- 25 يوليو 2007
- 2,393
- 23
- 38
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
- علم البلد
-
درس من السير ة بين الماضي والحاضر والإفطار في رمضان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد الخلق أجمعين ورسول رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعدد :
.. وفي المسجد الحرام عند الكعبة المشرفة كان الكبراء والطواغيت يتحلقون ويسمرون وإذا رأوا من المؤمنين أحدا فبه يسخرون وعلى دعوة الحق والإيمان يتآمرون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين !! يرأسهم عتبة وشيبة والوليد بن المغيرة وأبو جهل وأبو لهب ... وهكذا
وحدث مرة أن طلب رسول الله من أصحابه : من يسمعهم القرآن الكريم فتطوع لتلك المهمة ـ في الصعبة في تلك الظروف العسرة ـ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فوقف على حلقاتهم وصدع بالحق مرتلا آيات كريمات من صدر سورة \الرحمن فطرقت أسماع الملأ من قريش وكانت عليهم كالصواعق .. فقام أبو جهل من بين القوم كالذي أصابه مس من الجنون من هول الصدمة وأمسك بابن أم عبد من أذنه فأدماها فذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو مكلوم إلى رسول الله يحمل أذنه وهي تذب دما ليمسح عليها رسول الله فبرأت وعادت أحسن مما كانت ـ بإذن الله ـ وتوالت الأعوام وكانت موقعة بدر الكبرى في رمضان ، وأُري رسول الله عليه وسلم مصارع القوم ثم بينها بمواقعها وحددها لأصحابه قبل بدء الغزوة .. وبعد انكشاف الغزاة التي قتل فيها سبعين من قادة المشركين وكبرائهم ؛ جاء عبد الله بن مسعود ـ وكان دقيق الساقين نحيف الجسم وصغيره ـ جاء رضي الله عنه إلى رسول الله وقد ربط رأس أبي جهل بعد أن فصله عن جسده بخيط يجره إلى رسول الله ، فلما رآه عليه الصلاة والسلام تذكر ذلك الموقف عند الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وقال له : (أذن بأذن والرأس زيادة ) وتوالت بعدها غزوات أعز الله بها ديناه وأيد نبيه .. وفي غزوة الفتح رقى بلال الحبشي – ذلك العبد الأسود – مؤذن رسول الله الذي أعزه الله تبارك وتعالى بالإسلام – رقى على ظهر الكعبة ورفع صونه بالنداء الخالد ( الله أكبر .. الله أكبر) فتجاوبت جبال مكة وعم صداه أرجاها وأرجاء الوجود .. فانبتر بعدها ذكر أبي جهل وأبي لهب ، وخلدت الدنيا ذكر سيد الكائنات محمد رسول الله وعم الخير العدل والأمن والأمان جزيرة العرب إلى يومنا هذا ..
موائد الإفطار في الحرمين الشريفين
فبعد أن كان لا يستطيع اثنان أن يلتقيا عند الكعبة المشرفة على كلمة التوحيد صار الناس يجتمعون بأمن وأمان حول موائد الإفطار يجبى إليهم من كل الثمرات – وعادة أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة التوافد إلى الحرمين الشرفين من كل حَدَبٍ وصوبٍ فمنهم من يعتكف ومنهم من يمكث من العصر إلى المغرب . ومنهم الذي يأتي بالرطب أو التمر .. وقبيل المغرب يبسط كلٌ خوانه داخل المسجد النبوي ولكل محسن مكان مخصص يضع فيه سفره وعليها أطباقه موزعاً فيها مما قسم الله عز وجل من رزق حلال تمراً كان أو رطبا مع كسرات من الخبز وما يسمونه : ( الدقة ) وفي بعض الموائد تجد اللبن الرائب أما الساحات فترى فيها موائد الإفطار مفروشة وعليها ما لذ وطاب من أرز ولحم ودجاج وفواكه وعصيرات متنوعة
( وكل ذلك في مسجد رسول الله ) – ورئاسة الحرمين في مكة المكرمة ووكالتها في مسجد رسول الله تتعهد بتقديم ماء زمزم المبرد لجموع المصلين طيلة العام وللصائمين على موائد الإفطار في حافظات للبرودة مع العناية التامة بالنظافة وتقديم الكؤوس البلاستكية التي أعدت للاستعمال مرة واحدة مراعاة لأنظمة الصحة العامة فيتقاسم الناس مواعينهم ولكل شرب معلوم .. فإذا ورد الصائمون المسجد فكل يختار المائدة التي يريد لأن أهل الخير يتقربون إلى الله عز وجل بعرض ما عندهم من فضل الله ونعمه فتراهم يتجاذبون الناس إلى موائدهم ابتغاء الأجر والمثوبة عند الله تبارك وتعالى وتطبيقا لحديث رسول الله :
( من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) . ( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ) . مبتعدين فيما يفعلونه عن السمعة والرياء والكبر فتراهم في حلقة واحدة الكبير والصغير والغني والفقير يتجلى في اجتماعهم عظمة الإسلام وترفرف فوقهم رايات الكرم والجود والألفة والمحبة تجمعهم أخوة الإسلام العظيم .
فإذا رفع المؤذن صوته بالنداء لهجت الأصوات بإجابته وترديد ألفاظ الأذان ثم يبدأ إفطار الناس على تمرات أو حبات رطب وهناك من يقدم التمر المعجون بالسمن مضافا إليه الدقيق على نار هادئة ويسمونه : ( الحيسة ) ، ويتناول الناس أكؤسا من ماء زمزم ( وهي متوفرة في الحرمين طيلة العام من فضل الله عز وجل جزى الله القائمين على ذلك كل خير ) وتعجيل الإفطار إن هو إلا امتثال لقول الرسول الكريم ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) ( رواه البخاري ومسلم ) وتناولهم الرطب والتمر ومشتقاتها ما هو إلا للعمل بقول رسول الله : ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور ) ( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ) .
وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله يفطر على رطبات فإن لم تكن رطبات فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء ) ( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ) .
ثم بعد لحظات من انتهائهم من الإفطار يهبون هبة رجل واحد إلى الصلاة كل ذلك لا يستغرق نصف الساعة الأولى بعد أذان المغرب ، ثم يذهب الناس بعدها إلى بيوتهم لتناول طعام الإفطار ـ إلا القليل منهم ـ ومن ثَمَّ العود بعدها إلى صلاة العشاء والتراويح ؛ والأئمة جزاهم الله خيرا يتناوبون في قراءة جزء أو يزيد قليلا من كتاب الله الكريم في العشرين ركعة التراويح من كل ليلة ، فيختمون ختمة ونيف في التراويح خلال شهر رمضان المبارك عدا ما يقرؤونه في القيام في العشر الأخير من رمضان ..
المدينة المنورة : صباح الأحد / 1 رمضان 1408
التعديل الأخير بواسطة المشرف: