- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
بسم الله
وجعلنا سراجاً وهاجا
الشمس -أمُّ الضياء- ملكة النجوم في السماء.. نمتطي على عرشها.. تدور ويدور معها أعداد لا حصر لها من الكواكب والكويكبات والمذنبات والسوابح الفلكية.
تسبح في الكون.. وتنهب الفضاء نهباً.. تسير بنا -ونحن لا ندري- إلى مستقرها الذي قدره لها العزيز العليم.
تسبح في الكون.. وتنهب الفضاء نهباً.. تسير بنا -ونحن لا ندري- إلى مستقرها الذي قدره لها العزيز العليم.
يراها الناس في صفحة السماء -في كل يوم- فتذكرهم بالقدرة العليا الخالقة التي جعلت منها ضياءً، وجعلتها سراجاً، وجعلتها حسباناً، أعظم مما أبدع الإنسان في عالم الحساب طوال حياته كلها.
ومن خلال الشمس، تشاهد الإنسانية في كل مكان -في مشارق الأرض ومغاربها، ومن شمالها وجنوبها- مناظر الطبيعة الخلابة.. والمياه المتدفقة.. والورود المتفتحة.. والجنات والعيون.. والجبال والهضاب.. والوديان والتلال..
كما يشاهدون من خلالها يد الله الحانية على عباده وهي تغمر هذا الكون بالعطف والرعاية.. والذي لو شاء لجعل ليل الأرض سرمداً أو نهارها سرمداً.
تشرق علينا كل يوم.. فتتبدل نفسياتنا مع كل ساعة من شروقها حتى غروبها.. وحتى ما بعد اختفائها عن ناظرينا.. وعندما يلفنا الظلام بجناحيه ينبلج فجرها.. فيتنفس الصبح.. وينتشر الدفء والضياء.. وتدب في الأرض الحياة بعد الموت.. والحركة بعد الهمود.. جيوش لا معدودة.. من البشر والدواب والطيور والحشرات.. تنتشر في جنبات الأرض.. وفي باطنها.. قد أخرجت أشعة الشمس من سباتها.. لتستقبل مواكب النور وتبني حياتها.. وتحقق طموحاتها وأمنياتها.
تغيب عنا.. فتظلم سماؤنا.. يتملكنا خوف ورهب.. لا ندري له تفسيراً.. جحافل من الظلام تملأ عيوننا. وتغشى قلوبنا.. فنفزع إلى الله بالصلاة والدعاء.. يشتد غيابها.. فتتحول حياتنا إلى أغشية سوداء تمشي على الأرض.. ظلام في ظلام..
تدخل بيوتنا.. فتدب فيها الحركة.. كما تسللت إلى مخادعنا.. فأيقظتنا.. وأيقظت عزائمنا.. كباراً وصغاراً.. حتى أطفالنا الرضع أحسوا بيدها الحانية على جباههم..
تسللت إلى أكواخنا.. إلى مراعينا.. إلى أعشاش طيورنا.. فنقلتهم إلى عالم المسبّحين.. حتى الديكة خرجوا يعلنون قدومك.. ويؤذنون لصلاة الفجر.
تدخل إلى حدائقنا وبساتيننا فترتفع لباليب أشجارنا إلى السماء تتطلع إلى الشمس والفياء.. ونرى أزهاراً تتفتح.. ووروداً تتباهى في ألوانها، وثماراً تزهو بنضيجها.. وأوراقاً تتأنق بجمالها.
تدخل مساجدنا.. فنقيم على إيقاعاتها الصلوات الخمس وصلاة الضحى- نصوم ونفطر عند مغيبها.
يشتدّ مغيبها.. وظلامها.. فتتجلى الرحمة الإلهية ونقوم الليل.. ونصلي بالسحر.. وما أدراك ما لذة الأسحار؟! نسيم الصالحين يتبعه نسيم آخر من صلاة الفجر.
تدخل جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية فنقيم من أجلها المؤتمرات ونعد الدراسات.. ونعقد الندوات.. وننفق عليها بسخاء.. ولما تنته الأبحاث حولها.. في كل الأرض.. ومنذ ألوف السنين.. لم يشبع العلماء من دراسة وقودها.. ووهجها.. وإشعاعها.. وبراكينها.. وحركتها وآثارها على الإنسان والبيئة والأنهار والبحار.
تسللت إلى عقولنا.. فملأتها بمئات المعادلات الرياضية والفيزيائية التي تشرح أسرارها النافذة إلى أعماق الأرض وإلى ما في داخلها من كنوز ومعادن وبترول وغازات و...
تسللت أشعتها إلى الأنهار والبحار والمحيطات فبخرت مياهها المالحة لتنزل غيثاً على عباد الله العطشى وعلى الأراضي القاحلة فأحيت الأرض بعد موتها.
وساقت الرياح.. وأثارت السحب.. وبالتالي نزل الثلج والبرد.
وعندما زفرت زفرة واحدة.. ارتجّ لها أهل الأرض.. نفثت نفثة واحدة من جوفها فأرسلت إلينا رياح السموم.. جعلت حياتنا قيظاً بعد دعة.. وناراً بعد سلام.. أصبحنا لا نطيق أنفسنا التي خرجت من جلودها..
هذه الشمس.. أم الضياء.. السراج الوهاج.. كم غالى المغالون في تقديسها حتى سجدوا لها من دون الله.. وكم تباهى بها الشعراء والأدباء.. كم تغزلوا بجمالها.. في كل الأرض.. وبجميع اللغات.. وعبر الزمان كله..
تجلت على الأفق أم الضياء ملفعة باصفرار كئيب.
كم درس العلماء.. دورة حياتها.. وما يخرج منها.. وتأثيرها على الأرض وسكانها جميعاً.. حتى صخورها ومعادنها وحجارتها وصخورها السوداء. وما صحاريها وما الأنهار والبحار والمحيطات عنها بمنأى.
ألم تكن هي الشمس ذاتها المحور الأساسي في أبحاث علماء الفيزياء والطبيعة.. وعلماء الفلك.. وعلماء الرياضيات... وعلماء النبات والزراعة.. وعلماء الكيمياء الحيوية.. وعلماء الجيولوجيا.. وعلماء الأرصاد الجوية.. وعلماء البيئة.. وعلماء الطاقة.. وعلماء البحار.. وسائر العلماء..
ادرسوا نتائج أبحاثهم.. واقرأوا عناوين موضوعاتهم.. افتحوا الشمس العنكبوتية.. اطلعوا على الدراسات العليا عن بحوث الشمس والطاقة لتعلموا أنكم لم تعرفوا عن الشمس إلا كقطرة من بحر.. وإلا النزر اليسير الذي لا يطفئ ظمأ العلماء.
مئات الأبحاث تنشر عن الشمس في كل عام.. وما زلنا نجهل الكثير الكثير من أسرارها وفوائدها وتأثيرها الفسيولوجي والكيماوي والنفسي على الجنس البشري.. على جسده وروحه.. وعلى كل من دب على الأرض.
وإن لضوئها تأثيراً أبلغ عمقاً على صحتنا مما كنا نعتقد أو نتصور.
ويبقى الكتاب الخالد.. كتاب الله.. خالق الشمس والضياء.. الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. هو الذي يضع الشمس في مكانها اللائق بها.. آية من آيات قدرته وعلمه وحكمته تعالى.. ساجدة لأمره.. تكنس السماء بمقدار.. وتجري لمستقر لها.. لا تنكسف لموت بشر..
جعلها الله سراجاً وهاجاً.. وجعلها ضياء.. وجعلها حسباناً.. قدّر أنوارها.. وقدّر أفلاكها. وقدّر عمرها لأجل مسمى عنده تعالى.. (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم). (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون).
(وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) (وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى).
أقسم بها.. كما أقسم بضحاها.. وبالقمر إذا تلاها.. (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها..) (والضحى. والليل إذا سجى).
وأقسم تعالى بالنجم وبمواقع النجوم وبالقرآن العظيم (فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم).
وذكر سجودها وتسبيحها بين يدي خالقها مع الإنسان والكون الساجد المسبح: (الم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء).
فأي شرف لهذه الشمس.. ودورها في حياة الإنسان وهي نور يتلالأ مسخرة لهذا الإنسان خليفة الله في أرضه (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين).
وأي فضل لها!! وقد شبه سبحانه وتعالى دور الرسول عليه السلام في حياة البشرية بأنه يجمع سراج الشمس ونور تابعها القمر (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً).
هذه الشمس.. الآية الكونية الكبرى.. التي يراها كل الناس، يزيد حجمها على 1.3 مليون مرة من حجم كرتنا الأرضية، وتحوي 335 تريليون كيلو متر مكعب من الغازات يبلغ وزنها 2200 تريليون تريليون من الأطنان، وعلى ما يزيد على 334000 وزن أرضنا. وهي تدور حول نفسها بسرعة، كيلو متر في الثانية.. كما أنها تقود هذا النظام الشمسي بكواكبه ومذنباته وسوابحه الفلكية (والمكونة من 9 كواكب سيارة ومعها 59 قمراً محاطة بـ30.000 من الكويكبات وبليون مذنب وحشود هائلة من السحب المتخمة بذرات الغبار) بسرعة 19 كم في الثانية وهي تنهب الفضاء بسرعة 600 مليون كم في العام الواحد متجهة إلى مستقرها الذي قدره لها العزيز العليم في مجموعة النسر.
فأي مسافة قطعت خلال الخمسة بليون عام منذ أن خلقها الله ومتى تصل إلى مستقرها الذي يقدره العلماء بـ30 مليون عام، هذا بالإضافة إلى جريانها حول مجرة التبانة بسرعة 250 كم/ الثانية لتستغرق دورتها الواحدة حول المجرة 230 مليون عام.
وكم هي الطاقة التي أطلقتها منذ ميلادها إذا كانت تطلق من أتونها 4.2 مليون طن في الثانية الواحدة والتي تبلغ شدة إضاءتها 100 تريليون شمعة. ولا يصلنا من طاقتها إلى جزء واحد من 2 بليون جزء فكيف لو كان يصلنا جزءان من طاقتها المنبعثة لاحترقت الأرض ومن فيها ولتبخرت مياه المحيطات وتطاير الغلاف الجوي.
وأي عظمة لهذا الخالق الذي جعل في مجرتنا.. درب التبانة.. والتي هي واحدة من حوالي 10000 مليون من المجرات.. ما يزيد على 100 مليون شمس كشمسنا.. وهي من أصغرها حجماً ووزناً وإضاءة حيث اعتبرها العلماء معياراً للحجم الكوني للنجوم والمجرات ومعياراً للوزن الكوني ومعياراً للوزن الكوني.
وها نحن.. عندما نطل في صفحة السماء.. نرى أن القدرة الإشعاعية للشعرى اليمانية 50 مرة من قدرة الشمس، والجوزاء 650 مرة، ورجل الجبار 53000 مرة، والدجاجة 500000 مرة.
كما نرى حجم نجم الرجل 17 مرة من حجم الشمس، والشعرى اليمانية 20 مرة، والسماك الرامح 100 مرة، وقلب العقرب 64 مليون مرة، ومنكب الجوزاء 500 مليون مرة.
فهل وعينا ذكر الشمس في القرآن الكريم 33 مرة، وتسمية سورة كريمة باسمها هي سورة الشمس؟.. وهل تدبرنا عظمة الخالق الذي جعلها سراجاً وهاجاً؟ أليس الذي خلق الشمس والقمر هو الذي خلق الإنسان وهو الذي أنزل القرآن (الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان . الشمس والقمر بحسبان)؟ (الرحمن: 1-5)
فهل نتدبر في خلق السماوات والأرض (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).
نحن لا نستطيع أن نوفي الشمس حقها من تدرب عظمة الله في خلقها وتقديرها. وبالتالي لا نستطيع أن نشكر الخالق على تسخيرها لنا.
مجلة الفرقان - حاتم البشتاوي