إعلانات المنتدى


مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 2

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
(بسم الل) :x18: :x3:

النوع العاشر

معرفة المنقطع

وفيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم فمنها ما سبق في نوع المرسل عن الحاكم صاحب كتاب معرفة أنواع علوم الحديث من ان المرسل مخصوص بالتابعى وان المنقطع منه الإسناد فيه قبل الوصول الى التابعى راو لم يسمع من الذي فوقه والساقط بينهما غير مذكور لا معينا ولا مبهما ومنه الإسناد الذي ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم نحو رجل أو شيخ أو غيرهما مثال الأول مارويناه عن عبد الرازق عن سفيان الثوري عن أبى إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان وليتموها أبا بكر فقوي امين الحديث فهذا إسناد إذا تامله الحديثى وجد صورته صورة المتصل وهو منقطع في موضعين لان عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وانما سمعه من النعمان بن أبى شيبه الجندي عن الثوري ولم يسمعه الثوري أيضا أيضا من أبى إسحاق انما سمعه من شريك عن أبى إسحاق ومثال الثاني الحديث الذي رويناه عن أبى العلاء بن عبد الله بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الصلاه اللهم انى اسالك الثبات في الأمر الحديث والله اعلم ومنها ما ذكره بن عبد البر رحمه الله وهو ان المرسل مخصوص بالتابعين والمنقطع شامل له ولغيره وهو عنده كل ما لا يتصل إسناده سواء كان يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره ومنها أن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان لكل ما لا يتصل إسناده وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم وهو الذي ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في كفايته إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ما يوصف بالانقطاع ما رواه من دون التابعين عن الصحابة مثل مالك عن بن عمر ونحو ذلك والله أعلم ومنها ما حكاه الخطيب أبو بكر عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنقطع ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله وهذا غريب بعيد والله أعلم

النوع الحادي عشر

معرفة المعضل

وهو لقب لنوع خاص من المنقطع فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا وقوم يسمونه مرسلا كما سبق وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعدا وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى ومثاله ما يرويه تابعي التابعي قائلا فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما يرويه من دون تابعي التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما غير ذاكر للوسائط بينه وبينهم وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل قلت وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم وسماه الخطيب أبو بكر الحافظ في بعض كلامه مرسلا وذلك على مذهب من يسمى كل مالا يتصل مرسلا كما سبق وإذا روى تابع التابع عن التابع حديثا موقوفا عليه وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل مثاله ما رويناه عن الأعمش عن الشعبي قال يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه الحديث فقد أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلا مسندا قلت هذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى والله أعلم
تفريعات

أحدها
الإسناد المعنعن وهو الذي يقال فيه فلان عن فلان عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره والصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك وادعى أبو عمرو لداني المقرئ الحافظ إجماع أهل النقل على ذلك وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضا مع براءتهم من وصمة التدليس فحينئذ يحمل على ظاهر الاتصال إلا أن يظهر فيه خلاف ذلك وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن به أنه رواه عنه بالإجازة ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على مالا يخفى والله أعلم
الثاني
اختلفوا في قول الراوي أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن في الحمل على الاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال كذا فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى عن فلان و أن فلانا سواء وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنهما ليسا سواء وحكى بن عبد البر عن جمهور أهل العلم أن عن وأن سواء وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاع وحكى بن عبد البر عن أبي بكر البرديجي أن حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى وقال عندي لا معنى لهذا لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والله أعلم قلت ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجي أبي بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن بن الحنفية عن عمار قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام وجعله مسندا موصولا وذك رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن بن الحنفية أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار والله أعلم ثم إن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن بن عمر عن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفي رواية أخرى عن نافع عن بن عمر أن عمر قال يا رسول الله الحديث ثم قال ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده لأن الاعتماد فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك وذلك في هذا الحديث مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه وبصحبة الراوي بن عمر لهما فاقتضى ذلك من جهة كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى كونه رواه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله اعلم
الثالث
قد ذكرنا ما حكاه بن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأي لفظ كان وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال كل من علم له سماع من إنسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامة من وصمة التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس ومن أمثلة ذلك قوله قال فلان كذا وكذا مثل أن يقول نافع قال بن عمر وكذلك لو قال عنه ذكر أو فعل أو حدث أو كان يقول كذا وكذا وما جانس ذلك فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما مهما ثبت لقاؤه له على الجملة ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشروط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء أو السماع كما حكيناه آنفا وقال فيه أبو عمرو المقرئ إذا كان معروفا بالرواية عنه وقال فيه أبو الحسن القابسي إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها وفيما قاله مسلم نظر وقد قيل إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما والله أعلم قلت وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال فلان ونحو ذلك فافهم كل ذلك فإنه مهم عزيز والله أعلم
الرابع
التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وقد استعمله الدارقطني من قبل صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف وذلك لما عرف من شرطه وحكمه على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا فيه قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم بن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري رحمه الله قد يفعل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك ليغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع والله أعلم وما ذكرناه من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما أورده في معرض الاستشهاد فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح معلقا كان أو موصولا ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر حتى أن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد مثال ذلك قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال بن عباس كذا وكذا روى أبو هريرة كذا وكذا قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا وكذا قال الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وهكذا إلى شيوخ شيوخه وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات وبلغني عن بعض المتأخرين منأهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزادنا فلان فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال متى رأيت البخاري يقول وقال لي وقال لنا فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها قلت وما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو اقدم منه وأعرف بالبخاري وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري فقد روينا عنه أنه قال كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة قلت ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه عنه أو من آخره ولا في مثل قوله يروى عن فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك بأنه قاله وذكره وكان هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال والله أعلم
الخامس
الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل مثاله حديث لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندا هكذا متصلا ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا هكذا فحكى الخطيب الحافظ أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته ومنهم من قال من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته ومنهم من قال الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة قال الخطيب هذا القول هو الصحيح قلت وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله وسئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي المذكور فحكم لمن وصله وقال الزيادة من الثقة مقبوله فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله في وقت وأرسله في وقت وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى وهو أعلم

النوع الثاني عشر

معرفة التدليس وحكم المدلس


التدليس قمسان

أحدهما
تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه سمع منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر ومن شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما وإنما يقول قال فلان أو عن فلان ونحو ذلك مثال ذلك ما روينا عن علي بن خشرم قال كنا عند بن عيينة فقال الزهري فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لا لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
القسم الثاني
تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف مثاله ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد الإمام المقرئ أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر المقرئ فقال حدثنا محمد بن سند نسبه إلى جد له والله أعلم أما القسم الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له فروينا عن الشافعي الإمام رضي الله عنه أنه قال التدليس أخو الكذب وروينا عنه أنه قال لأن أزني أحب إلي من أن أدلس وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين والصحيح التفصيل وأن ما رواه المدلس بلفظ محتم لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول محتج به وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا كقتادة والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دلس مرة والله أعلم وأما القسم الثاني فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم الخطيب أبو بكر فقد كان لهجا به في تصانيفه والله أعلم

النوع الثالث عشر

معرفة الشاذ

روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي رضي الله عنه ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس وحكى الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز ثم قال الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به وذك رالحاكم أبو عبد الله الحافظ أن الشاذ هو الحديث الذي يتفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة وذكر أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك قلت أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة وقد قال مسلم بن الحجاج للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد والله أعلم فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر في ذلك على تفصيل نبيه فنقول إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الإمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان أحدهما الحديث الفرد المخالف والثاني الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف والله أعلم

النوع الرابع عشر

معرفة المنكر من الحديث

بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي الحافظ أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غاير روايته لا من الوجه الذي رواه ولا من وجه آخر فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ وعند هذا نقول
المنكر ينقسم قسمين
على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه
مثال الأول
وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه عمرو بن عثمان يعني بفتح العين وذكر أن مالكا كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعمرو وعمر جميعا ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه والله أعلم
ومثال الثاني
وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده مارويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش بن آدم حتى أكل الجديد بالخلق تفرد به أبو زكريا وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده والله أعلم

النوع الخامس عشر

معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أو لا وهل هو معروف أو لا ذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ رحمه الله أن طريق الاعتبار في الأخبار مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن بن سيرين فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير بن سيرين رواه عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا قلت فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد فهذه المتابعة التامة فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن بن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا فإن لم يرو ذلك الحديث أصلا من وجه من الوجوه المذكورة لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود كما سبق وإذا قالوا في مثل هذا تفرد به أبو هريرة وتفرد به عن أبي هريرة بن سيرين وتفرد به عن بن سيرين أيوب وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك والله أعلم مثال للمتابع والشاهد روينا من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به ورواه بن جريج عن عمرو عن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ فذكر الحافظ أحمد البيهقي لحديث بن عيينة متابعا وشاهدا أما المتابع فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء وروى بإسناده عن أسامة عن عطاء عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعم به وأما الشاهد فحديث عبد الرحمن بن وعلة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر والله أعلم

النوع السادس عشر

معرفة زيادات الثقات وحكمها

وذلك فن لطيف تستحسن العناية به وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو نعيم الجرجاني وأبو الوليد القرشي الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصا مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا خلافا لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره وقد قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا وصل الحديث قوم وأرسله قوم أن الحكم لمن أرسله مع أن وصله زيادة من الثقة
وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام

أحدها
أنه مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ
الثاني
أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ
الثالث
ما يقع بين هاتين المرتبيتن مثل زيادة لفظه في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث مثاله ما رواه مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين وروى عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن بن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد رضي الله عنهم والله أعلم ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وسائر الروايات لفظها وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما وأما زيادة الوصل مع الإرسال فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل ويجاب عنه بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم والزيادة ههنا مع من وصل والله أعلم

النوع السابع عشر

معرفة الأفراد

وقد سبق بيان المهم من هذا النوع في الأنواع التي تليه قبله لكن أفردته بترجمة كما أفرده الحاكم أبو عبد الله ولما بقي منه فنقول
الأفراد منقسمة
إلى ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة أما
الأول
فهو ما ينفرد به واحد عن كل أحد وقد سبقت أقسامه وأحكامه قريبا وأما
الثاني
وهو ما هو فرد بالنسبة فمثل ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة وحكمه قريب من حكم القسم الأول ومثل ما يقال فيه هذا حديث تفرد به أهل مكة أو تفرد به أهل الشام أو أهل الكوفة أو أهل خراسان عن غيرهم أو لم يروه عن فلان غير فلان وإن كان مرويا من وجوه عن غير فلان أو تفرد به البصريون عن المدنيين أو الخراسانيون عن المكيين وما أشبه ذلك ولسنا نطول بأمثلة ذلك فإنه مفهوم دونها وليس في شيء من هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث إلا أن يطلق قائل قوله تفرد به أهل مكة أو تفرد به البصريون عن المدنيين أو نحو ذلك على ما لم يروه إلا واحد من أهل مكة أو واحد من البصريين ونحوه ويضيفه إليهم كما يضاف فعل الواحد من القبيلة إليها مجازا وقد فعل الحاكم أبو عبد الله هذا فيما نحن فيه فيكون الحكم فيه على ما سبق في القسم الأول والله أعلم

النوع الثامن عشر

معرفة الحديث المعلل

ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهرة السلامة منها ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه وكل ذلك مانع ممن الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بأسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه قال الخطيب أبو بكر السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط وروى عن علي بن المديني قال الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه قم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار الحديث فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن بن عمر هكذا رواه الأئمة منأصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح رأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله كانوا يستفتحو بالحمد أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر التسمية وانضم إلى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضي لفظ العلة في الأصل ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابظ حتى قال من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ والله أعلم

النوع التاسع عشر

معرفة المضطرب من الحديث

المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك من راو واحد وقد يقع بين رواة له جماعة والاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط والله أعلم ومن أمثلته ما رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم عن إسماعيل هكذا ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه حميد بن الأسود عن إسماعيل عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبي هريرة ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبي عمرو بن حريث عن جده حريث وقال عبد الرزاق عن بن جريج سمع إسماعيل عن حريث بن عمار عن أبي هريرة وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه والله أعلم

