- 3 ديسمبر 2020
- 371
- 160
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
-
القصة في سورة النمل
تضمنت سورة النمل أربع قصص تبيّن كيف استحق المؤمنون الرحمة والبشارة وخسر المكذبون، فقد نجّى الله بني إسرائيل من فرعون، ومَلِكة سبأ وقومها بإيمانهم، وأغرق فرعون وقومه، وأهلك قوم صالح وقوم لوط بكفرهم.
وأما قصة سليمان عليه السلام فقد امتدت على مساحة كبيرة من السورة ، (وفيها الدليل على علم الله تعالى الواسع يهب منه ما يشاء بحكمته) ، فقد آتى الله داود وسليمان علماً عظيماً لم يؤته أحد من قبلهما، وعلّمهما منطق الطير والدواب وغير ذلك، وجمع الجن والإنس والطير آية بينة على علمه وحكمته ومزيد إنعامه على عباده الشاكرين.
وسليمان هو ابن داود عليهما السلام ورث عن أباه النبوّة والعلم والملك. ثمّ قصّت علينا الآيات مصداق هذا الخبر بأن الله حشر لسليمان {الجن} الذين لا يراهم الإنسان ويصعب جمعهم، {والإنس} بمختلف توجهاتهم، {والطير} الذي ليس له عقل فيستوعب أمر الإنسان، في جيش واحد جرار سار بهم سليمان عليه السلام في بعض الغزوات. في مسير معجز لا يصدقه العقل، تلته معجزات أعظم يعجز العقل البشري عن استيعاب أحداثها، وهو أن النمل الذي لا يعقل علم أن هناك جيش مقبل نحو واديهم وأن ملك هذا الجيش هو سليمان، فنادت نملة باقي النمل أن ادخلوا مساكنكم كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده، فسمع سليمان هذا النداء وفهمه فتبسم مسروراً بفضل الله عليه، فدعا الله أن يجعله قادراً مطيقاً لشكر نعمته عليه وعلى والديه وأن يجعله من عباده الصالحين. كما قال تعالى عن ذلك ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ )
ولم تقف هذه المعجزات الدالة على علم الله وحكمته عند هذا الحد، بل تواصلت حتى يرونها ويعلمون أنها الحق، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فعلم الله وحكمته محيطة به. ومع عظيم العلم الذي أوتي سليمان عليه السلام، الذي هو أقل من قطرة في بحور علم الله، قصّت علينا الآيات معجزة أعجب وهي أن سليمان كان يتحاور مع الهدهد بلغة الطير، وقد أحاط الهدهد بما لم يحط به سليمان عليه السلام. هذا الهدهد الذي نعلم أنه لا بصيرة ولا عقل لديه بل هو مخلوق بسيط تسيّره فطرته وغرائزه، فإذا به يفقه الفرق بين الهدى والضلال ويعلم أن من بين المخلوقات شيطان شرّير يزيّن القبائح ويضل عن طريق الهدى، ويفقه هذا الطير أن من الناس مؤمن وكافر وأن منهم من يعبد الله ومنهم من يشرك فيعبد الشمس وغيرها من الآلهة، وأن هذا الطائر الضعيف كذلك علم مالم يعلمه أعلم العلماء في عصره (وهو سليمان)، ذلك لكي يتواضع ويتأدب العلماء مع الله فيحتقرون ما عندهم من العلم الضئيل مع علم الله، وأنهم مع علمهم تخفى عنهم أشياء كثيرة لا يعلمونها، وقد يعلمها غيرهم ممن هو أضعف منهم.
ولتأكيد علم الله العظيم الواسع الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض، ولا يخفى عليه ما نخفي وما نعلن: قصّت علينا الآيات حكمة الله بضرورة تعلم العلم والكتاب، وأهمية العلم في بيان طريق الهدى، الموصل لعبادة الله وبالتالي شكره على نعمه التي لا تحصى. وأننا بالعلم نستدر ونفتح كنوز نعم الله، فنستطيع عمل وتحقيق ما تعجز عن تحقيقه جميع الإنس والجان، بدليل قصة الذي عنده علم الكتاب استطاع أن يأتي بعرش ملكة بلقيس العظيم في أقل من طرفة عين ، هذا العرش الذي أتي به سالماً من اليمن إلى بلاد الشام رجل عنده علم الكتاب، يتجلّى من قصته فضل علم الله على ما سواه، ترغيباً بتعلم القرآن الذي هو من عند الله هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين. لقد عجزت عفاريت الجن عن أن تأتي بالعرش بأحسن مما أتى به الذي عنده علم من الكتاب، وحتماً فالإنسان بكل ما أوتي من علوم الدنيا والصناعات ووسائل الاتصال أعجز من أن يأتي بالعرش سالماً في سنوات وليس في لحظات. ولكنه يقتدر عليه بقوّة العلم الإلهي كما حصل في القصّة المعجزة، ليفيد ذلك تعظيم العلم الذي في الكتاب، والعلم عموما .
وباختصار فالقصص الأربعة في السورة تتحدث عن أربعة أنواع من الناس: عن ملوك هلكوا لأنهم جاءهم العلم والحكمة من الله فاتبعوا الجهل والضلالة فلم ينفعهم ملكهم.(وهذه قصة هلاك فرعون ) وملوك ازدادوا ملكاً لأنهم استفادوا من علم الله الذي علمهم فشكروا الله المنعم واستخدموا نعمة الملك في عمارة الأرض والدعوة إلى الله ، كداود وسليمان عليهما السلام ، ومستضعفين اتبعوا الحكمة والهدى فرفعهم الله ونصرهم على ملوك وجبابرة الأرض.( كمن آمن من قوم موسى وصالح عليهما السلام ) ، ومستضعفين أعرضوا عن الحق وانشغلوا بلعبهم وشهواتهم ومخالفتهم فطرة الله التي فطر الناس عليها فأهلكهم الله. ( وهم قوم لوط )
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف
تضمنت سورة النمل أربع قصص تبيّن كيف استحق المؤمنون الرحمة والبشارة وخسر المكذبون، فقد نجّى الله بني إسرائيل من فرعون، ومَلِكة سبأ وقومها بإيمانهم، وأغرق فرعون وقومه، وأهلك قوم صالح وقوم لوط بكفرهم.
وأما قصة سليمان عليه السلام فقد امتدت على مساحة كبيرة من السورة ، (وفيها الدليل على علم الله تعالى الواسع يهب منه ما يشاء بحكمته) ، فقد آتى الله داود وسليمان علماً عظيماً لم يؤته أحد من قبلهما، وعلّمهما منطق الطير والدواب وغير ذلك، وجمع الجن والإنس والطير آية بينة على علمه وحكمته ومزيد إنعامه على عباده الشاكرين.
وسليمان هو ابن داود عليهما السلام ورث عن أباه النبوّة والعلم والملك. ثمّ قصّت علينا الآيات مصداق هذا الخبر بأن الله حشر لسليمان {الجن} الذين لا يراهم الإنسان ويصعب جمعهم، {والإنس} بمختلف توجهاتهم، {والطير} الذي ليس له عقل فيستوعب أمر الإنسان، في جيش واحد جرار سار بهم سليمان عليه السلام في بعض الغزوات. في مسير معجز لا يصدقه العقل، تلته معجزات أعظم يعجز العقل البشري عن استيعاب أحداثها، وهو أن النمل الذي لا يعقل علم أن هناك جيش مقبل نحو واديهم وأن ملك هذا الجيش هو سليمان، فنادت نملة باقي النمل أن ادخلوا مساكنكم كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده، فسمع سليمان هذا النداء وفهمه فتبسم مسروراً بفضل الله عليه، فدعا الله أن يجعله قادراً مطيقاً لشكر نعمته عليه وعلى والديه وأن يجعله من عباده الصالحين. كما قال تعالى عن ذلك ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ )
ولم تقف هذه المعجزات الدالة على علم الله وحكمته عند هذا الحد، بل تواصلت حتى يرونها ويعلمون أنها الحق، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فعلم الله وحكمته محيطة به. ومع عظيم العلم الذي أوتي سليمان عليه السلام، الذي هو أقل من قطرة في بحور علم الله، قصّت علينا الآيات معجزة أعجب وهي أن سليمان كان يتحاور مع الهدهد بلغة الطير، وقد أحاط الهدهد بما لم يحط به سليمان عليه السلام. هذا الهدهد الذي نعلم أنه لا بصيرة ولا عقل لديه بل هو مخلوق بسيط تسيّره فطرته وغرائزه، فإذا به يفقه الفرق بين الهدى والضلال ويعلم أن من بين المخلوقات شيطان شرّير يزيّن القبائح ويضل عن طريق الهدى، ويفقه هذا الطير أن من الناس مؤمن وكافر وأن منهم من يعبد الله ومنهم من يشرك فيعبد الشمس وغيرها من الآلهة، وأن هذا الطائر الضعيف كذلك علم مالم يعلمه أعلم العلماء في عصره (وهو سليمان)، ذلك لكي يتواضع ويتأدب العلماء مع الله فيحتقرون ما عندهم من العلم الضئيل مع علم الله، وأنهم مع علمهم تخفى عنهم أشياء كثيرة لا يعلمونها، وقد يعلمها غيرهم ممن هو أضعف منهم.
ولتأكيد علم الله العظيم الواسع الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض، ولا يخفى عليه ما نخفي وما نعلن: قصّت علينا الآيات حكمة الله بضرورة تعلم العلم والكتاب، وأهمية العلم في بيان طريق الهدى، الموصل لعبادة الله وبالتالي شكره على نعمه التي لا تحصى. وأننا بالعلم نستدر ونفتح كنوز نعم الله، فنستطيع عمل وتحقيق ما تعجز عن تحقيقه جميع الإنس والجان، بدليل قصة الذي عنده علم الكتاب استطاع أن يأتي بعرش ملكة بلقيس العظيم في أقل من طرفة عين ، هذا العرش الذي أتي به سالماً من اليمن إلى بلاد الشام رجل عنده علم الكتاب، يتجلّى من قصته فضل علم الله على ما سواه، ترغيباً بتعلم القرآن الذي هو من عند الله هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين. لقد عجزت عفاريت الجن عن أن تأتي بالعرش بأحسن مما أتى به الذي عنده علم من الكتاب، وحتماً فالإنسان بكل ما أوتي من علوم الدنيا والصناعات ووسائل الاتصال أعجز من أن يأتي بالعرش سالماً في سنوات وليس في لحظات. ولكنه يقتدر عليه بقوّة العلم الإلهي كما حصل في القصّة المعجزة، ليفيد ذلك تعظيم العلم الذي في الكتاب، والعلم عموما .
وباختصار فالقصص الأربعة في السورة تتحدث عن أربعة أنواع من الناس: عن ملوك هلكوا لأنهم جاءهم العلم والحكمة من الله فاتبعوا الجهل والضلالة فلم ينفعهم ملكهم.(وهذه قصة هلاك فرعون ) وملوك ازدادوا ملكاً لأنهم استفادوا من علم الله الذي علمهم فشكروا الله المنعم واستخدموا نعمة الملك في عمارة الأرض والدعوة إلى الله ، كداود وسليمان عليهما السلام ، ومستضعفين اتبعوا الحكمة والهدى فرفعهم الله ونصرهم على ملوك وجبابرة الأرض.( كمن آمن من قوم موسى وصالح عليهما السلام ) ، ومستضعفين أعرضوا عن الحق وانشغلوا بلعبهم وشهواتهم ومخالفتهم فطرة الله التي فطر الناس عليها فأهلكهم الله. ( وهم قوم لوط )
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف