- 6 أغسطس 2006
- 239
- 0
- 0
- الجنس
- ذكر
بقراءتك لهذا الموضوع ستتغير صلاتك للأفضل إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(تعلم الخشوع في خمس صلوات بدون معلم)
(أوصيك أيها القارئ الكريم بأن تتريث في قراءتك وأن لا تتجاوز الأسطر والفقرات نظرا لتَرابطها)
* الحلقة الأولى (في ضرر المعاصي على الخشوع..)
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على إمام المرسلين
{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}
تَـتَـفقون معي أيها الأفاضل أنَّ لكل داء دواء، وأن العَِليل كُلما عرَّضَ نفسَه لأسباب المرَض أخَّر بذلك شفاءه، أو ربما أهلك ذاتَه.. فَلْنُمثل لأنفسنا الآن أن (شرود الذهن) في الصلاة وفقدان الخشوع فيها داء من الأدواء، ففي نظرِكم، ما الذي يمكن أن يكون سببا في تهييج هذا المرض وجعله يزيد فتكا بسلامة صلاتنا وحسناتنا؟! نعم أيها الإخوة، إنها (المعاصي والذنوب)!..
إخوتي الأكارم! كلٌ منا يعرف نفسَه.. ويعرف ذنوبَـه.. فلْنَحذَر من (استصغار المعصية) فيكون شؤمها علينا عظيم..
فضلا، أخبروني، أليس فقداننا للذة مناجاة الخالق من أقسى العقوبات؟؟! لماذا نغفل عن (محاسبة أنفسنا) ونستسلم لعادات تفتكك بصفاء قلوبنا وتعصف بحسناتنا فتجعلها كهشيم تذروه الرياح..!
*فكيف أخشع وأنا أجالس أهل الغِيبة والنميمة؟!
*وكيف أخشع وأنا أتابع المسلسلات والأفلام التافهة على التلفاز؟!
*و كيف أخشع وأنا مدمن على المحادثات المحرمة عبر الانترنت والهاتف؟!
*وكيف أخشع وأنا عاق لوالدَي؟!
وهلمَّ جَراً لأمور قد لا تُنكرها قلوبُنا لكثرة ما تتردد في حياتنا! وما أسوءَها من عقوبة أن يأتي الواحُد منا الذنبَ فيراه كذُباب يهُشُّ عليه بيده من أنفه!! ثم (يعاوده فيتعوده) فلا يجد في نفسه إنكارا له..
أيها الإخوة الأنقياء! ما الذي يضُرنا لو أننا توقفنا قبل أيّ تصَرُف وعمل لـنُسائل أنفسَنا: "هل هو طاعة أم معصية؟ أم إنه مضيعة للوقت والجهد دون فائدة؟" "هل هو مما يرضاه الله لي ويحبه أم لا..؟" "هل لو ختم الله لي به سيكون من علامات حسن الخاتمة أم عكس ذلك؟"..
إخوتي الأكارم! أوصيكم ونفسي بترك الذنوب لأنها قاتلة للقلوب بامتياز! فكيف لقلب ميت أن يحضر في الحياة، فضلا عن أن ينفعنا في الصلاة! وأختم الحلقة الأولى بمقولة نفيسة لابن القيم رحمه الله حيث قال: "الذنوب جراحات، ورُب جرح وقع في مقتل"
* الحلقة الثانية (في تذَوُّق الأذان وتأمل كلماته..)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين..
أيها الإخوة! تنبغي الإشارة إلى أن أيَّ عمل مَهْما كان يبدو بسيطا يجب ألا يغيب جانب التوكل على الله فيه، لأنه لا سهل إلا ما جعله الله سهلا..
في حلقتنا الأولى تحدثنا عن تأثير المعاصي.. وأنها عقبةٌ كؤودٌ في طريق تحصيل الخشوع وحضور القلب في الصلاة؛ إذْ إنَّ حضورَ الشيء يستلزم كونَه حيا..والمعاصي تُـميت القلب! فكيف لقلب ميت أن يحضر في الصلاة؟!.. فتأمل
سنشرع الآن بعون الله بخطوات أخرى بعد أن عاهدنا أنفسنا على محاسبة النفس وترك المعاصي وعدم الوقوع في آفة استصغار الذنوب -حتى ولو كانت صغيرة- وأُولَى هذه الخطوات تعظيم قدر الأذان.
فإذا سمعت قول المؤذن "الله أكبر" وكنت أقوم بعمل لا يترتب عن إيقافه ضرر، فيلزمني أن أتوقف عنه وأُردِّدَ مع المؤذن مع استحضار معاني الكلمات. إذ إنَّ التفرُغَ للترديد مع المؤذن وعدم شغل الجوارح بعمل آخر يعينك على التدبر في كلمات الأذان، فتكون هذه هي أول خطوة للشوق إلى الصلاة..
واعلموا -رعاكم الله- أن أمر الترديد مع المؤذن له تأثير على قلب المصلي؛ فأنت بمجرد أن تسمع أول نبرة من الأذان، توقَّف عن العمل. وخذ نفسا عميقا. واستحضر أنه نداء للخير.. واشرع في استحضار معاني الكلمات..
ففي الأذان تكبير لله، وهي إشارة إلى تقديم الاستجابة والمبادرة بالصلاة. فالاستجابة لأمر الله أَولى من أي عمل. وفيه الشهادتان، وهما أول أركان الإسلام، في إشارة بأن استجابتي دليل من أدلة حسن إقامتهما. ثم تأتي بعدهما الدعوة إلى الإقبال على الصلاة، فتقول أنت "لا حول ولا قوة إلا بالله" وعند قولها استحضر معناها.. ثم يقول المؤذن "حي على الفلاح" فيتضح بذلك أن الصلاة إحدى الأسباب المباشرة للفلاح "والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين:على حصول المطلوب وعلى النجاة من المرهوب" ( شرح رياض الصالحين لابن عثيمين) وأعيد بعد قول المؤذن حي الفلاح قولي: لا حول ولا قوة إلا بالله..، ثم يتكرر التذكير بتكبير الله تعالى وأن أمر إجابته أَولى من كل أمر، كما قال سبحانه عن أهل الإيمان: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} ( النور:37). ثم تأتي بعد ذلك كلمة التوحيد، وفيها الإشارة إلى لزوم إخلاص العبادة لله وحده، فأعمل العمل وأنا حريص على تطهيره من الرياء والنفاق، فيخرج خالصا طاهرا كما يخرج اللبن من بين فرْث ودم..
واعلموا -حفظكم الله- أنه مما يدُلُّ على تعظيم قدر الأذان والترديد معه أنني وإن كنت أقرأ القرآن فالأَولى أن أتوقف عن التلاوة حتى أردد مع المؤذن وأستحضر المعاني؛ ذلك أن بعض الأعمال المفضولة تصبح فاضلة في أوقات مخصوصة.. ومن ضمنها أن الترديد مع المؤذن أولى من الاستمرار في التلاوة وقت الأذان.. كما أن في تكرار كلمات الأذان إشارة إلى التأكيد؛ فأنت إن أردت تأكيد أمر كررته..
ولحديثنا بقية.. ونحن الآن نمضي خطوة خطوة، ولا ننس الاستعانة بالمولى جل وعلا، ولا نيأس من مجاهدة النفس لأجل تحصيل الخشوع، وبعون الله سننال المطلوب وسننجوا من كل مرهوب، وتابعونا ...
* الحلقة الثالثة (في معنى الاستعاذة ولطائف دعاء الاستفتاح..)
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على إمام المرسلين. وبعد..
أنت الآن واقف لـتُـكبّر للصلاة، فاعلم أنك مُقْبل على خالقك ومولاك، الذي لم يضع للقائه شرطا، ولم يخصص لمناجاته وقتا، ولا يمنعك من الوقوف بين يديه حاجب على باب ولا يتوسط لك عنده إنس ولا جان.. استشعر أنه أوجب عليك الصلاة لسعادتك وراحتك "يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها"..
وأنت واقف لتكبر للصلاة، استشعر أنك بين يدي الله ستقف.. ولا يَـحُول بينك وبين هذا الشرف العظيم، والذي خصّ الله به فقط المسلمين، إلا حركة وكلمتان، بهما تخرج من هذه الدنيا بفِكرك وشغلك وتدخل إلى عالم عجيب ممتع، فيه ما لذّ وطاب من حلاوة الإيمان ونور المناجاة لرب الأرض والسماوات..
سترفع يديك الآن إلى حذو منكبيك أو أذنيك.. فتقول بخشوع واطمئنان وبقلب حاضر:
"الله أكبر" .. يا عبد الله، إجعل من تكبيرة الإحرام سعادة! فقد جعلها الله لك وسيلة للدخول لمناجاته ونيل مَرْضاته..
اِعلم -أيها الخاشع- أن اسم الجلالة "الله" هو اسم جامع لكل معاني أسماء الله الحسنى.. فتفَكّر في هذا المعنى واربطه ربطا مُـحْكما بقولك "أكبر"؛ فالله أكبر من أي شيء، ومن كل شيء، فلا يشغلك عنه شيء!.. لماذا؟..
لأنك قلت "الله أكبر"، فاحرص رعاك الله على أن تكون صادقا حين النطق بها، ملتزما بمتطلباتها..
لا ترفع عينيك إجلالا لربك، بل صوبهما إلى موضع سجودك.. ثم بعد ذلك تمتع بالنطق بدعاء الاستفتاح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم، أن أبا هريرة رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سكْتَتِه بعد التكبيرة ما الذي يقول فيها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام أقول:"اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد"
هل تأملت أخي في هذا الدعاء النعمة؛ دعاء بالمباعدة بين الخطايا، فابن آدم خطّاء، وفيه الخير الكثير إذا ما تاب إلى الله عز وجل توبة نصوحا.. وذكر المشرق والمغرب هنا هو للتعبير عن أقصى مباعدة ممكنة بين الخطية وأختها، أو للتعبير عن البعد عن المعصية كما يبعد المشرق عن المغرب، ولكن لا ننسى أن المقصود هنا هي الصغائر، أما الكبائر فعلى المسلم أن يرجو من مولاه العِصمة منها، فلا يقترفها بإذن الله أبدا {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللَمَم إن ربك واسع المغفرة}(النجم:32)
وتأمل معي في الشطر الثاني من الدعاء "اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" تأمل -رعاك الله- كيف مُثّلَت الخطايا بالدَنس -الأوساخ-، في حين مَثَّلك ربك سبحانه بالثوب الأبيض.. أنظر لهذا التكريم والتشريف الرباني.. يريدك مولاك طاهرا نقيا كما خلقك.. يا عبد الله! أرأيت الثوب الأبيض كم هو حساس للأوساخ ويحتاج منك لعناية تفوق باقي الألوان، سواء عند تنظيفه أو عند التحلي به، فكذلك قلبك أيها الخاشع المنيب..
ثم انظر إلى الشطر الثالث من الدعاء "اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" ومما هو معلوم، أن أي شيء إنما نغسله لنزيل عنه ما طرأ عليه مما هو ليس منه، فالثوب الأبيض نغسله لنزيل عنه الأوساخ فيعود إلى أصله، إذِ الأوساخ ليست منه، وكذلك أنت أيها الطاهر، ليست الخطايا منك، فالأصل فيك النقاء والصفاء، فطرأت عليك الخطايا، فاطلب من مولاك أن يُخَلِصك منها.. وكلنا يعلم أن الثوب الأبيض إذا أُهمل غسْله وتراكمت عليه الأوساخ، يصعب بعد ذلك تنظيفه، فتأمل..
يا عبد الله! أرأيت الماء حين يُنزله الله من السماء، فيصيب به الصخرة الملساء التي كان يحثل عليها التراب، كيف تصبح تلك الصخرة؟! وكيف بها إذا زادها الله من السماء ثلجا وبردا.. فتأمل
وبعد دعاء الاستفتاح المسنون، تقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" واحرص على نطق الاستعاذة بحرف الذال وليس الدال كما يفعل بعض الناس، والفارق بينهما كبير فتنبه..
لقد استعذت بالله الواحد القهّار، الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولا تخفى عليه خافية. "ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفَث، وتطيِيب له لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه، إلا الله الذي خلقه.. ولمّا كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه، اِستعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان"(تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير ج1 ص25)
أيها الخاشع بين يدي ربه، عندما تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فمعناها ألجأ إلى الله وأحتمي به من العدو الأكبر إبليس..
"والشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعُد، فهو بعيد عن طباع البشر، وبعيد بفِسقه عن كل خير"( تفسير القرآن العظيم ص26)
واعلم -رعاك مولاك وسدد خطاك وجعل الجنة مثوانا ومثواك- أن هدف الشيطان الرجيم هو اصطحاب أكبر عدد ممكن من الإنس والجن معه إلى قعر الجحيم! وهناك يتبرأ منهم أجمعين، وما عساهم يصنع لهم إن لم يتبرأ منهم!؟ فكن منه على بال، لا تمكنه من نفسك..
ولحديثنا بقية بإذن الله تعالى فتابعونا رعاكم الله في الحلقة التالية بحول الله..
يتبع..
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(تعلم الخشوع في خمس صلوات بدون معلم)
(أوصيك أيها القارئ الكريم بأن تتريث في قراءتك وأن لا تتجاوز الأسطر والفقرات نظرا لتَرابطها)
* الحلقة الأولى (في ضرر المعاصي على الخشوع..)
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على إمام المرسلين
{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}
تَـتَـفقون معي أيها الأفاضل أنَّ لكل داء دواء، وأن العَِليل كُلما عرَّضَ نفسَه لأسباب المرَض أخَّر بذلك شفاءه، أو ربما أهلك ذاتَه.. فَلْنُمثل لأنفسنا الآن أن (شرود الذهن) في الصلاة وفقدان الخشوع فيها داء من الأدواء، ففي نظرِكم، ما الذي يمكن أن يكون سببا في تهييج هذا المرض وجعله يزيد فتكا بسلامة صلاتنا وحسناتنا؟! نعم أيها الإخوة، إنها (المعاصي والذنوب)!..
إخوتي الأكارم! كلٌ منا يعرف نفسَه.. ويعرف ذنوبَـه.. فلْنَحذَر من (استصغار المعصية) فيكون شؤمها علينا عظيم..
فضلا، أخبروني، أليس فقداننا للذة مناجاة الخالق من أقسى العقوبات؟؟! لماذا نغفل عن (محاسبة أنفسنا) ونستسلم لعادات تفتكك بصفاء قلوبنا وتعصف بحسناتنا فتجعلها كهشيم تذروه الرياح..!
*فكيف أخشع وأنا أجالس أهل الغِيبة والنميمة؟!
*وكيف أخشع وأنا أتابع المسلسلات والأفلام التافهة على التلفاز؟!
*و كيف أخشع وأنا مدمن على المحادثات المحرمة عبر الانترنت والهاتف؟!
*وكيف أخشع وأنا عاق لوالدَي؟!
وهلمَّ جَراً لأمور قد لا تُنكرها قلوبُنا لكثرة ما تتردد في حياتنا! وما أسوءَها من عقوبة أن يأتي الواحُد منا الذنبَ فيراه كذُباب يهُشُّ عليه بيده من أنفه!! ثم (يعاوده فيتعوده) فلا يجد في نفسه إنكارا له..
أيها الإخوة الأنقياء! ما الذي يضُرنا لو أننا توقفنا قبل أيّ تصَرُف وعمل لـنُسائل أنفسَنا: "هل هو طاعة أم معصية؟ أم إنه مضيعة للوقت والجهد دون فائدة؟" "هل هو مما يرضاه الله لي ويحبه أم لا..؟" "هل لو ختم الله لي به سيكون من علامات حسن الخاتمة أم عكس ذلك؟"..
إخوتي الأكارم! أوصيكم ونفسي بترك الذنوب لأنها قاتلة للقلوب بامتياز! فكيف لقلب ميت أن يحضر في الحياة، فضلا عن أن ينفعنا في الصلاة! وأختم الحلقة الأولى بمقولة نفيسة لابن القيم رحمه الله حيث قال: "الذنوب جراحات، ورُب جرح وقع في مقتل"
* الحلقة الثانية (في تذَوُّق الأذان وتأمل كلماته..)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين..
أيها الإخوة! تنبغي الإشارة إلى أن أيَّ عمل مَهْما كان يبدو بسيطا يجب ألا يغيب جانب التوكل على الله فيه، لأنه لا سهل إلا ما جعله الله سهلا..
في حلقتنا الأولى تحدثنا عن تأثير المعاصي.. وأنها عقبةٌ كؤودٌ في طريق تحصيل الخشوع وحضور القلب في الصلاة؛ إذْ إنَّ حضورَ الشيء يستلزم كونَه حيا..والمعاصي تُـميت القلب! فكيف لقلب ميت أن يحضر في الصلاة؟!.. فتأمل
سنشرع الآن بعون الله بخطوات أخرى بعد أن عاهدنا أنفسنا على محاسبة النفس وترك المعاصي وعدم الوقوع في آفة استصغار الذنوب -حتى ولو كانت صغيرة- وأُولَى هذه الخطوات تعظيم قدر الأذان.
فإذا سمعت قول المؤذن "الله أكبر" وكنت أقوم بعمل لا يترتب عن إيقافه ضرر، فيلزمني أن أتوقف عنه وأُردِّدَ مع المؤذن مع استحضار معاني الكلمات. إذ إنَّ التفرُغَ للترديد مع المؤذن وعدم شغل الجوارح بعمل آخر يعينك على التدبر في كلمات الأذان، فتكون هذه هي أول خطوة للشوق إلى الصلاة..
واعلموا -رعاكم الله- أن أمر الترديد مع المؤذن له تأثير على قلب المصلي؛ فأنت بمجرد أن تسمع أول نبرة من الأذان، توقَّف عن العمل. وخذ نفسا عميقا. واستحضر أنه نداء للخير.. واشرع في استحضار معاني الكلمات..
ففي الأذان تكبير لله، وهي إشارة إلى تقديم الاستجابة والمبادرة بالصلاة. فالاستجابة لأمر الله أَولى من أي عمل. وفيه الشهادتان، وهما أول أركان الإسلام، في إشارة بأن استجابتي دليل من أدلة حسن إقامتهما. ثم تأتي بعدهما الدعوة إلى الإقبال على الصلاة، فتقول أنت "لا حول ولا قوة إلا بالله" وعند قولها استحضر معناها.. ثم يقول المؤذن "حي على الفلاح" فيتضح بذلك أن الصلاة إحدى الأسباب المباشرة للفلاح "والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين:على حصول المطلوب وعلى النجاة من المرهوب" ( شرح رياض الصالحين لابن عثيمين) وأعيد بعد قول المؤذن حي الفلاح قولي: لا حول ولا قوة إلا بالله..، ثم يتكرر التذكير بتكبير الله تعالى وأن أمر إجابته أَولى من كل أمر، كما قال سبحانه عن أهل الإيمان: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} ( النور:37). ثم تأتي بعد ذلك كلمة التوحيد، وفيها الإشارة إلى لزوم إخلاص العبادة لله وحده، فأعمل العمل وأنا حريص على تطهيره من الرياء والنفاق، فيخرج خالصا طاهرا كما يخرج اللبن من بين فرْث ودم..
واعلموا -حفظكم الله- أنه مما يدُلُّ على تعظيم قدر الأذان والترديد معه أنني وإن كنت أقرأ القرآن فالأَولى أن أتوقف عن التلاوة حتى أردد مع المؤذن وأستحضر المعاني؛ ذلك أن بعض الأعمال المفضولة تصبح فاضلة في أوقات مخصوصة.. ومن ضمنها أن الترديد مع المؤذن أولى من الاستمرار في التلاوة وقت الأذان.. كما أن في تكرار كلمات الأذان إشارة إلى التأكيد؛ فأنت إن أردت تأكيد أمر كررته..
ولحديثنا بقية.. ونحن الآن نمضي خطوة خطوة، ولا ننس الاستعانة بالمولى جل وعلا، ولا نيأس من مجاهدة النفس لأجل تحصيل الخشوع، وبعون الله سننال المطلوب وسننجوا من كل مرهوب، وتابعونا ...
* الحلقة الثالثة (في معنى الاستعاذة ولطائف دعاء الاستفتاح..)
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على إمام المرسلين. وبعد..
أنت الآن واقف لـتُـكبّر للصلاة، فاعلم أنك مُقْبل على خالقك ومولاك، الذي لم يضع للقائه شرطا، ولم يخصص لمناجاته وقتا، ولا يمنعك من الوقوف بين يديه حاجب على باب ولا يتوسط لك عنده إنس ولا جان.. استشعر أنه أوجب عليك الصلاة لسعادتك وراحتك "يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها"..
وأنت واقف لتكبر للصلاة، استشعر أنك بين يدي الله ستقف.. ولا يَـحُول بينك وبين هذا الشرف العظيم، والذي خصّ الله به فقط المسلمين، إلا حركة وكلمتان، بهما تخرج من هذه الدنيا بفِكرك وشغلك وتدخل إلى عالم عجيب ممتع، فيه ما لذّ وطاب من حلاوة الإيمان ونور المناجاة لرب الأرض والسماوات..
سترفع يديك الآن إلى حذو منكبيك أو أذنيك.. فتقول بخشوع واطمئنان وبقلب حاضر:
"الله أكبر" .. يا عبد الله، إجعل من تكبيرة الإحرام سعادة! فقد جعلها الله لك وسيلة للدخول لمناجاته ونيل مَرْضاته..
اِعلم -أيها الخاشع- أن اسم الجلالة "الله" هو اسم جامع لكل معاني أسماء الله الحسنى.. فتفَكّر في هذا المعنى واربطه ربطا مُـحْكما بقولك "أكبر"؛ فالله أكبر من أي شيء، ومن كل شيء، فلا يشغلك عنه شيء!.. لماذا؟..
لأنك قلت "الله أكبر"، فاحرص رعاك الله على أن تكون صادقا حين النطق بها، ملتزما بمتطلباتها..
لا ترفع عينيك إجلالا لربك، بل صوبهما إلى موضع سجودك.. ثم بعد ذلك تمتع بالنطق بدعاء الاستفتاح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم، أن أبا هريرة رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سكْتَتِه بعد التكبيرة ما الذي يقول فيها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام أقول:"اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد"
هل تأملت أخي في هذا الدعاء النعمة؛ دعاء بالمباعدة بين الخطايا، فابن آدم خطّاء، وفيه الخير الكثير إذا ما تاب إلى الله عز وجل توبة نصوحا.. وذكر المشرق والمغرب هنا هو للتعبير عن أقصى مباعدة ممكنة بين الخطية وأختها، أو للتعبير عن البعد عن المعصية كما يبعد المشرق عن المغرب، ولكن لا ننسى أن المقصود هنا هي الصغائر، أما الكبائر فعلى المسلم أن يرجو من مولاه العِصمة منها، فلا يقترفها بإذن الله أبدا {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللَمَم إن ربك واسع المغفرة}(النجم:32)
وتأمل معي في الشطر الثاني من الدعاء "اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" تأمل -رعاك الله- كيف مُثّلَت الخطايا بالدَنس -الأوساخ-، في حين مَثَّلك ربك سبحانه بالثوب الأبيض.. أنظر لهذا التكريم والتشريف الرباني.. يريدك مولاك طاهرا نقيا كما خلقك.. يا عبد الله! أرأيت الثوب الأبيض كم هو حساس للأوساخ ويحتاج منك لعناية تفوق باقي الألوان، سواء عند تنظيفه أو عند التحلي به، فكذلك قلبك أيها الخاشع المنيب..
ثم انظر إلى الشطر الثالث من الدعاء "اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" ومما هو معلوم، أن أي شيء إنما نغسله لنزيل عنه ما طرأ عليه مما هو ليس منه، فالثوب الأبيض نغسله لنزيل عنه الأوساخ فيعود إلى أصله، إذِ الأوساخ ليست منه، وكذلك أنت أيها الطاهر، ليست الخطايا منك، فالأصل فيك النقاء والصفاء، فطرأت عليك الخطايا، فاطلب من مولاك أن يُخَلِصك منها.. وكلنا يعلم أن الثوب الأبيض إذا أُهمل غسْله وتراكمت عليه الأوساخ، يصعب بعد ذلك تنظيفه، فتأمل..
يا عبد الله! أرأيت الماء حين يُنزله الله من السماء، فيصيب به الصخرة الملساء التي كان يحثل عليها التراب، كيف تصبح تلك الصخرة؟! وكيف بها إذا زادها الله من السماء ثلجا وبردا.. فتأمل
وبعد دعاء الاستفتاح المسنون، تقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" واحرص على نطق الاستعاذة بحرف الذال وليس الدال كما يفعل بعض الناس، والفارق بينهما كبير فتنبه..
لقد استعذت بالله الواحد القهّار، الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولا تخفى عليه خافية. "ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفَث، وتطيِيب له لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه، إلا الله الذي خلقه.. ولمّا كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه، اِستعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان"(تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير ج1 ص25)
أيها الخاشع بين يدي ربه، عندما تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فمعناها ألجأ إلى الله وأحتمي به من العدو الأكبر إبليس..
"والشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعُد، فهو بعيد عن طباع البشر، وبعيد بفِسقه عن كل خير"( تفسير القرآن العظيم ص26)
واعلم -رعاك مولاك وسدد خطاك وجعل الجنة مثوانا ومثواك- أن هدف الشيطان الرجيم هو اصطحاب أكبر عدد ممكن من الإنس والجن معه إلى قعر الجحيم! وهناك يتبرأ منهم أجمعين، وما عساهم يصنع لهم إن لم يتبرأ منهم!؟ فكن منه على بال، لا تمكنه من نفسك..
ولحديثنا بقية بإذن الله تعالى فتابعونا رعاكم الله في الحلقة التالية بحول الله..
يتبع..