إعلانات المنتدى


أطيب الثمار تأكلها الغربان

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

محمود أبوالناظر

مزمار ألماسي
25 سبتمبر 2007
1,313
1
38
الجنس
ذكر
أطيب الثمار تأكلها الغربان
يلجأ بعض الناس إلى التشكيك في الصالحين المخالفين لهم وتجريحهم بحجة أنهم يمارسون حقَّ الجرح الذي استخدمه أئمتنا الكرام من سلف هذه الأمة في علم الجَرح والتعديل، وعلم الجَرح والتعديل براء مما يقولون ويفعلون.يقول المستشار سالم البهنساوي: "ولا عجب بعد هذا أن تظهر على الساحة شعارات تعلن أنها تمثِّل الإسلام الخالص وأن غيرها جاهل أو مزعزع العقيدة، ولهذا أباحوا اللعن والسب، بل أوجبوا التشهير بمَن خالفهم بدعوى التحذير من بدعتهم وضلالهم.

إن علم الجرح والتعديل لا يجوز أن يحتميَ به من استباح التشهير بالمسلمين؛ فهذا العلم يوجب ذكر علة التجريح التي تجرح الشخص من الرجال العدول، ولا مجال لذلك في هذه الأمور الخلافية.


وعلم الجرح والتعديل يبيِّن شروط الرواية وصفات الشخص المطعون فيه، لينبِّه الناس إلى شره ويحذِّرهم من اتباعه أو من قبول روايته.

وعلم الجَرح والتعديل لا يجوز أن يحتميَ به من أصبح طرفًا في خلافٍ مع الغير؛ فهذا العلم يُشترط في الناقد أن يكون محايدًا، وليس صاحب نِحلة أو مذهب أو رأي خاص.


إن جاز لكل فرد اختلف مع غيره في أي حكم من الأحكام الشرعية أن يبحث عن عموم بعض آيات من القرآن ليحتجَّ بها على من خالفهم ممن يتمسَّكون بالقرآن والسنة معًا، أقول إن جاز أن يجعل عموم آيات القرآن ناسخًا للسنة لَمَا كان للسنة موضع ولا حكم شرعي، ولبطل قول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: من الآية 7).


لقد فعل ذلك الخوارج، فردُّوا الأحاديث النبوية التي توجب الرجم، وتمسَّكوا بعموم آيات سورة النور التي توجب الجلد؛ وذلك على الرغم من ثبوت هذه الأحاديث النبوية، ومن تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لها، وعلى الرغم من أنه لا خلاف على أن السنة تخصِّص عموم آيات القرآن.


كما ردَّ الخوارج الأحاديث النبوية التي تُثبت إيمان أصحاب الذنوب من المسلمين، وبحثوا عن ظاهر بعض آيات القرآن وظاهر بعض الأحاديث لتأييد بدعتهم هذه، كما فعل القدرية ذلك فردُّوا أحاديث القدر.


ومن تزيين الشيطان لبعض الدعاة ترخُّصهم في الغِيبة؛ إما بحجة المناظرة أو ادعاء أن هذا من الجَرح والتعديل الذي أوجبه الفقهاء للدفاع عن شرع الله.
إن علينا أن ندرك جميعًا أن هذا من عمل الشيطان، وأن نفيىء إلى قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ ( الإسراء: من الآية 53).

يقول كلارك: "أشرف الناس هم مَنْ يتعرَّضون للغِيبة، وأطيب الثمار تهاجمها الطيور"، وقد زعم الناقد أن علم الجَرح والتعديل يوجب تجريح المخطئ، وبهذا يجرح هو وغيره من ظنوا أنهم من المخطئين، وتجاهلوا أن هذا العلم لا يتعلَّق بالاجتهاد في الرأي؛ فذلك لا مجال للجرح فيه.


يقول الإمام السيوطي (في التدريب، ص 122): "فإن كان من جَرح مجملاً قد وثَّقه أحدٌ من أئمة هذا الشأن، لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنًا من كان إلا مفسِّرًا؛ لأنه قد ثبت له رتبة الثقة، فلا يزحزح عنها إلا بأمر جليّ".


وقال الشيخ أحمد شاكر (الباعث الحثيث، ص 95) معلِّقًا على كلام السيوطي: "وهو اختيار أبي بكر ونقله عن الجمهور، واختاره إمام الحرمين، والعزالي، والرازي، والخطيب، وصحَّحه الحافظ أبو الفضل العراقي، والبلقيني في محاسن الإصلاح" (انتهى كلام البهنساوي).


وقال الدكتور محمد الطحان: "وأما الجَرح فلا يُقبل إلا مفسَّرًا مبيَّنَ السبب؛ لأنه لا يصعب ذكر سببه، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجَرح؛ فقد يجرح أحدهم بما ليس بجارح.


قال ابن الصلاح (علوم الحديث، ص 96- 97): "وهذا ظاهر مقرَّر في الفقه وأصوله".


وذكر الحافظ (في الكفاية، ص 108) أنه مذهب الأئمة من حفَّاظ الحديث ونقاده، مثل البخاري ومسلم وغيرهما.


ولذلك احتجَّ البخاري بجماعة سبق من غيره الجَرح لهم، كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وكإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم.


واحتجَّ مسلم بسويد بن سعيد، وجماعة اشتهر الطعن فيهم، وهكذا فعل أبو داود السجستاني، وذلك دالٌّ على أنهم ذهبوا إلى أن الجَرح لا يثبت إلا إذا فُسِّر سببه" (انتهى كلام الطحان).

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضوع هو: هل كل إنسان يستطيع أن يقوم بممارسة الجَرح والتعديل؟ أم أن هذا الفن له رجاله وشروطه؟!

إنه لو فُتح الباب على مصراعيه لقام السفيه وجَرح الكريم، ولقام المنافق وطعن المؤمن، ولانبرى الجاهل منتقدًا العلماء والفقهاء.

إن هذا العلم لمن أخطر العلوم؛ إذ إن ديننا قد وصل إلينا عن طريق الرجال، ولو تُرك الأمر دون قيود لما بقي من ديننا شيء يُطمئَنُّ إليه، وهذا ما حدث للرافضة؛ حيث جرحوا الصحابة العدول، وعدلوا المبتدعة وأهل الضلال، فوقعوا في خطأ جسيم.


إنه مما لا شكَّ فيه أن لهذا العلم شروطًا يجب أن تتوفَّر في رجاله، ولعل من أبرزها العدالة والضبط؛ إذ ينبغي للذي ينبري لتجريح الرجال وتعديلهم أن يكون صاحبَ إيمانٍ وتقوى، وأن يكون عالمًا وحافظًا.

وأمر آخر تجدر الإشارة إليه، وهو أن القسط مطلوبٌ عند تقويم الرجال؛ فلا يجوز ذكر السيئات فقط، وإنما تُضاف الحسنات إلى السيئات، فتوضع كل واحدة منهما في كفة، فإذا رجحت الحسنات تم التجاوز عن السيئات، وإذا رجحت السيئات قُدح في الرجل وذُم.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: الآية 8).


يقول الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: "العدل يضع الأمور في مواضعها، والجَوْر يخرجها من جهتها، والعدل سائس عام، والجَوْر عارض خاص؛ فالعدل أشرفهما وأفضلهما".

العدل كالغيث يُحيي الأرض وابلُهُ والظلم في الملك مثلُ النار في القَصَبِ

وهذا المنهج معلوم عند العلماء، لا سيما علماء الجرح والتعديل، ومن أراد المزيد في ذلك فليرجع إلى تراجم الرجال، كسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، وسيجد ذلك جليًّا واضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار.


خلاصة القول.. إن المسلم ينبغي أن يكون على حذر وهو يجرح المسلمين ويثير حولهم التهم والشبهات، وأن يربأ بنفسه من أن يحتجَّ بما قام به علماؤنا وسلفنا في علم الجَرح والتعديل؛ إذ إن هذا القياس فاسد لا يستقيم.

كما أن لهذا العلم شروطه ورجاله، ولا تنطبق هذه الشروط على كثير من مجرِّحي الثقات من الدعاة؛ فالحذرَ الحذرَ أيها المسلمون يرحمكم الله.
بقلم: د. علي الحمادي
 

الكاسر

مزمار داوُدي
27 فبراير 2006
4,050
12
0
الجنس
ذكر
رد: أطيب الثمار تأكلها الغربان

بارك الله فيك أخي أسد الدعوة

مقالةٌ مفيدةٌ جدّاً في عمومها و كلام مؤلّفها كله حقٌّ و صدقٌ في غالبها إلا في مسألة الموازنة بين الحسنات و السيّئات فإنه ليس على إطلاقه

فالموازنة بين الحسنات و السيّئات تجوز عند ذكر ترجمة الشخص, و على هذا سار الإمام الذهبيّ رحمه الله تعالى في سير أعلام النبلاء و غيره

و تجوز أيضاً حتى لا يفتتن الناس به, كصفات الخوارج التي ذكرها رسول الله (ص) من كثرة العبادة و الصلاة و التبتّل

أما عند مقام الجرح أو التحذير فلا يُذكَرُ فيه إلا أخطاء ذلك الشخص لأنّ الغرض من ذلك هو تحذير الناس منها و بيان الصواب إزاءها, و على هذا سار أئمّة الحديث و الدين و مَن بعدَهُم و لم يشذّ في هذا -على ما أعلم- قبل هذا العصر
بل اعتبره الإمام الألبانيّ رحمه الله تعالى من البدع !




و على العموم فقد اتُّخِذَ هذا العلمُ -أي الجرح و التعديل- مطيّةً لمريضي النفوس و خبثاء الطويّة للنيل من أعراض العلماء و الدعاة إلى الله و المصلحين, و أنكر غيرهم هذا العلم كليّةً و نفّر منه و اعتبره غيرَ مشروعٍ, و هدى الله الذي آمنوا لما اختُلف فيه من الحقّ بإذنه فكان أهل السنّةِ في ذلك وسطاً فهم أعلم الناس بالحقّ و أرحمهم للخلق






حفظكـ الله أخي أسد الدعوة و ثبّتك على صراطه المستقيم
 

محمود أبوالناظر

مزمار ألماسي
25 سبتمبر 2007
1,313
1
38
الجنس
ذكر
رد: أطيب الثمار تأكلها الغربان

اللهم امين اخى الكاسر وهذا هو المقصد الا يتخذ علم بهذا الشرف مطية للجهلاء واصحاب الاهواء للتجريح فى الدعاء والتشهير بهم
جزاك الله خيرا على الاضافة الرائعة
واسأل الله ان يقينا شر الفتن جميعها
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع