إعلانات المنتدى


وقفات مع ختام سورة الأعراف

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
372
165
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
تختم سورة الأعراف بتوجيهات إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم و إلي المؤمنين . وهذه التوجيهات هي زاد للمؤمن في الطريق وواقية له من الانحراف والضلال .

قال سبحانه وتعالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ۚ هَـٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (
ومن الوقفات مع هذه الآيات :

  • " خذ العفو وامر بالعرف" : هذه الآية جمعت كل مكارم الأخلاق ، وخُذ العفو : أي السهل واليسير ، قال مجاهد: خُذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بدون تخسيس مثل قبول الأعذار والعفو والمساهلة وترك الاستقصاء والتفتيش عن حقيقة البواطن ، كل ذلك في المعاملات الشخصية ، وليس في العقيدة ولا الواجبات الشرعية ؛ لأنه ليس في العقيدة ولا الشريعة تغاضي ولا تسامح .. ولكن في الأخذ والعطاء والصحبة والجوار ؛ لتمضي الحياة سهلة ميسرة . والعرف هو كل ما أمر به الشرع وتعارفه الناس والتقت عليه الفِطَر السليمة .، والنفس حين تعتاد المعروف يصبح عندها سجية وخلق ويسلس قيادها وتتطوع لفعل الخير دون تكليف .
  • " وأعرض عن الجاهلين " : والإعراض يكون بالترك والإهمال والمرور بهم مرور الكرام ، وعدم الدخول معهم في جدال لا ينتهي إلا بإضاعة الوقت والجهد ، ويشمل الإعراض أيضاً كظم الغيظ والعفو والصفح
  • " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم " : إذا تعرض لك الشيطان بالوسوسة أو بما يثير غضبك ، وحملك على خلاف ما أُمِرت به من أخذ العفو ، فالتجئ إلى الله واستعذ بحماه ، فإنه سبحانه وتعالى سميع للدعاء عليم بأحوالك ، وهو وحده الكفيل بصرف وساوس الشيطان عنك
  • " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " : تذكروا : تذكروا مقام ربهم واستحضروا هيبته وجلاله . ، فإذا هم مبصرون : أي مبصرون لطريق الهدى والرشاد ومواقع الخطأ وخطوات الشيطان ، فيعودون سريعاً إلى طاعة الله وحماه الآمن ويلوذون ويحتمون به
  • وإخوانهم يمدونهم في الغيّ ثم لا يقصرون: إخوانهم أي إخوان الشياطين من الإنس ، ويزينون لهم الشر ويغروهم بارتكاب المعاصي والموبقات ، ولا يكفون عن إمدادهم بألوان الشر والآثام حتى يهلكوهم
  • " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " : هي دعوة للاستماع للقرآن بتدبر وخشوع مع التركيز في المعاني ، أي استمع إليه بأذنك وأصغي إليه بقلبك ، وحول ما تسمع إلى واقع تعيشه ..
  • " واذكر ربك في نفسك تضرع وخيفة " : أمر بذكر الله سبحانه وتعالى في أول النهار وآخره ، في الصلاة وخارج الصلاة ، وليس ذكراً باللسان ، وإنما بالقلب والجنان .. ذكراً يحرك القلب ويجعل صاحبه يخجل حين يطلع الله منه على شيء يكرهه أو عمل لا يرضيه ، وقوله : "تضرعاً وخيفةً : لأن التذلل والتمسكن والانكسار هو روح الذكر والدعاء، فاستحضر دائما عندما تدعو عظمة الله في قلبك واذكره متضرعاً متذللاً في نفسك ولسانك ،
  • " ودون الجهر بالغدو والآصال " : وذكر الغدو والآصال في الآية: لأنهما طرفان نهار وفي هذه الوقتين تشهد النفس التغير الواضح في صفحة هذا الكون من ليل إلى نهار ومن نهار إلى ليل ، فيتصل القلب بالله ، وهو يرى يد الله سبحانه تقلب الليل والنهار وتتحكم في كل ظاهرة من ظواهر هذا الكون ، كما أن القلب البشري في هذه الوقتين أقرب إلى التأثر والإجابة ، ومن افتتح نهاره بذكر الله واختتمه بذكره كان موفقاً ومحفوفاً برعاية الله سبحانه وتعالى وعنايته
  • وَلاَ تَكُن مِنَ الْغَافِلِينَ : لا يَغفَل قَلْبُك عَنْ مُرَاقَبَتِهِ سُبْحَانَهُ ، فَالْإِنسَانُ أَحْوَجُ مَا يَكُونَ أَنْ يَظَلَّ عَلَى اتِّصَالٍ بِرَبِّهِ لِيَتَقَوَّى عَلَى نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ
  • إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩ } : وفي آخر آية يذكرنا الله سبحانه وتعالى بالمحراب الكبير فوق سبع سماوات وهو يعج بالتسبيح والذكر والعبادة لله سبحانه وتعالى .. يذكرنا الله بفعل الملائكة لنقتدي بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم ، والإنسان أحوج منهم إلى الذكر والعبادة فهو الزاد إلى مرضاة الله، ، ولأن طريق الحياة شاق وطبيعة هذا الإنسان قابلة للغفلة و قابلة لوسوسة الشيطان ؛ كان سبيل نجاته أن يقتدي بهؤلاء الملائكة ويملأ حياته بالتسبيح والعبادة ،
  • " وله يسجدون " : والسجدة في نهاية السورة جاءت لتدعونا للخشوع والخضوع بشكل عملي بين يدي الله ، وتذكرنا بسجدة السحرة والذين جاء ذكرهم في سياق السورة ، و الذين تحدّوا بطش فرعون وحسموا أمرهم بالسجود لله سبحانه وتعالى واتباع موسى عليه السلام

  • وهكذا نرى أن خاتمة السورة قد جاءت بسبل النجاة في هذا الصراع بين الانسانة والشيطان وهي :
    أولا – في التعامل مع الله سبحانه وتعالى بالذكر الدائم وإظهار التذلل والخضوع والخوف ومعرفة غناه ، وأن عنده سبحانه وتعالى من لا يستكبرون عن عبادته

    ثانياً – مع الناس بحسن الخلق *(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)؟ .

    وثالثاً – مع الشيطان بالاستعاذة والالتجاء (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله)

    ورابعاً – الانتباه من الغفلة (ولا تكن من الغافلين ○ إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته)

    وخامساً – مع القرآن بالإنصات والاستماع بتدبُّر وخشوع ( فاستمعوا له وأنصتوا )

    وسادساً – مع النفس بالتواضع واليقظة من الغفلة ( واذكر ربك)

    وكما بدأت السورة بالقرآن ومدحه { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

    اختتمت بحسن الاستماع إليه { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لتقول لنا هذا الكتاب هو سبيل النجاة في هذا الصراع ..


    وبين أول السورة و آخرها جاء سبحانه وتعالى بأسباب الضلال والغواية والإنحراف حتى يحذر المسلم من الوقوع فيها

    هذا والله أعلم
  • منقول بتصرّف
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع