- 3 فبراير 2007
- 3,070
- 14
- 38
- الجنس
- ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإقراء في الجزائر،مراجعة،مدارسة،أشهر المؤلفين فيه
العنايـة بالقرآن الكريـم فـرض على كل مسلم ومسلمة، وحفاظاً على النـص القرآني وجبت العناية برسم المصحف وخطه وتلاوته حتى يوفق المسلمون إلى تلاوة القرآن كما أمر الله تعالى، مصداقاً لقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)[المزمل:4]، وكما تواتر عن النبي ، وصحابته رواية وأداء ورسما.و قد حفظ الله تعالى كتابه بأن هيأ له رجالاً نذروا حياتهم لخدمة كتاب الله تعالى، من حيث لفظه وكتابته ورسمه وحفظه وتجويده، وهو ما أنبأ به تعالى في محكم تنزيله، فقال ( إِنا نحْنُ نزَّلـنا الذِّكْرَ وَإِنَّا لهُ لـَحَافِظـُونَ)[الحجر:9].فالتوفر على خدمة القرآن الكريم لم تنقطع منذ أنزله الله تعالى على نبيه طوال القرون التي مرّت على إنزاله، وهذا التوفر لم ينقطع إلى اليوم، وبعد اليوم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
اهتمام علماء الجزائر بعلم القراءات
ومن الذين نذروا حياتهم لخدمة القرآن الكريم حتى وصل إلينا قرآنا واحداً - بينما هناك أناجيل كثيرة - علماء جزائريون. فقد اهتم علماء الجزائر بعلم القراءات، فدرسوه في مساجدهم ومدارسهم وزواياهم، كما ألفوا فيه الكتب نثراً ونظما.
غير أن الجزائريين الذين تناولوا موضوع القراءات ورسم القرآن الكريم قلة نسبيا، مقارنة مع العلوم الأخرى كالفقه والتصوف والتفسير …وغيرها.ويرجـع ضعف الاهتمام بالقراءات إلى أن علم القراءات من العلوم التي تحتاج إلى ثقافة واسعة وعميقة، فدارس القراءات يحتاج إلى ثقافة دينية ولغوية وبلاغية قوية حتى يقدم عليه بالإضافة إلى أن علم القراءات هو علـم الخاصة لا العامة، وما يؤكد هذا الكلام ما روي عن الشيـخ محمد التـواتي أنه لمـا أراد أن يرتحل إلى زواوة لقراءة السبع، اجتمع إليه خواص البلد لإمساكه، وقالوا له: عندك ما يكفيك من العلم وهذا فرض كفاية، وانشغالك بتعليم أولاد المسلمين ربما يكون أرجح، فأجاب عن نفسه: بأنه فرض كفايـة، تعيـن علي طلبه لما أحسست فـي نفسي من القابلية ورأيت غيري معرضاً عن أخذه وعدم القيام به، فترك، وارتحل إلى زواوة لتعلم القراءات على يد شيخه عبد الله أبي القاسم (1). ورغم ضعف الاهتمام بالقراءات ورسم القرآن الكريم لدى الجزائريين، إلا أننا لا نبالغ إذا قلنا إن الجزائريين كان لهم التبريز في التأليف فيه، كما سنرى.
مراجع الإقراء في الجزائر
لقد اشتهرت في الجزائر كتب في فن القراءات ألفها علماء جهابذة، وكانت محل ثقة عند الجميع، وقد تداولها المقرئون شرقا وغربا، وقد حاولنا حصر هذه الكتب التي كانت معتمدة في تدريس ودراسة القراءات وذلك في حلقات الدرس، أو عند الشرّاح والمعلقين على المصنفات خلال الفترات السابقة على بداية التأليف لدى الجزائريين، ولعل أشهر هذه الكتب التي شرحوها في دروسهم، أوعلقوا عليها أو اختصروها هي:منظومة الجزري، والخراز، وابن بري، والشاطبية...الخ (2)، كما عرفت مراجع أخرى ولكنها أقل شهرة. وسأتعرض في هذه المداخلة لمرجعين هامين، وهما:
"الشاطبية": وهو العنوان المشهـور بيـن الناس، واسمها الكامل "رز الأماني ووجه التهاني"، وهي نظم مـن تأليف الإمام الشاطبي (3)، والإمام الشاطبي هو أبو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الشاطبي الأندلسي الضرير، ولد في آخر سنة 538 بشاطبة، حيث تلقى فيها القراءات وحذقها، ثم رحل إلى الحج وعند عودتـه استقر بالقاهرة وتصدر بها للإقراء، وحضر له أهل العلم من كل حدب وصوب ليتلقوا عنه علوم القرآن الكريم، وبالقاهرة نظم أربع قصائد:
الأولى:"حرز الأماني ووجه التهاني"، اختصر فيها كتاب "التيسير" في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، وقد نظمها تسهيلا لحفظه.
الثانية:"عقيلة أتراب القصائد في بيان رسم المصاحف العثمانية" اختصر فيها كتاب "المقنع" للإمام الداني المذكور.
الثالثة: "ناظمة الزهر في علم الفواصل"، اختصر فيها كتاب "البيان في عد آي القرآن" للإمام الداني أيضا.
الرابعة: قصيدة دالية لخص فيها كتاب التمهيد لابن عبد البّر.
وكان الشاطبي إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن، وكان لا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وقد توفي الإمام في يوم 28جمادى الآخرة سنة 590هـ، ودفن بمقبرة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف يقصد حتى الآن للزيارة (4) والذي يهمنا هنا هو "الشاطبية" وهو نظم بديع لكتاب "التيسير في القراءات السبع" للداني، نظمه تسهيلا لحفظه، وقد ابتدأ نظمه بقوله:
بدأت ببسـم الله في الـنظـــــــم أولا تبارك رحمانا رحيما وموئــــــلا
وثنيت صلى الله ربي على الرضا محمد المهدي إلى الناس موئـــــلا
وعترته ثـم الصحابـــــة ثــم مــــن تلاهم على الإحسان بالخير وبـلا
وثـلـثـت أن الحمـــــد لله دائمــــــــا وما ليس مبدوءا به أجزم العـــلا
إلى أن يقول في نظمه وهو يتحدث عن أئمة القرآن:
جزى الله بالخيـرات عنا أئمــة لنا نقلوا القرآن عذبـا وسلســــلا
فمنهم بدور سبعـة قد توسطـت سماء العلا والعدل زهـرا وكملا
مدارس الإقراء بالجزائر
اشتهرت الجزائر كبقية البلاد الإسلامية بمقرئيها ومعاهدها المتخصصة في القراءات، وكان يقصدها الطلاب حتى من الأقطار المجاورة كتونس والمغرب الأقصى وغيرها من المناطق، وقد اشتهر الجزائريون بتدريس القراءات أكثر مما اشتهروا بالتأليف فيها، ومن أشهر المعاهد المتخصصة في القراءات: معهد زواوة، معهد تلمسان، معهد وهران … الخ، وسنتحدث عن بعضها في هذه المداخلة.
أولاً- معهد زواوة: و قد عرفت منطقة زواوة بالحذق في القراءات، حتى إنها كانت مقصودة للعلماء للإتقان والبراعة. فهذا الشيخ محمد بن مزيان التواتي، الذي ورد على قسنطينة من المغرب، وبها انتشر علمه وأقبلت عليه الطلبة، وانتفعوا به وكثر بحثه، وعلت عارضته وحصلت له مشاركة في الأصول والمنطق والبيان، حتى أصبح يلقب بسيبويه زمانه، ومع ذلك لم يستغن عن الذهاب إلى زواوة لتعلم القراءات السبع، فقد أخبر عنه تلميذه الفكون أنه بقي في زواوة حوالي عام ثم عاد "وقد حصلت له ملكة عظيمة ومعرفة تامة لعلم القراءات"(12) وكانت القراءات بمنطقة زواوة تدرس في الألواح كما يدرس القرآن الكريم.
فقد ذكر عبد الكريم الفكون بأنه زار يوما شيخه التواتي بسكناه، فخرج إليه وبيده لوح به ما يزيد عن الخمسين بيتا من الشاطبية الكبرى(13) ومن أشهر أساتذة القراءات بزواوة أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر: محمد بن صولة، الذي قرأ عليه العالم التونسي أحمد بن مصــطفى برناز القراءات السبع أيضاً(14).
وقد عرفت زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي بزواوة بأنها معهد متخصص في تعليم القرآن الكريم وتفسيره، وتدريس القراءات بالروايات العشر المشهورة" حتى أن هيئتها المشرفة ومنذ عهد المؤسس لم تسمح بتدريس الفقه بحجة أن هذا العلم يمكن أن يشكل منافساً خطيراً على حساب حفظ القرآن الكريم والروايات"(15).
ثانياً- معهد تلمسان: ومن المعاهد التي عرفت بشدة اعتنائها بقراءات القرآن الكريم، هي معهد تلمسان فقد تواصلت الزيارات التي كان يقوم بها العلماء لتلمسان ومن المغرب خاصة، ومن الأندلس والمشرق الإسلامي نظراً لشدة عنايتهم بعلوم القرآن، وفي مقدمتها القراءات ورسم المصاحف.
و في البستان إشارات إلى بعض العلماء الذين اشتهروا بتدريس القراءات وحذقها من ذلك ما رواه ابن مريم من أن محمد الحاج المناوي قد تصدر للتدريس في عدة علوم، ولكنه مهر خصوصا في القراءات (16). وكان للعلامة أبي الحسن علي الأنصاري المتوفى شهيدا بالطاعون عام 1054هـ، درس في القراءات بتلمسان، وكان يشرح فيه ابن بري، وقد ترك مؤلفا في شرح "الدرر اللوامع" لأبي الحسن ابن بري (17). وأعظم درس في تلمسان في القراءات كان يشرف عليه محمد بن مرزوق الحفيد المتوفى سنة 842هـ، وقد كان يشرح فيه "الشاطبيتين" تفقها، و"ابن بري" وقد ترك تأليفا تحت عنوان"أرجوزة ألفية في محاذاة الشاطبية" (1).
ثالثاً- معهد القلعة بغليزان: من المعاهد المتخصصة في رسم القرآن الكريم وخطه، معهد القلعة وهي قلعة بني راشد، وكانت تسمى قلعة هوارة، إذ قبيلة هوارة هي التي أسستها في القرن الخامس الهجري، وكانت القلعة منذ أقدم العصور معلومة بقراءة القرآن، وسائر فنون العلم من حديث وتفسير قرآن وحساب وفرائض ونحو وتوحيد ومنطق وبيان، وبديع ومعاني واستعارات وأصول وشعر، وغير ذلك.
و لكن شهرة القلعة اكتسبت من خلال تخصصها في علوم القرآن من تفسير وقراءات، وكتابة المصاحف بخطوط جميلة معتمدة في ذلك على علم رسم القرآن الكريم، وضبطه.
فهذا الإمام سيدي عبد القادر بن يسعد المتوفى سنة 1055هـ بقلعة بني راشد، كان يأمر بكتابة نسخ المصحف الشريف ورسمه، وكان يجلب له النسّاخ من الأندلس والمغرب ويوظفهم في نسخ وكتابة المصاحف، وذلك لحذقهم في هذا الفن،حتى أصبحت القلعة بحق مدرسة متخصصة في رسم وضبط المصحف الشريف.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإقراء في الجزائر،مراجعة،مدارسة،أشهر المؤلفين فيه
العنايـة بالقرآن الكريـم فـرض على كل مسلم ومسلمة، وحفاظاً على النـص القرآني وجبت العناية برسم المصحف وخطه وتلاوته حتى يوفق المسلمون إلى تلاوة القرآن كما أمر الله تعالى، مصداقاً لقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)[المزمل:4]، وكما تواتر عن النبي ، وصحابته رواية وأداء ورسما.و قد حفظ الله تعالى كتابه بأن هيأ له رجالاً نذروا حياتهم لخدمة كتاب الله تعالى، من حيث لفظه وكتابته ورسمه وحفظه وتجويده، وهو ما أنبأ به تعالى في محكم تنزيله، فقال ( إِنا نحْنُ نزَّلـنا الذِّكْرَ وَإِنَّا لهُ لـَحَافِظـُونَ)[الحجر:9].فالتوفر على خدمة القرآن الكريم لم تنقطع منذ أنزله الله تعالى على نبيه طوال القرون التي مرّت على إنزاله، وهذا التوفر لم ينقطع إلى اليوم، وبعد اليوم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
اهتمام علماء الجزائر بعلم القراءات
ومن الذين نذروا حياتهم لخدمة القرآن الكريم حتى وصل إلينا قرآنا واحداً - بينما هناك أناجيل كثيرة - علماء جزائريون. فقد اهتم علماء الجزائر بعلم القراءات، فدرسوه في مساجدهم ومدارسهم وزواياهم، كما ألفوا فيه الكتب نثراً ونظما.
غير أن الجزائريين الذين تناولوا موضوع القراءات ورسم القرآن الكريم قلة نسبيا، مقارنة مع العلوم الأخرى كالفقه والتصوف والتفسير …وغيرها.ويرجـع ضعف الاهتمام بالقراءات إلى أن علم القراءات من العلوم التي تحتاج إلى ثقافة واسعة وعميقة، فدارس القراءات يحتاج إلى ثقافة دينية ولغوية وبلاغية قوية حتى يقدم عليه بالإضافة إلى أن علم القراءات هو علـم الخاصة لا العامة، وما يؤكد هذا الكلام ما روي عن الشيـخ محمد التـواتي أنه لمـا أراد أن يرتحل إلى زواوة لقراءة السبع، اجتمع إليه خواص البلد لإمساكه، وقالوا له: عندك ما يكفيك من العلم وهذا فرض كفاية، وانشغالك بتعليم أولاد المسلمين ربما يكون أرجح، فأجاب عن نفسه: بأنه فرض كفايـة، تعيـن علي طلبه لما أحسست فـي نفسي من القابلية ورأيت غيري معرضاً عن أخذه وعدم القيام به، فترك، وارتحل إلى زواوة لتعلم القراءات على يد شيخه عبد الله أبي القاسم (1). ورغم ضعف الاهتمام بالقراءات ورسم القرآن الكريم لدى الجزائريين، إلا أننا لا نبالغ إذا قلنا إن الجزائريين كان لهم التبريز في التأليف فيه، كما سنرى.
مراجع الإقراء في الجزائر
لقد اشتهرت في الجزائر كتب في فن القراءات ألفها علماء جهابذة، وكانت محل ثقة عند الجميع، وقد تداولها المقرئون شرقا وغربا، وقد حاولنا حصر هذه الكتب التي كانت معتمدة في تدريس ودراسة القراءات وذلك في حلقات الدرس، أو عند الشرّاح والمعلقين على المصنفات خلال الفترات السابقة على بداية التأليف لدى الجزائريين، ولعل أشهر هذه الكتب التي شرحوها في دروسهم، أوعلقوا عليها أو اختصروها هي:منظومة الجزري، والخراز، وابن بري، والشاطبية...الخ (2)، كما عرفت مراجع أخرى ولكنها أقل شهرة. وسأتعرض في هذه المداخلة لمرجعين هامين، وهما:
"الشاطبية": وهو العنوان المشهـور بيـن الناس، واسمها الكامل "رز الأماني ووجه التهاني"، وهي نظم مـن تأليف الإمام الشاطبي (3)، والإمام الشاطبي هو أبو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الشاطبي الأندلسي الضرير، ولد في آخر سنة 538 بشاطبة، حيث تلقى فيها القراءات وحذقها، ثم رحل إلى الحج وعند عودتـه استقر بالقاهرة وتصدر بها للإقراء، وحضر له أهل العلم من كل حدب وصوب ليتلقوا عنه علوم القرآن الكريم، وبالقاهرة نظم أربع قصائد:
الأولى:"حرز الأماني ووجه التهاني"، اختصر فيها كتاب "التيسير" في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، وقد نظمها تسهيلا لحفظه.
الثانية:"عقيلة أتراب القصائد في بيان رسم المصاحف العثمانية" اختصر فيها كتاب "المقنع" للإمام الداني المذكور.
الثالثة: "ناظمة الزهر في علم الفواصل"، اختصر فيها كتاب "البيان في عد آي القرآن" للإمام الداني أيضا.
الرابعة: قصيدة دالية لخص فيها كتاب التمهيد لابن عبد البّر.
وكان الشاطبي إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن، وكان لا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وقد توفي الإمام في يوم 28جمادى الآخرة سنة 590هـ، ودفن بمقبرة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف يقصد حتى الآن للزيارة (4) والذي يهمنا هنا هو "الشاطبية" وهو نظم بديع لكتاب "التيسير في القراءات السبع" للداني، نظمه تسهيلا لحفظه، وقد ابتدأ نظمه بقوله:
بدأت ببسـم الله في الـنظـــــــم أولا تبارك رحمانا رحيما وموئــــــلا
وثنيت صلى الله ربي على الرضا محمد المهدي إلى الناس موئـــــلا
وعترته ثـم الصحابـــــة ثــم مــــن تلاهم على الإحسان بالخير وبـلا
وثـلـثـت أن الحمـــــد لله دائمــــــــا وما ليس مبدوءا به أجزم العـــلا
إلى أن يقول في نظمه وهو يتحدث عن أئمة القرآن:
جزى الله بالخيـرات عنا أئمــة لنا نقلوا القرآن عذبـا وسلســــلا
فمنهم بدور سبعـة قد توسطـت سماء العلا والعدل زهـرا وكملا
مدارس الإقراء بالجزائر
اشتهرت الجزائر كبقية البلاد الإسلامية بمقرئيها ومعاهدها المتخصصة في القراءات، وكان يقصدها الطلاب حتى من الأقطار المجاورة كتونس والمغرب الأقصى وغيرها من المناطق، وقد اشتهر الجزائريون بتدريس القراءات أكثر مما اشتهروا بالتأليف فيها، ومن أشهر المعاهد المتخصصة في القراءات: معهد زواوة، معهد تلمسان، معهد وهران … الخ، وسنتحدث عن بعضها في هذه المداخلة.
أولاً- معهد زواوة: و قد عرفت منطقة زواوة بالحذق في القراءات، حتى إنها كانت مقصودة للعلماء للإتقان والبراعة. فهذا الشيخ محمد بن مزيان التواتي، الذي ورد على قسنطينة من المغرب، وبها انتشر علمه وأقبلت عليه الطلبة، وانتفعوا به وكثر بحثه، وعلت عارضته وحصلت له مشاركة في الأصول والمنطق والبيان، حتى أصبح يلقب بسيبويه زمانه، ومع ذلك لم يستغن عن الذهاب إلى زواوة لتعلم القراءات السبع، فقد أخبر عنه تلميذه الفكون أنه بقي في زواوة حوالي عام ثم عاد "وقد حصلت له ملكة عظيمة ومعرفة تامة لعلم القراءات"(12) وكانت القراءات بمنطقة زواوة تدرس في الألواح كما يدرس القرآن الكريم.
فقد ذكر عبد الكريم الفكون بأنه زار يوما شيخه التواتي بسكناه، فخرج إليه وبيده لوح به ما يزيد عن الخمسين بيتا من الشاطبية الكبرى(13) ومن أشهر أساتذة القراءات بزواوة أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر: محمد بن صولة، الذي قرأ عليه العالم التونسي أحمد بن مصــطفى برناز القراءات السبع أيضاً(14).
وقد عرفت زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي بزواوة بأنها معهد متخصص في تعليم القرآن الكريم وتفسيره، وتدريس القراءات بالروايات العشر المشهورة" حتى أن هيئتها المشرفة ومنذ عهد المؤسس لم تسمح بتدريس الفقه بحجة أن هذا العلم يمكن أن يشكل منافساً خطيراً على حساب حفظ القرآن الكريم والروايات"(15).
ثانياً- معهد تلمسان: ومن المعاهد التي عرفت بشدة اعتنائها بقراءات القرآن الكريم، هي معهد تلمسان فقد تواصلت الزيارات التي كان يقوم بها العلماء لتلمسان ومن المغرب خاصة، ومن الأندلس والمشرق الإسلامي نظراً لشدة عنايتهم بعلوم القرآن، وفي مقدمتها القراءات ورسم المصاحف.
و في البستان إشارات إلى بعض العلماء الذين اشتهروا بتدريس القراءات وحذقها من ذلك ما رواه ابن مريم من أن محمد الحاج المناوي قد تصدر للتدريس في عدة علوم، ولكنه مهر خصوصا في القراءات (16). وكان للعلامة أبي الحسن علي الأنصاري المتوفى شهيدا بالطاعون عام 1054هـ، درس في القراءات بتلمسان، وكان يشرح فيه ابن بري، وقد ترك مؤلفا في شرح "الدرر اللوامع" لأبي الحسن ابن بري (17). وأعظم درس في تلمسان في القراءات كان يشرف عليه محمد بن مرزوق الحفيد المتوفى سنة 842هـ، وقد كان يشرح فيه "الشاطبيتين" تفقها، و"ابن بري" وقد ترك تأليفا تحت عنوان"أرجوزة ألفية في محاذاة الشاطبية" (1).
ثالثاً- معهد القلعة بغليزان: من المعاهد المتخصصة في رسم القرآن الكريم وخطه، معهد القلعة وهي قلعة بني راشد، وكانت تسمى قلعة هوارة، إذ قبيلة هوارة هي التي أسستها في القرن الخامس الهجري، وكانت القلعة منذ أقدم العصور معلومة بقراءة القرآن، وسائر فنون العلم من حديث وتفسير قرآن وحساب وفرائض ونحو وتوحيد ومنطق وبيان، وبديع ومعاني واستعارات وأصول وشعر، وغير ذلك.
و لكن شهرة القلعة اكتسبت من خلال تخصصها في علوم القرآن من تفسير وقراءات، وكتابة المصاحف بخطوط جميلة معتمدة في ذلك على علم رسم القرآن الكريم، وضبطه.
فهذا الإمام سيدي عبد القادر بن يسعد المتوفى سنة 1055هـ بقلعة بني راشد، كان يأمر بكتابة نسخ المصحف الشريف ورسمه، وكان يجلب له النسّاخ من الأندلس والمغرب ويوظفهم في نسخ وكتابة المصاحف، وذلك لحذقهم في هذا الفن،حتى أصبحت القلعة بحق مدرسة متخصصة في رسم وضبط المصحف الشريف.