إعلانات المنتدى


القرآن الكريم يشير الي نشأة وتمدد الكون رضا الجنايني

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

رضا الجنايني

مزمار كرواني
6 يونيو 2008
2,850
27
0
الجنس
ذكر
إشارات قرآنية في نشوء وتمدد الكون تمهيد:
في الوقت الذي اخذت العلوم والتكنولوجيا كافة تخطو خطوات واسعة وسريعة نحو التقدم والارتقاء ولاسيما في النصف الثاني من القرن الماضي، كان نصيب علوم الفضاء والفلك الحصة الاكبر في التقدم موازنة ببقية المعارف سواء أكان ذلك من الناحية النظرية ام من الناحية العملية، فبعد ان كان علم الفلك محصوراً في دراسة الكون بواسطة الاجهزة والمراصد الارضية، شرع ببناء وتصنيع الاجهزة الفضائية لدراسة الاجرام السماوية من خارج الغلاف الجوي الارضي، ليتضمن الاطوال الموجية كافة، كما استخدم الحاسوب لالتقاط الصور من الفضاء الخارجي. ومن البديهي ان يعالج علم الفلك الكثير من الاسئلة التي حيرت ومازالت تشغل الانسان ومنها كيفية بدء الكون . لقد تفتحت الذهنية العربية، فأنبرت طلائعها لاحتضان الجهد العلمي المتوجه نحو الكتاب الكريم، فأمتدت بدراسات فنية عصرية ميسرة بذلك الفهم القرآني بعيداً عن الجدل الفلسفي والنزاع التقليدي، ووجدنا ان هذه الدراسات مازالت مفتقرة الى كشف العديد من الظواهر القرآنية في ضوء المفهوم العلمي الحديث، اذ افصحت آياته عن مشيئته في الكون وظواهره، وهذا يفسر ميل الدراسات العلمية والفضائية وما فيها من غزارة نحو هذا الجانب، لذلك تطلعنا الى اصدار سلسلة قرآنية تعزز مجدنا الخالد وتتيح المجال لباحثينا ليتوصلوا إلى حقائق التصور العلمي والإنساني من آياته سبحانه .


مقدمة
تكشف مسألة الخلق قدرة القادر الحكيم وان تفاوتت في الكبر والنوع، دليل ذلك ما جاء في دراسات علم الفلك الراديوي والجيو فيزياء، إذ أثبتت ان خلق الكون اكبر من خلق الناس لما فيه من الاسرار العلمية في جريان اجزائه، وسعة ابعاده، وكبر مجراته قال تعالى " لِخلْقِِ السَّماواتِ والأَرضِ أَكبَرُ مِن خَلْقِِ الناسِ ولكنَّ أكثَرَ الناس لا يَعلمون " (غافر:57 ) وقوله تعالى " أَأَنْتم أَشَدُ خَلْقاً أَمْ السَّماءَ بناها "( النازعات:27 ) . لقد حاول الانسان معرفة كيفية نشوء الكون، ولكنه لازال في دور الحدس والتخمين، لذلك نجد قلة من يتصدى من علماء العصر الحاضر الى وضع نظرية مبنية على أسس علمية من شأنها ان توضح نشوء الكون بأجمعه، وان ما وضع من نظريات ما يزال عرضة للتعديل في تفسير الحوادث والظواهر الكونية المتزامنة معها وتمدد الكون إحدى تلك الظواهر التي ما تزال مستمرة الحدوث. إن النظام الكوني ليس مجهولاً تماماً، وحقائق نشوئه وتمدده جعلت عـدداً غير قليل من العلماء، لا يعرف بدقة كيف أبتدأ خلق العالم الكوني، لأن المدبر الأعلى لم يشرك معه أحدٌ في خلق الكون ولا خلق غيره(3) قال تعالى " ما أَشهدتَهم خَلقَ السماواتِ والأَرض ولا خَلقَ أنْفسَهَم " (الكهف:51) ، ولقد لمّح سبحانه في قرآنه المجيد الى كيفية نشوء الكون، وما ورد من نظريات تتوافق لحد ما مع الكلمات القرآنية في هذا الجانب والله الموفق .

المبحث الأول
نظريات نشوء الكون:
إن ابتداء خلق الكون وكيفية تطوره وحركته وزمن تشكيل السدم كل ذلك لم يزل غامضاً بعض الشيء، وكل ما دار حوله لا يعدو ان يكون تصورات ونظريات، والنظرية في العلوم الطبيعية ما هي الا فرض يرجح العلماء صحته بتتابع الوقائع وزيادتها، ولكن ما يزال الاحتمال عندهم بنقض ما فرضوه لما يظهر من تفاوت بين الحقائق الموجودة فعلاً وما خرجوا به من نظريات، فاذا اكثرت الوقائع واستمرت في الزيادة عندهم البراهين والادلة في صحة النظرية، تتحول في النهاية الى قانونٍ، لذلك نلاحظ ان هناك مفاهيم فلسفية عديدة تبحث في هذا العلم، كل منها يبحث ويفترض مبدأً معيناً، ومن هذه المفاهيم مثلاً مفهوم المبدأ الكوني(Cosmological Principle) الذي يفترض ان الكون متجانس (Homogeneous) ومتماثل الخواص الاتجاهية (Isotropic) وكذلك مفهـوم المبدأ الكوني المتكامل (Perfect Cosmological) (Principle) أي متماثل الخواص الاتجاهية ومتجانس في المكان والزمان (لا يتغير مع الزمن)، وان النظرية التي اتبعت المبدأ الاخير هي نظرية الخلق المستمر (Continuous Creation)، والتي تنص على ان الكون لا يملك لحظة ابتداء او لحظة انتهاء، وسنعرض النظريات التي دأبت على كيفية نشوء الكون وتطوره:


كون ارسطو:
لقد وضع ارسطو (القرن الرابع ق.م) اول نظرية للكون التي عاشت أفكاره ألفي سنة تقريباً، فأعتقد هو وأقرانه من فلاسفة الاغريق، ان الارض ثابتة وتقع في مركز الكون ذي الابعاد المحدودة، وان الحركة بالنسبة له، على ثلاثة انواع والحركة الخطية والدائرية والمختلطة. وبما ان الكون محدود الابعاد، لذلك فان الحركة الخطية لا يمكنها الاستمرار الى ما لانهاية، لذلك فالحركة الدائرية هي الحركة الوحيدة التي ليس لها بداية او نهاية، وهذا يفسر حركة النجوم والكواكب بمسارات دائرية، وتأخذ النجوم أشكالاً كروية وهي ازلية لانها مصنوعة من مادة ازلية سميت بالأثير(Ether) تسمى اليوم بالمادة السوداء(Black Matter) .
عدت نظرية ارسطو من اطول النظريات صموداً على الرغم من ضحالتها، ولم تبدأ بوادر انهيارها الا في القرن السادس عشر على يد الفلكي كوبرنيكوس، فلقد استبدل الشمس بالارض كمركز للكون، وفسر دوران النجوم الظاهري، بدوران الارض حول محورها وبذلك قوضت مفاهيم كوبرنيكوس نظرية ارسطو . إن رصد النجمة البراقة (المستعرة العظمى) عام (1572م) من قبل الفلكي (تيكوبراهي) مكنته من البرهنة على انها ابعد من القمر، كذلك برهن من رصده للمذنب الذي ظهر عام (1577م) بأنه يدور حول الشمس بمدار بيضوي خارج مدار الزهرة، كما ان قوانين كبلر كانت ضربة قاضية لنظرية ارسطو، وباختراع المرقب الفلكي من قبل غاليلو، اكتشف الكَلَفْ الشمسي واقمار المشتري الاربعة، واكتشف العالم هالي عام (1718م) حركة بعض النجوم البراقة وتبعه (هيرشل) عام (1783م) فوجد ان الشمس تتحرك ايضاً وان صغر النجوم ناجم عن بعدها السحيق، وبذلك تقوضت نظرية مركزية الشمس في الكون، وبقدوم نيوتن ووضعه لقانون الجاذبية التثاقلية، اسند علم الفلك على اسس سليمة .

الكون في مفهوم النظرية النسبية (كون اينشتاين- دي سيتر) :
لقد حاول اينشتاين عام (1916م) تطبيق النظرية النسبية العامة على الجاذبية والكون بافتراضه كوناً متماثل الخواص
(Isotropic) مع الاتجاه (أي متساوٍ في جميع الاتجاهات عند النظر اليه من نقطة واحدة) ومتجانس أي متشابه عن النظر اليه من عدة نقاط في نفس الوقت . وبسبب تواجد المادة في الكون وبفرض تجانس توزيعها، فان معادلات المجال أعطت كوناً متقلصاً بتأثير الجاذبية (Gravitation)،وتسمى نظريات الكون المعتمدة على النسبية بنظريات الكون المتطور التي بعض نماذجها يفترض كوناً متمدداً الى ما لا نهاية مبتدئاً بانفجار اعظم (Big Bang) الذي يؤدي الى انخفاض كثافة المادة تدريجياً، وبعضها يفترض ان الكون متذبذب بتأثير الجاذبية التثاقلية التي تعيق التمدد. اما اذا حدث قبل وخلال لحظة الانفجار فلا يمكن معرفته، لأن الكون المستمر بالتمدد هو من بين نماذج الكون المتطور التي تلقى قبولاً أكثر من الكون المتذبذب او الكون الذي ينكمش ليكون كتلة واحدة (مثل الثقب الأسود) . إن المجرات تتباطأ بالجاذبية التثاقلية بسرعة تعتمد على كثافة المادة الكونية، وهذا ما يمكن ان يحصل للكون المتمدد،فإذا كانت سرعة القذف عند لحظة الانفجار الاعظم اقل من سرعة الافلات للارض (11كم/ثا)، فان سرعته تتباطأ بالجاذبية، فتعود المجرات تتجمع، ثم يتكرر الانفجار وهكذا، أي ان سرعة ابتعاد المجرات البعيدة في الماضي اكبر من سرعتها في الحاضر، وهذا ما يؤيده قانون هابل اذ ان مقلوبه يعطي اقصى عمر للكون . لقد تمكن اينشتاين من ايجاد العلاقة بين نصف قطر هذا الكون المتناهي وكثا
16339_Al3elaka2.JPG
فة المادة المتوافرة
. وعلى الرغم من هذا السكون والاتزان المتناهي، فقد حدّد كونه هذا :-



باطار دائم وثابت تستطيع المجموعات الكونية ان تنمو في داخله وتتطور، لكن كثيرين عارضوا كون اينشتاين- دي سيتر، ومنهم (أرثرأدنكتن) في كتابة الكون المتمدد عام (1932) قائلاً بأن كليهما لا يمكن ان يصلحا كأنموذج للكون الحالي بسبب القوتين الجاذبة والطاردة المركزية اللتين تعملان بالتضاد، اذ تصبح قوة الجذب مهملة تقريباً في اعماق الكون بسبب الأبعاد المذهلة للمجرات ما بينها ويزداد التوازن اختلالاً ويتجه في طريق التمدد السريع .
3- نظرية الحالة المستقرة:(Steady- state Theory)
لقد اعلن في كمبردج عام (1948) كل من (بوندي) و (جولد) و (هويل) نظرية تحل مشكلة الزمان قبل الانفجار، وذلك بافتراضهم ان الكون بالمعدل يظهر نفسه كما هو من قبل الراصد في أي جزء من الكون، وفي أي زمان منه، وهو يفسر بان المجرات التي تتباعد تخلق محلها المادة (على شكل ذرات الهيدروجين) لكي تبقى كثافة الكون ثابتة، ونظراً لبطء عملية الخلق بحيث لا يمكن التحسس بها في المختبر، فالكون يظهر على حاله، ولكن المادة تكفي للتعويض عن المادة المفقودة لغرض بناء مجرات جديدة بدلاً من المجرات القديمة التي ابتعدت عنا، لذلك فليس للكون بداية او نهاية فهو ازلي، أي انه يبقى كما هو عليه الان وكما كان عليه قبل بلايين السنين (ويفسر ذلك بقاء الكون على حاله،بأن المادة تخلق لتعويض المادة التي تختفي بالتمدد، ولكن عملية الخلق، ذرة بذرة بطيئة يمكن حسابها من معدل التمدد الكوني، فوجد بأنها تقارب ذرة هيدروجين في كل سم3 في (10 15) سنة!! وهي عملية بطيئة جداً) أي أن الكون أزلي تتحول فيه المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة بعملية متوازنة باستمرار . إن جميع الادلة العلمية لا تؤيد هذه النظرية، مما يجعل نظرية الانفجار الاعظم والكون المتطور أكثر قبولاً، اما ماذا حصل قبل الانفجار؟ وما هو معنى الزمان قبل الانفجار حينئذ؟ فهي لازالت اسئلة شائكة جداً تنتظر الحل .
4- نظرية الانفجار الاعظم(كون لي ميتر المنفجر):
لقد وصف القسيس (لي ميتر) كونه أبان النشوء، بأنه كان منكمشاً على نفسه انكماشاً كلياً تتكدس المادة فيه بعضها على بعض لتشكل نواته الاولى الضخمة المستقرة. وما لبثت لسبب من الاسباب ان انفجرت فتطايرت اشلاؤها في رحاب هذا الكون واخذت في الانتشار والتباعد من اثر قوة هذا الانفجار المروع بسرع متفاوتة مع مسافاتها. وقد قدّر (لي ميتر) تاريخ حدوث هذا الانفجار الى قبل عشرة آلاف مليون سنة، كما صرح بأن الكون ماضٍ في التمدد وسيستمر الى ما لانهاية. ولاقت هذه النظرية استحساناً وقبولاً من معظم الاوساط العلمية نظراً لتوافق بعض وقائعها مع احدث ما توصلت اليه الارصاد الفلكية والبحوث العلمية، وقالوا ما ان يصل الكون الى اقصى حدود التمدد، حتى تصل عنده القوة الطاردة حدها الاصغر، ثم تنعكس هذه الظاهرة في تلك النقطة فتتغلب عليها قوة الجذب فتبدأ عملية الانكماش فعلها المتواصل لتعود بالكون تدريجياً الى حالته الاولى، ثم يعاد الانفجار مرة اخرى وهكذا تتناوب هذه الظاهرة. ولقد دأب فريق آخر للبحث في نظرية (لي ميتر) الانفجارية في الستينات كان ابرزهم (جورج كامو) احد الباحثين في الفيزياء الذرية أجرى بعض التعديلات، اذ افترض هو والعالمان (تولمان) و (روبرت دك) بان الكون ابتدأ بكرة نارية هائلة من الطاقة والمادة بكثافة غير محدودة وبدرجة حرارة تقارب (10 10) كلفن، إذ ربما كانت جسيمات المادة تتكون من البروتونات والالكترونات والنيوترونات والنيوترينو، وبعد (100) ثانية من الانفجار بردت الى (10 9) كلفن، حيث بدأ بناء النويات الثقيلة، واستمرت عملية البناء لبضع ساعات، حيث انخفضت درجة الحرارة الى (10 8) كلفن وتحول قرابة 20% من المادة الى هليوم وقليل من الديوتريوم(الهيدروجين الثقيل (H12)(اقل من 0,001). ان الكمية المتولدة من الديوتريوم تعتمد على كثافة الكرة النارية، لأن الكثافة العالية تساعد على تحويله الى الهليوم، اما الباقي فيتحول الى هيدروجين، ولكن بعد مليون سنة حيث تصبح الكرة النارية تشبه باطن النجوم الحارة والمعتمة، ستبرد تدريجياً الى 3000 كلفن والكثافة تقارب (1000) ذرة /سم3 وتصبح الكرة النارية باردة وشفافة للاشعاعات بسبب تعادل ذرات الهيدروجين فتتسرب الاشعاعات الى اجزاء الكون بحرية منفصلة عن المادة، وبعد بليون سنة تتكثف المادة الى مجرات ونجوم. ان كرة النار غير محددة في الفراغ فهي ليس لها موقع، وبسبب الزحزحة نحو الاحمر تتولد اشعاعات راديوية من جسم اسود بدرجة تقارب (3) كلفن، وهذا الجزء الاسود يحيطنا من جميع الجهات. واكتشف العالمان (آرنوبنزياس) و(روبرت ولسن) عام (1965) هذه الاشعاعات على طول موجة 7,35سم ولوحظ انها قادمة من جميع الاتجاهات وبكميات متماثلة الخواص الاتجاهية في الفضاء، سميت بالاشعاعات الخلفية الكونية (Cosmic Radiation Background) والإشعاعات الخلفية الاولية. ولقد تأيد ذلك بصورة مستقلة من دراسة امتصاص خطوات الطيف لهذه الاشعاعات من قبل جزيئات السيانوجين للامواج
(2.6) سم . كذلك اثبت ان عدم اعتماد شدة الاشعة الكونية على الاتجاه يؤيد نظرية الكون المتطور . إن اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية جعل من نظرية الانفجار الاعظم اكثر ارتكازاً من ناحية تفسيرها لنشوء الكون كما دحرت نظرية الكون المستقر . بعد حدوث الانفجار الكبير مباشرة كان الكون خليطاً من الإشعاعات ما بين درجة (1010-10 12) كلفن، والفوتونات تمتص قبل رحيلها بعيداً لتُكون المادة، وبعدها اخذ الكون يبرد تدريجياً الى ان اصبحت درجة حرارته (3000) كلفن بعد مليون سنة تقريباً من لحظة الانفجار، ثم ارتبطت ايونات الهيدروجين مع الإلكترونات فجأة لتكوين ذرات الهيدروجين، وخلال هذه المرحلة اصبح الكون اقل عتومة مما كان عليه في البداية، لان الهيدروجين يمتاز باحتوائه على الطيف الخطي، ومن ثم اصبح الكون شفافاً لعدم حصول عمليتي الامتصاص الكلي والاشعاع الكلي من قبل المادة الكونية، عندئذ تركت بقايا الإشعاعات الأولية في الكون والمستمرة في انطلاقها خلال الفضاء الى الأبد .
5- نظرية الكون المادي ونقيضه:
ظهرت حديثاً نظرية اخرى معاكسة تماماً للنظرية الانفجارية ونظرية الكون الثابت بل ولكل النظريات الكونية الموضوعة وقد بحثها وحققها الباحث الألماني ديراك عام (1928) وثبتت صحة هذه النظرية بعدئذ باكتشاف جسيم البوزترون (الالكترون الموجب) على لوح فوتوغرافي للاشعة الكونية في عام (1932) وعززت صحة هذا الاكتشاف عند العثور على نقيض البروتون والنيوترون بواسطة المعجلات النووية، ففي عام (1965) وضع الباحث السويدي (الفن) نظرية كونية تقوم على اساس نظرية الوجود المادي ونقيضه وتقوم على ان المادة الاولية للكون كانت في البدء مادة رقيقة جداً تتألف من البروتونات واضداد البروتونات مع الكترونات واضدادها، وفي اللحظة التي بدأت فيها بالتجمع والتكاثف الجذبي، اصطدمت بعضها مع بعض ثم تلاشت وتحولت الى طاقة عالية جداً بعدها قذفت في ضغط كبير فأوقفت لا فقط عملية التكاثف الجذبي بل عملت على دفع المادة وتشتيتها في الفضاء وهو ما يعرف اليوم بالتمدد الكوني . من خلال النظريات المنجزة على امتداد التاريخ الفلسفي والعلمي لكيفية نشوء الكون يتضح أن بعض النظريات تحتاج إلى أدلة علمية وفلسفية معززة للتحقق والاقتراب من حقيقة النشوء مع ان نظرية الانفجار الأعظم وما تحمله من حوادث علمية متسلسلة هي أقرب لصورة النشوء من بقية النظريات رغم تضمن النظريات الأخرى على حقائق علمية سليمة .



المبحث الثاني
1-أصل المنظومة الشمسية (Origin of the Solar System)
إن الفرضيات التي وضعت حول اصل المنظومة الشمسية وكيفية تكونها يجب ان تفسر الخواص العامة لها والحقائق الاساسية لحركة كواكبها. ولقد اظهرت القياسات ان أعمار كل من الشمس والارض والقمر والنيازك متقاربة جداً، فمن دراسة النشاط الاشعاعي لصخور القشرة الارضية، ظهر ان عمر اقدمها يبلغ (3,3) بليون سنة. وقد وجد ان اعمار المعادن الارضية تبلغ حوالي (4.5) بليون سنة، وان عمر العينات القمرية التي جلبها رواد الفضاء عام (1969) والنيازك التي تسقط على الارض وجدت بانها متقاربة الى عمر الارض . أما عمر الشمس فيتم حسابه بواسطة التركيب الكيميائي للشمس والطاقة الخارجة منها اضافة الى استعمال نظريات التطور والتركيب النجمي. فلقد وجد ان عمرها يبلغ حوالي (5) بليون سنة، وعلى اساس ذلك وجد ان عمر المنظومة الشمسية يتراوح بين (4.5) الى (5) بليون سنة، علاوة على الزخم الزاوي للمنظومة الشمسية فانه يلعب دوراً مهماً في دراسة نشوئها، حيث وجد ان الزخم الزاوي للشمس يبلغ حوالي 2% من الزخم الزاوي الكلي للمنظومة الشمسية، أي ان غالبية الزخوم الزاوية تتوزع على الكواكب السيارة، فمثلاً المشتري وحده يملك حوالي 60% من الزخم الزاوي الكلي، اما بالنسبة للتركيب الكيميائي لأفراد المنظومة الشمسية، فلقد وجد ان اغلب العناصر الموجودة في الشمس هي الهيدروجين والهليوم والتي تؤلف 98% من كتلتها وان الهيدروجين وحده يشكل 80% من كتلة الشمس.يحتوي المشتري وزحل على عناصر مشابهة تقريباً وبكميات قليلة من نفس العناصر في اورانوس ونبتون. اما الارض فان النسبة المئوية للعناصر الثقيلة تكون اكبر من العناصر الاخرى وهي موجودة في النيازك وفي القمر ايضاً. وان تركيب كل من المريخ والزهرة وعطارد يشبه تركيب الأرض بصورة مقاربة جدا .



2-نشوء النظام الشمسي :
كان هذا الموضوع من المعضلات التي شغلت اذهان علماء الطبيعة والفلك منذ القرن السابع عشر حتى يومنا هذا، حاول البعض منهم على فترات مختلفة وضع الفرضيات لحل هذه المعضلة، كل كان يقيم له من حجة وبرهان لدعم فرضيته، إلا ان اكثرها لم تكن من الصلابة لتعيش طويلاً، هكذا عاشت نظريات لفترة من الزمن ثم بادت وخلفتها نظريات . إن اية فرضية توضع لتفسير المنظومة الشمسية، يجب ان تنطبق عليها جميع الخواص التي تتصف بها المنظومة، وعلى كل حال، سنعرض ملخصاً لبعض الفرضيات المهمة: فرضية ديكارتز
(Decartes) وضعت هذه الفرضية عام (1644م) وقد كانت اول فرضية تفسر اصل المنظومة الشمسية هو نشوءها من السديم الغازي . فرضية بوفون (Buffon)
وضعت عام (1750م) وقد نصت على ان الكواكب تكونت على اثر اصطدام مذنب بالشمس، ونتيجة لذلك انفصلت بعض الغازات من الشمس واستمرت تدور حولها وبعد ان انكمشت هذه الغازات كونت الكواكب ثم توابعها .
3-نظرية الفيلسوف كانت (Cant) (1724-1804)م
قدّم هذه النظرية في كتابه التاريخ الطبيعي ونظرية الكون، وتتلخص بان المجموعة الشمسية كانت تتألف في بادئ الامر من اجرام صغيرة صلبة لا حصر لها تتناثر في اعماق الفضاء، ما لبثت ان تجمعت وتجاذبت وتصادمت مع بعض البعض فتولد عن هذا التصادم حرارة كبيرة تحولت من جراء تلك الكتل المتجمعة الى غازات، ثم تجمعت على هيئة سحب واخذت تدور حول نفسها بسرعة عظيمة من الغرب الى الشرق، ثم انطلقت منها غازات بفعل القوى الطاردة ما لبثت هي الاخرى ان تجمعت وتكاثفت وفقدت حرارتها من جراء سرعتها ثم تكوّر شكلها فتكون منها اجراماً كبيرة وصغيرة وهي السيارات المعروفة ثم اخذت تدور حول الجرم الكبير الذي انفصلت عنه بنفس اتجاه حركته .
4- فرضية شامبرلن ومولتن (Chamberlain & Molten)
في عام (1900م) جرى تعديل على فرضية بوفون، حيث استبدل المذنب بنجم كبير الحجم، وفرض انه اقترب من الشمس نتيجة لقوانين الجاذبية العامة، تولدت الكواكب حول الشمس بسبب انفصال الغازات من الشمس وبقيت تدور حولها وسميت بنظرية المدّ الغازي .
5- فرضية جينز وجيفرز (Jeans- Jeffries) (1901م)
وهي تؤكد اقتراب نجم من الشمس ونتيجة للجاذبية العامة انفصلت الغازات من الشمس على شكل السنة نارية لامعة وبعد مدة من الزمن تكون قرص غازي يدور حول الشمس مكوناً الكواكب .
6- نظرية شميدت (Shemdit)
اخرج هذا الباحث الروسي نظرية حديثة عام (1946م) عن نشوء الكواكب السيارة التي تقول: لقد حدث للشمس اثناء حركتها داخل نظام مجرتنا، ان مرت بسحابة كثيفة من الغازات والغبار الكوني فتشبعت بها واجتذبت قسماً كبيراً معها وهي ماضية في طريقها داخل المجرة، وما لبثت ان تجمعت هذه السحب حول الشمس بحكم جاذبيتها بشكل حلقة كثيفة وهي تدور بالاتجاه المعاكس لعقرب الساعة، ثم بدأت ذرات هذه السحب بالتجمع والتكاثف على بعضها ثم الانفصال حسب مقتضيات الظروف فشكلت كتلاً صغيرة اولاً بأول، ثم تجمعت في كتل اكبر حتى انتهت الى تكوين هذه الكواكب .
7- فرضية هنري رسل(Henry Russell)
تنص هذه الفرضية على ان الشمس ربما كانت في اول الامر نجم في منظومة ثنائية تدور حول مركز ثقلها المشترك، وما لبث ان انفجر احد النجمين مولداً الكواكب السيارة وتوابعها . وقد اكد على هذه الفرضية العالم (فريد هوبل) عام (1946) حيث بنى فرضيته على طبيعة انفجار نجوم المستعرات العظمى (Supernova Explosion) وهو ان الشمس كانت في الاصل تمثل احد اعضاء مركبة نجمية مزدوجة، لأن نصف السماء التي تقع تحت نطاق البصر هي اعضاء في النظام الزوجي، ومن سياق حديثه عن تكوين النجوم ونموها وتطورها تطرق الى سحب الغازات الوافرة من الهيدروجين المنتشرة في هذا الفضاء الكوني الشاسع، وان النجوم التي تمر من خلال هذه الغازات لابد ان تتشبع منها بحكم جاذبيتها فتزداد كتلتها وعندما تجمع بعض النجوم كمية كبيرة من هذه المادة وتصبح من الضخامة البالغة تضطر كتلتها الكبيرة الى احراق هيدروجينها بمعدل زائد فيزداد سطحها توهجاً وسطوعاً قد تصل الى الف مرة توهج الشمس الى ان ينفذ هذا الوقود في حدود (50) الف مليون عام .
8- الفرضية السديمية (Nebular Hypothesis)
تعد هذه الفرضية مقبولة الان من قبل العديد من العلماء، وقد نشرها بصورة مستقلة الباحث الفرنسي لابلاس (Laplace)،وتنص على ان المنظومة الشمسية تكونت من سديم كبير مؤلف من الغازات والاتربة وحجمه اكبر من حجم المنظومة الشمسية الحالية بعدد من المرات، اذ كان السديم في اول الامر بدرجة حرارية واطئة، ويدور حول مركزه بسرعة بطيئة، وبالتدريج بدأ بالانكماش والتقلص تحت تأثير قوى جذبه الذاتي، واستناداً الى قانون حفظ الزخم الزاوي، فان السرعة تزداد عندما يقل نصف قطره نتيجة لانكماشه وتقلصه. وهكذا فكلما زادت السرعة يصبح السديم اكثر تفلطحاً أي يقرب شكله من شكل القرص بفعل القوة المركزية. ويستمر في الانكماش الى ان تختل قوة التماسك بين جزيئاته فتتغلب القوة المركزية على اجزائه الى ان تنفصل حلقات كاملة من المادة من المناطق الخارجية للسديم الذي يستمر بالانكماش وتبدأ جزيئات هذه الحلقات بالتكثف بفعل الجاذبية العامة، وبمرور الزمن تكونت الكواكب التي تدور حول السديم المركزي الذي هو الشمس وبنفس الطريقة تكونت التوابع حول كواكبها . ان فرضية السديم الغازي مقبولة الآن في تفسير وتكوين النجوم من الغازات والاتربة السائبة في فضاء ما بين النجوم، حيث تبدأ هذه الغازات والاتربة بالانكماش والتقلص وتزداد درجة حرارتها المركزية الى ان تبدأ عمليات التفاعل النووي، وبذلك تحصل عمليات الانبعاث الحراري والضوئي من النجم او الشمس وهي التي تجعل الزخم الزاوي بصورة عامة يتمركز في الكواكب اكثر من الشمس .



المرجع دكتور زغلول المجار​
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع