إعلانات المنتدى


ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
إنّ للجَنّةِ في الأندَلُسِ .. مُجتَلى حُسنٍ وَرَيّا نَفَسِ

فسَنا صُبحَتِها مِن شَنبٍ .. وَدُجَى لَيلَتِها مِن لَعَسِ

وإذا مَا هَبّتِ الرّيحُ صَبَا .. صِحْتُ وَاشَوقِي إلى الأندَلُسِ

وَبعدُ أيّها النّدِيمُ الصّادقُ

هَبْ أنّكـَ رأيتَ فِي منَامِكَ حُلُماً جَمِيْلاً ، دَرَجْتَ فيهِ وسطَ جَنّةٍ غَنّاءَ ، ذاتَ بسَاتِينَ وأنهارٍ ، وجَبالٍ وسُهُولٍ ، وفَاكِهَةٍ وأعنابٍ ، رَائِحَةُ الزّهورِ والوُرودِ والرّياحِين تَعبِقُ مِن حَولِكـَ ، وإلى سَمعِكَ تُزَفّ أنشُودَةٌ ساحِرَةٌ تَعزِفُها البلابِلُ والعَصافِيرُ ، والشّمسُ تحتَجِبُ خَلفَ سَحابٍ تَألّفَ حَتّى أصبَحَ رُكَاماً ، فَجَرى الوَدقُ مِن خِلالِهِ ، وَبعثَ نَسيماً بَارِداً رقرَاقاً يَهُبّ كُلّ فَينَةٍ ليُصَافِحَ قَسَماتِ وَجهِكَ بإحسَاسِ الحُبُورِ والنّعيمِ ، وأنتَ وسطَ هَذهِ الرّوعَةِ الصّادِحَةِ بالجَمَالِ تَتَلَذّذُ وتَتَأملُ ، وَترفُلُ نَاعِماً مُبتَهِجاً ، ثُمّ فَجأةً ينقَطِعُ حلمكَ ، وتَصحُو مِن نَومِكـَ ، لتُغَادِرَ ذلكَ الجَمَالَ الحَالِمَ ، ويُفارِقَكَ ذلكَ الحُلُمُ الجَميلُ .

لَقَد فَطرَ اللهُ عَزّ وجلّ البَشَر عَلى حُبّ الجَمَالِ وَتَذوّقِهِ فِي كُلّ شيءٍ ، فِيمَا يَرَونَ ، ويَسمَعُونَ ، ويأكُلُونَ ، وَيَشُمّونَ ، وَيلبَسُونَ ، بَل حَتّى فِي أحلامِ مَنَامِهِم ويَقظَتِهِم ، وَمَاضِيهِم ومُستَقبَلِهِم ، تَرى أحَدَهُم يستَلِذُّ بتَذكّرِ رؤيَا جمِيلةٍ رآهَا ، وَيُعِيدُ عَلى قَلبِهِ كُلّ مَا يتَذكّرُ مِن تَفَاصِيلِها ، وأحيَاناً يسرَحُ مَعَ أحلامِ مُستَقبَلِهِ فيَمتَلئُ بِشراً ، ويرقُصُ طَرباً ، ولمّا يُحَقّق شَيئاً مِنها .

إنّها ذَائِقَةُ الجَمَالِ الّتي يَختَلِفُ فيهَا النّاسُ فتختَلفُ أذوَاقُهُم ، فَيذهَبُونَ فِي ذلك مذَاهِبَ شَتّى ، ويتَطَرّقونَ طَرَائِقَ قِدَداً .

عَفواً أيّهَا القارِئُ المِفضَالُ ، فهَذِهِ مُقَدّمَةُ حَديثٍ استَطرَدَ فيهَا القَلَمُ ، وَسلكَ مَالَم آمرهُ بِهِ ، وَسَبقَ إلى مَالَم أُجَرّدهُ لأجلِهِ ، وكَانّهُ يَأبَى - كَعَادَتِهِ - إلاّ أن يكتُبَ مَايُريدُ لا مَا أرِيدُ ، وأن يُمليْ عَليّ لأكتُبَ لا العَكس ، وإنّي إنْ خَاشَنتُهُ وقَبَضتُ لِجَامَهُ أحجَمَ ونَكَصَ ، ثُمّ ازدَادَ عِنادُهُ فأقسَمَ عَلى مُعاقبتي بالصّمتِ والجَفوَةِ فَلَم يَكتُب لِي حَرفاً ، فأنَا لَم أزلْ مَعَهُ فِي مُدَارَاةٍ ومُسَايَرةٍ وَسيَاسَةٍ ، عَسَى أن يَسمَحَ بإصدَارِ حَديثِ نَفسي ، وطِبَاعَةِ مَعَانيَ رُوحِي .

عَوداً عَلَى بَدءٍ ، إلَى ذلكَ الحُلُمِ الجَمِيلِ الذي فَقَدتَهُ ، ولمّا تَزلْ تلتَذُ بِهِ ، أتعلَمُ يَا صَاحِبي أنّ ثَمّةَ حُلُمٍ أجمَلُ مِن حُلُمِكَ الّذي رأيتَ ؟

حُلُمٍ رأيناهُ ولم نَعِشهُ ، كَلاّ بَل هُوَ رُؤيا صِدقٍ بيضَاءَ ناصِعَةٍ ، امتدّتْ مِئَات السّنينِ ، زَاخِرةً بالإمتَاعِ ، رافِلةً في الجَمَالِ ، مُنذُ أن أسرَجَ مُوسى بنُ نُصَيرٍ خيلَهُ عَلى ضِفافِ مَضيقِ جَبلِ طارقٍ ، حَتّى سَلّمَ أبُو عَبدِ اللهِ الصّغيرِ مَفاتِيحَ غِرنَاطَةَ لفرديناند ملكِ الأفرنجِ .

لَقَد كانَ بينَ هذينِ التّاريخَينِ عَهداً جَمِيلاً لا يشبِهُهُ عَهدٌ ، وَلَوحةً مَاتِعةً مِن أجمَلِ لَوحاتِ العِلمِ والأدبِ والبيَانِ ، ارتَسمَت مَلامِحُهَا عَلى صَحَائِفِ الدّهرِ حيناً ، وأشرَقت عَلى وِهادِ الأندَلُسِ وَسُهُولِهَا وأنهَارِهَا وَوِديَانِها ، بطَابِعٍ إسلاميٍّ خالِصٍ ، وَفنٍّ عَربيٍّ أصيلٍ ، لاَ يكَادُ مَن تَأمّل مَحَاسِنَهُ ، وَقلّبَ النّظرَ فِي أطرَافِهِ إلا أن يُرَدّدَ :

إنّي تَذكّرتُ والذّكرَى مُؤرّقَةٌ .. ( حُلماً جَميلاً ) بأيدينَا أضعنَاهُ

إنّ الأندَلُسَ بِتَاريخِهَا وفتُوحَاتِهَا ومُدُنِهَا وَجَنّاتِهَا وأنهَارِهَا وَعُلَمَائِهَا وأدَبَائِهَا وشُعَرَائِها بَل وَحتّى اسمِهَا العَسَْجديّ الفَاتِنِ تَحكِي ذلكَ الحُلُمَ الجَميلَ ، الّذي استَفقنَا عَلى فَقدِهِ ، وَلَم يبقَ لَنا إلا تَذكّرُ أحداثِهِ ، والوُقوفُ عَلى أطلاَلِهِ ، نَتَذَوّقُ جَمَالَهُ ، ونستَلِذّ بِهِ ، كَمَا تَذوّقهُ الشّاعِرُ الأندَلُسيُ حِينَ يَقُولُ :

فِي أرضِ أندَلُسٍ تَلتَذّ نَعمَاءُ .. ولا يُفارِقُ فِيهَا القَلبَ سَرّاءُ

وَليسَ فِي غَيرِهَا بِالعَيشِ مُنتَفَعٌ .. وَلا تَقومُ بحقّ الأُنسِ صَهباءُ

وأينَ يُعدَلُ عَن أرضٍ تَحُضّ بِها .. عَلى المُدَامَةِ أموَاهٌ وأفيَاءُ

وَكَيفَ لاَ يُبهِجُ الأبصَارَ رؤيَتَها .. وَكُلّ رَوضٍ بِها في الوَشيِ صَنعَاءُ

أنهَارُها فِضّةٌ ، والمِسكُ تربَتُها .. والخَزّ رَوضتُهَا ، والدّرّ حَصبَاءُ

ولِلهَواءِ بِها لُطفٌ يرقّ بهِ .. مَن لا يرقُ ، وتَبدُو مِنهُ أهوَاءُ

لَيسَ النّسيمُ الّذي يهفُو بِها سَحَراً .. ولا انتثارُ لآلي الطّلّ أندَاءُ

وإنّمَا أرَجُ النّدِّ استَثَارَ بِهَا .. فِي ماءِ وَردٍ فطَابَتْ مِنهُ أرجاءُ

وَأينَ يبلُغُ مِنهَا مَا أصَنّفُهُ .. وَكيفَ يَحوِي الّذي حَازَتهُ إحصَاءُ

دَارَت عليها نِطاقاً أبحُرٌ خَفقَت .. وجداً بها إذ تَبدّت وهْيَ حَسنَاءُ

لِذاكَ يبسُمُ فيهَا الزّهرُ مِن طَرَبٍ .. والطّيرُ يشدُو وللأغصانِ إصغَاءُ

فِيهَا خَلَعتُ عِذَاري مَا بِها عِوَضٌ .. فهيَ الرّياضُ ، وكُلّ الأرضِ صَحراءُ

وَهذِهِ أيّها الكِرامُ صَفحَةٌ جَامِعَةٌ ، بَلْ ذِكرَى حُلمٍ جَميلٍ غَابرٍ ، تَتَسَامَرُ فيهِ الأقلامُ كَمَا كانَت تَتَسامَرُ أمَامَ جَامِعِ قُرطُبَةَ ، أو فوقَ قَنطَرتِهَا ، وتُتَبَادَلُ الأخبَارُ والأشعَارُ مِثلَما كَانت تُتَبَادَلُ عَلى ضِفَافِ نَهر اشبيلية ، أو تَحتَ قَلعَةِ المَرية .

وأربُعِ أحبَابٍ إذا مَا ذَكرتُهَا .. بكيتُ ، وقَد يُبْكيكَ ما أنتَ ذاكِرُ

بِطَاحٌ وأدوَاحٌ يرُوقُكَ حُسنُهَا .. بكُلّ خَليجٍ نمنمتهُ الأزاهِرُ

فَمَاهوَ إلا فِضّةٌ فِي َزبَرجَدٍ .. تَسَاقَطَ فيهِ اللؤلؤُ المُتنَاثِرُ

بِحيثُ الصّبَا والتّربُ والمَاءُ والهَوى .. عبيرٌ وكَافُورٌ ورَاحٌ وعاطِرُ

وَما جَنّةُ الدنيَا سِوى مَا وَصفتُهُ .. وَمَا ضَمّ مِنْهُ الحُسنَ نَجدٌ وَحاجِرُ

بِلادي الّتي أهلِي بِها وأحِبّتي .. وَرُوحي وقَلبي والمُنى والخَوَاطِرُ

تُذَكّرُني أنجَادُهَا وَوِهَادُهَا .. عُهوداً مَضتْ لي وهْيَ خُضرٌ نَوَاضِرُ

إذِ العَيشُ صافٍ والزمَانُ مُسَاعِدٌ .. فلا العَيشُ مَملولٌ ولا الدّهرُ جَائِرُ

بِحَيثُ لَيَالينَا كَغَضّ شَبَابِنَا .. وأيّامُنَا سِلكٌ ونحنُ جَواهِرُ

لَيَاليَ كَانت للشّبِيبَة دَولةٌ .. بِهَا مَلكُ اللذاتِ ناهٍ وآمِرُ

سَلامٌ عَلى تِلكَ العُهُودِ فإنّهَا .. مَوَارِدُ أفرَاحٍ تَلتهَا مَصَادِرُ

هُنَا أمسِكُ العِنانَ ، وَللحَدِيثِ اتّصالٌ بإذنِ اللهِ فِي سِلسِلَةِ " لَيَالٍ أندَلسيّةٍ " ، نُسَافِرُ فِيهَا إلى فِردَوسِنَا الجَمِيلِ المَفقودِ ، نَرفُلُ وسطَ جَنّاتِهِ وأنهَارِهِ ودَوحِهِ ، ونتَضَوّعُ عبيرَ نَرجَسِهِ الفَوّاحِ ، وشَذَى أقحُوانِهِ العَابِقِ .

دُمتُمْ على خَيرٍ وتُقى
 

هاني مكاوي

مراقب قدير سابق
28 مايو 2007
5,869
35
0
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

يا سلااااااااااااااااااااااااااااااام يا طيبي ما أروعك

لقد اخذتني بعيدا عن هذا العالم التعيس ومتابعه



شكرا لك
 

عبيد الجزائري

مزمار ألماسي
13 مارس 2007
1,867
1
38
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

رائعة أخي الكريم
لقد أيقظت لهفتنا لتلك الديار أعادها الله للمسلمين ولكن يجب أن نعرف أن الذين فتحوها انما فتحوها بالدين والعزم وأن الذين ضيعوها انما ضيعوها باتباع متاع الدنيا
بارك الله فيك أخي الطيبي
 

أبو سفيان

مراقب قدير سابق
26 مايو 2008
3,655
12
38
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

بوركت أخي الطيبي
 

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

أخَا الصّدقِ : هــــــــــــاني

مُتاَبعتُكَ شَرَفٌ ، عَسَى أن أوفيَهُ حَقّهُ .

وهَذا المقَالُ إنّمَا هُوَ مُلتَقىً لِكُلّ مُحبٍّ للأندلُسِ ليُدليَ بدَلوِهِ عَسَى أن نعُودَ لذلكَ الفِردَوسِ الجَميلِ ، ونَفيَ لأجدَادِنَا الّذينَ ملئُوا مَا بينَ خَافِقَيهِ عِلماً وأدَباً ، وَلو بِالذكرَى .
 

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

الأخ عبيد ........إنّنَا مُلزَمُونَ فِي ظِلّ واقِعِنَا بِوَاجِبَينِ هُمَا أقلّ القَلِيلِ مِمّا نَقدِرُ عَليهِ

أمّا الأولُ فهوَ أمَامَ أسلافِنَا الأوّلينَ ، الذينَ حَمَلُوا الرّايَةَ ، ونَشَرُوا الإسلامَ ، فالوَاجِبُ لهُم ذِكرُ مآثِرِهِم ، والتّرَحّمُ عليهِم ، وتَأمّلُ سيرَتِهِم وأخبَارِهِم ، فَهُم أولى بالتّمجيدِ والتّخليدِ مِن رؤساءِ الغَربِ والشّرقِ الّذينَ خَلّدَ قَومُهُم سِيرَهُم .

وأمّا الثّانِي فَهُوَ أمَامَ أجيَالنَا القَادِمَةِ ، أن نُذَكّرَهُم دَائِماً أنّ لَهُم مَجداً تَرامَت أطرَافُهُ مِن حُدُودِ الصّينِ إلى حُدُودِ فرنسا ، بَنتهُ أكُفّ الرّجَالِ المُخلِصينَ ، وعَطّرتهُ سنَابِكُ الخَيلِ العَاديات ، وأن هذَا المَجدَ أمَانةٌ لا يَجُوزُ أن تُخانَ أو تُباعَ رخيصَةً بمُحَادثاتِ سلامٍ ، أو لِقاءَاتِ تَسوِيَةٍ ، أو خَرائطِ طَريقٍ ، فَعسَى أن يَخرُجَ مِنهُم خَالدٌ والمُثَنى ، ومُوسى وطَارقٌ ، ، ومَا ذلكَ على اللهِ بعَزيزٍ .

دُمتَ مُحِبّاً
 

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......

الأخ أبو سفيــــــــان .....مروركـ، شرفـ،ُ ُ لي .بَاركَ الله ُ فيكـ، ..
إني تذكرت والذكرى مؤرقة ** مجداً تليداً بأيــــــــــــدينا اضعناه
 

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
رد: ليَـــــــــــــــــالٍ أندَلُسيّةٌ جميلة ......


مَجلِسٌ في أصْلِ اسمِ الأندَلُسِ وتَعرِيبِهِ

نَقَلَ التلمسَانيّ فِي نَفحِ الطّيبِ أنّ الأندَلُسَ إنّمَا سُمّيَت بهَذا نِسبَةً إلى أندلسِ بنِ طُوبال بن يَافِث بن نوح ، لأنه نَزلهَا ، وأنّ أخَاهُ سبتَ بن يافث نَزَلَ العُدوَةَ المُقَابِلَةَ مِن ناحِيَةِ المَغرِب والمُسمّاة سَبتَة - معرُوفَةٌ - نِسبَةً إليهِ ، والعَجَبُ أن سبتَة هذِهِ تَخضَع للأسبانِ اليَومَ رغمَ وُقوعِها دَاخِلَ الأراضي المَغربيّةِ .

وَزَعمَ مَوقِع موسُوعَة ويكبيديا أن الأندَلُسَ اسمٌ أطلَقَهُ المُسلِمُونَ على مَنطِقَةِ جَنُوبِ أسبَانية ، وَهُو الإقليمُ المَعرُوف فيهَا حَتّى اليَومَ

والصّوَابُ أنّ بِلاَدَ الفندَال أو الوَندَالِ أو ما عُرِفَ في العَصرِ الإسلاميّ بالأندَلُس شَمَلَ شِبهَ الجَزِيرَةِ الأسبَانِيّةِ بالكَامِلِ تَقريباً بِمَا فِيهَا البرتُغَال، بَل تَخطّت خُيُولُ المُسلِمينَ جِبالَ البرانسِ الشّامِخَةِ شمالَ أسبانيا حَتّى وصَلُوا إلى مَدينَةِ تولوز الفرنسيّةِ Toulouse، بِقيَادَةِ عبدِ الرّحمنِ الغَافقيّ فِي أوائِلِ رَمَضان سنةَ 114 هـ



شَاهِدُوا مَدينَة تُولُوز ، وكيفَ وصَلت إليهَا رَايَاتُ المُسلِمينَ بعد مَائةِ سَنةٍ مِن الهِجرَة أو تَزيدُ قَليلاً ، فسُبحانَ مَن ينصُرُ مَن ينصُرُه

وَكانت مَعرَكةُ بلاطِ الشهداءِ كَابُوساً مُخيفاً على أهلِ أوروبة رغمَ انتصَارِهِم فيهَا ، إذ يَقولُ بَعضُ مُؤرّخيهَا : لوِ انتَصَر العرَبُ في بُوَاتييْه لتُلي القُرآنُ وَفُسّرَ في اكسْفُورد وكَمبِردج .
عَوداً عَلى بدءٍ فَقَد أورَدَ التلمسَانيّ أيضاً نَقلاً عنِ ابن النّظامِ أنّ أوّلَ مَن سَكنَ تِلكَ الجَزيرَة قَومٌ يُعرَفونَ بالأندَلُش ثُمّ أفسَدوا فيهَا فأجدَبَت عَليهِم وكَانت مِن قَبلُ أرضاً ذاتَ ماءٍ وخَصبٍ ، ثُمّ هَاجَرُوا عَنهَا حَتّى أقفَرَت ، ثمّ ساقَ اللهُ إليها قَوماً مِن الأفَارِقَةِ فسكنُوها وعمرُوها نَحواً مِن مائةً وخَمسينَ سَنةً ، ثُمّ أهلَكَهُمُ اللهُ وَتَولّى فِيهَا قومٌ يُعرَفُونَ بعجَمِ رومَة ، قُلتُ : ولعل نِسبَتَهُم إلى روما في ايطَاليا ، فهيَ مَملَكةٌ قدِيمَةٌ ضَارِبَةٌ فِي عُمقِ التّارِيخِ ، قالَ : وكان مَلِكُهمْ يُدعى " إشبَان بن طيطش " ومنهُ جاءَ اسمُ اسبانية ، وقيلَ إن اسمَهُ " أصبَهان" ثمّ حُوّلَ إلى " إسبَان" بلسان العَجَم ، وزَعمُوا أنّ إشبان هذا مِن الملُوكِ الذين حَكَمُوا الأرضَ ، وأنّه هوَ الذي بنى مدِينَة اشبيلية ، وأنّه غَزا بيتَ المَقدِسِ مَع بختنصر وقَتََل مِن اليَهودِ فيهَا مائة ألفٍ واستَرقّ مائة إلفٍ ، ونَقلَ مِن رُخامِ بيتِ المَقدسِ وآلاتهِ إلى اشبيلية ، ثمّ ذكَرَ أنّ المُسلِمينَ وجدُوا إبّانَ فَتحِ الأندلُسِ آثاراً لسُليمانَ عليه السلامُ وذخَائِرَ مِمّا كانَ في بيتِ المَقدِسِ ، ويُروى أن المَغرِبَ الأقصى والأندَلُسَ كانتَا مُتّصلَتينِ ، وكانَ أهلُ الأندَلُسِ يُغيرونَ على أهلِ المَغربِ ويُضِرّونَ بِهم ، حتّى اجتازَ بِهم بختَنصّر فشكَوا إليهِ ، فأحضَرَ المُهندِسينَ ، وبَنى الأرصِفةَ ، وحَفرَ القناةَ بينَ القارّتين ، ثُمّ أطلَقَ الماَءَ بينَهُما ، فكانَ المَضيق الّذي يُعرَفُ حَتّى اليَومَ بمَضيقِ جبلِ طارقٍ ، ويُروى أنّ الأرصِفَةَ التي بناها بختنصر تَظهَرُ حينَ ينحَسِرُ الماءُ عَنها في بَعضِ الأوقاتِ والله أعلمُ !

أمّا التّسميةُ العَربيّةُ للأندلُس ، فقَد جَاءَت تِلقَائيّةً سَهلَةً لتَجمَعَ هذهِ الحُرُوفَ العَذبَةَ الجَميِلَةَ ، والتِي أزعُمُ لَو أنّ أحداً أرادَ أن يَضعَ اسماً لِهذهِ الجَزيرَةِ الحَالِمَةِ فَلن يَجِدَ أجمَلَ لَحناً ، ولا آلفَ حُرُوفاً مِن الأندَلُس ، إذ تَشعُرُ وأنتَ تقرؤهُ وكأنّهُ اسمٌ لفَرَسٍ عربيٍّ أصيلٍ يَصهُلُ عَلى ضِفافِ نَهرٍ جارٍ ، أو يَرفُلُ رَافِعاً رأسَهُ جَوفَ دَوحَةٍ مَخمَليّةٍ خَضراءَ .

وذَكَرَ المُؤرّخونَ فيمَا ذَكرُوا أصلَ تَسميَةِ الأندَلسِ إنّمَا هوَ مِن كلمَةِ vandalus أو wandalus ثُمّ حَوّلَها العَربُ إلى الأندَلُس ، وَقَد نَصَرَ هذا القَولَ الأستاذُ محمود شاكر رحمَه الله حيثُ استَدلّ لذلكَ ثُمّ قالَ : والذي ألجَأ سلفَنَا الفَاتِحينَ مِن العَربِ أصحابِ اللسَانِ العَربيّ إلى إبدالِ الواو الأولى المَفتُوحَةِ هَمزَةً ، أنّها جَاءت بَعدَها نُونٌ ساكِنةُ ، ومَخرَجُ الواوِ مِن طَرَفِ الشّفتينِ ، ومَخرجُ النّونِ الساكِنَةِ من الخَياشيمِ ، فثقُلَ ذلكَ على ألسِنتهِم لقُربِ المَخرجينِ ، ولارتدادِ النّفَسِ عَكساً إلى الخياشيمِ ، ولأنّ الواو المَفتُوحَةَ أخفَى مِن الواوِ المضمومةِ والمكسورَةِ في النّطقِ ، ولأنّ الهَواءَ المندَفِعَ مِن الحَلقِ عندَ نطقِ الواوِ المفتوحةِ آتٍ من عندَ مخرَجِ الهمزَةِ في أقصَى الحَلقِ ، فمن أجلِ ذلكَ آثَرُوا أن يقلبُوها همزةً صرِيحةً مِن أقصَى الحَلقِ ، ليندَفِعَ هوَاؤهَا إلى مَخرَجِ النّونِ الساكِنَةِ مِن الخياشيمِ سهلاً بِلا مَؤونَةٍ عَلى أداةِ النّطقِ .

ثمّ قالَ : فالذي لا شكّ فيهِ ، هوَ أن لفظَ الأندَلُس قَد دخلَ على اللسانِ العربيّ مُبَاشَرةً ، بعدَ إخضَاعِهِ للقانُونِ الصّوتيّ العَربيّ ، ليدخُلَ بعدَ أن يصقُلَهُ الذّوقُ العربيّ دُخُولاً سَهلاً سارياً على أصُولِ لُغَتِهِ .

انتهَى كلامُهُ رحمَهُ الله ، وانتهَى كلامُ مَجلِسنَا .

واللهُ أعلى وأعلمُ .
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع