إعلانات المنتدى


هدايات سورة الضحى

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
372
165
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
جاء في سببَ نزول سورة الضحى ، أن الوحي فَتَر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبطأ عنه جبريل - عليه السلام - فقال المشركون: قد وُدِّع محمدٌ، فأنزل الله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
ومن هدايات السورة :
  • أيها المؤمن، قد تَضيقُ عليك الدنيا، وربما يزدريك أهلُها، ويَحصُل لك من الشقاء والجفاء والعناء، ويَبرُز هذا المعنى في الذي نذَر نفسه لله داعيًا ولدينه مناصرًا، وعلى منهجه سائرًا، فهو يستشعر معيَّة الله ، ونُصرته له، وخيريَّته فيما اختار الله له. وليتذكر قوله تعالى ( ما ودّعك ربّك وما قلى ) وليعلم أن التمكين من لوازمه البلاء والضُّر، ولا يَسخَط ويتضرَّم بل يصَبْر ويتفاءل ، "إنها بِشارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن تَبِعه من العلماء والدعاة؛ أنه - سبحانه - لم يودِّع نبيَّه، بل هو معه يؤيِّده ويَنصُره ويُثبِّته، وهو يحبه ولا يُبغِضه، بل يُدنيه إليه ويُعطيه من فضله .
  • {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} قال ابن سعدي: كل حالة مُتأخِّرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة ، أي: إن مستقبل حياتك خيرٌ لك من ماضيها، وإنك تزداد عزًّا ورِفعةً كل يوم، ولعاقبة أمرك خيرٌ من بدايته؛ وقيل: إن المعنى هو أن الدار الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار الدنيا،. وهكذا يسير المؤمن في دروب هذه الحياة وهو يوقن ان ما كتبه الله له هو خير له في دينه ودنياه وأن عاقبة أمره دائما إلى خير .
  • {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} هذا من بعض ما أعطى اللهُ النبيَّ، وُلِد يتيمًا، فكفَله الله، وأنزله من جده عبدالمطلب وعمه أبى طالب منزلةَ أعزِّ الأبناء وأحبهم إلى آبائهم، ثم إذا نظر مرة ثانية إلى شبابه، وجد أنه كان قَلِق النفس، مُنزعِج الضمير، مما كان يرى من الحياة الضالة التي يعيش فيها قومه، ولم يكن يدري كيف يجد لنفسه سكنًا، ولقلبه اطمئنانًا وسط هذا الجوِّ الخانق، فهداه الله إلى الخَلوة إلى نفسه في غار حراء، والابتعاد عن قومه، والانقطاع إلى ربه متحنِّثًا متعبدًا، متأملاً مُتفكِّرًا، وقد ظلَّ هذا شأنه إلى أن جاءه وحي السماء، فسكب السكينة في قلبه، والطمأنينة في نفسه بنزول اول كلمات الوحي عليه في غار حراء.
وفي الأية اشارة الى ما للخلوة من أثر يعين على سكينة النفس وتدبر العقل ، وأن المؤمن في حيرته يفزع إلى ربّه فهو من يرعاه ويحفظه ويهديه إلى سواء السبيل .
  • "تأمَّل قول الحقِّ فهو لم يقل: فآواك، فأغناك؛ لأنه لو قال ذلك لصار الخطاب خاصًّا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وليس الأمر كذلك، فإن الله آواه وآوى به، وهداه وهدى به، وأغناه وأغنى به"
  • فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} خصَّص الله هذا العنصر المهم من المجتمع في أكثر من آية، ولا سيما هذه الآية العظيمة المعنى العميقة الدَّلالة، وقالوا: قَهْر اليتيم: أخْذ ماله وظُلْمه، وقيل: هو بمعنى عبوسة الوجه، والمعنى أعم، وخصَّ اليتيم؛ لأنه لا ناصر له غير الله تعالى، فغلَّظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه .
  • {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} هنا السائل لم تُحدَّد هُويَّتُه ولا جنسه ولا مسألته، بل أي سائل سواء سأل الطعام أو المال أو العِلم أو الخدمة، لا تنهره ولا تَزجُره، قال ابن سعدي: "وهذا يدخل فيه السائل للمال والسائل للعلم" فأعطِ السائل وأَحسِن النية، فإن لم تُعْطِه، فالجواب بلطف قد يقوم مقامَ العطاء، وكما قيل: فليُسعِد النُّطق إن لم يُسعِد المال،
  • {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} النعمة: كلُّ ما أنعم الله به على العبد، من: مال، وعافية، وهداية، وقيل: المراد بها: "المذكورات والتحدث بها شكْرُها عمليًّا من إيواء اليتيم كما آواه الله، وإعطاء السائل كما أغناه الله، وتعليم المسترشد كما علَّمه الله، وهذا مِن شُكْر النِّعمة، أي: كما أنعم الله عليك، فتُنعِم أنت على غيرك؛ تأسيًا بفعل الله معك"
  • وحقيقة الشكر ظهور أثر النِّعَم الإلهيَّة على العبد في قلبه إيمانًا وفي لسانه حمدًا وثناءً وفي جوارحه عبادة وطاعة، إن شُكْر النِّعم مظنَّة بقائها، ومن تَعاظَم شُكْرَ الله محق الله ما لديه، وهذا لعمري من ضَعْف الإيمان وقلة البصيرة أن يَهبَك الله النعمة، ثم تَنقلِب جاحدًا {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} ، ووعد - جلَّ في علاه - الشاكرين بالزيادة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، والمزيد من لا نهاية له، كما أن الشكر لا نهاية له .
  • وفي نهاية المطاف نُعقِّب بكلام موجَز لسيد قطب - رحمه الله -: ( وهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهْره وكسْر خاطره وإذلاله، وإلى إغناء السائل مع الرِّفق به والكرامة، كانت كما ذكرنا مرارًا من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالِبة، التي لا ترعى حقَّ ضعيف، غير قادر على حماية حقه ! حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشرعة الله إلى الحق والعدل، والتحرج والتقوى، والوقوف عند حدود الله، الذي يَحرُس حدودَه ويَغار عليها ويَغضَب للاعتداء على حقوق عباده الضِّعاف الذين لا يَملِكون قوة ولا سيفًا يَذودون به عن هذه الحقوق )
فإن أرادت الأمة العزة والسيادة في الأرض فلتعد إلى هذه الأخلاق .
هذا والله أعلم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع