- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القواعد النحوية والقراءات
مبحث في توهم مخالفة بعض الآيات للمشهور من قواعد النحو والعربية.
من المعلوم أنه لم يتوفر لنص ما توفر للقرآن الكريم من تواتر رواياته
وعناية العلماء بضبطها وتحريرها متناً وسنداً وتدوينها وضبطها
بالمشافهة عن أفواه العلماء الأثبات الفصحاء من التابعين عن
الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو النص العربي
الصحيح المتواتر المجمع على تلاوته بالطرق التي وصل إلينا بها،
وعلى هذا يكون هو النص الصحيح المجمع على الاحتجاج به
في اللغة والنحو والصرف وعلوم البلاغة في قراءاته كلها
المتواترة والمثبتة، ولا ننسى بعد ذلك أن أئمة القراّء
كأبي عمرو بن العلاء والكسائي ويعقوب الحضرمي هم
أئمة في اللغة والنحو أيضاً، حتى أن القراءات الشاذة وهي
التي لم تُنقل بالتواتر أقوى سنداً وأصحّ نقلاً من كل ما احتجّ به
العلماء من الكلام العربي غير القرآن، وليس ذلك إلا لأنّ
رواتها الأعلون عرباً فُصحاء سليمة سلائقهم تبنى على أقوالهم
قواعد العربية (1).
وإذا كان الأمر كذلك فإن من الواجب أن نتعرض إلى دفع ما يُتوهّم
مخالفته لقواعد العربية، والذي يدعو إلى ذلك أمران:
الأول: أن بعض الآيات التي يُتوهم مخالفتها لقواعد النحو والعربية
قد رُوي أنها من لحن كاتب المصحف (2) وتناقلت ذلك بعض
المراجع واستغلها بعض أعداء الإسلام (3).
الأمر الثاني: أن بعض النحاة قد توهّم أن بعض القراءات تخالف
ما يعرفه من قواعد النحو والعربية إما تعصباً لمنهجه النحوي
أو لعدم الاطلاع على تواتر القراءات ومنهجية علماء القراءات
ونقلتها وتاريخ تدوينها والعناية بحفظها في الصدور قبل السطور
جيلاً بعد جيل، إضافة إلى أن عدم الإحاطة بكلام العرب ومناهجهم
يجعل بعض النحاة يتسرع في الحكم على بعض القراءات بمخالفة ما
يعرفه من القواعد التي قعّدوها وسوف يأتي بيان ذلك، إذا علم ذلك
فإن القواعد النحوية هي التي تخضع للقراءات ولا تخضع
القراءات للقواعد النحوية لأن القرآن بجميع قراءاته نزل
على أفصح لغات العرب وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، والقواعد
النحوية مستنبطة من كلام العرب منثورة ومنظومة،
كما أنها مستنبطة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة،
فالكلام العربي وفي مقدمته القرآن والسنة مصدر هذه القواعد
منه نشأت وعنه أُخذت فهو الاصل وهي الفرع.
لذا فلا بد أن يُعلم أنه ليس في القرآن ما يخالف القواعد النحوية
وكلام العرب، وما يُتوهّم بخلاف ذلك إنما مرجعه للجهل بكلام
العرب و أساليبهم ونقص الاستقراء، واضطراب المنهج وكيف
يُتوهّم ذلك، وإنما نزل القرآن بلسان العرب كما قال تعالى:
" إنا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون" وقد تكفل الله بحفظ
القرآن في قوله : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وقال : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ...".
وأبدأ بتفنيد الادعاء بأن ما ورد مما يُوهم مخالفة القواعد النحوية هو:
لحن من كاتب المصحف كما رُوي عن عثمان بن عفان رضي
الله عنه أنه قال: " إن في القرآن لحناً وستقيمه العرب
بألسنتها (4). وكذلك ما رُوي عن عائشه رضي الله
عنها حيث رُوي عن عروة بن الزبير أنها قالت " يا ابن أختي
هذا عمل الكُتّاب أخطأوا في الكِتاب" (5).
وقد بيّن السيوطي (6) - رحمه الله - اضطراب هذه
الروايات وبيّن علّتها، فنقل عن ابن أشتة بسنده
عن عبدالله بن عامر قال: " لما فُرغ من المصحف أُتي عثمان
فنظر فيه فقال: أحسنتم وأجملتم أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا".
فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم من الروايات
الأخرى والتي تُنسب لعثمان.
فكأنه عُرض عليه عقب الفراغ من كتابته، فرأى فيها شيئاً كُتب
على غير لسان قريش كما وقع لهم في : التابوة، والتابوت (7)،
فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش، ثم وفّى بذلك عند العرض
والتقويم ولم يترك فيه شيئاً ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه
حرّفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر من عثمان فلزم منه ما لزم من
الإشكال، فهذا أقوى ما يُجاب به عن ذلك ولله الحمد). أ.هـ.
قلت: فالروايات الأخرى التي تدل على وجود خطأ في كتابة القرآن
أو لحن تعارض الروايات الأخرى الصحيحة التي تنفي ذلك فهي
روايات باطلة ومردودة لا يركن إليها من في قلبه ذرة
من إيمان أو معرفة بالعربية وليس لها أي وزن أو اعتبار أمام ت
واتر المصاحف والقراءات القرآنية (8). قال ابن جرير (9)
- رحمه الله - عند حديثه عن قوله تعالى:
"والمقيمين الصلاة" (النساء/162):
(ولو كان " والمقيمين" خطأ من جهة الخط لم يكن الذين
أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يُعَلّمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن،
ولأصلحوه بألسنتهم ولقّنوه للأمة تعليماً على وجه الصواب.
وفي نقل المسلمين جميعاً ذلك قراءة على ما هو به في الخط
مرسوماً أدلّ الدليل على صحة ذلك وصوابه،
وأن لا صنع في ذلك للكاتب). أ.هـ.
وقال الزمخشري في الكشاف (10) موجهاً قراءة النص
في آية " والمقيمين الصلاة " (نُصب على المدح لبيان فضل
الصلاة .... وهو باب واسع قد أورد عليه سيبويه أمثلة وشواهد،
ولا يُلتفت إلى من زعم أن في خط المصحف لحناً ولم يعرف مذاهب
العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الامتنان،
وغاب عنه أن السابقين الأولين الذي مثلهم في التوراة ومثلهم
في الإنجيل كانوا أبعد همّة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن
عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثُلمة ليسدّها من
بعدهم وخرقاً يرفوه من يلحق بهم).
قلت: وصدق في ذلك فكيف يُظن بالصحب الكرام وهم
القدوة بعد خير الأنام أن يتركوا لحناً أو خطأ يصلحه من بعدهم
وهم الذين سخّرهم الله لحفظ كتابه وتبليغ دينه، ومن أجل
ذلك فقد قال أبوبكر الأنباري (11) في الرد على من يزعم
وجود لحن في القرآن ( وفي قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون" دلالة على كفر هذا الإنسان لأن الله
عزوجل قد حفظ القرآن من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان،
وفي هذا الذي قال توطئة الطريق لأهل الإلحاد ليُدخلوا في القرآن
ما يحلون به عُسر الإسلام). وقد ذكر السيوطي (12)
- رحمه الله - شُبَه من قال إنّ في القرآن لحناً وفنّد ذلك
وقال في دفعها: ( وأما قول عثمان إن في القرآن لحناً ... إلخ،
فهو مشكل إذ كيف يُظن بالصحابة أولاً اللحن في الكلام فضلاً
عن القرآن وهم الفصحاء اللُّد، ثم كيف يُظن بهم ثانياً اجتماعهم
على الخطأ وكتابته، ثم كيف يُظن بهم ثالثاً عدم التنبه والرجوع،
ثم كيف يُظن بعثمان عدم تغييره ثم كيف يُظن أن القراءة استمرت
على ذلك الخطأ وهو مَروي بالتواتر خلفاً عن السلف، وكيف يتركه
عثمان لتقيمه العرب، وإذا كان الذين تولّوا جمعه لم يُقيموه
وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم، إنّ هذا مما يستحيل عقلاً
وشرعاً وعادة، وأيضاً فإن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل
كتب عدة مصاحف فإن قيل إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقهم
على ذلك أو في بعضها فهو اعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد
من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ولم تأت
المصاحف فقط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءات
وليس ذلك بلحن) بتصرف قليل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على شبهة وجود اللحن
في المصحف: (ومما يبيّن كذب ذلك: أن عثمان لو قدّر ذلك
فيه فإنما رأى ذلك في نسخة واحدة فأما أن تكون جميع المصاحف
اتفقت على الغلط وعثمان قد رآه في جميعها وسكت،
فهذا ممتنع عادة وشرعاً من الذين كتبوا ومن عثمان،
ثم من المسلمين الذين وصلت إليهم المصاحف
ورأو ما فيها وهم يحفظون القرآن ويعلمون أن فيه لحناً
لا يجوز في اللغة فضلاً عن التلاوة، وكلهم يقر هذا المنكر
لا يغيره أحد، فهذا مما يُعلم بطلانه عادة، ويعلم من دين
القوم الذين لا يجتمعون على ضلالة).
قلت: والأجوبة المتقدمة لهؤلاء العلماء الأجلاّء عن تلك
الآثار توضح لنا أن الخبر الوارد عن عثمان وعائشة إنما هو
مردود لاضطرابه وإعلاله، مضطرب لاختلاق الروايات
في ألفاظها ومعانيها مما يدل على حصول الخطأ في النقل
عن عثمان وغيره، يدل على ذلك ورود الرواية الصحيحة
المعنى التي لا إشكال فيها كما ذكر السيوطي، كما أن القرآن
محفوظ في الصدور قبل السطور وهو منقول بالتواتر من عصر
الصحابة رضي الله عنهم وحتى يومنا هذا وهو محفوظ بحفظ الله،
فهل حصل الخطأ في الكتابة على فرض صحته يجعل الصحابة
يغيروا حفظهم على حسب ذلك أم أنهم يؤدون القرآن كما
سمعوه من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا هو اعتقادنا
فيهم وهم نقلة الدين وحماة حياضه وحملة لوائه رضي الله عنهم
وأرضوه، وادعاء اللحن إنما هو من دسائس أعداء الإسلام
الذين يغفلون عن مثل قوله تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا
له لحافظون". وسوف أبيّن بمشيئة الله أهم الأمثلة التي أدّعي
بأنها من لحن الكاتب أو أنها تخالف قواعد العربية وتبيّن صحتها،
وخصائصها وأنها لا تعارض ما صحّ وثبت من كلام العرب
وأساليبهم الخطابية بل هي تصحح ذلك وتثبت فصاحة
من نطق به من العرب
د. ياسر الشمالي
القواعد النحوية والقراءات
مبحث في توهم مخالفة بعض الآيات للمشهور من قواعد النحو والعربية.
من المعلوم أنه لم يتوفر لنص ما توفر للقرآن الكريم من تواتر رواياته
وعناية العلماء بضبطها وتحريرها متناً وسنداً وتدوينها وضبطها
بالمشافهة عن أفواه العلماء الأثبات الفصحاء من التابعين عن
الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو النص العربي
الصحيح المتواتر المجمع على تلاوته بالطرق التي وصل إلينا بها،
وعلى هذا يكون هو النص الصحيح المجمع على الاحتجاج به
في اللغة والنحو والصرف وعلوم البلاغة في قراءاته كلها
المتواترة والمثبتة، ولا ننسى بعد ذلك أن أئمة القراّء
كأبي عمرو بن العلاء والكسائي ويعقوب الحضرمي هم
أئمة في اللغة والنحو أيضاً، حتى أن القراءات الشاذة وهي
التي لم تُنقل بالتواتر أقوى سنداً وأصحّ نقلاً من كل ما احتجّ به
العلماء من الكلام العربي غير القرآن، وليس ذلك إلا لأنّ
رواتها الأعلون عرباً فُصحاء سليمة سلائقهم تبنى على أقوالهم
قواعد العربية (1).
وإذا كان الأمر كذلك فإن من الواجب أن نتعرض إلى دفع ما يُتوهّم
مخالفته لقواعد العربية، والذي يدعو إلى ذلك أمران:
الأول: أن بعض الآيات التي يُتوهم مخالفتها لقواعد النحو والعربية
قد رُوي أنها من لحن كاتب المصحف (2) وتناقلت ذلك بعض
المراجع واستغلها بعض أعداء الإسلام (3).
الأمر الثاني: أن بعض النحاة قد توهّم أن بعض القراءات تخالف
ما يعرفه من قواعد النحو والعربية إما تعصباً لمنهجه النحوي
أو لعدم الاطلاع على تواتر القراءات ومنهجية علماء القراءات
ونقلتها وتاريخ تدوينها والعناية بحفظها في الصدور قبل السطور
جيلاً بعد جيل، إضافة إلى أن عدم الإحاطة بكلام العرب ومناهجهم
يجعل بعض النحاة يتسرع في الحكم على بعض القراءات بمخالفة ما
يعرفه من القواعد التي قعّدوها وسوف يأتي بيان ذلك، إذا علم ذلك
فإن القواعد النحوية هي التي تخضع للقراءات ولا تخضع
القراءات للقواعد النحوية لأن القرآن بجميع قراءاته نزل
على أفصح لغات العرب وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، والقواعد
النحوية مستنبطة من كلام العرب منثورة ومنظومة،
كما أنها مستنبطة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة،
فالكلام العربي وفي مقدمته القرآن والسنة مصدر هذه القواعد
منه نشأت وعنه أُخذت فهو الاصل وهي الفرع.
لذا فلا بد أن يُعلم أنه ليس في القرآن ما يخالف القواعد النحوية
وكلام العرب، وما يُتوهّم بخلاف ذلك إنما مرجعه للجهل بكلام
العرب و أساليبهم ونقص الاستقراء، واضطراب المنهج وكيف
يُتوهّم ذلك، وإنما نزل القرآن بلسان العرب كما قال تعالى:
" إنا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون" وقد تكفل الله بحفظ
القرآن في قوله : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وقال : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ...".
وأبدأ بتفنيد الادعاء بأن ما ورد مما يُوهم مخالفة القواعد النحوية هو:
لحن من كاتب المصحف كما رُوي عن عثمان بن عفان رضي
الله عنه أنه قال: " إن في القرآن لحناً وستقيمه العرب
بألسنتها (4). وكذلك ما رُوي عن عائشه رضي الله
عنها حيث رُوي عن عروة بن الزبير أنها قالت " يا ابن أختي
هذا عمل الكُتّاب أخطأوا في الكِتاب" (5).
وقد بيّن السيوطي (6) - رحمه الله - اضطراب هذه
الروايات وبيّن علّتها، فنقل عن ابن أشتة بسنده
عن عبدالله بن عامر قال: " لما فُرغ من المصحف أُتي عثمان
فنظر فيه فقال: أحسنتم وأجملتم أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا".
فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم من الروايات
الأخرى والتي تُنسب لعثمان.
فكأنه عُرض عليه عقب الفراغ من كتابته، فرأى فيها شيئاً كُتب
على غير لسان قريش كما وقع لهم في : التابوة، والتابوت (7)،
فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش، ثم وفّى بذلك عند العرض
والتقويم ولم يترك فيه شيئاً ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه
حرّفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر من عثمان فلزم منه ما لزم من
الإشكال، فهذا أقوى ما يُجاب به عن ذلك ولله الحمد). أ.هـ.
قلت: فالروايات الأخرى التي تدل على وجود خطأ في كتابة القرآن
أو لحن تعارض الروايات الأخرى الصحيحة التي تنفي ذلك فهي
روايات باطلة ومردودة لا يركن إليها من في قلبه ذرة
من إيمان أو معرفة بالعربية وليس لها أي وزن أو اعتبار أمام ت
واتر المصاحف والقراءات القرآنية (8). قال ابن جرير (9)
- رحمه الله - عند حديثه عن قوله تعالى:
"والمقيمين الصلاة" (النساء/162):
(ولو كان " والمقيمين" خطأ من جهة الخط لم يكن الذين
أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يُعَلّمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن،
ولأصلحوه بألسنتهم ولقّنوه للأمة تعليماً على وجه الصواب.
وفي نقل المسلمين جميعاً ذلك قراءة على ما هو به في الخط
مرسوماً أدلّ الدليل على صحة ذلك وصوابه،
وأن لا صنع في ذلك للكاتب). أ.هـ.
وقال الزمخشري في الكشاف (10) موجهاً قراءة النص
في آية " والمقيمين الصلاة " (نُصب على المدح لبيان فضل
الصلاة .... وهو باب واسع قد أورد عليه سيبويه أمثلة وشواهد،
ولا يُلتفت إلى من زعم أن في خط المصحف لحناً ولم يعرف مذاهب
العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الامتنان،
وغاب عنه أن السابقين الأولين الذي مثلهم في التوراة ومثلهم
في الإنجيل كانوا أبعد همّة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن
عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثُلمة ليسدّها من
بعدهم وخرقاً يرفوه من يلحق بهم).
قلت: وصدق في ذلك فكيف يُظن بالصحب الكرام وهم
القدوة بعد خير الأنام أن يتركوا لحناً أو خطأ يصلحه من بعدهم
وهم الذين سخّرهم الله لحفظ كتابه وتبليغ دينه، ومن أجل
ذلك فقد قال أبوبكر الأنباري (11) في الرد على من يزعم
وجود لحن في القرآن ( وفي قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون" دلالة على كفر هذا الإنسان لأن الله
عزوجل قد حفظ القرآن من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان،
وفي هذا الذي قال توطئة الطريق لأهل الإلحاد ليُدخلوا في القرآن
ما يحلون به عُسر الإسلام). وقد ذكر السيوطي (12)
- رحمه الله - شُبَه من قال إنّ في القرآن لحناً وفنّد ذلك
وقال في دفعها: ( وأما قول عثمان إن في القرآن لحناً ... إلخ،
فهو مشكل إذ كيف يُظن بالصحابة أولاً اللحن في الكلام فضلاً
عن القرآن وهم الفصحاء اللُّد، ثم كيف يُظن بهم ثانياً اجتماعهم
على الخطأ وكتابته، ثم كيف يُظن بهم ثالثاً عدم التنبه والرجوع،
ثم كيف يُظن بعثمان عدم تغييره ثم كيف يُظن أن القراءة استمرت
على ذلك الخطأ وهو مَروي بالتواتر خلفاً عن السلف، وكيف يتركه
عثمان لتقيمه العرب، وإذا كان الذين تولّوا جمعه لم يُقيموه
وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم، إنّ هذا مما يستحيل عقلاً
وشرعاً وعادة، وأيضاً فإن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل
كتب عدة مصاحف فإن قيل إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقهم
على ذلك أو في بعضها فهو اعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد
من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ولم تأت
المصاحف فقط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءات
وليس ذلك بلحن) بتصرف قليل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على شبهة وجود اللحن
في المصحف: (ومما يبيّن كذب ذلك: أن عثمان لو قدّر ذلك
فيه فإنما رأى ذلك في نسخة واحدة فأما أن تكون جميع المصاحف
اتفقت على الغلط وعثمان قد رآه في جميعها وسكت،
فهذا ممتنع عادة وشرعاً من الذين كتبوا ومن عثمان،
ثم من المسلمين الذين وصلت إليهم المصاحف
ورأو ما فيها وهم يحفظون القرآن ويعلمون أن فيه لحناً
لا يجوز في اللغة فضلاً عن التلاوة، وكلهم يقر هذا المنكر
لا يغيره أحد، فهذا مما يُعلم بطلانه عادة، ويعلم من دين
القوم الذين لا يجتمعون على ضلالة).
قلت: والأجوبة المتقدمة لهؤلاء العلماء الأجلاّء عن تلك
الآثار توضح لنا أن الخبر الوارد عن عثمان وعائشة إنما هو
مردود لاضطرابه وإعلاله، مضطرب لاختلاق الروايات
في ألفاظها ومعانيها مما يدل على حصول الخطأ في النقل
عن عثمان وغيره، يدل على ذلك ورود الرواية الصحيحة
المعنى التي لا إشكال فيها كما ذكر السيوطي، كما أن القرآن
محفوظ في الصدور قبل السطور وهو منقول بالتواتر من عصر
الصحابة رضي الله عنهم وحتى يومنا هذا وهو محفوظ بحفظ الله،
فهل حصل الخطأ في الكتابة على فرض صحته يجعل الصحابة
يغيروا حفظهم على حسب ذلك أم أنهم يؤدون القرآن كما
سمعوه من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا هو اعتقادنا
فيهم وهم نقلة الدين وحماة حياضه وحملة لوائه رضي الله عنهم
وأرضوه، وادعاء اللحن إنما هو من دسائس أعداء الإسلام
الذين يغفلون عن مثل قوله تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا
له لحافظون". وسوف أبيّن بمشيئة الله أهم الأمثلة التي أدّعي
بأنها من لحن الكاتب أو أنها تخالف قواعد العربية وتبيّن صحتها،
وخصائصها وأنها لا تعارض ما صحّ وثبت من كلام العرب
وأساليبهم الخطابية بل هي تصحح ذلك وتثبت فصاحة
من نطق به من العرب
د. ياسر الشمالي