إعلانات المنتدى


تأملات في سورة الليل

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
372
165
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
قال الله تعالى ] والليل إذا يغشى [ أقسم الله سبحانه وتعالى بالليل إذا يغشى يعني حين يغشى الأرض ويغطيها بظلامه ،لأن الغشاء بمعنى الغطاء .

] والنهار إذا تجلى [ أي : إذا ظهر وبان ، وذلك بطلوع الفجر الذي هو النور الذي هو مقدمة طلوع الشمس ، والشمس هي آية النهار كما أن القمر آية الليل .

] وَ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [ : ونلاحظ أن الله تعالى بدأ بالليل قبل النهار لأن الليل هو أسبق من النهار وجوداً و خلقاً ، ( و لأن النهار جاء بعد خلق الأجرام ؛ وقبلها كانت الدنيا ظلام دامس، والليل والنهار معاً أسبق من خلق الذكر والأنثى ، وخلق الذكر أسبق من خلق الأنثى : ] خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [ ، فجاء ترتيب الآيات بنفس ترتيب الخلق : الليل أولاً ، ثم النهار، ثم الذكر، ثم الأنثى .

والسورة كلها قائمة على التقابل : الليل والنهار، يغشى وتجلى ،الذكر والانثى .و كذب بالحسنى جاءت مقابل صدق بالحسنى ، وكذلك جاءت ] فسنيسره للعسرى [ مقابل ] فسنيسره لليسرى [ ولم يقل نعسره للعسرى لأنه هو من يعسر الأمور على نفسه وفي الآخرة يعسر عليه دخول الجنة .
ورغم أن الوقت واحد والذكر والأنثى خلقهم واحد إلا أن السعي مختلف اختلاف شديد ، فجاء جواب القسم مؤكد كل هذه التأكيدات ] إن سعيكم لشتى [ .وهو جواب القسم

= ] فأما من أعطى واتقى [ إنّ اقتران العطاء بالتقوى أمر بالغ الأهمية يترتب عليه قبول العطاء أو ردّه .وهو إشارة إلى الإخلاص كشرط لقبول العمل

ولذا عطف الله تعالى قوله : ] وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [ على هذه الجملة أعني قوله : ]فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى [ لتكون قيداً مهماً ، وشرطاً أكيداً في قبول كل عطاء مثالي ، فالرغبة فيما عند الله من النعيم المقيم ، والثواب العميم يجب أن يكون هو الهدف الشاخص للعيان لكل محب لطاعة ومسابق إلى معروف ومجاهد لإعلاء كلمة الله . ] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى[ : وهذه واحدة من رحمات الإله ، وهبة من هبات الكريم المنان , لا فلاح للعبد ولا نجاح بدونها , بل لا استقامة ولا هداية ولا توفيق ولا سداد بدون إعانة الله و تيسيره . وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له .

] وأما من بخل [ فلم يعط ما أمر بإعطائه ) واستغنى ) استغنى عن الله عز وجل ، ولم يتقِ ربه ، بل رأى أنه في غنى عن رحمة الله .

] وكذب بالحسنى [ أي : بالقولة الحسنى ، وهي قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .] فسنيسره للعسرى [ ييسر للعسرى في أموره كلها ،

= ] وما يغني عنه ماله إذا تردى [ يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى .أي : هلك أي شيء يغني المال؟ لا يغني شيئاً .

= ] إن علينا للهدى [ والمراد بالهدى هنا : هدى البيان والإرشاد فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك حتى لا يكون للناس على الله حجة .

وليُعلم أن الهدى نوعان :

1 ـ هدى التوفيق . فهذا لا يقدر عليه إلا الله. ] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [[القصص: 56].

2 ـ هدى إرشاد ودلالة ، فهذا يكون من الله ، ويكون من الخلق : من الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن العلماء. كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ] وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [[الشورى: 52].

= ] وإن لنا للآخرة والأولى [ يعني : لنا الآخرة والأولى . و الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن ، لكنه في هذه الآية أخرها ، لأن الآخرة أهم من الدنيا ،

ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماماً.. في الدنيا هناك رؤساء ، وهناك ملوك ، وهناك أمراء يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك ، لكن في الآخرة لا ملك لأحد ] لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [[غافر: 16].

= قوله تعالى : ] فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى [ لِمَ ذكر ( ناراً ) نكرة ولم يقل النار أو نار جهنم ؟ ..

نكّر القرآن لفظ ( النار ) لغاية عظيمة وهي تعظيم النار وتهويلها في قلوب السامعين و لذلك وصفت النار بـ ( تلظى ) للدلالة على التهابها من شدة الاشتعال .

= ] لا يصلاها [ يعني : لا يحترق بها (إلا الأشقى) يعني الذي اختار طريق الشقاوة ..

] وسيجنبها [ أي : يجنب هذه النار التي تلظى ( الأتقى ) والأتقى اسم تفضيل من التقوى يعني : الذي اتقى الله تعالى حق تقاته.

] الذي يؤتي ماله يتزكى [ يعني : يعطي ماله من يستحقه على وجهي تزكى به ، أي: يتطهر به .

= ] وما لأحد عنده من نعمة تجزى [ يعني أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة سابقة من شخص فليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه مكافأة ، ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله .

ولهذا قال : ] إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [. فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله ، أي طلب الوصول إلى دار كرامة الله التي يكون بها رؤية الله عز وجل .

] ولسوف يرضى [ يعني سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من الثواب الكثير .

ومن فوائد السورة الكريمة :
  • الأخذ بالأسباب وذلك من أجل الوصول إلى النتائج، فمن أراد الجنة عليه بالأخذ بسبابها واجتناب ما يؤدي به إلى النار.
  • عدم التمسك بمتاع الدنيا الزائل يتمسّك الإنسان بالمال طيلة حياته ويسعى للحصول عليه، لكنه أول ما يتركه ويُبقيه عند موته فلا يقدم له نفعاً.
  • نزلت سورة الليل في الصحابي الجليل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فقد كان يشتري من قريش العبيد التي كانت تعذّبهم ويُعتقهم، قال -تعالى-: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى* إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى*وَلَسَوْفَ يَرْضَى).
  • نصّت الآيات على الأسباب التي تحقّق سعادة العبد، وهي القيام بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، وتصديق الوحي، قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى).
  • قدرة الله -تعالى- الله -سبحانه وتعالى- فهو الذي خلق هذا الكون، فمنه المبتدأ، ثمّ إليه الرجوع يوم القيامة ليحاسب العباد ويجازيهم عى أعمالهم، قال -تعالى-: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى).
منقول بتصرف
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع