- 25 أبريل 2006
- 1,438
- 0
- 0
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
السؤال
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2987 لسنة 2005م المتضمن ما يأتي :
نحن في قرية ريفية من صعيد مصر ، عندما يُتَوفَّى مُتَوَفًى ذكر أو أنثى نقيم له العزاء ثلاثة أيام ، ونستقبل المعزين من القرية ومن القرى المجاورة ونحضر قارئًا للقرآن الكريم يقرأ في العزاء ، ولكننا فوجئنا في هذه الأيام ببعض الناس يفتي بأن هذا العمل بدعة ضلالة ولا يجوز ؛ بحجة أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم ، وأن القارئ الذي يقرأ القرآن في العزاء آثم وأجره حرام ، فحدثت بسبب هذه الفتوى مشادات كثيرة وخلافات ما بين مؤيد ومعارض ؛ لذا لم نجد أمامنا إلا أن نرسل إلى سيادتكم لإفادتنا بالرد على هذا الموضوع لحسم الخلاف بين أهل القرية ، وهل ما أفتى به بعض الناس صحيح ؟
الجواب
الدين الإسلامي الحنيف هو دين المودة والرحمة والترابط والتواصل والمواساة ؛ لقول سيدنا محمـد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، وقد حث الإسلام أتباعه على مواساة المصاب منهم حتى يخففوا آلام المصيبة عنه ، ووعد صلى الله عليه وآله وسلم المعزي بثواب عظيم فقال في حديثه الشريف : « مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ » رواه الترمذي وابن ماجه ، وقال صلوات الله عليه وتسليماته : « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه ابن ماجه ، ويستحب تعزية أهل الميت جميعا صغيرا وكبيرا رجالا ونساء ، ولا يعزَّي الرجالُ الشاباتِ من النساء ، أو اللائي يخشى منهن الفتنة ، ولا يكون العزاء بعد ثلاثة أيام إلا لمن كان غائبا عن المكان أو لم يعلم فإنه يعزي حين يحضر أو يعلم .
وإقامة المآتم والسرادقات لقبول العزاء من العادات التي جرى بها العرف عندنا بما لا يخالف الشرع الشريف ؛ إذ هي في حقيقتها وسيلة تساعد على تنفيذ الأمر الشرعي بتعزية المصاب ، ومن المقرر شرعًا أن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد ما لم تكن الوسائل محرمة في نفسها ؛ فإذا تمت إقامة هذه السرادقات بطريقة لا إسراف فيها ولا مباهاة ولا تفاخر وكان القصد منها استيعاب أعداد المعزين الذين لا تسعهم البيوت والدور فلا بأس من ذلك .
وكذلك الحال في إحضار القراء لقراءة القرآن ؛ هو في أصله جائز ولا شيء فيه ، وأجر القارئ جائز ولا شيء فيه ؛ لأنه أجرُ احتباسٍ وليس أجرًا على قراءة القرآن ، فنحن نعطي القارئ أجرًا مقابل انقطاعه للقراءة وانشغاله بها عن مصالحه ومعيشته ، بشرط أن لا يكون ذلك من تركة الميت ، وأن لا يكون المقصود به المباهاة والتفاخر ، وبشرط أن يستمع الناس وينصتوا لتلاوة القرآن الكريم .
أما إذا كان ذلك من أجل المباهاة والتفاخر – كما يحصل كثيرًا – فهو إسراف محرم شرعا ، وتشتد الحرمة إذا كان قد حُمِّل القُصَّرُ من أهل الميت نصيبا في ذلك ، أو كان أهل الميت في حاجة إليها ، ولا يجوز أن ينفق أحد في ذلك كله من تركة الميت أو مال غيره إلا عن طيب نفس منه ، ولا يُحمَّل القصَّرُ ولا من لم تطب نفسه بذلك شيئًا منه .
ولا شك أن أهل الميت يكونون في أمس الحاجة إلى من يخفف عنهم ويواسيهم بالقول وبإعداد الطعام لهم وبالمال إذا كانوا في حاجة إلى ذلك ؛ لانشغالهم وإرهاقهم بمصابهم وتجهيزاته ، وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآلـه وسلم : « اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ؛ فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ » رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ، بل قد يجب الجلوس لتلقي المعزين كما إذا غلب على ظن المُعزَّى أنه لو لم يجلس لنسبه المعزون إلى كراهته لهم حيث لم يجلس لتلقيهم ، كما أشار إلى ذلك الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيتمي .
وعليه وفي واقعة السؤال : فإن إقامة العزاء وإحضار القراء للقراءة كما هو معروض في السؤال من الأمور المباحة في أصلها ما لم يقترن بها إسرافٌ أو مباهاة وتفاخر أو أكل أموال الناس بالباطل ، وإلا فهي حرام .
من دار الإفتاء المصرية
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2987 لسنة 2005م المتضمن ما يأتي :
نحن في قرية ريفية من صعيد مصر ، عندما يُتَوفَّى مُتَوَفًى ذكر أو أنثى نقيم له العزاء ثلاثة أيام ، ونستقبل المعزين من القرية ومن القرى المجاورة ونحضر قارئًا للقرآن الكريم يقرأ في العزاء ، ولكننا فوجئنا في هذه الأيام ببعض الناس يفتي بأن هذا العمل بدعة ضلالة ولا يجوز ؛ بحجة أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم ، وأن القارئ الذي يقرأ القرآن في العزاء آثم وأجره حرام ، فحدثت بسبب هذه الفتوى مشادات كثيرة وخلافات ما بين مؤيد ومعارض ؛ لذا لم نجد أمامنا إلا أن نرسل إلى سيادتكم لإفادتنا بالرد على هذا الموضوع لحسم الخلاف بين أهل القرية ، وهل ما أفتى به بعض الناس صحيح ؟
الجواب
الدين الإسلامي الحنيف هو دين المودة والرحمة والترابط والتواصل والمواساة ؛ لقول سيدنا محمـد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، وقد حث الإسلام أتباعه على مواساة المصاب منهم حتى يخففوا آلام المصيبة عنه ، ووعد صلى الله عليه وآله وسلم المعزي بثواب عظيم فقال في حديثه الشريف : « مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ » رواه الترمذي وابن ماجه ، وقال صلوات الله عليه وتسليماته : « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه ابن ماجه ، ويستحب تعزية أهل الميت جميعا صغيرا وكبيرا رجالا ونساء ، ولا يعزَّي الرجالُ الشاباتِ من النساء ، أو اللائي يخشى منهن الفتنة ، ولا يكون العزاء بعد ثلاثة أيام إلا لمن كان غائبا عن المكان أو لم يعلم فإنه يعزي حين يحضر أو يعلم .
وإقامة المآتم والسرادقات لقبول العزاء من العادات التي جرى بها العرف عندنا بما لا يخالف الشرع الشريف ؛ إذ هي في حقيقتها وسيلة تساعد على تنفيذ الأمر الشرعي بتعزية المصاب ، ومن المقرر شرعًا أن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد ما لم تكن الوسائل محرمة في نفسها ؛ فإذا تمت إقامة هذه السرادقات بطريقة لا إسراف فيها ولا مباهاة ولا تفاخر وكان القصد منها استيعاب أعداد المعزين الذين لا تسعهم البيوت والدور فلا بأس من ذلك .
وكذلك الحال في إحضار القراء لقراءة القرآن ؛ هو في أصله جائز ولا شيء فيه ، وأجر القارئ جائز ولا شيء فيه ؛ لأنه أجرُ احتباسٍ وليس أجرًا على قراءة القرآن ، فنحن نعطي القارئ أجرًا مقابل انقطاعه للقراءة وانشغاله بها عن مصالحه ومعيشته ، بشرط أن لا يكون ذلك من تركة الميت ، وأن لا يكون المقصود به المباهاة والتفاخر ، وبشرط أن يستمع الناس وينصتوا لتلاوة القرآن الكريم .
أما إذا كان ذلك من أجل المباهاة والتفاخر – كما يحصل كثيرًا – فهو إسراف محرم شرعا ، وتشتد الحرمة إذا كان قد حُمِّل القُصَّرُ من أهل الميت نصيبا في ذلك ، أو كان أهل الميت في حاجة إليها ، ولا يجوز أن ينفق أحد في ذلك كله من تركة الميت أو مال غيره إلا عن طيب نفس منه ، ولا يُحمَّل القصَّرُ ولا من لم تطب نفسه بذلك شيئًا منه .
ولا شك أن أهل الميت يكونون في أمس الحاجة إلى من يخفف عنهم ويواسيهم بالقول وبإعداد الطعام لهم وبالمال إذا كانوا في حاجة إلى ذلك ؛ لانشغالهم وإرهاقهم بمصابهم وتجهيزاته ، وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآلـه وسلم : « اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ؛ فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ » رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ، بل قد يجب الجلوس لتلقي المعزين كما إذا غلب على ظن المُعزَّى أنه لو لم يجلس لنسبه المعزون إلى كراهته لهم حيث لم يجلس لتلقيهم ، كما أشار إلى ذلك الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيتمي .
وعليه وفي واقعة السؤال : فإن إقامة العزاء وإحضار القراء للقراءة كما هو معروض في السؤال من الأمور المباحة في أصلها ما لم يقترن بها إسرافٌ أو مباهاة وتفاخر أو أكل أموال الناس بالباطل ، وإلا فهي حرام .
من دار الإفتاء المصرية