- 10 يونيو 2008
- 110
- 0
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبدالله عواد الجهني
http://www.mazameer.com/vb/images/smilies/basmala.gif
(بسم الل)
http://www.mazameer.com/vb/images/smilies/x18.gif
:
:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
....................................
رسالة إلى كل من يعمل للإسلام...
هـــــــام جـــــــدا...إقرؤووووووه إخوتي يرحمكم الله...هـــــــام جـــــــــدا...
بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الْـحَـمْـدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْـعَـالَـمِـيـنَ ، وَالـصَّلَـاةُ وَالـسَّلَـامُ عَـلَـى رَسُـولِـهِ الأَمِـيـنِ
أَمِـا بَـعـدُ
جددوا إيمانكم إخوتي...
عليكم إخواني الكرام؛ أن تجددوا إيمانكم بين الحين والآخر، إن هذا التجديد ضرورةٌ لكل مسلم عامة، ولكل من يعمل للإسلام، خاصة إذ إن الأخ المسلم قد تشغله أعمال الدعوة وتدبير أمورها واحتياجاتها والتفكير في شأنها، أو قد تستغرقه أعمال الجوارح في العمل للإسلام، أو يستغرقه العمل في مواجهة الأعداء بكافة أساليب المواجهة التي شرعها الإسلام، قد تستغرقه كل هذه الأعمال عن عمل قلبه وإعطاء عمل القلب ما يستحق من الاهتمام، فالمسلم يسير إلى الله بقلبه لا بجوارحه في الأصل، وما عمل الجوارح للخير إلا انبعاث من صلاح القلب وهمته إلى الخير.
وقد يؤدي ذلك التقصير فيعمل القلب أن يَنْقُصَ حظ الأخ من معاني الإيمان الباطنة مثل الإخلاص لله، حتى أن الأخ يفتقد ما كان عليه من إخلاص في بداية التزامه، وقد ينقص حظ الأخ من الصدق واليقين والزهد والتوكل والخشية والإنابة والاستسلام والمحبة، حتى أن الأخ قد يتمنى بعد فترة؛ أن لو كان حالة القلب تعود كما كانت عليه في أول التزامه مع الإخوة.
كل ذلك يأتي نتيجة إهمال عمل القلب، فتجد الأخ بعد فترة يكثر من فضول الكلام، ويكثر من المباحات وفضول الأشياء؛ مثل فضول الطعام، والخُلْطَةِ في غير مصلحة دينية، ويكثر من النوم والكسل، ولا يسعى لتنظيم وقته، ويهدر كثيراً من أوقاته في غير فائدة أو مصلحة شرعية - وإن كانت في نفس الوقت ليست في حرام أو مكروه - وهذا كله، وإن كان في المباحات إلا أنها تتم بتوسع شديد ودون أدنى عائد ديني - أو حتى دنيوي -
والسبب في هذا التقصير هو إهمال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يدعو فيه كُلَّ مسلمٍ - مهما كان مستواه الإيماني وعمله ومكانته في الجماعة المسلمة - لتجديد الإيمان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جَدِّدُوا دينكم)، وأكثر قسمه: (لا ومقلبِ القلوب).
وقد وجدت كثيراً من الانتكاسات التي يمر بها بعض العاملين للإسلام، أو الوقوع في لجة الشهوات أو الشبهات التي قد تقع من بعضهم؛ إنما أساسها ومردها للتقصير في مسألة تجديد الإيمان هذه، وهي مسئولية مشتركة بين الفرد والقائد والجماعة المسلمة نفسها.
وكم رأينا أناساً وَصَلُوا في الالتزام بالإسلام والعمل له مرحلة طيبة، وقطعوا فيه شوطاً لا بأس به من عمرهم؛ ثم نكصوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم، وما ذلك كله إلا نتيجة حتمية للتقصير في عمل القلب، فكيف يسير إلى اللهِ وقلبُه قد توقف عن السير، وتعطل في الطريق، ونفد زاده الذي كان معه ولم يتزود بغيره؟! إن زاد قلبه السابق قطع معه مرحلة من مراحل سفره إلى الله، ثم نفد هذا الزاد؛ فهلك ذلك العبد في مَفَاوِزَ مُهْلِكَةٍ من ضلالة الشبهات ودناءة الشهوات.
بل إن كثيراً من الأعراض التي تنتاب بعض العاملين للإسلام في منتصف الطريق من حب الدنيا، أو غلبة الأثرة بعد الإيثار، أو الجشع والطمع بعد الزهد والورع، أو الجفوة والغلظة على المؤمنين بَعْدَ الشفقة والرحمة بهم، أو موالاة الظالمين بعد موالاة المؤمنين، أو العجب بالنفس والكبر على الغير بعد التواضع، أو الشموخ بنفسه - وجعل نفسه قضية ينازِعُ عليها ويخاصِمُ من أجلها - بعد الإخلاص؛ كل هذه الأعراض وغيرها - التي قد تنتاب البعض في منتصف الطريق - يعود كثير منها إلى تقلص عمل القلب، ونقص حظه من معاني الإيمان، التي لا يحيا القلب دونها، ويعود سبب ذلك كله؛ إلى إهمال مسألة تجديد الإيمان من قبل الفرد ومن قبل قائده والجماعة نفسها، لأن كلَّ أولئك مشتركون في هذه المسئولية.
وقد أعجبني تفسيرُ شيخٍ عالمٍ جليلٍ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل}، فقد قال في أحد دروسه التي كان يلقيها على الإخوة - خلال فترة ابتلائه - قال: (كيف يطلب منهم القرآن أن يؤمنوا وهم مؤمنون؟ بل والخطاب في الآية: {يا أيها الذين آمنوا} فما معنى ذلك الإيمان الذي يطلب منهم ها هنا؟)، ثم أردف قائلاً: (إن الآية تطالبهم بتجديد الإيمان دائماً، وذلك لأن الإيمان يحتاج إلى تجديد بين الحين والآخر).
كَيفَ نُجَدِّدُ إيمَانَنَا؟
ولكن، كيف يمكن تجديد الإيمان؟
إن الإجابة الكاملة على هذا التساؤل ليس مكانها تلك الصفحات القليلة وتلك الرسالة المختصرة، ولكن يمكننا أن نعرج على بعضها في عجالة سريعة تكون بمثابة الإشارة التي قد تُغني عن العبارة، والموفَّق من فهم مغزاها وعمل بها وعلمها لغيره.
إن تجديد الإيمان مسألة يسيرة على من يسرها الله عليه، ولمن جهَّز قلبه ونفسه وروحه لذلك التجديد، وهناك وسائل كثيرة تعين العبد على تجديد إيمانه.
فمنها على سبيل المثال لا الحصر؛ زيارة القبور، وزيارة الصالحين والمتقين، والعلماء الثقات، والمجاهدين، والمخلصين، ومنها؛ قراءة سير السلف الصالح، وسير العابدين والزاهدين والمجاهدين والصادعين بالحق، والصابرين والشاكرين، ومنها كذلك؛ الحديث مع صحبة قليلة صالحة حول سير أولئك القوم الذي تحدثت عنهم آنفاً، ومنها؛ التفكر في أيام الله، ومنها؛ إحداث زيادة في العبادات عن الأوراد السابقة التي كان الأخ يقوم بها، ومنها؛ الذهاب للعمرة وخاصة في شهر رمضان لمن يستطيع ذلك، ومنها؛ الخلوة بنفسه ولو قليلاً كل يوم أو بين الحين والآخر، ومنها؛ الإكثار من ختم القرآن والدعاء والقيام والصدقة أكثر من ذي قبل، ولعلنا نلقي بعض الضوء في الأسطر القادمة على بعض هذه الوسائل
أولاً؛ قراءة سير السلف الصالح:
فقراءة سير الزاهدين تربي في القلوب الزهد، وقراءة سير المجاهدين والشهداء تجعل القلب يُحَلِّقُ في السماء وكأنه يعيش معهم ويستلهم منهم ويتمنى أن لو كان واحداً منهم، بل إن قراءة سيرتهم تجد الواحد منا وكأنه قد انتظم في صف جيشهم، وكأنه يمتطي صهوة جواد يقاتل معهم ويصول ويجول في ميدان القتال، فكم أَحْيَتْ سيرة خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة عامر بن الجراح وعكرمة والمقداد والمثنى بن حارثة قلوباً عرفَتْها، وكم دفعت أقواماً للشهادة في سبيل الله، وكم حرضت على البذل والعطاء وإرواء شجرة الإسلام العظيمة من دماء الشهداء.
ومن أجل ذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون أبناءهم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلمونهم الآية من القرآن.
إن سيرة رجل مثل خالد بن الوليد؛ وحدها يمكن أن تحيي قلوب أمة بأسرها، وتستنهض همتها، وتشد عزيمتها، ومن أجل ذلك نُصِحَتْ بعضُ الأنظمة العَلْمانية بعدم تدريس "عبقرية خالد" التي كانت مقررة على طلاب الثانوية العامة منذ سنوات، وذلك لما أحدثته من أثر خطير على الطلاب في تلك السن، وذلك بالرغم من أن "عبقرية خالد" لا تُعتَبَرُ مثالية تماماً لمن يريد دراسة سيرة خالد بن الوليد دراسة مستفيضة، ورغم ذلك فقد كان أثرُها على أمة - كاد أن يموت فيها وازع الدين - عظيماً وكبيراً.
إن سيرة خالد بن الوليد وأمثاله؛ تجعل المسلم يحتقر الدنيا وشهواتها ولذاتها الفانية، وتجعله يحب الموت، وتجعله يمشي على الثرى وهمته في الثريا، وتجعله يحتقر نفسه الدنيئة التي تفكر أو تتعلق بعَرَضٍ زائلٍ أو متاعٍ رخيصٍ، وكم نَزَعَتْ سِيَرُهم من القلوب دواعي الرعب وهواتف الخوف وتلبيس الشيطان، وكم دفعت قلوباً إلى حصن التوكل الحق على الله.
أما قراءة سير الزهاد والصالحين؛ فَتُنْبِتُ في القلب شجرة الزهد في الدنيا، وتظل تسقي هذه الشجرة حتى تترعرع في القلب وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وسير العابدين تربي النفس على حب القيام والصيام والذكر والدعاء والخشوع والبكاء، فكم أنبتت سير التوابين بذور التوبة، وكم حركت قلوباً قست من كثرة بعدها عن ربها، وكم فتحت صنابيرَ دموعِ الندمِ والتوبة من أعينٍ ما عَرَفَتِ البكاء من قبل.
وقبل أن أختتم الحديث عن هذه النقطة أَوَدُّ أن أُذَكِّر بنقطتين هامتين:
أولاهما: أن لا يُقْتَصَر في سِيَرِهم على زمان معين، بل تُقْرُأُ سِيَرُهم من زمن الصحابة وحتى زماننا هذا.
ثانيهما: أن قراءة هذه السير لا تؤتي ثمارها المرجوَّة إلا إذا كان قلب الأخ وقتَها خالياً من كل الشواغل والعوائق، وكان يعيش بمشاعره وقلبه وجوارحه كلها مع سيرتهم العطرة، فيقرأ تلك السير وقد تخلى عن جميع العوائق والعلائق التي تحول بينه وبين الغوص في بحار لآلئها، فإذا أضيف إلى ذلك كله أن يقوم أحد الإخوة الأفاضل ببسط الدروس المستفادة من تلك السِّيَرِ، وخاصة الدروس الإيمانية، ويُشْتَرَطُ في هذا الأخ أن يكون من الذين آتاهم الله مبلغاً كبيراً من العلم بالله والعلم بأمر الله، ويُعْلَمُ من حاله التقوى والصلاح وكثرة البذل في سبيل الله مع الفهم الدقيق للسيرة والتاريخ الإسلامي.
فإذا ما استطعنا أن نفعل ذلك فإننا نكون قد فعلنا خيراً كثيراً، إلا أن الواقع العملي يبين أن هذه الشروط لا تتوفر في كثير من الإخوة! بل إنها لا توجد إلا في قلة قليلة منهم! ولكن ما أعظم أثرهم في تجديد الإيمان في الجماعة المسلمة.
ثانياً؛ الخَلْوة:
ومن وسائل تجديد الإيمان أن يخلو الأخ بنفسه بين الحين والآخر خلوةً غير خلوته في قيام الليل والأذكار والتلاوة الراتبة، فكما ورد في الأثر؛ أن للعاقل أربعَ ساعات، منها ساعة يخلو فيها بنفسه.
وهذه الخلوة في غاية الأهمية بالنسبة لكل من يعمل للإسلام، ففيها يختلي العبد بربه ومولاه وخالقه، وفيها يأنس بربه وبالقرب منه سبحانه وتعالى، وينفرد فيها بمحبوبه الأعظم، ويتذوق فيها حلاوة مناجاته سبحانه، وهذه الخلوة؛ يحاسب الأخ فيها نفسه ويقف معها وقفة الشريك الشحيح مع شريكه، يحاسبها بعيداً عن مدح المادحين وثناء المُثنين، ويحاسبها وهو يستشعر ذلك العبودية أمام مولاه وخالقه.
وفي هذه الخلوة؛ يتذكر ذنوبه ومعاصيه وتقصيره وغفلته – وخـاصة المعاصي الباطنة - التي لا يعرفها مادحوه ويعرفها هو من نفسه، وفي هذه الخلوة يسح دموع الندم والإنابة، ويبكي خوفاً من الله وحياءً وحباً وخشوعاً لعظمته سبحانه، ولعل هذه الدموع الصادقة قد تكون أنفعَ له وأجدى من كثير من عمله الذي يفرح به ويُعْجَبُ.
ولعلك تعجب من أخٍ قضى سنواتٍ في الالتزام ولم تَجُدْ عيناه بقطرة دمع خوفاً من الله وحياءً منه! فمن كان هذا شأنهَ؛ فاعلم أن فائدته في الدين لا تكاد تذكر.
فأين هذا ممن عَدَّهُم الرسول صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
وتأمل جيداً كلمة "خالياً" في الحديث؛ فهو في خلوة ابتعد فيها عن السمعة والرياء، واصطحب فيها التجرد والإخلاص لله عز وجل.
وفي هذه الخلوة؛ يتذكر نِعَمَ الله عليه وعلى إخوانه وجماعته المسلمة، ويتفكر في إكرام الله له، وأول هذه النعم وأعظمها؛ نعمة الهداية، ويظل يردد بقلبه وجوارحه معنى؛ {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}، ويتفكر كذلك في أن إقبال الناس عليه وعلى دعوته وقبولهم لها ليس بسبب فصاحته وبلاغته أو عذوبة منطقه أو تمكنه من العلوم أو قوة حجته، ولكنه راجع إلى توفيق الله له، وكرم الله المحض عليه، وفضله المطلق عليه... وهكذا، يظل يعدد النعم كلها في خلوته تلك.
ولا ينسى أن يُذكِّر نفسه؛ أن الله قد كف عنه وعن إخوانهِ الأعداءَ - وما أكثرَهم في ذلك الزمان وما أشدَّ بطشَهم - ويتذكر أن الله هو الذي رد كيدهم في نحورهم، وليس ذلك لأنه جاهد وخطَّط، وأعَدَّ وجَهَّز، وضرب وحطم، وأَمَّن ونَظَّم، ولكن كان ذلك من محض فضل الله، ولولا فضل الله لكان كل الذي فعله - إن كان فعله - سبباً في تسليط الأعداء عليه وعلى إخوانه وسبباً في هلكتهم، ولكنَّ الله سلَّم.
ويتفكر كم تحتاج هذه النعم كلها إلى شكر عظيم وأين هو من هذا الشكر؟ وما نصيبه منه إن كان له نصيب؟!
وفي هذه الخلوة؛ يتذكر الابتلاءات والمصائب التي مرت عليه وعلى إخوانه، فقد يكون ذلك بسبب ذنوبه - لاسيما إن كان في موضع قيادة أو ريادة - ويظل يكرر على قلبه معنى؛ {قل هو من عند أنفسكم}، ثم يعزم على التوبة من تلك الذنوب، ورقع الخرق، وإصلاح العيب في نفسه، ويعزم على مثل ذلك إن كان في إخوانه شيء من ذلك فما نزل بلاء إلا بذنبٍ، ولا رُفِعَ إلا بتوبة - كما قال أحد السلف - فيتعود في الخلوة أن يمعن النظر إلى أسباب الابتلاءات من الناحية الشرعية الباطنة الدقيقة، وليس من الناحية الدنيوية الظاهرة فحسب.
وفي الخلوة؛ أشياء وأشياء كثيرة يصعب حصرها أو بيانها في تلك الصفحات القليلة، ولكني مُوقِنٌ أن سعة أفهامكم ووفور عقولكم، ستدلكم على ما لم يُكْتَبْ في هذه العُجالة.
ثالثاً؛ القيام ببعض الأعمال المتواضعة:
ومن وسائل تجديد الإيمان أن يقوم الأخ بين الحين والآخر ببعض الأعمال التي تربي على التواضع، وتزيل دواعي العجب من النفس الأمارة بالسوء، لاسيما إذا شعر الأخ المسلم أن شيئاً من ذلك تطرق إلى نفسه، أو نبهه أحد أساتذته ومشايخه إلى شيء من ذلك، شريطةَ أن لا تشغله هذه الأعمال عن عظائم أموره أو المهمات الجسام في الدين، وأن لا تجعله يقصر في أمرٍ أهم منه.
ومن هذه الأعمال - مثلاً -: أن يحمل حذاء رجل أعمى من عوام المسلمين الصالحين في المسجد ويُلْبِسَها له عند خروجه من المسجد، ثم يوصله إلى بيته، أو يشارك في تنظيف المسجد ومسحه وكنسه، أو يخدم بنفسه بعض أيتام المسلمين أو مرضاهم ويقضي حوائجهم، أو يسعى بنفسه لشراء بعض حاجات أولاد أحد الإخوة المبتلَينْ، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وكل هذه الأشياء لها فوائد عديدة يضيق المقام عن ذكرها.
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو من هو - يحمل قربة من الماء على ظهره ليسقي بها بعض بيوت المسلمين، فقيل له في ذلك، فقال: (أعجبتني نفسي، فأردت أن أؤدبها).
وكان يدواي البعير الأجرب، وكان يتسابق هو وأبو بكر الصديق إلى بعض بيوت أرامل المسلمين من القواعد من النساء لكي يطبخ أو يكنس، بل ويعجن كل واحد منهما عجين هؤلاء الأرامل، ولكن أبا بكر كان يسبقه دوماً إلى ذلك.
وفي هذا الباب كثير وكثير، شريطة أن لا يشغله ذلك عن عظائم الأمور ومهمات الدين الجسام - كما أسلفنا من قبل -
رابعاً؛ زيارة القبور:
ومن وسائل تجديد الإيمان؛ أن يزور الأخ القبور بين الحين والآخر، ويجلس عندها متدبراً متفكراً داعياً لنفسه ولموتى المسلمين، مستحضراً في هذه اللحظات الموت وما بعده، ويتفكر لو أنه كان الآن مكان صاحب هذا القبر الذي يجلس أمامه في تلك اللحظة؛ فكيف يكون حسابُه؟ وبماذا سيجيب ربه؟ وهل ستكون العاقبة له أم عليه؟
ثم يتدبر؛ أن هؤلاء الموتى كان منهم القوي والضعيف، والظالم والمظلوم، والغني والفقير، والأمير والحقير، والشاب والشيخ والصالح والطالح، فكلهم الآن تحت الثرى قد تركوا الدنيا وزينتها طوعاً أو كرهاً، وفارقوا الأحباب والخلان، ولم تصحبهم في تلك القبور الموحشة سوى أعمالهم، فمن كان عمله صالحاً كان قبره روضة من رياض الجنة، ومن كان غير ذلك كان قبره حفرةً من حفر النار - والعياذ بالله -
وفي زيارة الأخ للقبور يتفكر أيضاً في ذنوبه وتقصيره، ويستجمع فكره وعقله في تلك الأمور كلها، ثم يعزم بعد ذلك مع ربه عزمةَ صدقٍ - لا تردد فيها ولا نكوص عنها - على التوبة الخالصة والعمل الجاد في سبيل نصرة الإسلام.
ومن العجيب؛ أنك ترى بعض الإخوة الذين يعملون للإسلام منذ سنوات لم يزوروا القبور مرة واحدة، بل قد نجد أحدهم قد توفى أحدُ والديه أو كلاهما منذ سنوات، ولم يذهب لزيارة قبره مرة واحدة! وهذا نقصٌ في الوفاء، ودليلٌ على عدم البر.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور فقال: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرةَ).
وجاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها تشكو من قسوة قلبها، فأمرتها بأن تتذكر الموت بين الحين والآخر، ففعلت، فذهبت قساوة قلبها وجاءت تشكر السيدة عائشة نصيحتها.
ولقد كان أحد العلماء المجاهدين يحرص بين الحين والآخر على اصطحاب بعض الإخوة بعد صلاة الصبح لزيارة القبور، ويعظهم هناك موعظة بليغة، حتى أنه في أحد تلك المواعظ قال: (لئن لم يرزقنا الله الشهادة في سبيله لَنُعَذَّبَنَّ عذاباً أليماً، فذنوبنا كثيرة وأعمالنا قليلة)، ثم بكى، وبكى الحاضرون جميعاً.
وكان بعض الدعاة وطلبة العلم والمصلحون - منذ أكثر من عشر سنوات - في جامعة أسيوط ينظمون بين الحين والآخر رحلة لزيارة القبور، فكان يجتمع في هذه الرحلة أكثر من ثلاثين أخاً بعد صلاة الصبح يومَ الجمعة، وكنا نذهب إلى المقابر، حيث يتحدث أحد الإخوة ويعظ الحاضرين بموعظة بليغة موجزةٍ عن الموت وأهوال القبور ويوم القيامة والتوبة، ثم يذهب كل أخٍ ليجلس منفرداً عند أحد القبور متفكراً متدبراً فيما حوله، وداعياً خاشعاً تائباً، ثم يظل الإخوة على هذه الحالة قرابة الساعة، ثم يعودون أدراجهم مجتمعين في صمت دون كلام أو مزاح، وكان لهذه الرحلة تأثير طيبٌ جداً على الإخوة، وكانت تذكرهم فعلاً بالآخرة، وتحثهم على التوبة والأوبة، وتربي في نفوسهم الزهد في الدنيا وإيثار الآخرة، وتجدد إيمانهم حقاً.
خامساً؛ زيارة الصالحين:
ومن وسائل تجديد الإيمان؛ زيارة الصالحين والمجاهدين وأهل السَّبق في العمل الإسلامي، فهذه الزيارات لها أثر عظيم في تجديد الإيمان وصقله، وإذا كانت رؤية هؤلاء وحدها زاداً على الطريق الإيماني فكيف بمجالستهم ومصاحبتهم والاستماع إليهم والتعلم منهم والاستماع إليهم وإلى سيرتهم العطرة وسير زملائهم المجاهدين والصالحين؟! وكيف كان زهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة والموت في سبيل الله, وتضحياتهم في الدعوة والحسبة والجهاد؟!
وإن مثل هذه الزيارات تمثل شحناً لبطارية إيمان الأخ التي قد تكون أوشكت على النفاد.
وقد كان عمر بن الخطاب يقول: (لولا ثلاث ما أحببتُ البقاء في الدنيا)، ويعدد من هؤلاء الثلاث: (مصاحبة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما تنتقون أطايب الثمر).
ولعل أبرز مثل لذلك؛ ذهاب موسى عليه السلام لمصاحبة الخضر والتعلم منه، وذلك رغم مكانة موسى عليه السلام، ورغم أنه أفضل من الخضر، إلا أنه قال له: {هل أتبعك على أن تعلمن مما عُلِّمْتَ رشداً}.
وهؤلاء تلاميذ معاذ بن جبل ومحبوه - الذين كانوا يترددون عليه ويتعلمون منه - كانوا يبكون بكاءً شديداً حزناً على فراق معاذ حينما مَرِضَ مَرَضَ الموت، وذلك من أجل شعورهم أنهم سيفقدون ذلك المجلس الإيماني العظيم، الذي كانوا يجلسون فيه إلى معاذ بن جبل يجدد لهم إيمانهم ويعلمهم الحكمة والعلم بالله وبأمر الله.
فعن يزيد بن عميرة قال: (لما مَرِضَ معاذ بن جبل مرضه الذي قُبِضَ فيه كان يُغْشى عليه أحياناً ويفيق أحياناً، حتى غشي عليه غشيةً ظننا أنه قد قُبِضَ، ثم أفاق وأنا مقابِلُهُ أبكي، فقال: ما يبكيك؟! قلت: والله لا أبكي على دنيا كنتُ أنالُها منك، ولا على نسبٍ بيني وبينك ولكن أبكي على العلم والحكم الذي أسمع منك يذهب! قال: فلا تبك! فإن العلم والإيمان مكانَهما، من ابتغاهما وجدهما، فابتغه حيث ابتغاه إبراهيم عليه السلام فإنه سأل الله تعالى وهو لا يعلم - وتلا: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} -).
ويمكن للأخ أيضاً زيارة بعض آباء الشهداء والمقربين إليهم أو أصدقائهم، للاستماع إلى تاريخ حياتهم، وكيف كانوا يتعاملون مع ربهم ومع الناس ومع أهلهم.
لقد كان أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب يزوران أم أيمن حاضنة الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم - كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزورها - وليتذكروا سوياً أيام الرسول الكريم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس قال: قال أبوبكر رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - لعمر: (انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها)، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: (ما يبكيك؟ ما عند الله خيرٌ لرسوله،)، فقالت: (ما أبكي أَنْ لا أكونَ أَعْلَمُ أَنَّ ما عند الله خيرٌ لرسوله، ولكنْ أبكي أنَّ الوحيَ قد انقطع من السماء)، فهَيَّجَتْهُما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.
سادساً؛ تَذَكُّر أيام الله:
ومن الأسباب التي تعين على تجديد الإيمان؛ أن تتذكر أيام الله.
وقد أمر الله سيدنا موسى عليه السلام أن يُذَكِّرَ بني اسرائيل بأيام الله، قال تعالى: {وذكرهم بأيام الله}، وكأنها مهمة أساسية من مهام موسى عليه السلام، ومعناها؛ ذَكَّر بتلك الأيام التي أنجى الله فيها بني اسرائيل وغرق فيها فرعون وقومه، وذكرهم بأيام الله، بتلك الأيام التي نصر الله فيها أولياءه وأعز جنده وهزم الكفار وحده، ذكرهم بآيات الله الباهرة في تلك الأيام التي خلع الله فيها على أوليائه خُلعةَ النصر والتمكين في الأرض.
وما أصبح صومُ يومِ عاشوراء سُنَّةً في الإسلام؛ إلا لنتذكر هذا اليوم العظيم الذي أنجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين، وأغرق فيه فرعونَ ومن معه من الكافرين، إنه يومٌ من أيام الله حقاً، ولذا فإننا نصومه كل عام شكراً لله عز وجل على ذلك النصر العظيم، ولنكثر من سؤال الله عز وجل في ذلك اليوم أن يهلك فراعنة عصرنا وزبانيتهم كما أهلك فرعونَ موسى وزبانيتَه، وأن يهلك هامان عصرنا وجنده كما أهلك هامان وجنوده وغرقهم مع سيدهم فرعون في اليم، ولِنُكْثِرَ من سؤال الله في مثل ذلك اليوم أن ينصرنا وينجينا من أيدي الفراعنة، وأن يمكن لنا كما مكن لموسى ومن معه من المؤمنين في الأرض.
فعلى الأخ المسلم أن يتذكر بين الحين والآخر أيامَ الله، ويمعن التدبر فيما حَوَتْه تلك الأيام من عبر وعظات ودروس إيمانية عظيمة، عليه أن يذكِّر نفسه بين الحين والآخر؛ بيوم الفرقان يوم الْتَقَى الجمعان, ويوم خيبر، والفتح الأعظم، ويوم بني قينقاع، وبني النضير، وقريظة، ويتذكر يوم اليمامة، واليرموك، والقادسية، ونهاوند، وفتوحات المغرب والأندلس وجنوب روسيا، ويتذكر حطين، ويتذكرون عين جالوت، والقسطنطينية، والزلاقة، والأرك.
ولا ينسى أيضاً أن يتذكر ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه نوحاً ومن معه من المؤمنين، وتلك الأيام التي أنجى فيها هوداً، وصالحاً، ولوطاً، وشعيباً ومن معهم من المؤمنين، وأنزل فيها العذاب والعقاب بالكافرين والمعاندين.
ويتذكر أيضاً ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه إبراهيم من النار وجعلها برداً وسلاماً عليه، وكذلك اليوم الذي فدى الله فيه إسماعيل بذبحٍ عظيم.
فكل هذه الأيام هي من أيام الله التي تستحق الكثير والكثير من التدبر والتفكر، وفيها من المعاني الإيمانية ما لا تكفيه مجلداتٌ.
وكلما تفكر الأخ المسلم - الذي أتاه الله العلم النافع - في هذه الأيام؛ فإن الله سَيُفِيضُ على قلبه بفيوضٍ ربانية ومعانٍ إيمانية تملأ القلب يقيناً وتوكلاً وإنابةً وخشوعاً وخضوعاً واستسلاماً ومحبةً وإخلاصاً وتجرداً لله عز وجل.
وعلى الأخ المسلم أن لا يقتصر على تذكر أيام الله التي ذكرنا بعضها والتي ذكرها القرآن وبَيَّنَتْها كتب السنة والسيرة والتواريخ القديمة، بل عليه أن يتذكر أيام الله القريبة العهد منه، ولا يُغْفِلَها فقد تكونُ أشدَّ أثراً وأسهل نداءً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛
ومن أيام الله أيضاً؛ تلك الأيام العظيمة القريبة التي شهدت سقوط الشيوعية - ليس في أوربا الشرقية وحدها ولكن في العالم بأسره، متضمناً الاتحاد السوفيتي نفسه - لقد سقط ذلك الإله الذي عبده أكثر من نصف سكان العالم، ولم يكتفوا بعبودية صنم الشيوعية، ولكنهم جحدوا الأديان وجحدوا وجود الله عز وجل!
إن سقوط صنم الشيوعية والماركسية؛ يُعْتَبَرُ أعظم آية في ذلك العصر، وتعتبر أيامها من أعظم أيام الله في ذلك العصر.
والعجيب أن ذلك السقوط المدوِّي تم في ثلاثة أشهر فقط في أوربا الشرقية! ولنتأمل جميعاً عُمُر تلك الإمبراطورية الشيوعية إن عمرها لم تجاوز سبعين عاماً، قامت كلها على القهر والسجن والتعذيب والتشريد والحديد والنار، ويكفي أن تعلم أنها قتلت أكثر من عشرين مليوناً من المسلمين.
وعليك أخي المسلم؛ أن تقارن بين عمر الشيوعية وعمر الإسلام الذي تحاربه الدنيا كلُها، والذي لا تحميه أي دولة في العالم! بل يتحمل أبناؤه صنوف العذاب في كل بلاد الدنيا، ورغم مرور أربعةَ عشرَ قرناً من الزمان، مازال الإسلام غضّاً طرياً نابضاً.
وتفكر أخي، كيف سقط صنم الشيوعية بمجرد نقص - ولا أقول نقض - سلطة الدولة بضعة أيام! أما الإسلام، فرغم أن الدنيا قد أجمعت على حربه، فهو يزداد كل يوم قوة إلى قوة، ويكتسب أنصاراً ورجالاً فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وأسأل الله عز وجل أن يزيل ويسقط عُبَّاد الصليبية واليهودية والعلمانية وكافة صنوف الكفر والشرك على ظهر الأرض، ويطهر الأرض من تلك الأوثان، وينشر عليها ضياء الحق ونور الإسلام، وما ذلك على الله بعزيز.
وبعد، فأيام الله كثيرة وكثيرة، منها ما هو محلي أو عالمي، أو حتى في محيطٍ شخصي أو أُسَرِيٍّ، أو على مستوى الجماعة المسلمة الصغيرة في القطر الواحد من أقطار الإسلام.
والمهم أن على الأخ المسلم أن يتذكر هذه الأيام بين الحين والآخر، ويتدبر في معانيها الإيمانية، فإنها تحمل الكثير والكثير، ولعل الإشارة إلى ذلك تغني عن كثير من العبارة.
انتهى الكتاب
ولله الحمد أولاً وآخراً فهو الذي بنعمته تتم الصالحات
و عسى الله أن يهدينا و إياكم و إخواننا لما يجب و يرضى
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
................................
وسينشر إن شاء الله في كافة المنتديات للإفـــــــــــــــــــــــادة
(بسم الل)
http://www.mazameer.com/vb/images/smilies/x18.gif
:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
....................................
رسالة إلى كل من يعمل للإسلام...
هـــــــام جـــــــدا...إقرؤووووووه إخوتي يرحمكم الله...هـــــــام جـــــــــدا...
بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الْـحَـمْـدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْـعَـالَـمِـيـنَ ، وَالـصَّلَـاةُ وَالـسَّلَـامُ عَـلَـى رَسُـولِـهِ الأَمِـيـنِ
أَمِـا بَـعـدُ
جددوا إيمانكم إخوتي...
عليكم إخواني الكرام؛ أن تجددوا إيمانكم بين الحين والآخر، إن هذا التجديد ضرورةٌ لكل مسلم عامة، ولكل من يعمل للإسلام، خاصة إذ إن الأخ المسلم قد تشغله أعمال الدعوة وتدبير أمورها واحتياجاتها والتفكير في شأنها، أو قد تستغرقه أعمال الجوارح في العمل للإسلام، أو يستغرقه العمل في مواجهة الأعداء بكافة أساليب المواجهة التي شرعها الإسلام، قد تستغرقه كل هذه الأعمال عن عمل قلبه وإعطاء عمل القلب ما يستحق من الاهتمام، فالمسلم يسير إلى الله بقلبه لا بجوارحه في الأصل، وما عمل الجوارح للخير إلا انبعاث من صلاح القلب وهمته إلى الخير.
وقد يؤدي ذلك التقصير فيعمل القلب أن يَنْقُصَ حظ الأخ من معاني الإيمان الباطنة مثل الإخلاص لله، حتى أن الأخ يفتقد ما كان عليه من إخلاص في بداية التزامه، وقد ينقص حظ الأخ من الصدق واليقين والزهد والتوكل والخشية والإنابة والاستسلام والمحبة، حتى أن الأخ قد يتمنى بعد فترة؛ أن لو كان حالة القلب تعود كما كانت عليه في أول التزامه مع الإخوة.
كل ذلك يأتي نتيجة إهمال عمل القلب، فتجد الأخ بعد فترة يكثر من فضول الكلام، ويكثر من المباحات وفضول الأشياء؛ مثل فضول الطعام، والخُلْطَةِ في غير مصلحة دينية، ويكثر من النوم والكسل، ولا يسعى لتنظيم وقته، ويهدر كثيراً من أوقاته في غير فائدة أو مصلحة شرعية - وإن كانت في نفس الوقت ليست في حرام أو مكروه - وهذا كله، وإن كان في المباحات إلا أنها تتم بتوسع شديد ودون أدنى عائد ديني - أو حتى دنيوي -
والسبب في هذا التقصير هو إهمال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يدعو فيه كُلَّ مسلمٍ - مهما كان مستواه الإيماني وعمله ومكانته في الجماعة المسلمة - لتجديد الإيمان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جَدِّدُوا دينكم)، وأكثر قسمه: (لا ومقلبِ القلوب).
وقد وجدت كثيراً من الانتكاسات التي يمر بها بعض العاملين للإسلام، أو الوقوع في لجة الشهوات أو الشبهات التي قد تقع من بعضهم؛ إنما أساسها ومردها للتقصير في مسألة تجديد الإيمان هذه، وهي مسئولية مشتركة بين الفرد والقائد والجماعة المسلمة نفسها.
وكم رأينا أناساً وَصَلُوا في الالتزام بالإسلام والعمل له مرحلة طيبة، وقطعوا فيه شوطاً لا بأس به من عمرهم؛ ثم نكصوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم، وما ذلك كله إلا نتيجة حتمية للتقصير في عمل القلب، فكيف يسير إلى اللهِ وقلبُه قد توقف عن السير، وتعطل في الطريق، ونفد زاده الذي كان معه ولم يتزود بغيره؟! إن زاد قلبه السابق قطع معه مرحلة من مراحل سفره إلى الله، ثم نفد هذا الزاد؛ فهلك ذلك العبد في مَفَاوِزَ مُهْلِكَةٍ من ضلالة الشبهات ودناءة الشهوات.
بل إن كثيراً من الأعراض التي تنتاب بعض العاملين للإسلام في منتصف الطريق من حب الدنيا، أو غلبة الأثرة بعد الإيثار، أو الجشع والطمع بعد الزهد والورع، أو الجفوة والغلظة على المؤمنين بَعْدَ الشفقة والرحمة بهم، أو موالاة الظالمين بعد موالاة المؤمنين، أو العجب بالنفس والكبر على الغير بعد التواضع، أو الشموخ بنفسه - وجعل نفسه قضية ينازِعُ عليها ويخاصِمُ من أجلها - بعد الإخلاص؛ كل هذه الأعراض وغيرها - التي قد تنتاب البعض في منتصف الطريق - يعود كثير منها إلى تقلص عمل القلب، ونقص حظه من معاني الإيمان، التي لا يحيا القلب دونها، ويعود سبب ذلك كله؛ إلى إهمال مسألة تجديد الإيمان من قبل الفرد ومن قبل قائده والجماعة نفسها، لأن كلَّ أولئك مشتركون في هذه المسئولية.
وقد أعجبني تفسيرُ شيخٍ عالمٍ جليلٍ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل}، فقد قال في أحد دروسه التي كان يلقيها على الإخوة - خلال فترة ابتلائه - قال: (كيف يطلب منهم القرآن أن يؤمنوا وهم مؤمنون؟ بل والخطاب في الآية: {يا أيها الذين آمنوا} فما معنى ذلك الإيمان الذي يطلب منهم ها هنا؟)، ثم أردف قائلاً: (إن الآية تطالبهم بتجديد الإيمان دائماً، وذلك لأن الإيمان يحتاج إلى تجديد بين الحين والآخر).
كَيفَ نُجَدِّدُ إيمَانَنَا؟
ولكن، كيف يمكن تجديد الإيمان؟
إن الإجابة الكاملة على هذا التساؤل ليس مكانها تلك الصفحات القليلة وتلك الرسالة المختصرة، ولكن يمكننا أن نعرج على بعضها في عجالة سريعة تكون بمثابة الإشارة التي قد تُغني عن العبارة، والموفَّق من فهم مغزاها وعمل بها وعلمها لغيره.
إن تجديد الإيمان مسألة يسيرة على من يسرها الله عليه، ولمن جهَّز قلبه ونفسه وروحه لذلك التجديد، وهناك وسائل كثيرة تعين العبد على تجديد إيمانه.
فمنها على سبيل المثال لا الحصر؛ زيارة القبور، وزيارة الصالحين والمتقين، والعلماء الثقات، والمجاهدين، والمخلصين، ومنها؛ قراءة سير السلف الصالح، وسير العابدين والزاهدين والمجاهدين والصادعين بالحق، والصابرين والشاكرين، ومنها كذلك؛ الحديث مع صحبة قليلة صالحة حول سير أولئك القوم الذي تحدثت عنهم آنفاً، ومنها؛ التفكر في أيام الله، ومنها؛ إحداث زيادة في العبادات عن الأوراد السابقة التي كان الأخ يقوم بها، ومنها؛ الذهاب للعمرة وخاصة في شهر رمضان لمن يستطيع ذلك، ومنها؛ الخلوة بنفسه ولو قليلاً كل يوم أو بين الحين والآخر، ومنها؛ الإكثار من ختم القرآن والدعاء والقيام والصدقة أكثر من ذي قبل، ولعلنا نلقي بعض الضوء في الأسطر القادمة على بعض هذه الوسائل
أولاً؛ قراءة سير السلف الصالح:
فقراءة سير الزاهدين تربي في القلوب الزهد، وقراءة سير المجاهدين والشهداء تجعل القلب يُحَلِّقُ في السماء وكأنه يعيش معهم ويستلهم منهم ويتمنى أن لو كان واحداً منهم، بل إن قراءة سيرتهم تجد الواحد منا وكأنه قد انتظم في صف جيشهم، وكأنه يمتطي صهوة جواد يقاتل معهم ويصول ويجول في ميدان القتال، فكم أَحْيَتْ سيرة خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة عامر بن الجراح وعكرمة والمقداد والمثنى بن حارثة قلوباً عرفَتْها، وكم دفعت أقواماً للشهادة في سبيل الله، وكم حرضت على البذل والعطاء وإرواء شجرة الإسلام العظيمة من دماء الشهداء.
ومن أجل ذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون أبناءهم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلمونهم الآية من القرآن.
إن سيرة رجل مثل خالد بن الوليد؛ وحدها يمكن أن تحيي قلوب أمة بأسرها، وتستنهض همتها، وتشد عزيمتها، ومن أجل ذلك نُصِحَتْ بعضُ الأنظمة العَلْمانية بعدم تدريس "عبقرية خالد" التي كانت مقررة على طلاب الثانوية العامة منذ سنوات، وذلك لما أحدثته من أثر خطير على الطلاب في تلك السن، وذلك بالرغم من أن "عبقرية خالد" لا تُعتَبَرُ مثالية تماماً لمن يريد دراسة سيرة خالد بن الوليد دراسة مستفيضة، ورغم ذلك فقد كان أثرُها على أمة - كاد أن يموت فيها وازع الدين - عظيماً وكبيراً.
إن سيرة خالد بن الوليد وأمثاله؛ تجعل المسلم يحتقر الدنيا وشهواتها ولذاتها الفانية، وتجعله يحب الموت، وتجعله يمشي على الثرى وهمته في الثريا، وتجعله يحتقر نفسه الدنيئة التي تفكر أو تتعلق بعَرَضٍ زائلٍ أو متاعٍ رخيصٍ، وكم نَزَعَتْ سِيَرُهم من القلوب دواعي الرعب وهواتف الخوف وتلبيس الشيطان، وكم دفعت قلوباً إلى حصن التوكل الحق على الله.
أما قراءة سير الزهاد والصالحين؛ فَتُنْبِتُ في القلب شجرة الزهد في الدنيا، وتظل تسقي هذه الشجرة حتى تترعرع في القلب وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وسير العابدين تربي النفس على حب القيام والصيام والذكر والدعاء والخشوع والبكاء، فكم أنبتت سير التوابين بذور التوبة، وكم حركت قلوباً قست من كثرة بعدها عن ربها، وكم فتحت صنابيرَ دموعِ الندمِ والتوبة من أعينٍ ما عَرَفَتِ البكاء من قبل.
وقبل أن أختتم الحديث عن هذه النقطة أَوَدُّ أن أُذَكِّر بنقطتين هامتين:
أولاهما: أن لا يُقْتَصَر في سِيَرِهم على زمان معين، بل تُقْرُأُ سِيَرُهم من زمن الصحابة وحتى زماننا هذا.
ثانيهما: أن قراءة هذه السير لا تؤتي ثمارها المرجوَّة إلا إذا كان قلب الأخ وقتَها خالياً من كل الشواغل والعوائق، وكان يعيش بمشاعره وقلبه وجوارحه كلها مع سيرتهم العطرة، فيقرأ تلك السير وقد تخلى عن جميع العوائق والعلائق التي تحول بينه وبين الغوص في بحار لآلئها، فإذا أضيف إلى ذلك كله أن يقوم أحد الإخوة الأفاضل ببسط الدروس المستفادة من تلك السِّيَرِ، وخاصة الدروس الإيمانية، ويُشْتَرَطُ في هذا الأخ أن يكون من الذين آتاهم الله مبلغاً كبيراً من العلم بالله والعلم بأمر الله، ويُعْلَمُ من حاله التقوى والصلاح وكثرة البذل في سبيل الله مع الفهم الدقيق للسيرة والتاريخ الإسلامي.
فإذا ما استطعنا أن نفعل ذلك فإننا نكون قد فعلنا خيراً كثيراً، إلا أن الواقع العملي يبين أن هذه الشروط لا تتوفر في كثير من الإخوة! بل إنها لا توجد إلا في قلة قليلة منهم! ولكن ما أعظم أثرهم في تجديد الإيمان في الجماعة المسلمة.
ثانياً؛ الخَلْوة:
ومن وسائل تجديد الإيمان أن يخلو الأخ بنفسه بين الحين والآخر خلوةً غير خلوته في قيام الليل والأذكار والتلاوة الراتبة، فكما ورد في الأثر؛ أن للعاقل أربعَ ساعات، منها ساعة يخلو فيها بنفسه.
وهذه الخلوة في غاية الأهمية بالنسبة لكل من يعمل للإسلام، ففيها يختلي العبد بربه ومولاه وخالقه، وفيها يأنس بربه وبالقرب منه سبحانه وتعالى، وينفرد فيها بمحبوبه الأعظم، ويتذوق فيها حلاوة مناجاته سبحانه، وهذه الخلوة؛ يحاسب الأخ فيها نفسه ويقف معها وقفة الشريك الشحيح مع شريكه، يحاسبها بعيداً عن مدح المادحين وثناء المُثنين، ويحاسبها وهو يستشعر ذلك العبودية أمام مولاه وخالقه.
وفي هذه الخلوة؛ يتذكر ذنوبه ومعاصيه وتقصيره وغفلته – وخـاصة المعاصي الباطنة - التي لا يعرفها مادحوه ويعرفها هو من نفسه، وفي هذه الخلوة يسح دموع الندم والإنابة، ويبكي خوفاً من الله وحياءً وحباً وخشوعاً لعظمته سبحانه، ولعل هذه الدموع الصادقة قد تكون أنفعَ له وأجدى من كثير من عمله الذي يفرح به ويُعْجَبُ.
ولعلك تعجب من أخٍ قضى سنواتٍ في الالتزام ولم تَجُدْ عيناه بقطرة دمع خوفاً من الله وحياءً منه! فمن كان هذا شأنهَ؛ فاعلم أن فائدته في الدين لا تكاد تذكر.
فأين هذا ممن عَدَّهُم الرسول صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
وتأمل جيداً كلمة "خالياً" في الحديث؛ فهو في خلوة ابتعد فيها عن السمعة والرياء، واصطحب فيها التجرد والإخلاص لله عز وجل.
وفي هذه الخلوة؛ يتذكر نِعَمَ الله عليه وعلى إخوانه وجماعته المسلمة، ويتفكر في إكرام الله له، وأول هذه النعم وأعظمها؛ نعمة الهداية، ويظل يردد بقلبه وجوارحه معنى؛ {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}، ويتفكر كذلك في أن إقبال الناس عليه وعلى دعوته وقبولهم لها ليس بسبب فصاحته وبلاغته أو عذوبة منطقه أو تمكنه من العلوم أو قوة حجته، ولكنه راجع إلى توفيق الله له، وكرم الله المحض عليه، وفضله المطلق عليه... وهكذا، يظل يعدد النعم كلها في خلوته تلك.
ولا ينسى أن يُذكِّر نفسه؛ أن الله قد كف عنه وعن إخوانهِ الأعداءَ - وما أكثرَهم في ذلك الزمان وما أشدَّ بطشَهم - ويتذكر أن الله هو الذي رد كيدهم في نحورهم، وليس ذلك لأنه جاهد وخطَّط، وأعَدَّ وجَهَّز، وضرب وحطم، وأَمَّن ونَظَّم، ولكن كان ذلك من محض فضل الله، ولولا فضل الله لكان كل الذي فعله - إن كان فعله - سبباً في تسليط الأعداء عليه وعلى إخوانه وسبباً في هلكتهم، ولكنَّ الله سلَّم.
ويتفكر كم تحتاج هذه النعم كلها إلى شكر عظيم وأين هو من هذا الشكر؟ وما نصيبه منه إن كان له نصيب؟!
وفي هذه الخلوة؛ يتذكر الابتلاءات والمصائب التي مرت عليه وعلى إخوانه، فقد يكون ذلك بسبب ذنوبه - لاسيما إن كان في موضع قيادة أو ريادة - ويظل يكرر على قلبه معنى؛ {قل هو من عند أنفسكم}، ثم يعزم على التوبة من تلك الذنوب، ورقع الخرق، وإصلاح العيب في نفسه، ويعزم على مثل ذلك إن كان في إخوانه شيء من ذلك فما نزل بلاء إلا بذنبٍ، ولا رُفِعَ إلا بتوبة - كما قال أحد السلف - فيتعود في الخلوة أن يمعن النظر إلى أسباب الابتلاءات من الناحية الشرعية الباطنة الدقيقة، وليس من الناحية الدنيوية الظاهرة فحسب.
وفي الخلوة؛ أشياء وأشياء كثيرة يصعب حصرها أو بيانها في تلك الصفحات القليلة، ولكني مُوقِنٌ أن سعة أفهامكم ووفور عقولكم، ستدلكم على ما لم يُكْتَبْ في هذه العُجالة.
ثالثاً؛ القيام ببعض الأعمال المتواضعة:
ومن وسائل تجديد الإيمان أن يقوم الأخ بين الحين والآخر ببعض الأعمال التي تربي على التواضع، وتزيل دواعي العجب من النفس الأمارة بالسوء، لاسيما إذا شعر الأخ المسلم أن شيئاً من ذلك تطرق إلى نفسه، أو نبهه أحد أساتذته ومشايخه إلى شيء من ذلك، شريطةَ أن لا تشغله هذه الأعمال عن عظائم أموره أو المهمات الجسام في الدين، وأن لا تجعله يقصر في أمرٍ أهم منه.
ومن هذه الأعمال - مثلاً -: أن يحمل حذاء رجل أعمى من عوام المسلمين الصالحين في المسجد ويُلْبِسَها له عند خروجه من المسجد، ثم يوصله إلى بيته، أو يشارك في تنظيف المسجد ومسحه وكنسه، أو يخدم بنفسه بعض أيتام المسلمين أو مرضاهم ويقضي حوائجهم، أو يسعى بنفسه لشراء بعض حاجات أولاد أحد الإخوة المبتلَينْ، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وكل هذه الأشياء لها فوائد عديدة يضيق المقام عن ذكرها.
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو من هو - يحمل قربة من الماء على ظهره ليسقي بها بعض بيوت المسلمين، فقيل له في ذلك، فقال: (أعجبتني نفسي، فأردت أن أؤدبها).
وكان يدواي البعير الأجرب، وكان يتسابق هو وأبو بكر الصديق إلى بعض بيوت أرامل المسلمين من القواعد من النساء لكي يطبخ أو يكنس، بل ويعجن كل واحد منهما عجين هؤلاء الأرامل، ولكن أبا بكر كان يسبقه دوماً إلى ذلك.
وفي هذا الباب كثير وكثير، شريطة أن لا يشغله ذلك عن عظائم الأمور ومهمات الدين الجسام - كما أسلفنا من قبل -
رابعاً؛ زيارة القبور:
ومن وسائل تجديد الإيمان؛ أن يزور الأخ القبور بين الحين والآخر، ويجلس عندها متدبراً متفكراً داعياً لنفسه ولموتى المسلمين، مستحضراً في هذه اللحظات الموت وما بعده، ويتفكر لو أنه كان الآن مكان صاحب هذا القبر الذي يجلس أمامه في تلك اللحظة؛ فكيف يكون حسابُه؟ وبماذا سيجيب ربه؟ وهل ستكون العاقبة له أم عليه؟
ثم يتدبر؛ أن هؤلاء الموتى كان منهم القوي والضعيف، والظالم والمظلوم، والغني والفقير، والأمير والحقير، والشاب والشيخ والصالح والطالح، فكلهم الآن تحت الثرى قد تركوا الدنيا وزينتها طوعاً أو كرهاً، وفارقوا الأحباب والخلان، ولم تصحبهم في تلك القبور الموحشة سوى أعمالهم، فمن كان عمله صالحاً كان قبره روضة من رياض الجنة، ومن كان غير ذلك كان قبره حفرةً من حفر النار - والعياذ بالله -
وفي زيارة الأخ للقبور يتفكر أيضاً في ذنوبه وتقصيره، ويستجمع فكره وعقله في تلك الأمور كلها، ثم يعزم بعد ذلك مع ربه عزمةَ صدقٍ - لا تردد فيها ولا نكوص عنها - على التوبة الخالصة والعمل الجاد في سبيل نصرة الإسلام.
ومن العجيب؛ أنك ترى بعض الإخوة الذين يعملون للإسلام منذ سنوات لم يزوروا القبور مرة واحدة، بل قد نجد أحدهم قد توفى أحدُ والديه أو كلاهما منذ سنوات، ولم يذهب لزيارة قبره مرة واحدة! وهذا نقصٌ في الوفاء، ودليلٌ على عدم البر.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور فقال: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرةَ).
وجاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها تشكو من قسوة قلبها، فأمرتها بأن تتذكر الموت بين الحين والآخر، ففعلت، فذهبت قساوة قلبها وجاءت تشكر السيدة عائشة نصيحتها.
ولقد كان أحد العلماء المجاهدين يحرص بين الحين والآخر على اصطحاب بعض الإخوة بعد صلاة الصبح لزيارة القبور، ويعظهم هناك موعظة بليغة، حتى أنه في أحد تلك المواعظ قال: (لئن لم يرزقنا الله الشهادة في سبيله لَنُعَذَّبَنَّ عذاباً أليماً، فذنوبنا كثيرة وأعمالنا قليلة)، ثم بكى، وبكى الحاضرون جميعاً.
وكان بعض الدعاة وطلبة العلم والمصلحون - منذ أكثر من عشر سنوات - في جامعة أسيوط ينظمون بين الحين والآخر رحلة لزيارة القبور، فكان يجتمع في هذه الرحلة أكثر من ثلاثين أخاً بعد صلاة الصبح يومَ الجمعة، وكنا نذهب إلى المقابر، حيث يتحدث أحد الإخوة ويعظ الحاضرين بموعظة بليغة موجزةٍ عن الموت وأهوال القبور ويوم القيامة والتوبة، ثم يذهب كل أخٍ ليجلس منفرداً عند أحد القبور متفكراً متدبراً فيما حوله، وداعياً خاشعاً تائباً، ثم يظل الإخوة على هذه الحالة قرابة الساعة، ثم يعودون أدراجهم مجتمعين في صمت دون كلام أو مزاح، وكان لهذه الرحلة تأثير طيبٌ جداً على الإخوة، وكانت تذكرهم فعلاً بالآخرة، وتحثهم على التوبة والأوبة، وتربي في نفوسهم الزهد في الدنيا وإيثار الآخرة، وتجدد إيمانهم حقاً.
خامساً؛ زيارة الصالحين:
ومن وسائل تجديد الإيمان؛ زيارة الصالحين والمجاهدين وأهل السَّبق في العمل الإسلامي، فهذه الزيارات لها أثر عظيم في تجديد الإيمان وصقله، وإذا كانت رؤية هؤلاء وحدها زاداً على الطريق الإيماني فكيف بمجالستهم ومصاحبتهم والاستماع إليهم والتعلم منهم والاستماع إليهم وإلى سيرتهم العطرة وسير زملائهم المجاهدين والصالحين؟! وكيف كان زهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة والموت في سبيل الله, وتضحياتهم في الدعوة والحسبة والجهاد؟!
وإن مثل هذه الزيارات تمثل شحناً لبطارية إيمان الأخ التي قد تكون أوشكت على النفاد.
وقد كان عمر بن الخطاب يقول: (لولا ثلاث ما أحببتُ البقاء في الدنيا)، ويعدد من هؤلاء الثلاث: (مصاحبة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما تنتقون أطايب الثمر).
ولعل أبرز مثل لذلك؛ ذهاب موسى عليه السلام لمصاحبة الخضر والتعلم منه، وذلك رغم مكانة موسى عليه السلام، ورغم أنه أفضل من الخضر، إلا أنه قال له: {هل أتبعك على أن تعلمن مما عُلِّمْتَ رشداً}.
وهؤلاء تلاميذ معاذ بن جبل ومحبوه - الذين كانوا يترددون عليه ويتعلمون منه - كانوا يبكون بكاءً شديداً حزناً على فراق معاذ حينما مَرِضَ مَرَضَ الموت، وذلك من أجل شعورهم أنهم سيفقدون ذلك المجلس الإيماني العظيم، الذي كانوا يجلسون فيه إلى معاذ بن جبل يجدد لهم إيمانهم ويعلمهم الحكمة والعلم بالله وبأمر الله.
فعن يزيد بن عميرة قال: (لما مَرِضَ معاذ بن جبل مرضه الذي قُبِضَ فيه كان يُغْشى عليه أحياناً ويفيق أحياناً، حتى غشي عليه غشيةً ظننا أنه قد قُبِضَ، ثم أفاق وأنا مقابِلُهُ أبكي، فقال: ما يبكيك؟! قلت: والله لا أبكي على دنيا كنتُ أنالُها منك، ولا على نسبٍ بيني وبينك ولكن أبكي على العلم والحكم الذي أسمع منك يذهب! قال: فلا تبك! فإن العلم والإيمان مكانَهما، من ابتغاهما وجدهما، فابتغه حيث ابتغاه إبراهيم عليه السلام فإنه سأل الله تعالى وهو لا يعلم - وتلا: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} -).
ويمكن للأخ أيضاً زيارة بعض آباء الشهداء والمقربين إليهم أو أصدقائهم، للاستماع إلى تاريخ حياتهم، وكيف كانوا يتعاملون مع ربهم ومع الناس ومع أهلهم.
لقد كان أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب يزوران أم أيمن حاضنة الرسول الرسول صلى الله عليه وسلم - كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزورها - وليتذكروا سوياً أيام الرسول الكريم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس قال: قال أبوبكر رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - لعمر: (انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها)، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: (ما يبكيك؟ ما عند الله خيرٌ لرسوله،)، فقالت: (ما أبكي أَنْ لا أكونَ أَعْلَمُ أَنَّ ما عند الله خيرٌ لرسوله، ولكنْ أبكي أنَّ الوحيَ قد انقطع من السماء)، فهَيَّجَتْهُما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.
سادساً؛ تَذَكُّر أيام الله:
ومن الأسباب التي تعين على تجديد الإيمان؛ أن تتذكر أيام الله.
وقد أمر الله سيدنا موسى عليه السلام أن يُذَكِّرَ بني اسرائيل بأيام الله، قال تعالى: {وذكرهم بأيام الله}، وكأنها مهمة أساسية من مهام موسى عليه السلام، ومعناها؛ ذَكَّر بتلك الأيام التي أنجى الله فيها بني اسرائيل وغرق فيها فرعون وقومه، وذكرهم بأيام الله، بتلك الأيام التي نصر الله فيها أولياءه وأعز جنده وهزم الكفار وحده، ذكرهم بآيات الله الباهرة في تلك الأيام التي خلع الله فيها على أوليائه خُلعةَ النصر والتمكين في الأرض.
وما أصبح صومُ يومِ عاشوراء سُنَّةً في الإسلام؛ إلا لنتذكر هذا اليوم العظيم الذي أنجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين، وأغرق فيه فرعونَ ومن معه من الكافرين، إنه يومٌ من أيام الله حقاً، ولذا فإننا نصومه كل عام شكراً لله عز وجل على ذلك النصر العظيم، ولنكثر من سؤال الله عز وجل في ذلك اليوم أن يهلك فراعنة عصرنا وزبانيتهم كما أهلك فرعونَ موسى وزبانيتَه، وأن يهلك هامان عصرنا وجنده كما أهلك هامان وجنوده وغرقهم مع سيدهم فرعون في اليم، ولِنُكْثِرَ من سؤال الله في مثل ذلك اليوم أن ينصرنا وينجينا من أيدي الفراعنة، وأن يمكن لنا كما مكن لموسى ومن معه من المؤمنين في الأرض.
فعلى الأخ المسلم أن يتذكر بين الحين والآخر أيامَ الله، ويمعن التدبر فيما حَوَتْه تلك الأيام من عبر وعظات ودروس إيمانية عظيمة، عليه أن يذكِّر نفسه بين الحين والآخر؛ بيوم الفرقان يوم الْتَقَى الجمعان, ويوم خيبر، والفتح الأعظم، ويوم بني قينقاع، وبني النضير، وقريظة، ويتذكر يوم اليمامة، واليرموك، والقادسية، ونهاوند، وفتوحات المغرب والأندلس وجنوب روسيا، ويتذكر حطين، ويتذكرون عين جالوت، والقسطنطينية، والزلاقة، والأرك.
ولا ينسى أيضاً أن يتذكر ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه نوحاً ومن معه من المؤمنين، وتلك الأيام التي أنجى فيها هوداً، وصالحاً، ولوطاً، وشعيباً ومن معهم من المؤمنين، وأنزل فيها العذاب والعقاب بالكافرين والمعاندين.
ويتذكر أيضاً ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه إبراهيم من النار وجعلها برداً وسلاماً عليه، وكذلك اليوم الذي فدى الله فيه إسماعيل بذبحٍ عظيم.
فكل هذه الأيام هي من أيام الله التي تستحق الكثير والكثير من التدبر والتفكر، وفيها من المعاني الإيمانية ما لا تكفيه مجلداتٌ.
وكلما تفكر الأخ المسلم - الذي أتاه الله العلم النافع - في هذه الأيام؛ فإن الله سَيُفِيضُ على قلبه بفيوضٍ ربانية ومعانٍ إيمانية تملأ القلب يقيناً وتوكلاً وإنابةً وخشوعاً وخضوعاً واستسلاماً ومحبةً وإخلاصاً وتجرداً لله عز وجل.
وعلى الأخ المسلم أن لا يقتصر على تذكر أيام الله التي ذكرنا بعضها والتي ذكرها القرآن وبَيَّنَتْها كتب السنة والسيرة والتواريخ القديمة، بل عليه أن يتذكر أيام الله القريبة العهد منه، ولا يُغْفِلَها فقد تكونُ أشدَّ أثراً وأسهل نداءً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛
ومن أيام الله أيضاً؛ تلك الأيام العظيمة القريبة التي شهدت سقوط الشيوعية - ليس في أوربا الشرقية وحدها ولكن في العالم بأسره، متضمناً الاتحاد السوفيتي نفسه - لقد سقط ذلك الإله الذي عبده أكثر من نصف سكان العالم، ولم يكتفوا بعبودية صنم الشيوعية، ولكنهم جحدوا الأديان وجحدوا وجود الله عز وجل!
إن سقوط صنم الشيوعية والماركسية؛ يُعْتَبَرُ أعظم آية في ذلك العصر، وتعتبر أيامها من أعظم أيام الله في ذلك العصر.
والعجيب أن ذلك السقوط المدوِّي تم في ثلاثة أشهر فقط في أوربا الشرقية! ولنتأمل جميعاً عُمُر تلك الإمبراطورية الشيوعية إن عمرها لم تجاوز سبعين عاماً، قامت كلها على القهر والسجن والتعذيب والتشريد والحديد والنار، ويكفي أن تعلم أنها قتلت أكثر من عشرين مليوناً من المسلمين.
وعليك أخي المسلم؛ أن تقارن بين عمر الشيوعية وعمر الإسلام الذي تحاربه الدنيا كلُها، والذي لا تحميه أي دولة في العالم! بل يتحمل أبناؤه صنوف العذاب في كل بلاد الدنيا، ورغم مرور أربعةَ عشرَ قرناً من الزمان، مازال الإسلام غضّاً طرياً نابضاً.
وتفكر أخي، كيف سقط صنم الشيوعية بمجرد نقص - ولا أقول نقض - سلطة الدولة بضعة أيام! أما الإسلام، فرغم أن الدنيا قد أجمعت على حربه، فهو يزداد كل يوم قوة إلى قوة، ويكتسب أنصاراً ورجالاً فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وأسأل الله عز وجل أن يزيل ويسقط عُبَّاد الصليبية واليهودية والعلمانية وكافة صنوف الكفر والشرك على ظهر الأرض، ويطهر الأرض من تلك الأوثان، وينشر عليها ضياء الحق ونور الإسلام، وما ذلك على الله بعزيز.
وبعد، فأيام الله كثيرة وكثيرة، منها ما هو محلي أو عالمي، أو حتى في محيطٍ شخصي أو أُسَرِيٍّ، أو على مستوى الجماعة المسلمة الصغيرة في القطر الواحد من أقطار الإسلام.
والمهم أن على الأخ المسلم أن يتذكر هذه الأيام بين الحين والآخر، ويتدبر في معانيها الإيمانية، فإنها تحمل الكثير والكثير، ولعل الإشارة إلى ذلك تغني عن كثير من العبارة.
انتهى الكتاب
ولله الحمد أولاً وآخراً فهو الذي بنعمته تتم الصالحات
و عسى الله أن يهدينا و إياكم و إخواننا لما يجب و يرضى
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
................................
وسينشر إن شاء الله في كافة المنتديات للإفـــــــــــــــــــــــادة