إعلانات المنتدى


مفهوم الحياة الحقيقية في الاسلام

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
318
145
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

أولا ـ التصور الكفري للحياة :

تصور يقصر الحياة على الدنيا فقط لا ينظر إلى ما قبل ذلك ولا ينظر إلى ما بعد ذلك، وهذا الذي تشير إليه الأية الكريمة محددة له « وَقَالُوا مَا هِيَ (بالحصر)إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ»-سورة الجاثية-،

وهذا التصور الكفري أنتج حب الحياة الدنيا ، والافتتان بزينتها . كحال اليهود الذين قال فيهم الله تعالی : «ولتجدنهم أحرص الناس على حياة» – سورة البقرة – ونتج عن هذا التصور الإطمئنان والرضا بالحياة الدنيا ، والحرص عليها مهما كان الثمن.

ثانيا – التصور الإيماني للحياة:

وهو تصور آخر للحياة، هو أننا حياة ممدودة، ممتدة، والموت حقيقة ما هو إلا بداية لحياة أخرى جديدة وكأن الانسان بعد مغادرته بالموت لهذه الدنيا كأنه يفتح له حساب في الدار الآخرة، في الحياة البرزخية، بل إن القرآن يصفها بالحياة الحقيقية التي تستحق العمل والاستعداد لها ، قال الله عز وجل >وإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ<

ومثل هذا التصور تُبْنى عليه حياة ويُنْتج ويُصاغُ إنسان، لايُوثِرُ العاجلة على الآجلة، بل يوثر الآجلة على العاجلة، على هذا التصور يصاغ إنسان يريد بالدنيا الآخرة (وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ ولاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)
وعبر القرآن عن هذا النصيب من الدنيا بوصفه متاع وهذا المتاعُ هو الذي يسمى بالنسبة للمُغْتَرِّ به متاع الغرور >ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ<-سورة الحديد-
وأن هذه الحياة القصيرة ما هي إلا دار امتحان وابتلاء >خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُم أحْسَنُ عَمَلاً<-سورة الملك- وبِسَبَبِ هذا جاءت آيات كثيرة وأحاديث كثيرة تُزَهِّدُ المسلم في الدنيا، وتُمَثِّل له الدنيا بكاملها على أنها مجرد متاع أو متاع الغرور

فكيف يحيا الانسان حياة حقيقية في ظل هذا التصور ؟ ذلك ما يُشير إليه قوله تعالى : >أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا<-سورة الأنعام-

وهذا التفريق بين الحيَ ِّحقيقة والحي حكما فالأحياء الحقيقيون هم الذين يستجيبون لدعوة الله ورسوله >يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للَّهِ وللِرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ<-سورة الأنفال-

وعلى هذا فلِلإنْسان إذن في هذه الدنيا حياتان : حياةٌ عادية مادية خبيثة في تصنيف القرآن، وحياة رُوحِيَّة طيّبة في تصنيف القرآن أيضا >مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثَى وهُوَ مُومِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون<-سورة النحل- حياة طيبة، وعكسُها الحياة الخبيثة التي يكون أصحابها كما قال الله عز وجل فيهم : >أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمُ أَضَلُّ<-سورة الأعراف- .

والقرآن ماء الحياة الحقيقية :فإن الله تعالى جعل الماء سَبَباً للحياتَيْنِ :

- الحياة العادية المادية >وجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ<-سورة الأنبياء-.

- والحياة الروحية إنما هي أيضا من الماء الذي عبَّر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بالغَيْثِ بِصَرِيحِ العِبَارَة >مَثَلُ مَا بَعَثَنِي بِهِ اللَّهُ مِنَ الهُدَى والعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أرْضاً فكانَتْ مِنهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ< إلى آخر الحديث، فهذا الماء هوَ غَيْثُ الأرواح فعلا، كما يفعل الماء في الأرض فتنتشر الرحمة >وانْظُرْ إلَى أثَرِ رَحْمَةِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا<-سورة الروم- كذلك أيضا إذا نزل غَيْثُ القرآن في القلوب وامتزج بها وُلِدَتْ ولادة جديدة، وولد الانسانُ الولادة الجديدة ليحيى الحياة الطيبة التي تسمى في منطق القرآن الحياة الحقيقية.

و سَبَبَ الحياة الحقيقية هُو القرآن ولهذا سماه الله عز وجل الروح >وكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا فإنه بِرُوح القرآن يُنْشَأُ الانسان أيضا خَلْقاً آخر ويصير طاقة جبّارة متحرِّرَة مما سوى الله عز وجل،

والخلاصة أن هناك علاقة تلازم بين التصور الذي ينشئ حياة بهيمية، بل أضل من الأنعام، والتصور الذي ينشئ فرداً حيا، ومجتمعا حيا، وأمة حية، تسري الحياة فيها ظاهراً وباطنا، وتعميق الحياة القرآنية مظهراً ومخبراً، فتصبح نوراً على نور، ومنارة يهتدي بها الحائرون

منقول بتصرف
 
  • أعجبني
التفاعلات: سعــــــود

سعــــــود

مشرف ركن مزامير جزيرة العرب والحرمين الشريفين
المشرفون
2 يونيو 2008
6,500
1,399
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
وفقك الله ونفع بك أخي عمر
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع