إعلانات المنتدى


سنن ربانية في سورة الرعد

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 1 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
369
160
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
سنن ربانية في سورة الرعد

تحدثت سورة الرعد عن سنة التغییر أو قانون الرقي والانحطاط: وذلك في قوله تعالى : {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد من الآية:11].

وأساس هذه السنة أن التغییر منوط بالنفس ومدى التزامها وتمسكها بالأخلاق؛ فإذا تخلى الناس عن الأخلاق السيئة، وتمسكوا بالأخلاق العالیة والتزموا بها في أنفسهم كان العلو والرقي الحضاري، وكانت القیادة للأمة التي یتمسك أفرادها ونظامها بالأخلاق الأساسیة وأولها العدل، ومراعاة شؤون الخلق وتحقيق أمنهم ومصالحهم.

ویعني ذلك أن التغییر والإصلاح لا بد أن یبدأ من الداخل؛ أي التغییر الداخلي؛ أي ما بالنفس وما بالمجتمع من أخلاق السوء؛ كالتفرق والتحاسد والتباغض، لتسود أخلاق التراحم والتحاب والتواد، ويعود الإخاء والتماسك والتوحد؛ عند ذلك ترقى الأمة وتكون لها الريادة والقيادة، أو تعود لها بعد ما سلبت منها!.. وأما إذا ساد أصحاب النفوس المريضة، وعمت الأخلاق السیئة ورضي الناس بها، وفشا الظلم، وانتهكت المحرمات، وتواطأ الجميع على المنكرات؛ كان الانحطاط والسقوط الحضاري، وتحولت النعم إلى نقم؛ والأمن إلى خوف، والقوة إلى ضعف؛ قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53].

ثم تتحدث السورة عن سنة البقاء للأنفع: فما كان فیه إفساد وإضرار بالناس، ويعوق سير الحياة ويتصادم مع الفطرة وقوانين الحياة؛ فإنه يتهاوى ويتلاشى، وما كان فيه نفع للبشریة ويتفق مع قوانين الحياة؛ فإنه يبقى ويدوم بل يسود بغض النظر عن الكفر والإیمان؛ قال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد:17].

وفحوى هذه السنة أن الباطل قد یعلو أحیانًا ویظهر على الحق بل یطمسه لكن إلى حین، فالباطل هنا كالزبد یعلوا ویطفو -مؤقتًا- على سطح السیل الجارف، أو كالزبد الذي یطفو ویعلو على سطح المعدن المنصهر بالنار لتصفیته وتنقيته من العلائق والشوائب؛ وفي المثل الأول فإن ما ينفع وهو الماء يبقى ويمكث، وفي المثل الثاني فإن الذي يبقى ويمكث هو المعدن الصافى؛ وهما المثلان اللذان ضربهما الله تعالى: المثل الأول: المثل المائي: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا}. المثل الثاني: المثل الناري: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ}..

والمثلان في الباطل حینما یعلو حينًا، والحق حینما یخفت صوته حينًا؛ {كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}؛ فالزبد لا نفع فیه؛ كالأنظمة المستبدة الظالمة، وكالحضارة المادیة الغربیة الداجلة الزائفة، فإنها لن تدوم طویلًا وهي آیلة إلى السقوط والانهیار، لأنها تصادمت مع الفطرة وقوانين الحياة، وقواعد العدل والإنصاف، كما قامت على تقدیس الشهوات وحب الذات ونهب الثروات، وعلى العلم المادي المتجرد من قيم الإنسانية،

فلا تنخدعوا بالباطل، ولو كان براقا و زاهيا،.. الباطل زاهق لا محالة، والحق هو الأصل الباقي والذي يمكن له في الأرض

ولما تميّز الحق والباطل صار لكل منهما أتباع ، أتباع الحق الذين اتبعوا واستجابوا له لهم الجنة ، والذين لم يستجيبوا هم أتباع الباطل الذين يتمنّ يوم القيامة لو يفتدون أنفسهم بكل ما في الأرض لينجوا من عذاب النار الذي هو مصيرهم ومآلهم :" لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) وتؤكد الأيات مرة أخرى أن الفريقين لا يستوون " أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف
 
  • أعجبني
التفاعلات: سعــــــود

سعــــــود

مشرف ركن مزامير جزيرة العرب والحرمين الشريفين
المشرفون
2 يونيو 2008
6,829
1,522
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
علم البلد
جزاك الله خيرًا وبارك فيك ونفع بك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع