- 2 يوليو 2006
- 8,187
- 128
- 63
- الجنس
- ذكر
:
: :
:
بسم الله الرحمن الرحيم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا الحمد لله الهادي من استهداه الواقي من اتقاه الكافي من تحرى رضاه حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه والصلاة والسلام الأكملان على نبينا والنبيين وآل كل ما رجى راج مغفرته ورحماه آمين هذا وإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع الفنون النافعة يحبه ذكور الرجال وفحولتهم ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما عظيمة جموع طلبته رفيعة مقادير حفاظه وحملته وكانت علومه بحياتهم حية وأفنان فنونه ببقائهم غضة مغانيه بأهله آهلة فلم يزالوا في انقراض ولم يزل في اندراس حتى أضت به الحال الى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد ضعيفة العدد لا تعني على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلا مطرحين علومه التي بها جل قدره مباعدين معارفه التي بها فخم أمره فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفا والسائل عن علمه لا يلقى به عارفا من الله الكريم تبارك وتعالى وله الحمد أجمع بكتاب معرفة أنواع علوم الحديث هذا الذي باح بأسراره الخفية وكشف عن مشكلاته الأبية وأحكم معاقده وقعد قواعده وأنار معالمه وبين أحكامه وفصل أقسامه وأوضح أصوله وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص شوارد نكته وفرائده فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع والإعطاء والمنع أسأل وإليه أضرع وأبتهل متوسلا اليه بكل وسيلة متشفعا إليه بكل شفيع أن يجعله مليا بذلك وأملي وافيا بكل ذلك وأوفى وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين إنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهذه فهرسة أنواعه الأول منها معرفة الصحيح من الحديث الثاني معرفة الحسن منه الثالث معرفة الضعيف منه الرابع معرفة المسند الخامس معرفة المتصل السادس معرفة المرفوع السابع معرفة الموقوف الثامن معرفة المقطوع وهو غير المنقطع التاسع معرفة المرسل العاشر معرفة المنقطع الحادي عشر معرفة المعضل ويليه تفريعات منها في الإسناد المعنعن ومنها في التعليق الثاني عشر معرفة التدليس وحكم المدلس الثالث عشر معرفة الشاذ الرابع عشر معرفة المنكر الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد السادس عشر معرفة زيادات الثقات وحكمها السابع عشر معرفة الأفراد الثامن عشر معرفة الحديث المعلل التاسع عشر معرفة المضطرب من الحديث العشرون معرفة المدرج في الحديث الحادي والعشرون معرفة الحديث الموضوع الثاني والعشرون معرفة المقلوب الثالث والعشرون معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وفيه بيان أنواع الإجازة وأحكامها وسائر وجوه الأخذ والتحمل وعلم جم الخامس والعشرون معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده وفيه معارف مهمة رائقة السادس والعشرون معرفة كيفية رواية الحديث وشرط وما أدائه يتعلق بذلك وفيه كثير من نفائس هذا العلم السابع والعشرون معرفة آداب المحدث الثامن والعشرون معرفة آداب طالب الحديث التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالي والنازل النوع الموفي ثلاثين معرفة المشهور من الحديث الحادي والثلاثون معرفة الغريب والعزيز من الحديث الثاني والثلاثون معرفة غريب الحديث الثالث والثلاثون معرفة المسلسل الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه الخامس والثلاثون معرفة المصحف من أسانيد الأحاديث ومتونها السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث السابع والثلاثون معرفة المزيد في متصل الأسانيد الثامن والثلاثون معرفة المراسيل الخفي إرسالها التاسع والثلاثون معرفة الصحابة رضي الله عنهم الموفي أربعين معرفة التابعين رضي الله عنهم الحادي والأربعون معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر الثاني والأربعون معرفة المدبج وما سواه من رواية الأقران بعضهم عن بعض الثالث والأربعون معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة الرابع والأربعون معرفة رواية الآباء عن الأبناء الخامس والأربعون عكس ذلك معرفة رواية الأبناء عن الآباء السادس والأربعون معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر تباعد ما بين وفاتيهما السابع والأربعون معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد الثامن والأربعون معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة التاسع والأربعون معرفة المفردات من أسماء الصحابة والرواة والعلماء الموفي خمسين معرفة الأسماء والكنى الحادي والخمسون معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى الثاني والخمسون معرفة ألقاب المحدثين الثالث والخمسون معرفة المؤتلف والمختلف الرابع والخمسون معرفة المتفق والمفترق الخامس والخمسون نوع يتركب من هذين النوعين السادس والخمسون معر المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب السابع والخمسون معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم الثامن والخمسون معرفة الأنساب التي باطنها على خلاف ظاهرها التاسع والخمسون معرفة المبهمات الموفي ستين معرفة تواريخ الرواة في الوفيات وغيرها الحادي والستون معرفة الثقات والضعفاء من الرواة الثاني والستون معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات الثالث والستون معرفة طبقات الرواة والعلماء الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة والعلماء الخامس والستون معرفة أوطان الرواة وبلدانهم وذلك آخرها وليس بآخر الممكن في ذلك فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم ولا أحوال متون الحديث وصفاتها وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها فإذا هي نوع على حياله ولكنه نصب من غير أرب وحسبنا الله ونعم الوكيل
النوع الأول من أنواع علوم الحديث
معرفة الصحيح من الحديث
اعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء االله تبارك وتعالى فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل ومتى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول وكذلك إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر وإنما المراد به أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور والله أعلم
فوائد مهمه
إحداها
الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه كما سبق ذكره ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فروينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي وروينا نحوه عن علي بن المديني روي ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله بن عون وفيما نرويه عن يحيى بن معين أنه قال أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن بن عمر وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن بن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
الثانية
إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله تعالى شرفا آمين
الثالثة
أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه يشاركه في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد وأما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح فهذا لا بأس به وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجع فيما يرجح إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا مردود على من يقوله والله أعلم
الرابعة
لم يستوعبا الصحيح صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول وروينا عن مسلم أنه قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه قلت أراد والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم ثم إن أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ قال قل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث يعني في كتابيهما ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير وقد قال البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المتكررة وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث إلا أن هذه العبارة قد يندرح تحتها عندهم آثار الصحابة والتابع وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة الحديث كأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائي وأبي بكر بن خزيمة وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم منصوصا على صحته فيها ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب بن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبي عوانة الإسفرائيني وكتاب أبي بكر الإسماعيلي وكتاب أبي بكر البرقاني وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحن مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر ففيه عله توجب ضعفه ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله أجمعين والله أعلم
الخامسة
الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم رضي الله عنهما لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبا لعلو الإسناد فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة كالسنن الكبير للبيهقي وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري أو مسلم فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في بعض المعنى فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى وإذا كان الأمر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثا منها وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو كتاب مسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي خرجه قد قال أخرجه البخاري بهذا اللفظ بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما غير أن الجمع بين الصحيحين للحميدي الأندلسي منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث كما قدمنا ذكره فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين ثم إن التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان إحداهما علو الإسناد والثانية في قدر الصحيح لما يقع فيهما من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بهذه التخاريج لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وخارجة من ذلك المخرج الثابت والله أعلم
السادسة
ما أسنده البخاري ومسلم رحمهما الله في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا ففي بعضه نظر وينبغي أن تقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال بن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبي كذا روى أبو هريرة كذا وكذا وما أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو روي عن فلان كذا أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وكذلك مطلق قول الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته وكذلك ما ذكره أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين من قوله لم نجد من الأئمة الماضين رضي الله عنهم أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين فإنما المراد بكل ذلك مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا مثل قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروي عن بن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحيي منه فهذا قطعا ليس من شرطه ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين فاعلم ذلك فإنه مهم خاف والله أعلم
السابعة
وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره فالحاجة ماسة إلى التنبيه على أقسامه باعتبار ذلك فأولهما صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا الثاني صحيح انفرد به البخاري أي عن مسلم الثالث صحيح انفرد به مسلم أي عن البخاري الرابع صحيح على شرطهما لم يخرجاه الخامس صحيح على شرط البخاري لم يخرجه السادس صحيح على شرط مسلم لم يخرجه السابع صحيح عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما هذه أمهات أقسامه وأعلاها الأول وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا صحيح متفق عليه يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه لكن اتفاق الأئمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المنبني على اجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره وهي معروفة عند أهل هذا الشأن والله أعلم
الثامنة
إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج به بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الأحتجاج به إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول والله أعلم
النوع الثاني
معرفة الحسن من الحديث
روينا عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله قال وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء وروينا عن أبي عيسى الترمذي رضي الله عنه أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك وقال بعض المتأخرين الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن ويصلح للعمل به قلت كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان
أحدهما
الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل
القسم الثاني
أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل معرضا عما رأى أنه لا يشكل أو أنه غفل عن البعض وذهل والله أعلم هذا تأصيل ذلك
ونوضحه بتنبيهات وتفريعات
أحدها
الحسن يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بطريق الاستفاضة على ما سنبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجيء الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر وذكرنا له أيضا ما حكاه الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه تقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادة المستور ولذلك وجه متجه كيف وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور على ما سبق آنفا والله أعلم
الثاني
لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث الأذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن لأن بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة والله أعلم
الثالث
إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح والله أعلم
الرابع
كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهوالذى نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقةالتى قبله كاحمد بن حنبل والبخاري وغيرها تختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي ان تصحح اصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك ومن مظانه سنن أبى داود الجستانى رحمه الله تعالى روينا عنه انه قال ذكرت فيه الصحيح ومايشبه ويقاربه وروينا عنه أيضا مامعناه انه يذكر في كل باب أصح ماعرفه في ذلك الباب وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومالم اذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض قلت فعلى هذا ماوجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولانص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبى داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ انه سمع محمد بن سعد الباوردى بمصر يقول كان من مذهب أبى عبد الرحمن النسائي ان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال بن منده وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأى الرجال والله اعلم
الخامس
ما صار اليه صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه الى نوعين الصحاح والحسان مريدا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذي واشباههما في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن كما سبق بيانه والله أعلم
السادس
كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحاق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمي ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلهذا تأخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب والله أعلم
السابع
قولهم هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم هذا حديث صحيح أو حديث حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر والله أعلم
الثامن
في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين إحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده فاعلم ذلك والله أعلم
التاسع
من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في تصرفاته وإليه يومي في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح وأطلق الخطيب أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي وذكر الحافظ أبو الطاهر السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه الى صحيح وغيره والترمذي مصرح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن ثم إن من سمى الحسن صحيحا لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم المبين أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى والله أعلم
النوع الثالث
معرفة الضعيف من الحديث
كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف وأطنب أبو حاتم بن حبان البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن قسما واحدا ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا ثم ما عدمت فيه مع صفيتين معينتين قسما ثالثا وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمع ثم يعود ويعين من الابتداء صفة غير التي عينها أولا ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسما ثم القسم الآخر ما عدلت فيه مع عدم صفة أخرى ولتكن الصفة الأخرى غير الصفة الأولى المبدوء بها لكون ذلك سبق في أقسام عدم الصفة الأولى وهكذا هلم جرا إلى آخر الصفات ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الأخر الأرذل وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك فتتضاعف بذلك الأقسام والذي له لقب خاص معروف من أقسام ذلك الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا الآن من أقسامه ونسأل الله تبارك وتعالى تعميم النفع به في الدارين آمين
النوع الرابع
معرفة المسند
ذكر أبو بكر الخطيب الحافظ رحمه الله أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم وذكر أبو عمر بن عبد البر الحافظ أن المسند ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مسند لأنه قد أسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من بن عباس رضي الله عنهم وحكى أبو عم رعن قوم أن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعا ألى النبي صلى الله عليه وسلم قلت وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله الحافظ ولم يذكر في كتابه غيره فهذه أقوال ثلاثة مختلفة والله أعلم
النوع الخامس
معرفة المتصل
ويقال فيه أيضا الموصول ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف وهو الذي اتصل إسناده فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى ينتهي الى منتهاه مثال المتصل المرفوع من الموطأ مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثال المتصل الموقوف مالك عن نافع عن بن عمر عن عمر قوله والله أعلم
النوع السادس
معرفة المرفوع
وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ولا يقع مطلقه على غير ذلك نحو الموقوف على الصحابة وغيرهم ويدخل في المرفوع المتصل والمنقطع والمرسل ونحوها فهو والمسند عند قوم سواء والانقطاع والاتصال يدخلان عليهما جميعا وعند قوم يفترقان في أن الانقطاع والاتصال يدخلان على المرفوع ولا يقع المسند إلا على المتصل المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ أبو بكر بن ثابت المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله فخصصه بالصحابة فيخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل والله أعلم
النوع السابع
معرفة الموقوف
وهو ما يروي عن الصحابة رضي الله عنهم من أقولاهم وأفعالهم ونحوها فيوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول ومنه ما لا يتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاوس أو نحو هذا والله أعلم وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر قال أبو القاسم الفوراني منهم فيما بلغنا عنه الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم والأثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم
النوع الثامن
معرفة المقطوع
وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ويقال في جمعه المقاطيع والمقاطع وهو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم قال الخطيب أبو بكر الحافظ في جامعه من الحديث المقطوع وقال المقاطع هي الموقوفات على التابعين والله أعلم قلت وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الإمام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما والله أعلم
تفريعات
أحدها
قول الصحابي كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذي قطع به أبو عبد الله بن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وبلغني عن أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي الإمام عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع والأول هو الذي عليه الاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أنواع منها أقولاه صلى الله عليه وسلم ومنها أفعاله ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه ومن هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو كان يقال كذا وكذا على عهده أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند مخرج في كتب المسانيد وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا يعني مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب أيضا نحو ذلك في جامعه قلت بل هو مرفوع كما سبق ذكره وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم عليه والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى والله أعلم
الثاني
قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي والأول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا قول الصحابي من السنة كذا فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه وكذلك قول أنس رضي الله عنه أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وسائر ما جانس ذلك ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده صلى الله عليه وسلم والله أعلم
الثالث
ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر رضي الله عنه كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم الآية فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات والله أعلم
الرابع
من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه أو رواية مثال ذلك سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلو قوما صغار الأعين الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال الناس تبع لقريش الحديث فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا قلت وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم
النوع التاسع
معرفة المرسل
وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا
إحداها
إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا وأن الإرسال مخصوص بالتابعين بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر من واحد سمي معضلا ويسمى أيضا منقطعا وسيأتي مثلا ذلك إن شاء الله تعالى والمعروف في الفقه وأصوله أن كل ذلك يسمى مرسلا وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به وقال إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابعي التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل والله أعلم
الثانية
قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى بن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين قال الشيخ أبقاه الله وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول الى التابعي مرسلا والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الإرسال كما تقدم والله أعلم
الثالثة
إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل والله أعلم ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه في نوع الحسن ولهذا احتج الشافعي رضي الله عنه بمرسلات سعيد بن المسيب رضي الله عنهما فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا يختص ذلك عنده بإرسال بن المسيب كما سبق ومن أنكر هذا زاعما أن الأعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل فيقع لغوا لا حاجة إليه فجوابه أنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم بمثله الحجة على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر وتداولوه في تصانيفهم وفي صدر صحيح مسلم المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة وابن عبد البر حافظ المغرب ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة والله أعلم ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه بن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم


بسم الله الرحمن الرحيم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا الحمد لله الهادي من استهداه الواقي من اتقاه الكافي من تحرى رضاه حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه والصلاة والسلام الأكملان على نبينا والنبيين وآل كل ما رجى راج مغفرته ورحماه آمين هذا وإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع الفنون النافعة يحبه ذكور الرجال وفحولتهم ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما عظيمة جموع طلبته رفيعة مقادير حفاظه وحملته وكانت علومه بحياتهم حية وأفنان فنونه ببقائهم غضة مغانيه بأهله آهلة فلم يزالوا في انقراض ولم يزل في اندراس حتى أضت به الحال الى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد ضعيفة العدد لا تعني على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلا مطرحين علومه التي بها جل قدره مباعدين معارفه التي بها فخم أمره فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفا والسائل عن علمه لا يلقى به عارفا من الله الكريم تبارك وتعالى وله الحمد أجمع بكتاب معرفة أنواع علوم الحديث هذا الذي باح بأسراره الخفية وكشف عن مشكلاته الأبية وأحكم معاقده وقعد قواعده وأنار معالمه وبين أحكامه وفصل أقسامه وأوضح أصوله وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص شوارد نكته وفرائده فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع والإعطاء والمنع أسأل وإليه أضرع وأبتهل متوسلا اليه بكل وسيلة متشفعا إليه بكل شفيع أن يجعله مليا بذلك وأملي وافيا بكل ذلك وأوفى وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين إنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهذه فهرسة أنواعه الأول منها معرفة الصحيح من الحديث الثاني معرفة الحسن منه الثالث معرفة الضعيف منه الرابع معرفة المسند الخامس معرفة المتصل السادس معرفة المرفوع السابع معرفة الموقوف الثامن معرفة المقطوع وهو غير المنقطع التاسع معرفة المرسل العاشر معرفة المنقطع الحادي عشر معرفة المعضل ويليه تفريعات منها في الإسناد المعنعن ومنها في التعليق الثاني عشر معرفة التدليس وحكم المدلس الثالث عشر معرفة الشاذ الرابع عشر معرفة المنكر الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد السادس عشر معرفة زيادات الثقات وحكمها السابع عشر معرفة الأفراد الثامن عشر معرفة الحديث المعلل التاسع عشر معرفة المضطرب من الحديث العشرون معرفة المدرج في الحديث الحادي والعشرون معرفة الحديث الموضوع الثاني والعشرون معرفة المقلوب الثالث والعشرون معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وفيه بيان أنواع الإجازة وأحكامها وسائر وجوه الأخذ والتحمل وعلم جم الخامس والعشرون معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده وفيه معارف مهمة رائقة السادس والعشرون معرفة كيفية رواية الحديث وشرط وما أدائه يتعلق بذلك وفيه كثير من نفائس هذا العلم السابع والعشرون معرفة آداب المحدث الثامن والعشرون معرفة آداب طالب الحديث التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالي والنازل النوع الموفي ثلاثين معرفة المشهور من الحديث الحادي والثلاثون معرفة الغريب والعزيز من الحديث الثاني والثلاثون معرفة غريب الحديث الثالث والثلاثون معرفة المسلسل الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه الخامس والثلاثون معرفة المصحف من أسانيد الأحاديث ومتونها السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث السابع والثلاثون معرفة المزيد في متصل الأسانيد الثامن والثلاثون معرفة المراسيل الخفي إرسالها التاسع والثلاثون معرفة الصحابة رضي الله عنهم الموفي أربعين معرفة التابعين رضي الله عنهم الحادي والأربعون معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر الثاني والأربعون معرفة المدبج وما سواه من رواية الأقران بعضهم عن بعض الثالث والأربعون معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة الرابع والأربعون معرفة رواية الآباء عن الأبناء الخامس والأربعون عكس ذلك معرفة رواية الأبناء عن الآباء السادس والأربعون معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر تباعد ما بين وفاتيهما السابع والأربعون معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد الثامن والأربعون معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة التاسع والأربعون معرفة المفردات من أسماء الصحابة والرواة والعلماء الموفي خمسين معرفة الأسماء والكنى الحادي والخمسون معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى الثاني والخمسون معرفة ألقاب المحدثين الثالث والخمسون معرفة المؤتلف والمختلف الرابع والخمسون معرفة المتفق والمفترق الخامس والخمسون نوع يتركب من هذين النوعين السادس والخمسون معر المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب السابع والخمسون معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم الثامن والخمسون معرفة الأنساب التي باطنها على خلاف ظاهرها التاسع والخمسون معرفة المبهمات الموفي ستين معرفة تواريخ الرواة في الوفيات وغيرها الحادي والستون معرفة الثقات والضعفاء من الرواة الثاني والستون معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات الثالث والستون معرفة طبقات الرواة والعلماء الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة والعلماء الخامس والستون معرفة أوطان الرواة وبلدانهم وذلك آخرها وليس بآخر الممكن في ذلك فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم ولا أحوال متون الحديث وصفاتها وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها فإذا هي نوع على حياله ولكنه نصب من غير أرب وحسبنا الله ونعم الوكيل
النوع الأول من أنواع علوم الحديث
معرفة الصحيح من الحديث
اعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء االله تبارك وتعالى فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل ومتى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول وكذلك إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر وإنما المراد به أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور والله أعلم
فوائد مهمه
إحداها
الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه كما سبق ذكره ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فروينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي وروينا نحوه عن علي بن المديني روي ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله بن عون وفيما نرويه عن يحيى بن معين أنه قال أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن بن عمر وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن بن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
الثانية
إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله تعالى شرفا آمين
الثالثة
أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه يشاركه في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد وأما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح فهذا لا بأس به وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجع فيما يرجح إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا مردود على من يقوله والله أعلم
الرابعة
لم يستوعبا الصحيح صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول وروينا عن مسلم أنه قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه قلت أراد والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم ثم إن أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ قال قل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث يعني في كتابيهما ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير وقد قال البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المتكررة وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث إلا أن هذه العبارة قد يندرح تحتها عندهم آثار الصحابة والتابع وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة الحديث كأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائي وأبي بكر بن خزيمة وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم منصوصا على صحته فيها ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب بن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبي عوانة الإسفرائيني وكتاب أبي بكر الإسماعيلي وكتاب أبي بكر البرقاني وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحن مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر ففيه عله توجب ضعفه ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله أجمعين والله أعلم
الخامسة
الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم رضي الله عنهما لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبا لعلو الإسناد فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة كالسنن الكبير للبيهقي وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري أو مسلم فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في بعض المعنى فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى وإذا كان الأمر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثا منها وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو كتاب مسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي خرجه قد قال أخرجه البخاري بهذا اللفظ بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما غير أن الجمع بين الصحيحين للحميدي الأندلسي منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث كما قدمنا ذكره فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين ثم إن التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان إحداهما علو الإسناد والثانية في قدر الصحيح لما يقع فيهما من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بهذه التخاريج لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وخارجة من ذلك المخرج الثابت والله أعلم
السادسة
ما أسنده البخاري ومسلم رحمهما الله في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا ففي بعضه نظر وينبغي أن تقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال بن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبي كذا روى أبو هريرة كذا وكذا وما أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو روي عن فلان كذا أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وكذلك مطلق قول الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته وكذلك ما ذكره أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين من قوله لم نجد من الأئمة الماضين رضي الله عنهم أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين فإنما المراد بكل ذلك مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا مثل قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروي عن بن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحيي منه فهذا قطعا ليس من شرطه ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين فاعلم ذلك فإنه مهم خاف والله أعلم
السابعة
وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره فالحاجة ماسة إلى التنبيه على أقسامه باعتبار ذلك فأولهما صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا الثاني صحيح انفرد به البخاري أي عن مسلم الثالث صحيح انفرد به مسلم أي عن البخاري الرابع صحيح على شرطهما لم يخرجاه الخامس صحيح على شرط البخاري لم يخرجه السادس صحيح على شرط مسلم لم يخرجه السابع صحيح عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما هذه أمهات أقسامه وأعلاها الأول وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا صحيح متفق عليه يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه لكن اتفاق الأئمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المنبني على اجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره وهي معروفة عند أهل هذا الشأن والله أعلم
الثامنة
إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج به بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الأحتجاج به إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول والله أعلم
النوع الثاني
معرفة الحسن من الحديث
روينا عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله قال وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء وروينا عن أبي عيسى الترمذي رضي الله عنه أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك وقال بعض المتأخرين الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن ويصلح للعمل به قلت كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان
أحدهما
الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل
القسم الثاني
أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل معرضا عما رأى أنه لا يشكل أو أنه غفل عن البعض وذهل والله أعلم هذا تأصيل ذلك
ونوضحه بتنبيهات وتفريعات
أحدها
الحسن يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بطريق الاستفاضة على ما سنبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجيء الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر وذكرنا له أيضا ما حكاه الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه تقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادة المستور ولذلك وجه متجه كيف وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور على ما سبق آنفا والله أعلم
الثاني
لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث الأذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن لأن بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة والله أعلم
الثالث
إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح والله أعلم
الرابع
كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهوالذى نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقةالتى قبله كاحمد بن حنبل والبخاري وغيرها تختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي ان تصحح اصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك ومن مظانه سنن أبى داود الجستانى رحمه الله تعالى روينا عنه انه قال ذكرت فيه الصحيح ومايشبه ويقاربه وروينا عنه أيضا مامعناه انه يذكر في كل باب أصح ماعرفه في ذلك الباب وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومالم اذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض قلت فعلى هذا ماوجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولانص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبى داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ انه سمع محمد بن سعد الباوردى بمصر يقول كان من مذهب أبى عبد الرحمن النسائي ان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال بن منده وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأى الرجال والله اعلم
الخامس
ما صار اليه صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه الى نوعين الصحاح والحسان مريدا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذي واشباههما في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن كما سبق بيانه والله أعلم
السادس
كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحاق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمي ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلهذا تأخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب والله أعلم
السابع
قولهم هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم هذا حديث صحيح أو حديث حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر والله أعلم
الثامن
في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين إحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده فاعلم ذلك والله أعلم
التاسع
من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في تصرفاته وإليه يومي في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح وأطلق الخطيب أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي وذكر الحافظ أبو الطاهر السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه الى صحيح وغيره والترمذي مصرح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن ثم إن من سمى الحسن صحيحا لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم المبين أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى والله أعلم
النوع الثالث
معرفة الضعيف من الحديث
كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف وأطنب أبو حاتم بن حبان البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن قسما واحدا ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا ثم ما عدمت فيه مع صفيتين معينتين قسما ثالثا وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمع ثم يعود ويعين من الابتداء صفة غير التي عينها أولا ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسما ثم القسم الآخر ما عدلت فيه مع عدم صفة أخرى ولتكن الصفة الأخرى غير الصفة الأولى المبدوء بها لكون ذلك سبق في أقسام عدم الصفة الأولى وهكذا هلم جرا إلى آخر الصفات ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الأخر الأرذل وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك فتتضاعف بذلك الأقسام والذي له لقب خاص معروف من أقسام ذلك الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا الآن من أقسامه ونسأل الله تبارك وتعالى تعميم النفع به في الدارين آمين
النوع الرابع
معرفة المسند
ذكر أبو بكر الخطيب الحافظ رحمه الله أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم وذكر أبو عمر بن عبد البر الحافظ أن المسند ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مسند لأنه قد أسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من بن عباس رضي الله عنهم وحكى أبو عم رعن قوم أن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعا ألى النبي صلى الله عليه وسلم قلت وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله الحافظ ولم يذكر في كتابه غيره فهذه أقوال ثلاثة مختلفة والله أعلم
النوع الخامس
معرفة المتصل
ويقال فيه أيضا الموصول ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف وهو الذي اتصل إسناده فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى ينتهي الى منتهاه مثال المتصل المرفوع من الموطأ مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثال المتصل الموقوف مالك عن نافع عن بن عمر عن عمر قوله والله أعلم
النوع السادس
معرفة المرفوع
وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ولا يقع مطلقه على غير ذلك نحو الموقوف على الصحابة وغيرهم ويدخل في المرفوع المتصل والمنقطع والمرسل ونحوها فهو والمسند عند قوم سواء والانقطاع والاتصال يدخلان عليهما جميعا وعند قوم يفترقان في أن الانقطاع والاتصال يدخلان على المرفوع ولا يقع المسند إلا على المتصل المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ أبو بكر بن ثابت المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله فخصصه بالصحابة فيخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل والله أعلم
النوع السابع
معرفة الموقوف
وهو ما يروي عن الصحابة رضي الله عنهم من أقولاهم وأفعالهم ونحوها فيوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول ومنه ما لا يتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاوس أو نحو هذا والله أعلم وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر قال أبو القاسم الفوراني منهم فيما بلغنا عنه الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم والأثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم
النوع الثامن
معرفة المقطوع
وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ويقال في جمعه المقاطيع والمقاطع وهو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم قال الخطيب أبو بكر الحافظ في جامعه من الحديث المقطوع وقال المقاطع هي الموقوفات على التابعين والله أعلم قلت وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الإمام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما والله أعلم
تفريعات
أحدها
قول الصحابي كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذي قطع به أبو عبد الله بن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وبلغني عن أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي الإمام عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع والأول هو الذي عليه الاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أنواع منها أقولاه صلى الله عليه وسلم ومنها أفعاله ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه ومن هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو كان يقال كذا وكذا على عهده أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند مخرج في كتب المسانيد وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا يعني مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب أيضا نحو ذلك في جامعه قلت بل هو مرفوع كما سبق ذكره وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم عليه والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى والله أعلم
الثاني
قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي والأول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا قول الصحابي من السنة كذا فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه وكذلك قول أنس رضي الله عنه أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وسائر ما جانس ذلك ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده صلى الله عليه وسلم والله أعلم
الثالث
ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر رضي الله عنه كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم الآية فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات والله أعلم
الرابع
من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه أو رواية مثال ذلك سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلو قوما صغار الأعين الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال الناس تبع لقريش الحديث فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا قلت وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم
النوع التاسع
معرفة المرسل
وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا
إحداها
إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا وأن الإرسال مخصوص بالتابعين بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر من واحد سمي معضلا ويسمى أيضا منقطعا وسيأتي مثلا ذلك إن شاء الله تعالى والمعروف في الفقه وأصوله أن كل ذلك يسمى مرسلا وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به وقال إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابعي التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل والله أعلم
الثانية
قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى بن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين قال الشيخ أبقاه الله وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول الى التابعي مرسلا والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الإرسال كما تقدم والله أعلم
الثالثة
إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل والله أعلم ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه في نوع الحسن ولهذا احتج الشافعي رضي الله عنه بمرسلات سعيد بن المسيب رضي الله عنهما فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا يختص ذلك عنده بإرسال بن المسيب كما سبق ومن أنكر هذا زاعما أن الأعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل فيقع لغوا لا حاجة إليه فجوابه أنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم بمثله الحجة على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر وتداولوه في تصانيفهم وفي صدر صحيح مسلم المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة وابن عبد البر حافظ المغرب ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة والله أعلم ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه بن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم