- 3 ديسمبر 2020
- 371
- 160
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
-
سورة القلب العجيبة " سورة الحج "
لقد فصّلت السورة في ذكر أنواع القلوب ، فذكرت فيها:
والثانية سجدة استجابة المؤمنين امتثالا وسمعا وطاعة لله عزوجل :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
وكأن فيها خصوصية اصطفاء وخصوصية قرب لمن صفا قلبه بالتوحيد الخالص وكان قصده خالصا إلى ربه في الحج وغيره.
- ولم تفتتح سورة في النصف ألأخير من القرآن بـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" إلا سورة الحج .
- وفي القرآن بضع وستون مثلا لم يقل الله عز وجل (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلا في مَثَل سورة الحج .
- وفيها ذكر القلوب الأربعة : الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله ، ولم تجتمع هذه الأربعة إلا في سورة الحج .
- وفيها الآية التي لم تترك خيرًا إلا جمعته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . فهذه ثمانُ خصائصٍ تميزت بها عن أخواتها من سور القرآن .
مقصود السُّورة :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن مقصودها : تضمنت منازل المسير إلى الله ،
وكلام هذا الإمام يحققه أن السورة سميت باسم الحج ، والحج في اللغة : هو القصد إلى معظّم ، وأعظم مقصود هو الله العظيم سبحانه ، والناس كلهم سائرون إلى هذا العظيم في جلاله وجماله ورحمته وعذابه جل في علاه .
مع سورة الحج :
والسورة تؤكد على تعظيم أمور ثلاثة :
الأول : تعظيم الله رباً ومعبوداً ، والخلوصُ إليه والثقة الكاملة به بحيث لا يشوب ذلك نقصٌ ولا كَدَر بأي وجه من الوجوه ، ومن اللافت أنه قد ورد لفظ الجلالة (الله) في سورة الحج 75 مرة هي سورة التعظيم لله حقًا وذكر فيها أكثر من 30 اسمًا من أسمائه الحسنى
- وفي ختام السورة ذالك المثل العجيب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، والطالب هنا يشمل من دعا غير الله ومن يطلب الذبابة ليستنقذ منها حقه ، والمطلوب يشمل من دُعي من دون الله وأيضاً الذبابة المطلوبة ، فالكل وإن كان ملَكا أو رسولاً أو ملِكاُ أو غيرَهم هم ضعاف في جنب القوي القاهر جلّ وعلا . (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيد) .
وتعلمنا السورة أن المؤمن يدعو الله عند الكعبة وبين الصفا والمروة وفي عرفة ومزدلفة ومنى وهو واثق و موقنٍ من إجابة من دعاه فتقول له آياتها :
- (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (11)
- (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (15) ،.
الثاني : تعظيم اليوم الآخر ، وآيات سورة الحج تهز القلوب والجوانح هزّاً شديداً :
- فمطلعها (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) .
و(المرضعة) بالتاء هي التي حالها أنها الآن ترضع صغيرها ، فهي ترمي به في وقت مَصِّه لثديها ، ويا سبحان الله شجرةٌ لن تُحاسب وبعوضةٌ لن تُسأل ونملةٌ لن توزن وهرةٌ لن تعرض على جنة أو نار ؛ فلأي شيء أجهضت هذه جميعاً حملها (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) ؟!
وجاء التعبير عن الذات الإلهية بصفة الرب مضافة إلى ضمير المخاطبين دون اسم العَلَم (الله) إيماء إلى استحقاقه أن يُتّقى لعظمته بالخالقية وإلى جدارة الناس أن يتّقوه لأنه بصفة الربوبية لا يأمر ولا ينهى إلا لما فيه مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم.
- وفي وسط السورة (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (21) .
وقد ورد في السورة الحديث عن العذاب واختلف وصفه:
(ولكن عذاب الله شديد) (ويهديه إلى عذاب السعير) (وذوقوا عذاب الحريق) (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) (نذقه من عذاب أليم)
(يأتيهم عذاب يوم عقيم) (فأولئك لهم عذاب مهين)
والسورة افتتحت بالناس ولعل كل صنف من الناس يناسبهم صنف من العذاب والله أعلم.
- وأما المؤمنون فوعده الجميل لهم (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) والآيات في هذا المعنى في السورة كثيرة .
الثالث : تعظيم شعائر الله وأركان دينه العظام كالصلاة والزكاة والحج والجهاد ونحوها .
وقد تكررت الآيات في هذه السورة العظيمة على وجوب تعظيم شعائر الحج :
- (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32)
- (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (30)
وبيان أن هذا التعظيم أصله في القلب :
- (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (37)
- (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (34)
وقد قال الله في سورة الحج مهدداً (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (25) ، وقد ضمَّن فعل (يُرِد) ههنا معنى (الهَمِّ) أي أنه سبحانه سيجازى على مجرد الهَمِّ بالظلم حتى لو لم يرتق ذلك في نفسه إلى الإرادة , ولهذا عداه بالباء فقال (بِإِلْحَادٍ) فدلت الباء على الفعل المُضمَّنِ المناسب لها وهو (هَمَّ) كما هي طريقة البصريين في تضمين الأفعال بدلالة حروف التعدية .
ولو أن المؤمن تدبر (سورة الحج) وسار في حجه بقلبه وجوارحه معهاً لرأينا حجاً روحانياً تلُفه السكينة والوقار ، وتغشاه الرحمة والألفة ، وتُعطِّر كلَّ أرجائه كلمات التسبيح والتكبير والتلبية ، وترطب القلوبَ فيه الخشية والدمعة .
منقول بتصرّف
هذا والله أعلم
لقد فصّلت السورة في ذكر أنواع القلوب ، فذكرت فيها:
- قلوب تقية :" ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" تعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله .
- قلوب مخبتة وجلة :" وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" أي خوفًا وتعظيمًا، فتركوا لذلك المحرمات، لخوفهم ووجلهم من الله وحده .
- قلوب لا تعقل :" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا " أي قلب لا يتأمّل آيات الله سبحانه، ولا يعتبر، ولا يتّعظ بها
- قلوب عمياء:" فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " يقول السّعدي في تفسير الآية: هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات ..
- قلوب مريضة وقلوب قاسية :" لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ :" والقلب المريض: قلب ضعيف فيه الإيمان والتصديق الجازم، فتؤثّر فيه أدنى شُبهة تطرأ عليه .. القلب القاسي: قلب غليظ، لا يُؤثّر فيه زجر ولا تذكير ..
- ومن خصائص هذه السورة :
- أنه لم يجتمع في القرآن كلِّه : المكي والمدني والليلي والنهاري والسفري والحضري والحربي والسلمي والناسخ والمنسوخ والمحكمُ والمتشابه والشتائي والصيفي إلا في سورة الحج .
- ولا يُدرى أهي مكية أو مدنية والخلاف فيها بين الجُلة من الصحب الكرام .
- ولم تسمَ سورة باسم ركن من أركان الإسلام إلا "الحج" ، ولا يعرف لها غير هذا الاسم .
- ولم تجتمع سجدتان في سورة من القرآن إلا فيها ، روى الإسماعيلي في مستخرجه : أن عمر رضي الله عنه قال : فضلت سورة الحج بسجدتين .
والثانية سجدة استجابة المؤمنين امتثالا وسمعا وطاعة لله عزوجل :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
وكأن فيها خصوصية اصطفاء وخصوصية قرب لمن صفا قلبه بالتوحيد الخالص وكان قصده خالصا إلى ربه في الحج وغيره.
- ولم تفتتح سورة في النصف ألأخير من القرآن بـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" إلا سورة الحج .
- وفي القرآن بضع وستون مثلا لم يقل الله عز وجل (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلا في مَثَل سورة الحج .
- وفيها ذكر القلوب الأربعة : الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله ، ولم تجتمع هذه الأربعة إلا في سورة الحج .
- وفيها الآية التي لم تترك خيرًا إلا جمعته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . فهذه ثمانُ خصائصٍ تميزت بها عن أخواتها من سور القرآن .
مقصود السُّورة :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن مقصودها : تضمنت منازل المسير إلى الله ،
وكلام هذا الإمام يحققه أن السورة سميت باسم الحج ، والحج في اللغة : هو القصد إلى معظّم ، وأعظم مقصود هو الله العظيم سبحانه ، والناس كلهم سائرون إلى هذا العظيم في جلاله وجماله ورحمته وعذابه جل في علاه .
مع سورة الحج :
والسورة تؤكد على تعظيم أمور ثلاثة :
الأول : تعظيم الله رباً ومعبوداً ، والخلوصُ إليه والثقة الكاملة به بحيث لا يشوب ذلك نقصٌ ولا كَدَر بأي وجه من الوجوه ، ومن اللافت أنه قد ورد لفظ الجلالة (الله) في سورة الحج 75 مرة هي سورة التعظيم لله حقًا وذكر فيها أكثر من 30 اسمًا من أسمائه الحسنى
- وفي ختام السورة ذالك المثل العجيب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، والطالب هنا يشمل من دعا غير الله ومن يطلب الذبابة ليستنقذ منها حقه ، والمطلوب يشمل من دُعي من دون الله وأيضاً الذبابة المطلوبة ، فالكل وإن كان ملَكا أو رسولاً أو ملِكاُ أو غيرَهم هم ضعاف في جنب القوي القاهر جلّ وعلا . (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيد) .
وتعلمنا السورة أن المؤمن يدعو الله عند الكعبة وبين الصفا والمروة وفي عرفة ومزدلفة ومنى وهو واثق و موقنٍ من إجابة من دعاه فتقول له آياتها :
- (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (11)
- (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (15) ،.
الثاني : تعظيم اليوم الآخر ، وآيات سورة الحج تهز القلوب والجوانح هزّاً شديداً :
- فمطلعها (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) .
و(المرضعة) بالتاء هي التي حالها أنها الآن ترضع صغيرها ، فهي ترمي به في وقت مَصِّه لثديها ، ويا سبحان الله شجرةٌ لن تُحاسب وبعوضةٌ لن تُسأل ونملةٌ لن توزن وهرةٌ لن تعرض على جنة أو نار ؛ فلأي شيء أجهضت هذه جميعاً حملها (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) ؟!
وجاء التعبير عن الذات الإلهية بصفة الرب مضافة إلى ضمير المخاطبين دون اسم العَلَم (الله) إيماء إلى استحقاقه أن يُتّقى لعظمته بالخالقية وإلى جدارة الناس أن يتّقوه لأنه بصفة الربوبية لا يأمر ولا ينهى إلا لما فيه مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم.
- وفي وسط السورة (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (21) .
وقد ورد في السورة الحديث عن العذاب واختلف وصفه:
(ولكن عذاب الله شديد) (ويهديه إلى عذاب السعير) (وذوقوا عذاب الحريق) (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) (نذقه من عذاب أليم)
(يأتيهم عذاب يوم عقيم) (فأولئك لهم عذاب مهين)
والسورة افتتحت بالناس ولعل كل صنف من الناس يناسبهم صنف من العذاب والله أعلم.
- وأما المؤمنون فوعده الجميل لهم (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) والآيات في هذا المعنى في السورة كثيرة .
الثالث : تعظيم شعائر الله وأركان دينه العظام كالصلاة والزكاة والحج والجهاد ونحوها .
وقد تكررت الآيات في هذه السورة العظيمة على وجوب تعظيم شعائر الحج :
- (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32)
- (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (30)
وبيان أن هذا التعظيم أصله في القلب :
- (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (37)
- (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (34)
وقد قال الله في سورة الحج مهدداً (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (25) ، وقد ضمَّن فعل (يُرِد) ههنا معنى (الهَمِّ) أي أنه سبحانه سيجازى على مجرد الهَمِّ بالظلم حتى لو لم يرتق ذلك في نفسه إلى الإرادة , ولهذا عداه بالباء فقال (بِإِلْحَادٍ) فدلت الباء على الفعل المُضمَّنِ المناسب لها وهو (هَمَّ) كما هي طريقة البصريين في تضمين الأفعال بدلالة حروف التعدية .
ولو أن المؤمن تدبر (سورة الحج) وسار في حجه بقلبه وجوارحه معهاً لرأينا حجاً روحانياً تلُفه السكينة والوقار ، وتغشاه الرحمة والألفة ، وتُعطِّر كلَّ أرجائه كلمات التسبيح والتكبير والتلبية ، وترطب القلوبَ فيه الخشية والدمعة .
منقول بتصرّف
هذا والله أعلم
التعديل الأخير: