- 3 ديسمبر 2020
- 372
- 165
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
-
بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
نقف الوقفات التأملية التالية مع سورة النصر :
منقول بتصرّف
نقف الوقفات التأملية التالية مع سورة النصر :
- المراد من الفتح في هذه السورة هو فتح مكة
- في قوله: { نَصْرُ اللَّهِ } أضيفت هذه الكلمة إلى رب العزة والجلال، ليزداد المعنى عظمةً وخيرًا، فما أسعد القوم إذا عمهم نصر الله تعالى كما يهدف بالنفس البشرية أن تستشعر أن النصر نصر الله، والفتح فتح الله، والدين دين الله، وإلى الله تصير الأمور، وأما دور المؤمنين في هذه الدعوة، وحدَّهم الذي ينتهون إليه في هذا الأمرهو أخذهم لأسباب النصر وإداد العدة له ، فنصر الله يأتي في الوقت الذي يقدره الله من أجل غاية يريدها الله. فلقد كان فتح مكة بعد هجرة الرسول منها بثماني سنين
- في الآية: أن {الفتح} و{النصر} يسيران معًا، فأول الأمر النصر والظفر، ثم يأتي الفتح، وعلى ذلك -والله أعلم- جاء في الآية الثانية قوله: { يَدْخُلُونَ } فلن يكون دخول بدون فتح، وجاء فعل الدخول بصيغة المضارع الذي يفيد التحول والاستمرار، فكأن هذا الفتح ليس مقصورًا على زمن محدد أو مكان، بل هو مستمر ما دامت هذه الدنيا، فنصر الله ممتد إلى قيام الساعة.
- في الآية وعد من الله لرسوله الكريم أن ينصره على أهل مكة، وأن يفتحها عليه، ونظيره قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } القصص 85 {وهنا نتساءل: ما الفرق بين النصر والفتح؟ والجواب أن النصر كالسبب للفتح، فالنصر كمال الدين والتأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والاستعلاء عليهم، والفتح الإقبال الدنيوي الذي هو تمام النعمة، وهو فتح مساكن الأعداء ودخول منازلهم
- في قوله تعالى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} البشارة بنصر الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وفتحه مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا، أي: جماعات جماعات، فما مات -صلى الله عليه وسلم- إلا ودينه ظاهر بنصر الله له في وعده الذي وعده في آيات كثيرة: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.التوبة وكان فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا وجماعات، كان بمثابة التتويج لحقبة طويلة من الجهاد والبذل والعطاء والدعوة والتعليم قام بها الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.
- إن انتصار الإسلام في مواجهته للقوى والأفكار المعادية مسألة وقت بلا ريب، ومهما استأسد الخصوم وقويت شوكتهم فلا يمكن أن تكون لهم الغلبة في نهاية المطاف لأنّ الله تعالى يقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}الاعراف :128. واستمرار النصر لهذا الدين وعد مستمر من الله
- في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} شروط بقاء النصر والفتح، فلابد من مقابلة النصر والظفر بالشكر والتسبيح، لأنه مهما أحسن الإنسان عمله وبذل جهده لإرضاء لربه فإنه مفتقر إلى الاستغفار أسوة بنبيه عليه السلام ، وفيه تعليم من الله جل وعلا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقابل نعمة النصر ولذة الفتح بتسبيح مولاه، واستغفار خالقه اعترافًا بفضله وعرفانًا لكرمه، ومهما بذل الإنسان من عمل صالح، وجهاد ودعوة، وتعليم وتوجيه فإنّ ذلك قليل, مقابل حقّ الله عليه، فلا بد إذًا من الاستغفار والتضرع، وإظهار الحاجة والفاقة، والتواضع والانكسار، ولقد دخل الرسول مكة بعد أن فتحها ساجدا على دابته وفيه إشارة إلى التجرد في لحظة النصر من حظ النفس، وذلك بذكر الله وتسبيحه وتنزيهه وطلب المغفرة منه مما قد يكون ساور القلب في فترة الكفاح الطويل والشدة والكرب واستبطاء النصر وما إلى ذلك.
- حكمة الاقتران بين التسبيح والحمد ( فسبح بحمد ربك ) وهو كثير في القرآن، ذلك أن التسبيح تنزيه لله عن النقائص؛ والحمد إثبات صفات الكمال له، فاجتمع في هذا مدح الله بالنفي والإثبات، نفي النقائص وإثبات الكمالات..
ومن ذلك التسبيح لله بالصلاة له عند الفتح، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أم هانئ: "أنه ﷺ صلى ثمان ركعات حين فتح مكة " - في قوله تعالى: {إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} صيغة مبالغة، لأنها تقتضي تكرير التوبة من الله -جل وعلا-، فهو يتوب كثيرًا على المذنبين مع كثرتهم، ويغفر الخطايا، ويتوب على المذنب، ولو تعددت خطاياه، ولو تاب، ثم رجع، ثم تاب ورجع فإن الله سبحانه لا يزال يتوب على عبده.
- وتأمل أيضاً هنا مسألة تربوية عظيمة، فإن الجهاد هو مقدمة النصر، والفتح هو المقصود السياسي للنصر، والنصر والفتح باب من أبواب هداية الخلق ودخولهم في دين الله، لنعلم هذا الارتباط الوثيق بين الدعوة والجهاد، وأن تحقق الدعوة وتمامها لابد فيه من قوة المجاهد وصولته وفتحه .وأن المقصد الأولي قبل الجهاد هو الدعوة والهداية للناس.
منقول بتصرّف