النوع العشرون

معرفة المدرج في الحديث

وهو أقسام منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند نفسه فيرويه من بعده موصولا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أمثلته المشهورة ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد في الصلاة فقال قل التحيات لله فذكر التشهد وفي آخره أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد هكذا رواه أبو خيثمة عن الحسن بن الحر فأدرج في الحديث قوله فإذا قلت هذا إلى آخره وإنما هذا من كلام بن مسعود لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن راويه الحسن بن الحر كذلك واتفق حسين الجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن بن مسعود على ذلك ورواه شبابة عن أبي خيثمة ففصله أيضا ومن أقسام المدرج أن يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد ثان فيدرجه من رواه عنه على الإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني ويروي جميعه بالإسناد الأول مثاله حديث بن عيينة وزائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي آخره أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة الصلاة خاصة وفصل ذكر رفع الأيدي عنه فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر ومنها أن يدرج في متن حديث بعض متن حديث آخر مخالف للأول في الإسناد مثاله رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضو ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا الحديث فقوله لا تنافسوا أدرجه بن أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فيه لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا والله أعلم ومنها أن يروي الراوي حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده فلا يذكر الاختلاف فيه بل يدرج روايتهم على الاتفاق مثاله رواية عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي عن الثوري عن منصور والأعمش وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن بن مسعود قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم الحديث وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل بينهما والله أعلم واعلم أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج المذكور وهذا النوع قد صنف فيه الخطيب أبو بكر كتابه الموسوم بالفصل للوصل المدرج في النقل فشفى وكفى والله أعلم

النوع الحادي والعشرون

معرفة الموضوع

وهو المختلق المصنوع واعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب على ما نبينه قريبا إن شاء الله تعالى وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه إنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة والواضعون للحديث أصناف وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركونا إليهم ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها والحمد لله وفيما روينا عن الإمام أبي بكر السمعاني أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب ثم إن الواضع ربما صنع كلاما من عند نفسه فرواه وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار مثال روينا عن أبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له من أين لك عن عكرمة عن بن عباس في فضائل القرآن سورة سورة فقال إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه وإن أثر الوضع لبين عليه ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم والله أعلم

النوع الثاني والعشرون

معرفة المقلوب

هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه وكذلك ما روينا ان البخاري رضي الله عنه قدم بغداد فاجتمع قبل مجلسه قوم من أصحاب الحديث وعمدوا الي مائة حديث فقلبوا متونها واسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لاسناد اخر وإسناد هذا المتن لمتن اخر ثم حضروا مجلسه والقوها عليه فلما فرغوا من القاء تلك الأحاديث المقلوبة التفت إليهم فرد كل متن الي إسناده وكل إسناد الي متنه فاذعنوا له بالفضل ومن امثلته ويصلح مثالا للمعلل ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع قال حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقيمت الصلاة فلا تقوموا حتي تروني قال إسحاق بن عيسى فاتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال وهم أبو النضر انما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني وحجاج بن أبي عثمان معنا فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن قتادة عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا اقيمت الصلاة فلا تقوموا حتي تروني فظن أبو النضر انه فيما حدثنا ثابت عن أنس أبو النضر هو جرير بن حازم والله اعلم
فصل
قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة والحمد لله فلننبه الان علي أمور مهمة
أحدها
إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك ان تقول هذا ضعيف وتعني انه بذلك السناد ضعيف وليس لك ان تقول هذا ضعيف وتعني به ضعف متن الحديث بناء علي مجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون مرويا بإسناد اخر صحيح يثبت بمثله الحديث بل يتوقف جواز ذلك علي حكم امام من أئمة الحديث بأنه لم يرو بإسناد يثبت به أو بأنه حديث ضعيف أو نحو هذا مفسرا وجه القدح فيه فان اطلق ولم يفسر ففيه كلام يأتي ان شاء الله تعالى فاعلم ذلك فإنه مما يغلط فيه والله اعلم
الثاني
يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوي الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوي صفات الله تعالى واحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص علي التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما
الثالث
إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما اشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك وانما تقول فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو بلغنا عنه كذا وكذا أو ورد عنه أو جاء عنه أو روي بعضهم وما اشبه ذلك وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه وانما تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي اوضحناه اولا والله اعلم

النوع الثالث والعشرون

معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل

أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه ان حدث من كتابه وان كان يحدث بالمعني اشترط فيه مع ذلك ان يكون عالما بما يحيل المعاني والله اعلم ونوضح هذه الجملة بمسائل
احداها
عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص معدلين علي عدالته وتارة تثبت بالاستفاضة فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والامانة استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي رضي الله عنه وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ ومثل ذلك بمالك وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومن جري مجراهم في نباهة الذكر استقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وامثالهم وانما يسأل عن عدالة من خفي امره علي الطالبين وتوسع بن عبد البر الحافظ في هذا فقال كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره ابدا علي العدالة حتي يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وفيما قاله اتساع غير مرضي والله اعلم
الثانية
يعرف كون الراوي ضابطا بان نعتبر روايته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط والإتقان فان وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعني لرواياتهم أو موافقة لها في الاغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا وإن وجدناه كثير المخالفة لهم لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه والله اعلم
الثالثة
التعديل مقبول من غير ذكر سببه علي المذهب الصحيح المشهور لان أسبابه كثيرة يصعب ذكرها فان ذلك يحوج المعدل الي ان يقول لم يفعل كذا لم يرتكب كذا فعل كذا وكذا فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه وذلك شاق جدا واما الجرح فإنه لا يقبل الا مفسرا مبين السبب لان الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح فيطلق أحدهم الجرح بناء علي أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر فلا بد من بيان سببه لينظر فيه أهو جرح أم لا وهذا ظاهر مقرر في الفقه واصوله وذكر الخطيب الحافظ انه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل البخاري ومسلم وغيرهما ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولي بن عباس رضي الله عنهما وكاسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دال علي انهم ذهبوا الي ان الجرح لا يثبت الا إذا فسر سببه ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة وعقد الخطيب بابا في بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحا منها عن شعبة انه قيل له لم تركت حديث فلان فقال رايته يركض علي برذون فتركت حديثه ومنها عن مسلم بن إبراهيم انه سئل عن حديث لصالح المري فقال ما تصنع بصالح ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد والله اعلم قلت ولقائل ان يقول انما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم علي الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون علي مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك أو هذا حديث ضعيف وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك فاشتراط بيان السبب يفضي الي تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الاغلب الأكثر وجوابه ان ذلك وان لم نعتمده في اثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في ان توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء علي ان ذلك اوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ثم من انزاحت عنه الرتبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالت قبلنا حديثه ولم يتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم فافهم ذلك فإنه مخلص حسن والله اعلم
الرابعة
اختلفوا في انه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من اثنين فمنهم من قال لا يثبت ذلك الا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات ومنهم من قال وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره انه يثبت بواحد لان العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات والله اعلم
الخامسة
إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم لان المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي علي المعدل فان كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولي والصحيح والذي عليه الجمهور ان الجرح أولي لما ذكرناه والله اعلم
السادسة
لا يجزي التعديل علي الإبهام من غير تسمية المعدل فإذا قال حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصرا عليه لم يكتف به فيما ذكره الخطيب الحافظ والصيرفي الفقيه وغيرهما خلافا لمن اكتفي بذلك وذلك لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره قداطلع علي جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع فيحتاج الي ان يسميه حتي يعرف بل اضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلوب فيه ترددا فان كان القائل لذلك عالما اجزا ذلك في حق من يوافقه في مذهبه علي ما اختاره بعض المحققين وذكر الخطيب الحافظ ان العالم إذا قال كل من رويت عنه فهو ثقة وان لم اسمه ثم روي عمن يكون مزكيا له غير انا لا نعمل بتزكية هذه وهذا علي ما قدمناه والله اعلم
السابعة
إذا روي العدل عن رجل وسماه لم تجعل روايته عنه تعديلا منه له عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم وقال بعض أهل الحديث وبعض أصحاب الشافعي يجعل ذلك تعديلا منه له لان ذلك يتضمن التعديل والصحيح هو الأول لأنه يجوز ان يروي عن غير عدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله وهكذا نقول ان عمل العالم أو فتياه علي وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا راويه والله اعلم
الثامنة
في رواية المجهول وهو في غرضنا ههنا أقسام
أحدهما
المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا وروايته غير مقبولة عند الجماهير علي ما نبهنا عليه اولا
الثاني
المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور فقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنه فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول وهو قول بعض الشافعيين وبه قطع منهم الامام سليم بن أيوب الرازي قال لان أمر الاخبار مبني علي حسن الظن بالراوي ولان رواية الاخبار تكون عند من يعتذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر فيها علي معرفة ذلك في الظاهر وتفارق الشهادة فانها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن قلت ويشبه ان يكون العمل علي هذا الراي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم والله اعلم
الثالث
المجهول العين وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين ومن روي عنه عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة ذكر أبو بكر الخطيب البغدادي في أجوبة مسائل سئل عنها ان المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه الا من جهة راو واحد مثل عمرو ذي مر وجبار الطائي وسعيد بن ذي حدان لم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي ومثل الهزهاز بن ميزن لا راوي عنه غير الشعبي ومثل جري بن كليب لم يرو عنه الا قتادة قلت قد روي عن الهزهاز الثوري أيضا قال الخطيب واقل ما ترتفع به الجهالة ان يروي عن الرجل اثنان من المشهورين بالعلم الا انه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه وهذا مما قدمنا بيانه والله اعلم قلت قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد منهم مرداس الأسلمي لم يرو عنه قيس بن أبي حازم وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن وذلك منها مصير الي ان الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه والله أعلم
التاسعة
اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته فمنهم من رد روايته مطلقا لأنه فاسق ببدعته وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول يستوي في الفسق المتأول وغير المتأول ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية الى بدعته أو لم يكن وعزا بعضهم هذا الى الشافعي لقوله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم وقال قوم تقبل روياته إذا لم يكن داعية الى بدعته ولا تقبل إذا كان داعية وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء وحكى بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع الى بدعته وقال اما إذا كان داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته وقال أبو حاتم بن حبان البستي أحد المصنفين من أئمة الحديث الداعية الى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها والأول بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأوصول والله أعلم
العاشرة
التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته الا التائب من الكذب متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تقبل روايته ابدا وان حسنت توبته علي ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبلوه بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك وذكر أن ذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة وذكر الإمام أبو المظفر السمعاني المروزي أن من ذكر في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه وهذا يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي والله أعلم
الحادية عشرة
إذا روى ثقة عن ثقة حديثا وروجع المروي عنه فنفاه فالمختار أنه إن كان جازما بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث فرعه ذلك ثم لا يكون ذلك جرحا له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضا في ذلك وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا أما إذا قال المروي عنه لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه ومن روى حديثا ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين خلافا لقوم من أصحاب أبي حنيفة صاروا الى اسقاطه بذلك وبنوا عليه ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث من أجل أن بن جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه وكذا حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين فان عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال لقيت سهيلا فسألته عنه فلم الصحيح ما عليه الجمهور لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان والراوي عنه ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال روايته ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول حدثني ربيعة عني عن أبي ويسوق الحديث وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا بها عمن سمعها منهم فكان أحدهم يقول حدثني فلان عني عن فلان بكذا وكذا وجمع الحافظ الخطيب ذلك في كتاب أخبار من حدث ونسي ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء منهم الشافعي قال لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الأحياء والله أعلم
الثانية عشر
من أخذ على التحديث أجرا منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث روينا عن إسحاق بن إبراهيم أنه سأل عن المحدث يحدث بالأجر فقال لا يكتب عنه وعن أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي نحو ذلك وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيز المكي وآخرون في أخذ العوض على التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه كمثل ما حديثنيه الشيخ أبو المظفر عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني أن أبا الفضل محمد بن ناصر السلامي ذكر أن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بجواز أخذ الأجرة على التحديث لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله والله أعلم
الثالثة عشر
لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو اسماعه كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع وكمن يحدث لا من أصل مقابل صحيح ومن هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في الحديث ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في حديثه جاء عن شعبة أنه قال لا يجيئك الحديث الشاذ الا من الرجل الشاذ ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل صحيح وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وبضبطه وورد عن بن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهم أن من غلط في حديث وبين له غلطه ولم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت روايته ولم يكتب عنه وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك والله أعلم
الرابعة عشرة
أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه فلم يتقيدوا بها في روايتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم ووجه ذلك ما قدمنا في أول كتابنا هذا من كون المقصود آل آخرا الى المحفاظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده وليكتفي في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه لوجود سماعه مثبتا بخط غير مهتم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه وقد سبق الى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله فإنه ذكر في ما روينا عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن يكون القراءة عليهم من أصل سماعهم ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها قال فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله أعلم
الخامسة عشر
في بيان الألفاظ المستعملة بين أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل وقد رتبها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح والتعديل فأجاد وأحسن ونحن نرتبها كذلك ونورد ما ذكرناه ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره إن شاء الله تعالى
أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب

الأولى
قال بن أبي حاتم إذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج بحديثه قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط والله أعلم
الثانية
قال بن أبي حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية قلت هذا كما قال لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع وإن لم نستوف النظر المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا الى حديث من حديثه اعتبرنا ذلك الحديث ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم بيان طريق الاعتبار في النوع الخامس عشر ومشهور عن عبد الرحمن بن مهدي القدوة في هذا الشأن أنه حدث فقال حدثنا أبو خلدة فقيل له أكان ثقة فقال كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا وفي رواية وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان ثم إن ذلك مخالف لما ورد عن بن أبي خيثمة قال قلت ليحيى بن معين إنك تقول فلان ليس به بأس وفلان ضعيف قال إذا قلت لك ليس به بأس فهو ثقة وإذا قلت لك هو ضعيف فليس هو بثقة لا تكتب حديثه قلت ليس في هذا حكاية ذلك عن غيره من أهل الحديث فإن نسبه إلى نفسه خاصة بخلاف ما ذكره بن أبي حاتم والله أعلم
الثالثة
قال بن أبي حاتم إذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية
الرابعة
قال إذا قيل صالح الحديث فإن يكتب حديثه للاعتبار قلت وجاء عن أبي جعفر أحمد بن سنان قال كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول رجل صالح الحديث والله أعلم
وأما ألفاظهم في الجرح فهي على مراتب

أولاها
قولهم لين الحديث قال بن أبي حاتم إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا قلت وسأل حمزة بن يوسف السهمي أبا الحسن الدارقطني الإمام فقال له إذا قلت فلان لين أيش تريد به قال لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة
الثانية
قال بن أبي حاتم إذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الأول في كتب حديثه إلا أنه دونه
الثالثة
قال إذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به
الرابعة
قال إذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الرابعة قال الخطيب أبو بكر أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال حجة أو ثقة وأدونها أن يقال كذاب ساقط أخبرنا أبو بكر بن عبد المنعم الصاعدي الفراوي قراءة عليه بنيسابور أنا محمد بن إسماعيل الفارسي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ أنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال سمعت أحمد بن صالح قال لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه قد يقال فلان ضعيف فأما أن يقال فلان متروك فلا إلا أن يجمع الجميع على ترك حديثه ومما لم يشرحه بن أبي حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان مضطرب الحديث فلان لا يحتج به فلان مجهول فلان لا شيء فلان ليس بذاك وربما قيل ليس بذاك القوي فلان فيه أو في حديثه ضعف وهو في الجرح أقل من قولهم فلان ضعيف الحديث فلان ما أعلم به بأسا وهو في التعبير دون قولهم لا بأس به وما من لفظة منها ومن أشباهها إلا ولها نظير أو أصل أصلناه فتنبه إن شاء الله تعالى به عليها والله أعلم

النوع الرابع والعشرون

معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه

اعلم أن طرق نقل الحديث وتحمله على أنواع متعددة ولنقدم على بيانها بيان الأمور
أحدها
يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروي بعده وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده ومنع من ذلك قوم فأخطأوا لان الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن بن علي وابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع والتحديث بروايتهم لذلك والله أعلم
الثاني
قال أبو عبد الله الزبيري يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض وورد عن سفيان الثوري قال كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة وقيل لموسى بن إسحاق كيف لم تكتب عن أبي نعيم فقال كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكلموا عشرين سنة وقال موسى بن هارون أهل البصرة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين والله أعلم قلت وينبغي بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغير في أول زمان يصح فيه بسماعه وأما الاشتغال بكتبه الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص كما سبق ذكره آنفا عن قوم والله أعلم
الثالث
اختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فروينا عن موسى بن هارون الحمال أحد الحفاظ النقاد أنه سئل متى يسمع الصبي الحديث فقال إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل متى يجوز سماع الصبي للحديث فقال إذا عقل وضبط فذكر له عن رجل أنه قال لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة فأنكر قوله وقال بئس القول وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي عن أبي محمد عبد الله بن محمد الأشيري عن القاضي الحافظ عياض بن موسى السبتي اليحصبي قال قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع وذكر رواية البخاري في صحيحه بعد ان ترجم متى يصح سماع الصغير بإسناده عن محمود بن الربيع قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا بن خمس سنين من دلو وفي رواية أخرى أنه كان بن أربع سنين والله أعلم قلت التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم يبلغ خمسا حضر أو أحضر والذي ينبغي في ذلك أن تعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان بن خمس بل بن خمسين وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال رأيت صبيا بن أربع سنين قد حمل الى المأمون قد قرا القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي وعن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني قال حفظت القرآن ولي خمس سنين وحملت إلى أبي بكر بن المقرئ لأسمع منه ولي أربع سنين فقال بعض الحاضرين لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير فقال لي بن المقرئ اقرأ سورة الكافرين فقرأتها فقال اقرأ سورة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها فقال بن المقرئ سمعوا له والعهدة علي وأما حديث محمود بن الربيع فيدل على صحة ذلك من بن خمس مثل محمود ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن بن خمس ولا على الصحة فيمن كان بن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه والله أعلم
بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله
ومجامعها ثمانية أقسام
القسم الأول
السماع من لفظ الشيخ وهو ينقسم الي املاء وتحديث من غير املاء وسواء كان من حفظه أو من كتابه وهذا القسم ارفع الأقسام عند الجماهير وفيما نرويه عن القاضي عياض بن موسي السبتي أحد المتأخرين المطلعين قوله لا خلاف انه يجوز في هذا ان يقول السامع منه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان قلت في هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ علي ما نبينه ان شاء الله تعالى ان لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الايهام والالباس والله اعلم وذكر الحافظ أبو بكر الخطيب ان ارفع العبارات في ذلك سمعت ثم حدثنا وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه وكان بعض أهل العلم يقول فيما اجيز له حدثنا وروي عن الحسن انه كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتاول انه حدث أهل المدينة وكان الحسن إذ ذاك بها الا انه لم يسمع منه شيئا قلت ومنهم من اثبت له سماعا من أبي هريرة والله اعلم ثم يتلو ذلك قول أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتي ان جماعة من أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ من حدثهم الا بقولهم أخبرنا منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسي وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون وعمرو بن عون ويحي بن يحيى التميمي وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم وذكر الخطيب عن محمد بن رافع قال كان عبد الرزاق يقول انا حتي قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقالا له قل حدثنا فكل ما سمعت مع هؤلاء قال حدثنا وما كان قبل ذلك قال انا وعن محمد بن أبي الفوارس الحافظ قال هشيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق لا يقولون إلا أخبرنا فإذا رأيت حدثنا فهو من خطأ الكاتب والله أعلم قلت وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ ثم يتلو قول أخبرنا قول أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال قلت حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى وهي أنه ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به وفي حدثنا وأخبرنا دلالة على أنه خاطبه به ورواه له أو هو ممن فعل به ذلك سأل الخطيب أبو بكر الحافظ شيخه أبا بكر البرقاني الفقيه الحافظ رحمهما الله تعالى عن السر في كونه يقول فيما رواه عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الآبندوني سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل إليه فلذلك يقول سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده وأما قوله قال لنا فلان أو ذكر لنا فلان فهو من قبيل قوله حدثنا فلان غير أنه لائق بما سمعه منه في المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا وقد حكينا في فصل التعليق عيب النوع الحادي عشر عن كثير من المحدثين استعمال ذلك معبرين به عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأوضع العبارات في ذلك أن يقول قال فلان أو ذكر فلان من غير ذكر قوله لي ولنا ونحو ذلك وقد قدمنا في فصل الإسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من الألفاظ محمول عندهم على السماع إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على الجملة لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول قال فلان إلا فيما سمعه منه وقد كان حجاج بن محمد الأعور يروي عن بن جريج كتبه ويقول فيها قال بن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا برواياته وكان قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه وقد خصص الخطيب أبو بكر الحافظ القول بحمل ذلك على السماع بمن عرف من عادته مثل ذلك والمحفوظ المعروف ما قدمنا ذكره والله أعلم
 

ابوعمرالشهري

مزمار داوُدي
4 أبريل 2007
6,384
9
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 2

احسنت اخي محب الشريم


احسن الله اليك
 

الداعية

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
11 نوفمبر 2005
19,977
75
48
الجنس
أنثى
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 2

جزاك الله الجنة اخي الفاضل ولي عودة لقرائتها مجددا ان شاء الله
 

ابومالك الازدي

مزمار داوُدي
2 يونيو 2007
3,474
2
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 2

بارك الله فيك اخي محب الشريم
 

محمد الجنابي

عضو شرف
عضو شرف
9 فبراير 2007
15,361
18
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 2

بارك الله فيك
 

العفو عند المقدرة

مزمار داوُدي
4 يوليو 2007
7,874
13
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 2

جزاك الله خيرا
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع