- 3 ديسمبر 2020
- 372
- 165
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
-
عندما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة وبدأ يتعرض لقريش وخاصة لكبارهم وزعمائهم يعرض عليهم الدعوة ، اجتمع عنده مرة بعض زعماء قريش فالتفت إليهم يدعوهم فجاء عبد الله بن أم مكتوم وهو من المؤمنين وكان كفيفاً ولم ير انشغال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهؤلاء فقال : يا محمد علّمني مما علّمك الله ؟
فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن ليس الوقت الآن مناسبا . فانصرف عن عبد الله بن أم مكتوم والتفت إلى القوم وهو يدعوهم، فعاتبه ربه في ذلك ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بعبد الله بن أم مكتوم فيما بعد ويرحّب به قائلا : “مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي” وكان يوليه على المدينة أحيانا حين يخرج في الغزوات .
وقد جاء عتاب رسول الله في هذه السورة عتابا رقيقا ً فجاءت الصيغة بصيغة الماضي (عَبَسَ وَتَوَلَّى*أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ) كأن الحديث عن شخص غريب غائب ولم يقل ( عبست وتولّيت ) .
ولا شك أن بقاء معاتبة الله تعالى لنبيه تتلى قرآناً هو من أعظم الأدلة على صدق النبي ﷺ ، وأن القرآن الكريم من عند الله .
ثم جاء الالتفات في الخطاب من صيغة الغائب إلى الحاضر (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) . أي لعلّ هذا الأعمى الذي أخّرته وآثرت الالتفات لغيره يكون أولى بتذكرتك ودعوتك فينتفع ويتزكى بها ، من أولئك الزعماء والرؤساء الذين صدّهم كبرهم وجاههم عن الايمان والاستجابة للدعوة
وقوله ( لعلّه يزكى ) فيه دلالة على أثر الانتفاع بالموعظة وأن التزكية هي ثمرة الهداية ، وانه لا بد للإيمان أن يثمر زكاة في القول والعمل والسلوك .
فأنت يا محمد - وكل داعية من بعدك - إنما مهمتك التبليغ والدعوة أما من آمن، ومن لم يؤمن، فهذا ليس بيدك ، فإنما عليك البلاغ وعلى الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم للهداية أو يمنع عنهم هذه الهداية.
( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى )
وقوله ( وَهُوَ يَخْشَى ) فيه دلالة ان من ينتفع بالموعظة هو من يخاف ربه ويخشى سوء العاقبة .
ثم قال تعالى ( كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
أي: حقا إن هذه الآيات بما فيها من الموعظة تذكرة من الله، يذكر بها عباده، ويبين لهم في كتابه الرشد من الغي، ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها، فقال: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَّرۡفُوعَةࣲ مُّطَهَّرَةِۭ﴾ ﴾ [ مَرْفُوعَةٍ } القدر والرتبة ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾ من أن تنالها أيدي الشياطين أو يسترقوها
﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ وهم الملائكة [الذين هم] السفراء بين الله وبين عباده، ﴿كِرَامٍ﴾ أي: كثيري الخير والبركة، ﴿بَرَرَةٍ﴾ قلوبهم وأعمالهم.
وذلك كله حفظ من الله لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول، ولكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا. ( تفسير السعدي )
ثم التفت السياق إلى هؤلاء الكفرة المستكبرين عن الايمان فقال تعالى (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) وهذا بداية المقطع الثاني في السورة ، فما الذي يحمل الانسان على أن يتكبّر على خالقه سبحانه وتعالى ويرفض دعوته ويرفض قرآنه ووحيه المنزّل الذي كانوا يقرّون في قرارة أنفسهم أنه حقٌ منزّل من عند الله سبحانه وتعالى
( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴿١٨﴾ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴿١٩﴾) ولو نظر هذا الإنسان إلى حياته و إلى أصل خلقة ، لعلم أن ولادته من نطفة قذرة إذا وقعت على ثوبه فإنه يحاول أن يغسلها ويخجل منها، أنت مخلوق من هذه النطفة، وهل أحد يُنكر هذا الشيء؟! هذه حقيقة كل الناس.
بعد ذلك (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) السبيل الذي خرج منه أي من بطن امه وكانت بعد ذلك نشأته ومسيرته في هذه الحياة ، ،
وبعد الخلق والايجاد يأتي الحديث عن المصير ؟ (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) فأنت أيها الانسان لك مهمة في هذه الحياة أنت أكرم من أن تكون مثل الدوابّ! وهذه المهمة هي عبادة الله وإعمار الأرض بشرع الله ، يعيش على هذه الأرض ما قدّر الله له من الزمن ثم يبعث ليحاسب على عمله فيها .
( ثم أماته فأقبره ) حتى هذه من نعمة الله على الانسان أن هيأ له من يقبره وإلا لأنتن وتعفن ، فأكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض .
ثم يبدأالمقطع الثالث من السورة بالحديث عن نعم الله على الانسان في هذه الحياة من خلاله طعامه وأصله وتنوّعه ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ )
فحكاية الطعام تبدأ بماء المطر من السماء لينزل على الأرض التي فيها البذرة ، فتمتص من التراب الماء وكل عناصر الغذاء التي تحتاجها لتنمو وتكوّن الثمرة .
ثم فصلت الآيات في أنواع الطعام ، فذكرت بداية الحب الذي قوام طعام الانسان ثم ذكرت ما يتلذذ به من الفاكهة كالعنب و الرطب ، و أما الأبّ قالوا هي الأعشاب التي تأكلها الدواب ولذا جاءت (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٢﴾)
ثم يأتي المقطع الأخير في السورة ليتحدث عن القيامة وأحوال الناس فيها ، فيبدا باسم من اسمائها وهو الصاخة ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )
وسميت الصاخّة لأنها بأحداثها تصخّ الآذان فتكاد تنفجر من قوة الصوت، لأنه عندما تجتمع هذه الأجرام السماوية الهائلة وتصطك ببعضها (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة)
ثم تأتي قضية فرار الإنسان من أعزّ الناس إليه في ذلك اليوم ، حيث يصل الهلع والخوف إلى أقصى درجاته حينها لا يلتفت الانسان إلا إلى نفسه (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿٣٧﴾) أعزّ الناس إليه هؤلاء. ورغم ذلك يفر منهم وينشغل بنفسه كي ينجو .
ثم ينقسم الناس قسمين ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ( فهم فريقان أصحاب الوجوه المسفرة أي: قد ظهر فيها السرور والبهجة، من ما عرفوا من نجاتهم، وفوزهم بالنعيم، ضاحكة مسرورة أيْ فَرِحَةٌ بِما نالَتْهُ مِنَ الثَّوابِ الجَزِيلِ.
وأصحاب الوجوه التي عليها غبرة فهي سوداء مظلمة مدلهمة، قد أيست من كل خير، وعرفت شقاءها وهلاكها ﴿أُولَئِكَ﴾ الذين بهذا الوصف ﴿هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ أي: الذين كفروا بنعمة الله وكذبوا بآيات الله، وتجرأوا على محارمه ، وهكذا تظهر ثمرة الإيمان والتقوى في الموقف يوم القيامة نورا على الوجه وإشراقا له وإضاءة ، وثمرة الكفر والفجور تظهر ظلمة وسوادا على الوجه وغبارا.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف
فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن ليس الوقت الآن مناسبا . فانصرف عن عبد الله بن أم مكتوم والتفت إلى القوم وهو يدعوهم، فعاتبه ربه في ذلك ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بعبد الله بن أم مكتوم فيما بعد ويرحّب به قائلا : “مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي” وكان يوليه على المدينة أحيانا حين يخرج في الغزوات .
وقد جاء عتاب رسول الله في هذه السورة عتابا رقيقا ً فجاءت الصيغة بصيغة الماضي (عَبَسَ وَتَوَلَّى*أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ) كأن الحديث عن شخص غريب غائب ولم يقل ( عبست وتولّيت ) .
ولا شك أن بقاء معاتبة الله تعالى لنبيه تتلى قرآناً هو من أعظم الأدلة على صدق النبي ﷺ ، وأن القرآن الكريم من عند الله .
ثم جاء الالتفات في الخطاب من صيغة الغائب إلى الحاضر (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) . أي لعلّ هذا الأعمى الذي أخّرته وآثرت الالتفات لغيره يكون أولى بتذكرتك ودعوتك فينتفع ويتزكى بها ، من أولئك الزعماء والرؤساء الذين صدّهم كبرهم وجاههم عن الايمان والاستجابة للدعوة
وقوله ( لعلّه يزكى ) فيه دلالة على أثر الانتفاع بالموعظة وأن التزكية هي ثمرة الهداية ، وانه لا بد للإيمان أن يثمر زكاة في القول والعمل والسلوك .
فأنت يا محمد - وكل داعية من بعدك - إنما مهمتك التبليغ والدعوة أما من آمن، ومن لم يؤمن، فهذا ليس بيدك ، فإنما عليك البلاغ وعلى الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم للهداية أو يمنع عنهم هذه الهداية.
( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى )
وقوله ( وَهُوَ يَخْشَى ) فيه دلالة ان من ينتفع بالموعظة هو من يخاف ربه ويخشى سوء العاقبة .
ثم قال تعالى ( كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
أي: حقا إن هذه الآيات بما فيها من الموعظة تذكرة من الله، يذكر بها عباده، ويبين لهم في كتابه الرشد من الغي، ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها، فقال: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَّرۡفُوعَةࣲ مُّطَهَّرَةِۭ﴾ ﴾ [ مَرْفُوعَةٍ } القدر والرتبة ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾ من أن تنالها أيدي الشياطين أو يسترقوها
﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ وهم الملائكة [الذين هم] السفراء بين الله وبين عباده، ﴿كِرَامٍ﴾ أي: كثيري الخير والبركة، ﴿بَرَرَةٍ﴾ قلوبهم وأعمالهم.
وذلك كله حفظ من الله لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول، ولكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا. ( تفسير السعدي )
ثم التفت السياق إلى هؤلاء الكفرة المستكبرين عن الايمان فقال تعالى (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) وهذا بداية المقطع الثاني في السورة ، فما الذي يحمل الانسان على أن يتكبّر على خالقه سبحانه وتعالى ويرفض دعوته ويرفض قرآنه ووحيه المنزّل الذي كانوا يقرّون في قرارة أنفسهم أنه حقٌ منزّل من عند الله سبحانه وتعالى
( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴿١٨﴾ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴿١٩﴾) ولو نظر هذا الإنسان إلى حياته و إلى أصل خلقة ، لعلم أن ولادته من نطفة قذرة إذا وقعت على ثوبه فإنه يحاول أن يغسلها ويخجل منها، أنت مخلوق من هذه النطفة، وهل أحد يُنكر هذا الشيء؟! هذه حقيقة كل الناس.
بعد ذلك (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) السبيل الذي خرج منه أي من بطن امه وكانت بعد ذلك نشأته ومسيرته في هذه الحياة ، ،
وبعد الخلق والايجاد يأتي الحديث عن المصير ؟ (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) فأنت أيها الانسان لك مهمة في هذه الحياة أنت أكرم من أن تكون مثل الدوابّ! وهذه المهمة هي عبادة الله وإعمار الأرض بشرع الله ، يعيش على هذه الأرض ما قدّر الله له من الزمن ثم يبعث ليحاسب على عمله فيها .
( ثم أماته فأقبره ) حتى هذه من نعمة الله على الانسان أن هيأ له من يقبره وإلا لأنتن وتعفن ، فأكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض .
ثم يبدأالمقطع الثالث من السورة بالحديث عن نعم الله على الانسان في هذه الحياة من خلاله طعامه وأصله وتنوّعه ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ )
فحكاية الطعام تبدأ بماء المطر من السماء لينزل على الأرض التي فيها البذرة ، فتمتص من التراب الماء وكل عناصر الغذاء التي تحتاجها لتنمو وتكوّن الثمرة .
ثم فصلت الآيات في أنواع الطعام ، فذكرت بداية الحب الذي قوام طعام الانسان ثم ذكرت ما يتلذذ به من الفاكهة كالعنب و الرطب ، و أما الأبّ قالوا هي الأعشاب التي تأكلها الدواب ولذا جاءت (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٢﴾)
ثم يأتي المقطع الأخير في السورة ليتحدث عن القيامة وأحوال الناس فيها ، فيبدا باسم من اسمائها وهو الصاخة ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )
وسميت الصاخّة لأنها بأحداثها تصخّ الآذان فتكاد تنفجر من قوة الصوت، لأنه عندما تجتمع هذه الأجرام السماوية الهائلة وتصطك ببعضها (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة)
ثم تأتي قضية فرار الإنسان من أعزّ الناس إليه في ذلك اليوم ، حيث يصل الهلع والخوف إلى أقصى درجاته حينها لا يلتفت الانسان إلا إلى نفسه (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿٣٧﴾) أعزّ الناس إليه هؤلاء. ورغم ذلك يفر منهم وينشغل بنفسه كي ينجو .
ثم ينقسم الناس قسمين ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ( فهم فريقان أصحاب الوجوه المسفرة أي: قد ظهر فيها السرور والبهجة، من ما عرفوا من نجاتهم، وفوزهم بالنعيم، ضاحكة مسرورة أيْ فَرِحَةٌ بِما نالَتْهُ مِنَ الثَّوابِ الجَزِيلِ.
وأصحاب الوجوه التي عليها غبرة فهي سوداء مظلمة مدلهمة، قد أيست من كل خير، وعرفت شقاءها وهلاكها ﴿أُولَئِكَ﴾ الذين بهذا الوصف ﴿هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ أي: الذين كفروا بنعمة الله وكذبوا بآيات الله، وتجرأوا على محارمه ، وهكذا تظهر ثمرة الإيمان والتقوى في الموقف يوم القيامة نورا على الوجه وإشراقا له وإضاءة ، وثمرة الكفر والفجور تظهر ظلمة وسوادا على الوجه وغبارا.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف