إعلانات المنتدى


تأملات في سورة قريش

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
372
165
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
السورة بشارة عظيمة لقريش خاصة بإظهار شرفهم ، وبيان منّة الله عز وجل عليهم بما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة. وتضمنت تعداد نعم اللَّه العظمى على قريش أهل مكة، حيث جمع اللَّه كلمتهم، وحقق الألفة والتئام الشمل بينهم، ومكّنهم من التنقل وحرية التجارة إلى اليمن شتاء، وإلى الشام صيفا؛ لتوفير الثروة والغنى، وأمنهم من المخاوف؛ لما وقر في نفوس العرب من حرمتهم؛ لأنهم سكان الحرم، وعمّار الكعبة، ورد القبائل فلا يغير عليهم أحد، كما قال تعالى: ﴿أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون﴾ (العنكبوت: 67)، وقال: ﴿أوَ لم نُمكن لهم حرمًا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ (القصص: 57)، فأكسبهم ذلك مهابة في نفوس الناس، وإن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الواحدة التي هي نعمة ظاهرة.
قال تعالى : ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾
أي: لتقر قريش بالحرم، آمنين بجوار البيت، آلفين هاتين الخصلتين؛ الرحلتين اللتين بهما عيشهم ومقامهم بمكة. فجعلهم الله تعالى في بلد آمن يعيشون فيه, يعظّمهم الناس من أجل بيت الله، ومن حولهم القبائل تقتتلُ وتتناحر، فلا يجدون الأمان إلا في ظل البيتِ العظيم.
﴿إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ﴾
والمراد: التجارة التي كانوا يقومون بها مرة في الشتاء، ومرة في الصيف، ففي الشتاء يتجهون نحو بلاد الحبشة ثم اليمن فيبلغون بها بلاد حِمْيَر، حيث الجو دافئ ومناسب في موسم المحصولات الزراعية، وأما في الصيف فيتجهون إلى الشام، يبلغون بها مدينة بُصرى من بلاد الشام؛ لأن غالب تجارة الفواكه وغيرها تكون في هذا الوقت، مع مناسبة الجو البارد في الصيف، فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى على قريش في هاتين الرحلتين؛ لأنه يحصل منها فوائد كثيرة، ومكاسب كبيرة.
والإيلاف: قيل: من التأليف؛ إذ كانوا في رحلتيهم يألفون الملوك في الشام واليمن، أو كانوا هم في أنفسهم مؤلّفين ومجمّعين، وهو امتنان عليهم بهذا التجمع والتآلف، فلو تم للحبشة ما عزموا عليه من هدم الكعبة لزال عنهم هذا العز، ولبطلت تلك المزايا في التعظيم والاحترام، ولتفرقوا وتشتتوا، ولصار سكان مكة كسكان سائر النواحي يُتخطفون من كل جانب، ويُتعرض لهم في أنفسهم وأموالهم. وقيل: الإيلاف من الإلف والتعود، أي: ألفوا الرحلتين.

أما قريش: وسموا بذلك؛ لتجمعهم بعد التفرق، فالتقريش: التجمع والالتئام، وكانوا متفرقين في غير الحرم، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوه مسكنًا، وأسكنهم مكة، ونظّم شؤونها، ووضع أساسَ سيادتها الدينية والسياسية، وأسَّس دارَ الندوة حيث كان يجتمع أعيانُ قريش للتشاور في أمور السلم والحرب، وإنجازِ معاملاتهم.
وقريش من القرش وهو التكسب لتجارتهم وجمع المال،

﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾
فليشكروا الله، وليوحدوه، ويخلصوا له العبادة بما أنعم به عليهم من النعم العظيمة؛ ومنها تهيئته سبحانه هاتين الرحلتين اللتين كانتا سببًا في تلك النعم عليهم.
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة([8]). وتقوم العبادة على التذلل والخضوع لله عز وجل, محبةً وتعظيمًا، وخوفًا ورجاءً، فيفعل العبد الأوامر ويجتنب النواهي حبا لله وخوفا من عقابه، ورجاءً لثوابه. وأَمْرُهم بعبادته وحده والشكر له،

وقوله تعالى: ﴿رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ أي: الكعبة المعظمة، فدل هذا على أن إضافة ربوبيته إليه على سبيل التشريف والتعظيم.
﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
رب هذا البيت الذي أوسع لهم الرزق، ومهد لهم سبله. فقد كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقر حتى استغنوا. وذلك لأن أرضهم ليست بذات زرع ولا ضرع، وما هم بأهل صناعة مشهورة يحتاج إليها الناس فيأتوهم. فكانت تضيق عليهم مسالك الأرزاق، وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات، حتى رحمهم ربهم ورب أبيهم إبراهيم عليه السلام الذي استجاب الله لدعوته، حيث قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ (البقرة: 126)،
﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ آمنهم من فزع وخوف، ويَسَّر لهم ما لم يتأت لغيرهم من العرب من الأمن من عدوان المعتدين، وغارات المغيرين، ولولا ذلك لكانوا في جوع وضنك عيش.
فكانوا يذهبون آمنين، ويعودون سالمين، لا يمسهم أحدٌ بسوء- على كثرة ما كان بين العرب من السلب والنهب والغارات التي لا تنقطع-، فكان احترام البيت ضربًا من القوة المعنوية التي تحتمي بها قريش في الأسفار، وكان سببًا لرفعة شأنهم بين العرب

وفي هذا الجمع لهم بين الإطعام من الجوع والأمن من الخوف نعمة عظمى؛ لأن الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين هاتين معًا، إذ لا عيش مع الجوع، ولا استقرار مع الخوف، وتكمل النعمة باجتماعهما. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا﴾([10]).

وإن من أهم ما توجه إليه الآيات ، أن إلف النعم والتعود عليها ، يجعل العباد ينسونها ، ولا يؤدون حق الله في شكرها ، فبدل من ان تشكر قريش ربها بالتوجه له بالعبادة على نعمتي الأمن والرزق ، أشركت بالله ونصبت حول البيت أصناما تعبدوها من دون الله وهي التي لا تنفع ولا تضر ولا تخلق ولا ترزق .
وهذا خطاب لكل البشر جميعا على مدار الزمان أن جزاء المنعم أن يشكر فلا يكفر وان يطاع فلا يعصى وأن يعبد ولا يشرك معه أحدا .
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف

 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع