه مستعدا للتراجع عنه إن بدا لك خلافه .
ومن الصدف الجميلة أن أحد المشرفين زارني في إحدى حصص مادة البلاغة والنقد وأعلن أمام الطلاب أنه يخالف رأي المؤلف الذي انتقص إحدى الصور التشبيهية في النص الذي كنت أشرحه وكنت متفقا مع المؤلف في رأيه وكان المشرف يرى أن الصورة غاية في الجمال وفند رأي المؤلف وشجعهم على أن تكون لهم رؤاهم النقدية الخاصة وأن لا يستسلموا لكل رأي يقرءونه بل يخضعونه للنقد والتمحيص .
هنالك دروس كنت أستمتع بتدريسها مثل الموشحات , المقامات , الشعر الجاهلي والعباسي والأندلسي وهناك دروس كنت أشعر بالملل عند تدريسها نظرا لأني لم أكن مهتما بالبحث فيها مثل الأدب في عصور الانحطاط وهناك دروس كنت أتعب في الإعداد لها لكني كنت أستمتع بشرحها مثل دروس الأدب العربي الحديث لأنها تفسر كيف تشكل الواقع الذي نعيشه الآن وتكشف عن جذور الاستعمار العسكري والاستلاب الثقافي والغزو الفكري الذي ابتليت به أمتنا وما زالت مبتلاة به وإن تغيرت أشكال هذه البلايا ودرجاتها ومستوياتها لذلك كنت أقول لطلابي : إن أردت أن تعرف تاريخ وثقافة مجتمع ما فاقرأ أدبه !
في الأسبوع القادم بحول الله سأنشر الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة وستكون عن مواد الإنشاء والمطالعة والإملاء ( أطمئنكم بأن المادة جاهزة للنشر ولن أتأخر عنكم كما حصل مع هذا الجزء بسبب ظروف الحج والعيد )
أشكركم على الاهتمام والمتابعة ويهمني رأيكم ويسعدني نقدكم وأسعى للاستفادة من ملاحظاتكم فلا تحرموني منها ومن دعواتكم وجزاكم الله خيرا
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=179259&p=1814341#post1814341
لمن فاته الجزء الأول وفيه بيان لدوافع كتابة هذه السلسلة هذا رابطه
تحدثت في الجزء الأول من هذه المقالة عن بعض تجاربي في تدريس مادة النحو واليوم أواصل حديثي عن تجربتي في تدريس مواد اللغة العربية
الأدب والبلاغة
عندما اطلعت على مقرر مادة الأدب العربي وجدته قد بني على المنهج التاريخي وهو منهج يعجبني ويتفق مع ميولي وكما قلت في الجزء الأول : إن المشكلة الكبرى التي واجهتني هي أن طلبة القسم العلمي يستثقلون المواد النظرية ويعتبرونها دخيلة عليهم وطلبة القسم الشرعي غير مبالين بالدراسة أصلا وأضيفت مشكلة جديدة تختص بمادة الأدب تحديدا وهي الأسلوب الجامد والجاف الذي يتبعه كثير من المعلمين في تدريسها وكان سببا في كره الطلاب لها فأكثرهم يسرد الأحداث الأدبية كما يسرد الأحداث التاريخية ولا يهتم ببيان أثرها في النصوص الأدبية كما أنهم لا يعتنون كثيرا بتحليل النصوص الأدبية ويغلب عليهم النمط التقليدي : معاني الكلمات , القائل , الأفكار , المعنى الإجمالي , قراءة النص وتسميعه فيتعرف الطالب على شكل النص الخارجي لكنه يجهل بنيته الفنية والبلاغية ويرجع ذلك إلى ضعف إعداد المعلم وإلى أن كثيرا من المعلمين اتجهوا إلى هذه المهنة اضطرارا لا رغبة !
هذه الأساليب التقليدية في تدريس الأدب ليست مملة للطالب وحده بل حتى للمعلم نفسه لذا بمجرد أن علم الزملاء بأن تخصصي في الجامعة بلاغة ونقد أوكلوا إلي تدريس معظم مواد الأدب والبلاغة وصادف ذلك هوى في نفسي أيضا !
كانت مهمتي توظيف المعلومات التاريخية في فهم النص الأدبي من خلال الربط بين الظواهر التاريخية والظواهر الأدبية واستنباط قواعد عامة تسهل على الطالب فهم أي نص أدبي يقع بين يديه حتى لو كان خارج المقرر الدراسي .
على سبيل المثال كنت أكرر على مسامعهم قاعدة مهمة هي : الشاعر ابن بيئته . لأنه نتاج تاريخها وجغرافيتها ونمط معيشتها والتي تنعكس على نصه الذي يكتبه أو يقوله فالشاعر الجاهلي مثلا يعيش في صحراء شاسعة لذا قصائده طويلة , وحياته صعبة لذا جاءت كلماته جزلة قوية , ومدى بصره وصوته واسع لذا يغلب عليه اختيار بحور الشعر ذات التفعيلات الكثيرة والطويلة , وحياته بسيطة لا تعقيد فيها لذا أفكاره ساذجة بسيطة , وصوره وتشبيهاته محدودة من بيئته لكنها عميقة فهي لا تتجاوز الخيمة وأوتادها وعمودها , والبئر وحبالها , والحيوانات التي تعيش بينه كالشاء والخيل والبقر والإبل وبعض الوحوش لكنه يفصل في تصويرها ويتعمق فمحدودية الصور جعلته يتعمق في تصوير جزئياتها .
وكثرة التنقل وعفاء الأثر ومفارقة الأحبة والوطن جعلته يتفكر في هذه الحياة سريعة الانقضاء ويبكيها حتى صار البكاء على الأطلال ركنا في قصائده وظهرت فئة من الموحدين الحنفاء الوعاظ كقس بن ساعدة , وغياب مظاهر الجمال عدا المرأة جعلته يكثر من وصفها والتغزل بها , وغياب الحكم المركزي وقتها في جزيرة العرب جعلته حرا لا يعرف الاستبداد ولا يرتضيه , يأنف الظلم ويأباه , ينتقم لكرامته ويكثر من الفخر والاعتزاز بنفسه وقبيلته .
كما جعلته يعتد بنفسه وأدبه يبحث عمن يقدره ويكافئه عليه كما أن الحياة المعتمدة على الغزو وجمع الغنائم جعلته يكثر من الحديث عن الفروسية والقوة وعن الكرم والشجاعة وهو مع ذلك عزيز النفس صاحب مروءة وشهامة ونخوة !
وكنت أبين لهم أن الظاهرة الأدبية لا تنفصل عن الظاهرة التاريخية فعندما ظهرت ظاهرة الزهد في العصر الأموي ظهر شعر الزهد مصاحبا لها وكذلك عندما انتشرت الفلسفة في العصر العباسي ظهر الشعر الفلسفي وهكذا !
صادف في تلك الأيام بث عدد من المسلسلات التاريخية والتراثية التي كان لها رواج كبير بين المشاهدين ورسخت في أذهان الطلاب عددا كبيرا من المعلومات التاريخية المهمة وهذا يبين خطر وأهمية الإعلام والدراما في صياغة وعي المشاهد وإيصال المعلومة إليه بشكل سهل ومشوق وهو ما أرجو أن تهتم به قنوات الأطفال خاصة والقنوات المحافظة عامة ولأن لي تجربة مع المسرح المدرسي طالبا ومعلما فقد حاولت توظيف هذه الخبرة في سرد الأحداث التاريخية والأدبية واستخدام أساليب التشويق وتزويد الطلاب بقصص وأبيات شعرية خارج المقرر تخدم الدرس .
عندما كنت أدرس طلاب المرحلة المتوسطة كنت ألحن لهم الأناشيد وأنشدها معهم وأشهرها قصيدة زاهر الألمعي :
أمتي يا ذروة المجد الذي __ شع نورا في دياجي الظلم
كنت ألحنها لهم بلحن نشيد :
خندقي قبري وقبري خندقي __ وزنادي صامت لم ينطق
وهو لحن أندلسي , هذا الأسلوب لم أطبقه في المرحلة الثانوية إلا في درس الموشحات الأندلسية لأني وجدت الطلاب لا يتفاعلون معه كثيرا .
لم أكن أهتم كثيرا بقضية الحفظ بل كنت أراعيهم وأخفف عنهم لقناعتي أنه متى أحب الطالب الأدب فسيقرأ فيه ويحفظ منه الكثير , بدلا من ذلك كنت أركز على حسن الإلقاء والتنويع الصوتي الذي يصور المعاني وهذه النقطة للأسف لم أنجح في غرسها في الطلاب لسبب واحد محزن هو ضعف مهارة القراءة عندهم فكيف لمن لا يحسن القراءة أن يحسن إلقاء ما يقرأ ؟!
وكنت عندما يسألني طالب عن معنى كلمة في النص أطلب منه محاولة استنباط معناها من السياق , وكنت أهتم كثيرا بالكتاب المدرسي وأجعل طالبا يقرأ منه على زملائه أثناء الشرح لتعويدهم على نمط الدراسة الجامعية .
كنت أعتني بأن يعرف الطلاب أغراض القصائد : مدح فخر رثاء هجاء غزل .. الخ ليميزوا بين خصائص كل غرض وكان الأمر سهلا والحمد لله .
كنت أدربهم في مادتي الأدب والمطالعة على استنباط الفكرة الرئيسية للنص وتوليد الأفكار الجزئية منها مع الاستعانة بالكتاب المدرسي وتسجيلها أمام موضعها في النص .
كنت أولي الخصائص الفنية للنص اهتماما كبيرا مع تزويد الطلاب بقواعد سهلة تساعدهم في التعامل مع أي نص فمثلا كنت أبين لهم كيف يحكمون على العاطفة في النص هل هي صادقة أم كاذبة , قوية أم ضعيفة ؟! فعاطفة الحزن عند من يرثي ابنه أقوى وأصدق ممن يرثي ابن وجيه من الوجهاء مثلا وعاطفة الفخر أصدق وأقوى من عاطفة المدح الخ ويحكم على قوة العاطفة أو ضعفها بناء على تأثيرها في نفس القارئ أو المستمع وغالبا العاطفة تكتسب قوتها من صدقها .
حرصت على تنبيه الطلاب على نقطة مهمة وهي أن الأحكام النقدية ليست قطعية وأن من حقك أن تخالف الناقد في أحكامه فالحكم النقدي يكشف عن علم وذوق الناقد الذي يتشكل نتيجة لتراكم المعرفة وطول الدربة وكثرة مصافحة الأدب الجيد قراءة واستماعا فتنمو الملكة وتقوى الحاسة النقدية فمتى بدا لك رأي نقدي يخالف رأي الناقد فاطرحه المهم أن تكون قادرا على شرحه وتوضيحه مستعدا للتراجع عنه إن بدا لك خلافه .
ومن الصدف الجميلة أن أحد المشرفين زارني في إحدى حصص مادة البلاغة والنقد وأعلن أمام الطلاب أنه يخالف رأي المؤلف الذي انتقص إحدى الصور التشبيهية في النص الذي كنت أشرحه وكنت متفقا مع المؤلف في رأيه وكان المشرف يرى أن الصورة غاية في الجمال وفند رأي المؤلف وشجعهم على أن تكون لهم رؤاهم النقدية الخاصة وأن لا يستسلموا لكل رأي يقرءونه بل يخضعونه للنقد والتمحيص .
هنالك دروس كنت أستمتع بتدريسها مثل الموشحات , المقامات , الشعر الجاهلي والعباسي والأندلسي وهناك دروس كنت أشعر بالملل عند تدريسها نظرا لأني لم أكن مهتما بالبحث فيها مثل الأدب في عصور الانحطاط وهناك دروس كنت أتعب في الإعداد لها لكني كنت أستمتع بشرحها مثل دروس الأدب العربي الحديث لأنها تفسر كيف تشكل الواقع الذي نعيشه الآن وتكشف عن جذور الاستعمار العسكري والاستلاب الثقافي والغزو الفكري الذي ابتليت به أمتنا وما زالت مبتلاة به وإن تغيرت أشكال هذه البلايا ودرجاتها ومستوياتها لذلك كنت أقول لطلابي : إن أردت أن تعرف تاريخ وثقافة مجتمع ما فاقرأ أدبه !
في الأسبوع القادم بحول الله سأنشر الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة وستكون عن مواد الإنشاء والمطالعة والإملاء ( أطمئنكم بأن المادة جاهزة للنشر ولن أتأخر عنكم كما حصل مع هذا الجزء بسبب ظروف الحج والعيد )
أشكركم على الاهتمام والمتابعة ويهمني رأيكم ويسعدني نقدكم وأسعى للاستفادة من ملاحظاتكم فلا تحرموني منها ومن دعواتكم وجزاكم الله خيرا
http://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=179259&p=1814341#post1814341
لمن فاته الجزء الأول وفيه بيان لدوافع كتابة هذه السلسلة هذا رابطه