- 3 ديسمبر 2020
- 371
- 160
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
-
ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد ثلاث ركائز أساسية تشكل صمام الأمان لسائر المجتمعات ، وأعمدة نهوض منافع الناس في كل الظروف والحالات، وذلك في قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].
الركيزة الأولى: {الْكِتَابَ} المنهج: حيث تظهر القوة العلمية التي ينبثق عنها النظام الدستوري والقانوني المطبق على جميع الفئات على قدم المساواة
الركيزة الثانية: {الْمِيزَانَ} العدل: حيث تظهر قوة العدل في توزيع الثروات، وإعطاء الحقوق، واستيفاء الواجبات على كل أفراد المجتمع مع التعامل مع كلٍ بما يقتضيه حاله
الركيزة الثالثة: {الْحَدِيدَ} الذي يشير إلى القوة العسكرية؛ فقد ذكر الله تعالى الحديد، وأشار إلى أهميته في حفظ النظام واستتاب الأمن، وجلب المنافع العامة للناس والتي توجد دائمًا بناء على الاستقرار المعيشي فقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد من الآية:25].
المؤسسات التي تنشأ بناء على القوى الثلاث: هذه القوى الثلاث العظيمة لا بد من التكامل بينها، وتنشأ عنها المؤسسات الكبرى في المجتمع:
– فذكر {الْكِتَابَ} يشير إلى السلطة التشريعية التي تسن القوانين وتستنبط الأحكام من الكتاب، كما يشير إلى المؤسسات العلمية التي تغرس معاني الكتاب في نفوس الأجيال، والمؤسسات التوعوية تذكر به النساء كما تذكر به الرجال.
– وذكر {الْمِيزَانَ} إشارة واضحة إلى السلطة القضائية والرقابية.
– وذكر {الْحَدِيدَ} إشارة واضحة إلى المؤسسات العسكرية والأمنية الحامية للقوتين السابقتين، ولكن ليس وفق الظلم والبطش، بل وفق منهج كتاب الرحمة للعالمين سِلمًا وحربًا. ووجود هذه المؤسسات مؤشر حقيقي على اتجاه المجتمعات لنصرة الله تعالى مما يترتب عليه أن ينصرها؛ ولذا ختم الآية بقوله سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد من الآية:25].
الترتيب بين الأمور الأربعة: فجاء ذكر (البينات) أولًا؛ لأنها تتعلق بإثبات صدق الرسل، فحقها أن تأتي في البداية، و لأنه يمثل المنهج المتبع الملتزم لنشر التبيان لكل ما يتعلق بأمور الحياة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ولنشر الهدى والرحمة والبشرى ليقوم المجتمع ناهضًا مزدهرًا
وذكر الميزان ثانيًا لحكم بديعة منها: لأن الميزان لا يكون إلا وفق الكتاب، دون جفاء أو غلو او تفريط أو إفراط . و ليكون الميزان أداة الموازنة بين القوة العلمية والدعوية المقدمة بالأسلوب الحسن المنبثقة عن الركيزة الأولى، وبين الحديد الذي يحمي المنهج الإلهي وحَمَلته من إجرام المجرمين واعتداء المعتدين.
وذكر الحديد ثالثًا : لأنه لا بد من القوة الأمنية العسكرية الحامية للكتاب وحَملته، والجالبة المنافع في كبح جماح الغالين، ونزوات الجفاة الفاسقين، وتآمر المعتدين مع المنافقين؛ لذا قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد من الآية:25]،
لأن الحديد يُلجأ إليه أخيراً بعد إصرار المعتدين على اعتدائهم، فهو القوة التي تدافع عن حياض الإسلام وتردّ المعتدين ، وتُـقوّم من شذ وخرج عن الكتاب والميزان
وأخيرا ... فإن من يقرأ سورة اسمها سورة الحديد يظن أنها ستتحدث عن القتال أو الصناعة أو ما شابه، لأن الحديد يشير إلى هذين الأمرين، إلا أن المتأمل للسورة يلاحظ أن الإيمان والحديث عنه وعن تربية المسلمين عليه والإنفاق في سبيل الله، يحتل المساحة الأكبر من مساحة السورة.
وهذا يحمل رسالة مهمة جدا لقارئ هذه السورة المتدبر لما فيها من معان: ألا وهي الإشارة إلى تكامل هذه الشريعة وشمولها لكافة نواحي الحياة، وأن هذا الإيمان الذي استغرق الحديث عنه معظم مساحة السورة، مع كونه هو الأساس الذي تقوم عليه شريعة المسلمين وديانتهم ودولتهم وتصوراتهم وعقائدهم، إلا أنه ليس إيمانًا صوريًا لا ينعكس أثره على الحياة، بل هو إيمان فاعل يصاحبه إنفاق في سبيل الله ويصاحبه شرائع وقوانين تضبط الحقوق فيه، وأهم ما يصاحب هذا الإيمان هو الأمر بوجود قوة تحميه وتحافظ على غرسه في القلوب، لا بل وتسعى في نشره وإزالة العوائق بينه وبين دخوله إلى قلوب أهل الكتاب، ولتكون هذه القوة والأمر بها من أعظم الدلائل أيضًا على الإيمان، لما يصاحبها من خسارة مادية لا يعوضها إلا إيمان العبد بصدق وعد الله بالأجر العظيم يوم القيامة.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف
الركيزة الأولى: {الْكِتَابَ} المنهج: حيث تظهر القوة العلمية التي ينبثق عنها النظام الدستوري والقانوني المطبق على جميع الفئات على قدم المساواة
الركيزة الثانية: {الْمِيزَانَ} العدل: حيث تظهر قوة العدل في توزيع الثروات، وإعطاء الحقوق، واستيفاء الواجبات على كل أفراد المجتمع مع التعامل مع كلٍ بما يقتضيه حاله
الركيزة الثالثة: {الْحَدِيدَ} الذي يشير إلى القوة العسكرية؛ فقد ذكر الله تعالى الحديد، وأشار إلى أهميته في حفظ النظام واستتاب الأمن، وجلب المنافع العامة للناس والتي توجد دائمًا بناء على الاستقرار المعيشي فقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد من الآية:25].
المؤسسات التي تنشأ بناء على القوى الثلاث: هذه القوى الثلاث العظيمة لا بد من التكامل بينها، وتنشأ عنها المؤسسات الكبرى في المجتمع:
– فذكر {الْكِتَابَ} يشير إلى السلطة التشريعية التي تسن القوانين وتستنبط الأحكام من الكتاب، كما يشير إلى المؤسسات العلمية التي تغرس معاني الكتاب في نفوس الأجيال، والمؤسسات التوعوية تذكر به النساء كما تذكر به الرجال.
– وذكر {الْمِيزَانَ} إشارة واضحة إلى السلطة القضائية والرقابية.
– وذكر {الْحَدِيدَ} إشارة واضحة إلى المؤسسات العسكرية والأمنية الحامية للقوتين السابقتين، ولكن ليس وفق الظلم والبطش، بل وفق منهج كتاب الرحمة للعالمين سِلمًا وحربًا. ووجود هذه المؤسسات مؤشر حقيقي على اتجاه المجتمعات لنصرة الله تعالى مما يترتب عليه أن ينصرها؛ ولذا ختم الآية بقوله سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد من الآية:25].
الترتيب بين الأمور الأربعة: فجاء ذكر (البينات) أولًا؛ لأنها تتعلق بإثبات صدق الرسل، فحقها أن تأتي في البداية، و لأنه يمثل المنهج المتبع الملتزم لنشر التبيان لكل ما يتعلق بأمور الحياة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ولنشر الهدى والرحمة والبشرى ليقوم المجتمع ناهضًا مزدهرًا
وذكر الميزان ثانيًا لحكم بديعة منها: لأن الميزان لا يكون إلا وفق الكتاب، دون جفاء أو غلو او تفريط أو إفراط . و ليكون الميزان أداة الموازنة بين القوة العلمية والدعوية المقدمة بالأسلوب الحسن المنبثقة عن الركيزة الأولى، وبين الحديد الذي يحمي المنهج الإلهي وحَمَلته من إجرام المجرمين واعتداء المعتدين.
وذكر الحديد ثالثًا : لأنه لا بد من القوة الأمنية العسكرية الحامية للكتاب وحَملته، والجالبة المنافع في كبح جماح الغالين، ونزوات الجفاة الفاسقين، وتآمر المعتدين مع المنافقين؛ لذا قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد من الآية:25]،
لأن الحديد يُلجأ إليه أخيراً بعد إصرار المعتدين على اعتدائهم، فهو القوة التي تدافع عن حياض الإسلام وتردّ المعتدين ، وتُـقوّم من شذ وخرج عن الكتاب والميزان
وأخيرا ... فإن من يقرأ سورة اسمها سورة الحديد يظن أنها ستتحدث عن القتال أو الصناعة أو ما شابه، لأن الحديد يشير إلى هذين الأمرين، إلا أن المتأمل للسورة يلاحظ أن الإيمان والحديث عنه وعن تربية المسلمين عليه والإنفاق في سبيل الله، يحتل المساحة الأكبر من مساحة السورة.
وهذا يحمل رسالة مهمة جدا لقارئ هذه السورة المتدبر لما فيها من معان: ألا وهي الإشارة إلى تكامل هذه الشريعة وشمولها لكافة نواحي الحياة، وأن هذا الإيمان الذي استغرق الحديث عنه معظم مساحة السورة، مع كونه هو الأساس الذي تقوم عليه شريعة المسلمين وديانتهم ودولتهم وتصوراتهم وعقائدهم، إلا أنه ليس إيمانًا صوريًا لا ينعكس أثره على الحياة، بل هو إيمان فاعل يصاحبه إنفاق في سبيل الله ويصاحبه شرائع وقوانين تضبط الحقوق فيه، وأهم ما يصاحب هذا الإيمان هو الأمر بوجود قوة تحميه وتحافظ على غرسه في القلوب، لا بل وتسعى في نشره وإزالة العوائق بينه وبين دخوله إلى قلوب أهل الكتاب، ولتكون هذه القوة والأمر بها من أعظم الدلائل أيضًا على الإيمان، لما يصاحبها من خسارة مادية لا يعوضها إلا إيمان العبد بصدق وعد الله بالأجر العظيم يوم القيامة.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف