إعلانات المنتدى


العروض2

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللفظة مما انتقل الى الاغريق والهنود من قدامى السومريين والبابليين(27) .
ومن الباحثين من ربط بين العروض العربي وما كان لدى البابليين في العراق من قواعد في نظم الاشعار وتأليف ابياتها وما كان لهم من اسس وخصائص تميز الشعر عن النثر بل ذهب احد الدارسين المتخصصين بالآثارالعارفين باللغة البابلية الى ان الوزن في الشعر البابلي مثل اشعار بعض الامم كاليونان والعرب واللاتين يعتمد ( مبدأ تجزئة الكلمات الى مقاطع . . تتناوب بين المقاطع الطويلة والمقاطع القصيرة . . وبجمع عدة مقاطع يتألف مايصطلح عليه في الشعر العربي ( التفعيلات ) . . ثم يجمع عدة تفعيلات يتكون شطر البيت . وعلى هذا الشكل جاء الينا الشعر البابلي مدوناً على الواح الطين وقد يترك الكتبة فواصل مابين شطري البيت اي مابين الصدر والعجز وما بين الوحدات الشعرية الاكبر في بعض الاحايين )(28) .
هذه الاصول الثقافية لوادي الرافدين بقيت تتداولها الاجيال فكانت رافداً من روافد ثقافة الشعراء قبـل الاسلام ثم الدارسيـن بعـد الاسلام(29) وعلى الرغم من قلة النصوص التي بين ايدينا يمكننا ان نذهب مع بروكلمان الى ان فن العروض عند قدامى الشعراء ( كان يعتمد عندهم على قواعد ثابتة )(30) وظوابط لديهم تكتسب اكتساباً حتى تتكون الملكة او السليقة لدى الشاعر بعد حفظ النماذج والارتياض على قول ابن خلدون )(31) .
اود ( اخيراً ان اختم الحديث بما يؤكد تعلم العرب الشعر فان اهميته
(27) تحقيق ماللهند 107 ، 108 ، مقدمة خلوصي لكتاب القسطاس 15 .
(28) مقدمة في ادب العراق القديم لطه باقر 55 - 57 ومما يؤيد هذا القول ما رواه صاحب الفهرست 345 - 348 من تنقل العلوم في النجوم والفلك والطب والطبائع من بابل قديماً والى مصر والى الهند والى فارس ثم اليونان وبعد غزو الاسكندر الشرق نقل ما نقل منها واتلف مااتلف ( فدرس العلم بالعراق وتمزق واختلف العلماء ) .
(29) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام 9 \ 201.
(30) تاريخ الادب العربي 1 \ 54 .
(31) المقدمة 572 ، 578 ، 579 .
لديهم لايكاد يخلو كتاب من كتب النقد من الحديث عنها وقد ورد من سور القرآن الكريم بأسمهم . ووصلاً للحديث بأوله فقد جاء في القرآن الكريم دفاعاً عن الرسول حين وصف بالشاعر الاية( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ )(32) فقوله تعالى ( وما علمناه الشعر ) دليل واضح على ان الشعر كان العرب يتعلمونه وتعلمه يقتضي وجود ظوابط وقواعد له ، واذا ما تذكرنا ما ورد من المصطلحات في النصوص السابقة امكننا ان نؤكد قولنا انه ان لدى العرب القاب للاعاريض تشيع لديهم وجملة مصطلحات يتداولونها فجاء الخليل فاخذ اشياء واهمل اشياء ووضح القاباً واسماء جديدة لم تكن العرب تتداولها وحددت دلالات مصطلحات كانت مضطربة او غير مستقرة الدلالة ووضع من كل ذلك نظامه العروضي الذي ارتبط بأسمه ، ومما يؤكد هذا قول بشر بن المعتمر فيما روى الجاحظ : ( وكما وضع الخليل بن احمد لاوزان القصيد وقصار الارجاز القاباً لم تكن العرب تتعارف تلك الاعاريض بتلك الالقاب وتلك الاوزان بتلك الاسماء . . )(33) .
يشير هذا القول الى ان العرب كانت تتعارف الاعارض بالقاب غيرها الخليل بأخرى شاعت بشيوع نضامه العروضي بين الدارسين فشاع مصطلح العروض بدلاً من ( اقراء الشعر ) الذي كان متعارفاً قبل ، وكذا ماحدد دلالته من اسماء الاوزان او وضعه وضعاً جديداً من المصطلحات .

البصـرة تضـع علـم العـروض :
كان القرن الثاني مرحلة مهمة لظهور العلوم العربية الاسلامية ففي اواخر القرن الاول وبداية القرن الثاني قويت حركة تنقية اللغة والتصحيح اللغوي ورواية الشعر وتدوينه وقراءة دواوينه على الشيوخ لضبطها وتصحيحها وكان في البصرة ابو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وغيرهما ثم اعقبهما تلامذتهما واكبرهم الخليل بن احمد ويونس والاصمعي وابو عبيدة وكان في الكوفة رواة للغة والشعر وفي مقدمتهم المفضل الضبي وحماد وغيرهما لما كان في بداية هذا القرن ظهور بدايات النحو ومنهجه في اقوال ابن
(32) اية 69 يس .
(33) البيان والتبيين 1 \ 139 .
ابي اسحاق وابي عمرو بن العلاء ونضج على يد تلامذة ابي عمرو واكبرهم الخليل ايضاً كما ظهر في النصف الاول من هذا القرن علم الفقه واصوله والكلام والقراءات القرآنية وضوابطها(34) .
لقد كان هذا القرن منذ بدايته مرحلة نشاط علمي اتجه نحو تقنين العلوم وتقعيدها فالى جانب نضج النحو والدراسات الصوتية والصرفية على يد الخليل وضع الخليل ايضاً اول معجم في العربية وهو كتاب العين الذي جمع فيه اصول الكلام للعرب كلها كما يقول ابن المعتز(35) كما وضع علم العروض حصر فيه اوزان الشعر العربي ، فمرحلة الخليل مرحلة تقعيد العروض ووضع ضوابطه ومصطلحاته وقد كان قبله فناً يحسنه اصحاب السلائق والملكات ، هذا الفن نشأ مع نشأة الشعر العربي وتطور بتطوره وكما ان الشعر لم يولد ناضجاً كذا اوزانه وقوالبه الموسيقية فالشعر تطور من السجع الى اصول الرجز ثم نشأت بحوره في مراحل مازالت مجهولة لدى الباحثين واكثرها شيوعاً قبل الاسلام الطويل الذي يؤلف اكثر من ثلث الشعر العربي ثم البسيط والوافر والكامل التي تؤلف جميعاً مقدار مانظم في الطويل ، وقد عد ابراهيم انيس هذه البحور هي الاوزان القومية(36) .
كانت معرفة الشاعر في هذا المجال تعتمد على ملكته التي تتكون بالمران وحفظ الشعر وروايته الى جانب بعض المصطلحات في القافية وطرائق الشعر وقوالبه الموسيقية فهو في هذا كالاعرابي الذي ينطق العربية الفصيحة دون معرفة مصطلحات الفاعل والمفعول والمجرور وغيرها مما وضعه علماء النحو بعد وضع قواعده ومصطلحاته ، فنشأة الفنون تسبق نشأة العلوم(37) .
(34) انظر تفصيل ذلك في كتاب اللغة والنحو لحسن عون 201 وما بعدها ، النحو العربي والدرس الحديث 9 ـ 20 ، ابو عمرو بن العلاء 31 ـ 36 ، 111 ، 111 .
(35) طبقات الشعراء 36 .
(36) انظر الحيوان للجاحظ . لقد حدد الجاحظ نضج الشعر العربي بقرن ونصف او قرنين قبل الاسلام ، وانظر بدايات الشعر العربي 73 . . ، 141 ـ 144 ، تاريخ الادب لبروكلمان 1 \ 45 . . ، 51 . . ، المفصل لجواد علي 9 \ 176 ، الفن ومذاهبه في الشعر لأنيس 206 .. .
(37) انظر اللغة والنحو لحسن عون ص 78 ، 79 . . ، ( الانتفاع من تراثنا العروضي لتجديد شعرنا المعاصر ) ، بحث للاستاذ هلال ناجي مجلة الافكار الاردنية ايلول 1977 .

معـارف الخليـل واهـم مصادرهـا :

كان مولد الخليل في اول القرن الثاني سنة 100 هـ واقرب الاقوال في وفاته انها سنة 175 هـ فحياته اذن كانت في بحر القرن الثاني للهجرة .
لاتمدنا المصادر عن حياته في نشأته وثقافته بما يرسم لنا صورة واضحة دقيقة عن ذلك بل حتى حين عرف الخليل وشهر في الاوساط العلمية لم تدون حياته الخاصة انما كان الحديث عن علمه في النحو واللغة والعروض .
اما شيوخه فأهمهم ايوب السختياني المحدث الواعظ وابو عمرو بن العلاء اللغوي القاريء الراوي للشعر وعيسى بن عمر الراوي للقراءة ولجملة من قضايا النحو ، وعاصم بن ابي نجود وابن كثير وقد روى حروفاً عنهما(38) كان اهم المعاهد الثقافية في البصرة مسجدها الجامع وفيه حلقات الشيوخ وكان مصدراً مهماً لأشاعة المعرفة والعلوم اما المصدر الاخر فهو مربد البصرة الذي كان ملتقى العلماء والشعراء لأخد اللغة ممن كان يؤمه من الاعراب والفصحاء وكذا ماكان يدور فيه من رواية الشعر ومن فنون المحاورة والنقد ، يضاف الى ذلك المجالس الخاصة في دور الامراء والادباء .
لقد افاد الخليل من ذلك كله كما افاد من رحلاته الى بوادي الحجاز ونجد والى مراكزها اللغوية والفنية في مكة والمدينة وفوق ذلك ذكاؤه وقدرته على الاستيعاب والحفظ والتحليل وحبه الشديد للعلم والالمام بمعارف عصره ، فقد عاش الخليل في عصر حركة ثقافية ونشاط علمي واسع في البصرة والكوفة وبغداد والمدينة وغيرها من الامصار الاسلامية وكان التواصل بين رجال هذه الامصار قائماً وتبادل ًالاخذ بين علمائها متواصلاً . فالكسائي والفراء الكوفيان اخذا عن الخليل ويونس البصريين وعلماء البصرة والكوفة ينتقلون الى بغداد ويرتحلون الى الحجاز والعلوم والمعارف تتبادل وتتبارى هذه الامصار فيها ، عاش الخليل في هذه البيئة العلمية الخصبة وكان واعياً لما يدور في عصره من المعارف ذكياً في الافادة منها .
(38) غاية النهاية 1 \ 275 ، عبقري من البصرة 23 - 29 .
لقد كانت مصادر العلوم العربية في الشعر والنحو واللغة والقرآن وقراءاته والحديث والفقه والكلام معروفة وشيوخها معروفون في عصره الا ان القدماء انفسهم ذكروا علمه ومعرفته بانواع من العلوم والمعارف كانت تستفاد عن طريق الترجمة او الاتصال بأصحابها ،
قالوا : له علم بالنغم والايقاع احدث له علم العروض .
وقالوا : كان له علم بالحساب والنجوم والفلك وقد ذكر بين مؤلفاته كتاب في الايقاع والنغم سماه الجاحظ ( تراكيب الاصوات ) وكتاب في الكلام وآخر في الشطرنج .
هذه الناحية من ثقافته ووسائله للحصول عليها غير واضحة في حياته ولم يحددها مترجموه سوى قولهم كان له علم كذا وكذا .
لقد ذكرت ان العلوم العربية نشأت في جو اسلامي منذ اواخر القرن الاول للهجرة ومن هذه العلوم ( الكلام ) وهو اكثرها حاجة الى قوة الحجة والبرهان في مجال الجدل لذا كان اسرعها محاولة للاتصال بثقافة الامم الاخرى من يونانية وهندية وغيرها للافادة مما لديها من المعرفة وكل تلك العناصر والاسباب كانت موجودة في البصرة او تعيش قريباً منها .
والصلة العلمية لم تنقطع بين العرب وغيرهم من الامم في عصر من العصور فقد كانت الترجمة في العصر الاسلامي والاموي تعتمد في الغالب على الجهود الفردية وقد كان العلماء يحاولون الحصول على ما يحتاجون اليه من المعارف عن طريق غير مباشر فهي تنحصر في المسائل الجزئية كما ذكر ابن النديم وهنا ترد جهود خالد بن يزيد بن معاوية واحضاره من فلاسفة اليونان ممن كان ينزل مصر ( وامرهم بنقل كتب الصنعة من اللسان اليوناني والنبطي الى العربي )(39) ثم ترجمة ابي العلاء سالم كاتب هشام بن عبد الملك وكان احد الفصحاء والبلغاء رسائل ارسطاليس الى الاسكندر واصلاحه رسائل مجموع نحو مئة ورقة(40) وغير ذلك مما ذكر في هذا المجال من جهود العلماء والادباء .
في العصر العباسي اتسعت الترجمة فأصبح لها قواعدها واصولها وقد


**************************************************************
(39) 771 ، 352
(40) السابق 1
جعلها المؤرخون في ثلاث مراحل(41) ان ما يخصنا منها المرحلة اولى التي تبدأ على وجه التقريب بزمن المنصور وتنتهي بعهد الرشيد من ( 136 هـ ـ 193 هـ ) وبعد ان كانت الجهود في هذا المجال فردية اصبحت منظمة لها تقاليد واسس تهدف الى الافادة من الثقافات والعلوم المختلفة في الادب والمنطق والطب والفلك والهندسة وكان الاتصال في هذه المرحلة بهذه الثقافات غير مباشر بواسطة السريانية وغيرها واحياناً مباشراً عن اليونانية والسنسكريتية وقد اثبت المحققون من المؤرخين ان العرب ترجموا في هذه المرحلة عن اليونانية وعـن الهنديـة(42) وقد وجدنا في هذه المرحلة تقريب الخلفاء لهؤلاء العلماء العارفين باللغات الاجنبية وتعيينهم في مناصب كبيرة منها وضيفة الطبيب والمنجم ، وقد ذكر ابن النديم اسماء النقلة من اليونانية والهندية والنبطية الى العربية(43) .
ليس من موضوعنا الاطالة في هذا الموضوع لكن الذي اردت بهذا الوصول الى هذه النقطة الغامضة في ثقافة الخليل وهي افادتة من الثقافات والعلوم اليونانية والهندية فقد رويت اقوال عنه كانت تنم عن علمه بمعارف وعلوم كانت عن طريق الترجمة الا ان الخليل كان يتخذها سبباً يضاف الى مالديه من المعارف لأقامة صرح علم من العلوم او ابداع فمن الفنون روي عنه قوله :
( العلوم اربعة : فعلم له اصل وفرع وعلم له اصل ولا فرع له وعلم له فرع ولا اصل له وعلم لااصل له ولا فرع ، فأما الذي له اصل وفرع فالحساب ليس بين احد من المخلوقين فيه خلاف ، واما الذي له اصل ولا فرع له فالنجوم ليس لها حقيقة يبلغ تأثيرها في العالم واما الذي له فرع ولا اصل له فالطب اهله منه على التجارب الى يوم القيامة والعلم الذي لا اصل له ولا فرع فالجدل )(44) وفسر الجدل في الباطل .
(41) انظر تفصيل ذلك كتاب تقويم الفكر النحوي لعلي ابو المكارم 25 ، 52 ، مع الافادة من المصادر والمراجع التي وردت في هوامش الصفحات .
(42) تقويم الفكر النحوي 27 ، وانظر الفهرست 362 ، مفاتيح العلوم 86 .
(43) انظر الفهرست 356 ، 392 ، 439 ، 498 ، 504 .
(44) انباه الرواة 1 \ 346
يدل هذا القول واقوال اخرى رويت عنه وله في النجوم والهندسة والمهندس والافلاك ووجوه في الحسابات وما يسمى منـه في الهنديـة(45) على معرفته هذه العلوم التي ذكرها والمامه بشيء منها وجهوده العلمية وبعض ما روي عنه في الاخبار هي في اعداد الاساطير التي تروى عن العباقرة تدل على المامه بأشياء ميزته عن معاصريه في الثقافة والابداع والكشف العلمي .
كان الخليل من كبار المتكلمين ورؤساء النظارين على قول بشر بن المعتمر ( ت 210 هـ ) فيما روى الجاحظ(46) وهو الواضع لعلم العروض ومصطلحاته والقابه وكرر اعجابه واكباره له في كتابه ( طبقات المغنين)(47) لكننا نجد للجاحظ موقفاً آخر من الخليل يشاركه فيه النظام واو شمر فقد عدوه مغروراً غره احسانه في اللغة والعروض فظن على زعمهم انه يحسن كل شيء فرام انه يتعلم فنوناً من العلم بقي فيها كالاً(48) وذكروا تأليفه كتاباً في الكلام والتوحيد ثم في الايقاع وتراكيب الاصوات والشطرنج ووجهوا له نقداً على لسان ابي شمر : ( وسمعه [ ابو شمر ] يوماً آخر يملي فيه كتابه في التوحيد وكان انتجز بأن قال : ايها السائل عن وهم القديم ان قلت : اين هو فقد انيته وان قلت :كيف هو ؟ فقد كفيته .وهو شيء شيء ولاشيء لاشيء وشيء لاشيء ولاشيء شيء )(49) اتهمه هنا بالغموض والتعقيد .
اكبر ظني ان هذا الموقف من بشر والجاحظ والنظام وغيرهما من المتكلمين كان سببه خلاف في الرأي والنظر اشار اليه الخليل في قوله السابق الذي جعل فيه الجدل علماً لا اصل له ولا فرع .
ولم يكن من كبار المتكلمين فقط انما هناك من عده من فلاسفة ، الاسلام وهو قول احمد بن الطيب الفيلسوف جعله مع شيخه ابي
(45) انظر مفاتيح العلوم 117 ، 125 ، 112 .
(46) البيان والتبيين 1 \ 139 .
(47) انظر جمهرة المغنين لخليل \ مردم 15 ، الجاحظ للحاجري 257 .
(48) اكبر الظن انهم قصدوا بذلك فنون العلم المحدثة التي لها صلة بالترجمة والا فهم اكبروه في مجال علوم العربية كاللغة والعروض والنحو ويظهر ذلك من تمثيلهم من تأليفه في الكلام والايقاع والشطرنج والنرد .
(49) الحيوان 1 \ 150 ، 7 \ 165 ، التنبيه على حدوث التصحيف 187 ، 189 ، مروج الذهب 4 \ 233 .
الكندي . . فكان يرى انه لو جمعـت علـوم الفرق التي انتهت اليها جميعاً الى الفيلسوف ابي يوسف لكان يرجح بهم ولم يتفق له مثل اختراع الخليل لعلم العروض(50) .
اما معرفته بالغناء والموسيقى وتأليفه فيها كتاباً فهي مما لم يختلف فيه احد ، فالموسيقى تتصل بعلوم الطبيعة والمنطق من جهة وبالعلوم اللغوية من اصوات وتركيبها من جهة اخرى وقد تتصل بالطب(51) وقد رأينا شيئاً من المام الخليل بهذه العلوم والمعارف .
كانت رحلات الخليل الى الحجاز والى مكة والمدينة كثيرة فقد روي انه كان يحج بين عام وعام وكان لهذه الرحلات أثر في سعة اطلاعه في مجالات المعرفة اللغوية من جهة ومجال المعارف الفنية التي كانت قد بلغت مرحلة من التطور في مكة والمدينة اضافة الى ماكان في البصرة والكوفة وبغداد ومما كان يستطيع الوصول اليه من المعرفة ، لقد بلغ في الغناء والموسيقى من التطور في العصر الاموي بحيث اصبحت له طرق وقواعد يتعلمها المغنون كما اصبح له مدارس ومبدعون لهم طرائق في الغناء معروفة ، فكان فيه الغناء القديم ومذاهبه والغناء الحديث المتقن الموقع كما ترد القابه في كتاب الاغاني فكان طويس ( اول من غنى الغناء المتقن . . . وهو اول من صنع الهزج والرمل في الاسلام وكان يقال احسن الناس غناء في الثقيل ابن محرز وفي الرمـل ابن سريـج وفي الهزج طويس(52) .
واذا كان طويس قد اشتهر بالالحان الخفيفة من الهزج والرمل فأن سائب خائر ( قتل سنة 64 هـ ) اشتهر بالغناء الثقيل فكان اول من غنى به في العربية ومن تلامذته معبد وجميله وعزة الميلاء(53) .
وكان سياط بن عبد الله ( مقدماً في الغناء رواية وصنعه ومقدماً في
(50) التنبيه 195 ، 196 .
(51) مقدمة غطاس بن عبد الملك لكتاب الموسيقى الكبير للفارابي 15 ، 16 ، 18 .
(52) الاغاني 2 \ 165 ، 4 \ 37 . اشتهر طويس في عهد عثمان ومات في ولاية الوليد بن عبد الملك ( الاغاني ) 2 \ 166 ، وانظر العقد الفريد 6 \ 29 ، الشعر والغناء في المدينة ومكة 77 ، 78 .
(53) العقد الفريد 6 \ 30 ، الاغاني 7 \ 139 ، الشعر والغناء في المدينة ومكة 77 ، 78 .
الضرب وهو استاذ ابن جامع وابراهيم الموصلي وعنه اخذا ونقلا ( ونقل نظراؤهما الغناء القديم واخذه هو عن يونس الكاتب )(54) .
وبعد ان نضج فن الغناء واصبح بحاجة الى تدوين اصوله وقواعده ظهر فيه مغنون مؤلفون وبهذا النتقل من كونه فناً يعتمد على ذوق المغني ووزن الشعر الى علم يعتمد على القواعد والضوابط المدونة ، واول من سجل الغناء ونسب طرائقه الى اصحابا يونس الكاتب وقد ادرك الدولة العباسية وهو تلميذ معبد وكان كتابه في الاغاني ( هو الاصل الذي يعمل عليه ويرجع اليه وهو اول من دون الغناء )(55) .
وجاء في اخبار يحيى المكي ( وكان ابن جامع وابراهيم الموصلي يفزعون اليه في الغناء القديم ويأخذونه عنه وله كتاب في الاغاني ونسبها واخبارها جليل مشهور . . )(56) .
لقد كان كل هذا التطور في الغناء فناً وعلماً وما يصحبه في الموسيقى قبل الخليل وفي عصره وكان في الخليل رغبة شديدة في تعلم هذا الجانب من المعرفة في الموسيقى لصلته في الدراسات اللغوية فتعلمه واطلع على ما كتب فيه واطلع على ما يتصل به من الآراء سواء كانت مترجمة ام هي من ابداع الفنانين المبدعين الذين احتواهم كتاب يونس او غيره او ما كان يطلع عليه في مجالس الادب التي كانت تعقد في مكة في اثناء الموسم وبعده فيجتمع فيها الادباء والعلماء والفنانون يتبادلون فيها فنون المعرفة والاراء واخبارها كثيرة في المصادر(57) .
ان كتاب الخليل في النغم والايقاع الذي سماه الجاحظ تراكيب الاصوات ( كان من نتائج هذا الاطلاع وتلك المعرفة ، وقد اعتمد عليه من جاء بعده ايضاً ومن اشهر من اعتمده وافاد منه اسحاق بن ابراهيم الموصلي الذي الف كتابه
(54) الاغاني 6 \ 6 .
(55) الاغاني 4 \ 114 ، وانظر الفهرست 213 فقد ذكر له ثلاثة كتب هي كتاب مجرد يونس وكتاب القيان وكتاب النغم .
(56) الاغاني 6 \ 16 وانظر 5 \ 50 .
(57) انظر على سبيل التمثيل مراتب النحويين 2
في الاغاني ، وهو الذي صحح فيه ( اجناس الغناء وطرائقه وميزه تمييزاً لم يقدر عليه احد قبله )(58) واسحاق هذا هو الذي قال لأبراهيم بن المهدي حين استحسن كتابه ، بل احسن الخليل لأنه جعل السبيل الى الاحسان(59) كما اعترف الجاحظ بأهميته واعتماد من جاء بعده عليه في كتابه ( طبقات المغنين ) قال :
( ولم يزل اهل كل علم فيما خلا من الازمنة يركبون مناهجه ويسلكون طريقه ويعرفون غامضه ويسهلون سبيل المعرفة بدلائله خلا الغناء فانهم لم يكونوا علله واسبابه ووزنه وتصاريفه وكان علمهم به على الهاجس وعلى مايسمعون من الفارسية والهندية الى ان نظر الخليل البصري في الشعر ووزنه ومخارج الفاضه وميز ما قالت العرب منه وجمعه والفه ووضع فيه الكتاب الذي سماه العروض وذلك انه عرض جميع ما روي من الشعر وما كان به عالماً على الاصول التي رسمها والعلل التي تبينها . . . ولما احكم وبلغ منه ما بلغ اخذ في تفسير النغم واللحون فأستدرك منه شيئاً ورسم له رسماً احتذى عليه من خلفه واستمد منه من عني به وكان اسحاق بن ابراهيم الموصلي اول من حذا حذوه وامتثل هديه واجتمعت له في ذلك آلات لم تجتمع للخليل بن احمد قبله منهـا معرفتــه بالغنـاء وكثـرة استماعـه ايـاه )(60) .

نظريـة الخليـل العروضيـة :
يتصل الحديث في الأسس التي اقام الخليل عليها نظريته العروضية بأسس منهجه اللغوي الاستقرائي التي اقام عليها النحو وتأليف اول معجم في العربية ، ومع منهجه اللغوي نذكر معرفته الموسيقية بالنغم والايقاع وقد ادرك من ترجم له من
(58) الاغاني 5 \ 49 .
(59) طبقات الزبيدي 49 .
(60) انظر النص في جمهرة المغنين ص 15 ، الجاحظ للحاجري 257 نقل هذا مما تبقى من نصوص كتاب الجاحظ . وقد سمي الجاحظ كتاب الخليل ، ( في الايقاع وتراكيب الاصوات ) ، في كتاب تفصيل صنعة الكلام وهي الرسالة المعروفة بالهاشمية ( انظر مروج الذهب للمسعودي 4 \ 233 ) كما جاء اسم كتاب الخليل ، ( تراكيب الاصوات ) ، في كتاب التنيه 187 على لسان واحد من كبار علماء البصرة نقل كلامه وأظنه قصد به الجاحظ لأنه كلام الجاحظ كما ذكرت .
القدماء ان معرفته بالأيقاع والنغم احدثت له علم العروض فأهما متقاربا المأخذ(61) ، فوزن الشعر هو موسيقاه في الوزن الشعري والايقاع الموسيقي واحد لأن ( نسبة وزن القول الى الحروف كنسبة الايقاع المفصل الى النغم فأن الايقاع المفصل هو نقلة منتظمة على النغم ذوات فواصل ووزن الشعر نقلة منتظمة على الحروف ذوات فواصل )(62) .
تقوم نظرية الخليل العروضية على ثلاثة اسس :
1 ـ الاستقراء اللغوي الشامل وادراكه طبيعة اللغة والاسس التي تقوم عليها في اصواتها ومقاطعها واوزان صيغها وتلك ثمرة وعية للغة والاحاطة بشعرها ونثرها عامة ووعيه القرآن الكريم وقراءاته ، ذلك ما اطالت الدراسات اللغوية الحديث فيه عن سماع الخليل .
2 ـ القياس وابعاده اللغوية والعقلية وتدخل في هذا المجال معارفه التي ساعدت في اعطاء القياس عمقاً وابعاداً اتصف بها الخليل فقياسه قياس لغوي وهو طابع القياس لدى لغويي عصره حتى نهاية القرن الثالث ، يقوم هذا القياس على اطراد الظواهر اللغوية في النصوص المروية والمسموعة ثم اعتبار هذه الظواهر المطردة قواعد ينبغي لها ان تتبع ومحاولة تقويم كل ما يشذ عنها ويخالفها لأرجاعها الى الاصل ، ومن هنا كان تأويل الظواهر غير المطردة في مجال النحو واللغة كما هو في مجال العروض لدى الخليل وكان مجال الاستدلال لديه هو السماع والنقل في الغالب ، هذا الطابع العام للقياس عند الخليل الا انه لم يكن خالي من الانتصاف بخصائص عقلية اعطته القدرة على الاحصاء والحصر ثم النظرة الشمولية للظواهر في التقعيد وهي خصائص اكتسبها بما تقدم من الحديث في مصادر ثقافته والاحاطة بمعارف
(61) انباه الرواة 1 \ 343 ، وفيات الاعيان 2 \ 244 .
(62) الموسيقي الكبير للفارابي 1085 .
(63) المصوتات الوترية ( ضمن مؤلفات الكندي الموسيقية ، تحقيق زكريا يوسف ص 82 وانظر نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين 250 .
عصره منها معرفته بشيء من الموسيقى وما يقتضي هذه المعرفة من علوم تتصل بها ، لذا وصفه مترجموه بأنه ( الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس )(64) .
3 ـ التعليل وما كان لديه من القدرة على اعطاء التفسيرات والتبريرات للظواهر اللغوية التي تشذ او تخالق القواعد المطردة ، لقد احس مترجموه بهذه القدرة فذكروها له فهو ( استخرج من العروض واستنبط منه ومن علله مالم يستخرج احد ) وقد كان ( ذكياً فطناً شاعراً واستنبط من العروض ومن علل النحو مالم يستنبط احد )(65) وقد بهرت طريقة الخليل في التعليل معاصريه حتى سئل : أعن العرب اخذتها ام اخترعتها من نفسك ؟ فكان جوابه انه اجتهد في استنباطها من كل مهم الذي قامت علله في عقولهم وفي استعمالهم وان لـم ينتقـل عنهـم ذلـك(66) .
لقد كان طابع العلة في القرون الثلاثة الاولى تعليمية غايتها تفسير الظواهر وتبريرها ، وفي هذا المجال اوجد الخليل علله في الزحافات والعلل في مجال العروض ليبرر ما خرج او ما خالف اصله الذي وضعه للبحر واجزائه التي يتكون منها البيت من الشعر .
على هذه الاسس قام منهجه اللغوي وبعقله الرياضي كانت محاولته في احتواء مفردات اللغة بكتاب العين ، يظهر ذلك في قوله : ( كلام العرب مبني على اربعة اصناف : على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي . . وليس للعرب بناء في الاسماء ولا في الافعال اكثر من خمسة احرف . . وقال : الاسم لايكون اقل من ثلاثة احرف : حرف يبتديء به وحرف يخشى به وحرف يوقف عليه ) ثم فصل الحديث في الاصوات اللغويـة ، في الحروف ومدارجهـا وصفاتهـا والقابها واقسامهـا(67) . ولكي يستطيع حصر جملة مفردات اللغة هداه عقله ومعرفته الى نوع من الاشتقاق وهو تقليب اصل
(64) اخبار النحويين البصريين 30 .
(65) طبقات ابن سلام 1 \ 22 ، طبقات الزبيدي 47 .
(66) انظر نص جوابه في كتاب الايضاح للزجاجي 65 ، 66 .
(67) العين 1 \ 48 ، 57 ، تهذيب اللغة للازهري 1 \ 41 ، 42 ، 44 ، 48 .
دور البصرة في نشأة الدراسات اللغوية (العروض)
الكلمة على وجوهها فيظهر المستعمل منها والمهمل وهو ما سماه ابن جني بالأشتقاق الاكبر(68) وقد استخدم النظام نفسه في دوائره العروضية كما سيأتي الحديث وحصر الاوزان فيها المستعملة وغير المستعملة وهي المهملة ، وعلى هذه الاسس اقام الخليل نظامه العروضي الذي ابتكره ووضع جميع مصطلحاته عدا جملة من المصطلحات استعملها العرب مثل القصيدة والرجز والسجع والخطب والروي والقافية والمصراع وغيرهما مما ذكر الجاحظ(69) من قول بشر بن المعتمر .
لقد كان القياس قائماً في ذهنه اذ استقرى الشعر العربي وحاول ان يحصر اوزانه المستعملة لدى العرب بخمسة عشر بحراً وهي عنده ، الطويل والمديد والبسيط والوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والسريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث والمتقارب ، اما السادس عشر وهو المتدارس او الخبب الذي قيل ان الاخفش الاوسط استدركه عليه(70) فهو يخرج من الدائرة الخامسة التي سيأتي ذكرها ولم يذكره لأنه لم يجد نماذج له في الشعر العربي وقد رويت للخليل نفسه مقطوعتان فيه(71) .
حاول الخليل ان يوجد طريقة لحصر الاوزان التي حددها . فكما اهتدى الى طريقة تقليبات الكلمة في كتاب العين اهتدى هنا الى ايجاد دوائره الخمس العروضية كل دائرة يخرج منها عدة بحور منها البحور المستعملة ومنها قوالب من الاوزان غير المستعملة او مهملة اما دوائره فهي على التوالي :
الدائرة الاولى المختلف يخرج منها : الطويل والمديد والبسيط .
الدائرة الثانية المؤتلف يخرج منها : الوافر والكامل (*).
(68) الخصائص 2 \ 134 وانظر ابو عمرو بن العلاء 100 .
(69) البيان والتبيين 1 \ 139 .
(70) وفيات الاعيان 2 \ 244 ، 280 .
(71) مراتب النحويين 31 ، انباه الرواة 1 \ 342 .
(*) كذا وردت تسميته هذه الدوائر والدائرة الرابعة بعدها في العقد الفريد والاقناع للصاحب والقسطاس للزمخشري والمعيار الشنتريني والعيون الغامزة للدماميني . وقد تخالفت تسمياتها في عروض ابن جني والكافي للخطب التبريزي فكلاهما سمي الثالثة المشتبه والرابعة المجتلب
 

الحميدي

مزمار ألماسي
20 أكتوبر 2006
1,627
0
0
الجنس
ذكر
رد: العروض2

(بسم الل)
جزاك الله خيرا على هدا البحث في نشاة علم العروض......بارك الله فيك.
t7
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع