- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عقيدة المسلم كما تبيّنها فاتحة الكتاب
الكاتب ( زهير ريالات )
لَمّا جاء الإسلام كان العالم يعيش تحت ركام من العقائد والفلسفات؛ يختلط فيها الحق بالباطل، والصحيح بالزائف. ولم يكن مستطاعاً للبشرية أن تستقر على قرار في أمر هذا الكون وفي منهج حياتها، قبل أن تستقر على قرار في أمر عقيدتها وتصوُّرها لإلهها.
ومن ثم كانت عناية الإسلام الأولى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة؛ فكان التوحيدُ الخالصُ الهدفَ الأساس الذي نزل القرآن لبيانه، وكانت هذه السورة مقدمة عُرضت فيها معالم هذا التوحيد، ثم جاء التفصيل بعد ذلك؛ فكانت -بحق- فاتحة ذلك الكتاب، وكانت أم القرآن، وكانت أم الكتاب..
أولاً: الإيمان بالله:
اشتملت سورة الفاتحة على الأسس التي يقوم عليها توحيد الله عز وجل: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات(2).
1. توحيد الألوهية:
وهو إفراد الله بالعبادة، ويؤخذ من لفظ: (الله)، ومن قوله سبحانه: {إياك نعبد وإياك نستعين}(3).
أ. (الله): أول الأسماء الحسنى المذكورة في السورة، وهو دال على الألوهية. يقول ابن القيم(4): "فإنه -أي اسم (الله)- دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه.
وصفات الإلهية: هي صفات الكمال المنزه عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص. ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم؛ كقوله: {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف:180]. ويقال: الرحمن والرحيم من أسماء الله. ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز، ونحو ذلك. فعُلم أن اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال. والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الألوهية التي اشتق منها اسم (الله). واسم (الله) دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تؤلهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب".
ب. {إياك نعبد وإياك نستعين): أثبتت هذه الآية عبادة العباد لرب العباد، وقصرت العبادة عليه وحده؛ فلا معبود سواه، ولا استعانة إلا به. وهي تتضمن "معرفة الطريق الموصلة إليه سبحانه، وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه، واستعانته على عبادته"(5).
2. توحيد الربوبية:
قال الطبري في بيان معنى (الرب)(6): "الرب في كلام العرب متصرف على معان؛ فالسيد المطاع فيهم يُدعى ربّاً... والرجل المصلح للشيء يدعى ربّاً... والمالك للشيء يدعى ربّاً... فربنا جلَّ ثناؤه: السيد الذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر".
ويؤخذ توحيد الربوبية من قوله تعالى: {رب العالمين}(7). كما يؤخذ من: {وإياك نستعين}(8).
يقول سيد قطب -في تفسير {الحمد لله رب العالمين}(9)-: "أما شطر الآية الأخير: {رب العالمين}؛ فهو يمثل قاعدة التصور الإسلامي؛ فالربوبية المطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية.. والرب هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح والتربية.. والتصرف للإصلاح والتربية يشمل العالمين -أي جميع الخلائق-. والله سبحانه لم يخلق الكون ثم يتركه هملاً؛ إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه. وكل العوالم والخلائق تُحفظ وتُتعهد برعاية الله رب العالمين".
3. توحيد الأسماء والصفات:
وهو إثبات كل كمال لله وتنزيهه سبحانه عن كل نقص. وسأتناول هذا الجانب في المحورين التاليين:
أ. إثبات الكمال لله:
ففي قوله سبحانه: {الحمد لله رب العالمين}؛ نجد تحت هذه الكلمة إثبات كل كمال للرب تعالى، وتنزيهه عن كل سوء وعيب؛ فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصافُ كمالٍ ونعوتُ جلالٍ، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة، والسماوات والأرض وما بينهما وما فيها، فالكون كله ناطق بحمده (10).
و"الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه والخضوع له. وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها. ولهذا كان الحمد كله لله حمداً لا يحصيه سواه؛ لكمال صفاته وكثرتها"(11).
ب. الأسماء الحسنى الواردة في الفاتحة:
تضمنت السورة الكريمة خمسة أسماء لله عز وجل هي: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، مالك يوم الدين(12).
وقد تكلمنا عن الاسمين الكريمين: الله والرب. وفيما يتعلق بالاسمين الحسنيين: الرحمن والرحيم، والفرق بينهما؛ فالذي يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد؛ بل روعي في كلٍّ منهما معنى لم يراع في الآخر؛ فالرحمن بمعنى: عظيم الرحمة؛ لأن (فعلان) صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعِظَمه والامتلاء منه... والرحيم بمعنى: دائم الرحمة؛ لأن صيغة (فعيل) تستعمل لدوام الصفة؛ فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمها(13).
وبدء فاتحة القرآن بذكر الربوبية والرحمة إعلام منه سبحانه بأنه أنزله رحمة للعالمين؛ وهذا يفند زعم مَن يقول: إن رب المسلمين رب غضوب منتقم قهار، ودينهم دين رعب وخوف(14)!
وأما قوله: {مالك يوم الدين} فقد اشتق منه بعض العلماء اسم (الملك)(15)، وبعضهم اشتق اسم (المالك) (16)؛ بناءً على اختلاف القراءات في ذلك؛ فقد وردت في هذه الآية قراءتان متواترتان. يقول ابن كثير(17): "قرأ بعض القراء {مَلِك يوم الدين}، وقرأ آخرون {مالك}. وكلاهما صحيح متواتر". نزل بهما الروح الأمين ليجمع بين معنى المالِك والمَلِك: المالك من التملك والمِلك -بكسر الميم- بمعنى: الذي يملك الملك. ومَلِك من الحُكم والمُلك -بضم الميم-. والمالِك قد يكون ملِكاً وقد لا يكون، والملِك قد يكون مالكاً وقد لا يكون. فجاءت القراءتان للجمع بين معنى المالك والملك، وبيان أنه سبحانه هو المالك وهو الملك!
واسم (الله) يدل على توحيد الأسماء والصفات أيضاً. يقول ابن القيم(18): "فاسم (الله) دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا بالدلالات الثلاث -أي المطابقة والتضمن والالتزام-؛ فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه".
ثانياً: الإيمان بالرسل:
تضمنت سورة الفاتحة إثبات النبوات من جهات عديدة(19):
1. كونه سبحانه (رب العالمين)؛ فلا يليق به أن يترك عباده، لا يعرّفهم ما ينفعهم ويضرهم في معاشهم ومعادهم.
2. من اسم (الله)؛ وهو المألوه المعبود. ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله.
3. من اسم (الرحمن)؛ فإن رحمته تمنع إهمال عباده.
4. من ذكر (يوم الدين)؛ فإنه اليوم الذي يدين الله العباد فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسيئات. وما كان الله ليعذب أحداً قبل إقامة الحجة عليه. والحجة إنما قامت برسله وكتبه.
5. من قوله: {إياك نعبد}؛ فإن ما يُعبد به تعالى لا يكون إلا على ما يحبه ويرضاه. وطريق التعبد وما يعبد به لا سبيل إلى معرفته إلا برسله.
6. من قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}؛ فالهداية: هي البيان والدلالة، ثم التوفيق الذي لا يكون إلا بعد البيان والدلالة التي لا سبيل إليها إلا عن طريق الرسل.
ثالثاً: الإيمان باليوم الآخر:
قرّرت الفاتحة عقيدة البعث والجزاء؛ وذلك في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}؛ فهذه الآية تضمنت إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها، وتفرده بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل(20).
وهذه الآية تمثل الكلية الضخمة العميقة التأثير في الحياة البشرية كلها؛ كلية الاعتقاد بالآخرة.. والملك أقصى درجات الاستيلاء والسيطرة. ويوم الدين هو يوم الجزاء في الآخرة.. وكثيراً ما اعتقد الناس بخلق الله للكون؛ ولكنهم مع هذا لم يعتقدوا بيوم الجزاء! والقرآن يقول عن بعض هؤلاء: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}.. ثم يحكي عنهم في موضع آخر: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب . أئذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد}.
والاعتقاد بيوم الدين كُلِّيَّة من كليات العقيدة، ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض؛ فلا تستبد بهم ضرورات الأرض؛ وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات. ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وفي مجال الأرض المحصور؛ وعندئذ يملكون العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يُقدِّره الله؛ في الأرض أو في الدار الآخرة سواء.. ومن ثم فإن هذه الكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب، والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان.. بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بالقيم الربانية والاستعلاء على منطق الجاهلية.. وما تستقيم الحياة البشرية على منهج الله الرفيع ما لم تتحقق هذه الكلية في تصور البشر، وما لم تطمئن قلوبهم إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير، وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأن له حياة أخرى تستحق أن يجاهد لها، وأن يضحي لنصرة الحق والخير معتمداً على العوض الذي يلقاه فيها(21).
رابعاً: الإيمان بالقضاء والقدر:
"تضمنت الفاتحة إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافاً للقَدَريَّة(22) والجَبْريَّة(23)"(24)؛ فقوله سبحانه: {إياك نعبد وإياك نستعين} يتضمن إثبات فعل العبد، وقيام العبادة به حقيقة؛ فهو العابد على الحقيقة، وذلك لا يحصل له إلا بإعانة رب العالمين له، فإن لم يُعنْهُ ولم يشأ له العبادة لم يتمكن منها؛ فالفعل منه، والإقدار والإعانة من الرب عز وجل(25). وهذا هو الوجه الأول في الرد على الجبرية.
أما الوجه الثاني ففي قوله تعالى: {الحمد لله}؛ فإثبات عموم حمده سبحانه يقتضي ألا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه، ولا هو من فعلهم، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة.
ووجه آخر في قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}؛ فإثبات رحمته ورحمانيته تنفي أن يكون العبد مجبراً على فعله؛ إذ لا يمكن اجتماع هذين الأمرين ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه، ولا هو من فعله؛ فهذا ضد الرحمة(26).
وأما القدرية فإن ربوبية الرب سبحانه الشاملة المطلقة للعالم تبطل أقوالهم؛ لأنها تقتضي ربوبيةً لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال.
وحقيقة قولهم إنه تعالى ليس ربّاً لأفعال العباد مع أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه؛ إذ هو المعين عليها والموفق لها وهو الذي شاءها منهم.
ثم إن في قوله تعالى: {وإياك نستعين} ردٌّ آخر عليهم؛ فالاستعانة بالله إنما تكون عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته؛ فكيف يستعين مَن بيده الفعل وهو موجده بمن ليس ذلك الفعل بيده ولا هو تحت قدرته(27)؟!
خامساً: إثبات عبادة العباد لرب العباد:
تضمنت الفاتحة إخلاص الدين لله عبادةً واستعانةً في قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}. وهذه الآية منقسمة بين العبد وربه -كما في الحديث القدسي- وللعبد ما سأل؛ ففي: {إياك نعبد} تخلٍّ عن الشرك، وتحلٍّ بالتوحيد؛ حيث حصر الداعي عبادته لله وحده دون غيره، ودليل ذلك تقديم الضمير والخطاب {إياك}.
وفي قوله: {وإياك نستعين} تخلٍّ عن استغناء العبد، وتبرؤه من الحول والقوة، واعترافه الضمني بعجزه وضعفه وقدرة خالقه وحده؛ حيث حصر استعانته بالله وحده دون غيره.
و{إياك نعبد} حَوَتْ معنى شهادة التوحيد نفياً وإثباتاً، وهي متعلقة بتوحيد الألوهية، {وإياك نستعين} متعلقة بتوحيد الربوبية الدال على كمال ملك الله وكمال تصرفه، وعجز جميع خلقه عن فعل ما يريدون إذا لم يعينهم.
وأفادت {إياك} الحصر لتقدُّمها؛ فلا يجوز العطف عليها بشيء آخر، أما لو قيل: نعبدك. لجاز العطف عليها، وحينئذ لا تكون دالة على التوحيد. ويقرب معنى هذه الآية من قوله تعالى: {فاعبده وتوكل عليه} [هود:123]؛ فالمتوكل على الله مستعين بالله(28).
وهذه هي الكلية الاعتقادية التي تنشأ عن الكليات السابقة في السورة؛ فلا عبادة إلا لله، ولا استعانة إلا بالله.. وهنا مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية، وبين العبودية المطلقة للعبيد! وهذه الكلية تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل؛ التحرر من عبودية الأوهام والنظم والأوضاع. وإذا كان الله وحده هو الذي يُعبد، والله وحده هو الذي يستعان؛ فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات(29).
وقد ذكر بعض العلماء أن الآيات الثلاث الأولى من السورة فيها أركان العبادة، وهي: المحبة في قوله: {الحمد لله رب العالمين}، والرجاء في قوله: {الرحمن الرحيم}، والخوف في قوله: {مالك يوم الدين}(30).
سادساً: عقيدة الولاء والبراء:
"وبعد تقرير تلك الكليات الأساسية في التصور الإسلامي، وتقرير الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة والاستعانة؛ يبدأ في التطبيق العملي لها بالتوجه إلى الله بالدعاء على صورة كلية تناسب جو السورة وطبيعتها"(31): {اهْدنَا الصِّرَاطَ المسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7].
هذا دعاء يجب على المسلم أن يدعو به عدة مرات في اليوم؛ وفي هذا دلالة على أهميته، ودلالة على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك.
وهو يؤكد الولاء للمُنْعَم عليهم ومحبتهم ونصرتهم ومشابهتهم، ويؤكد البراءة والبغض لليهود والنصارى ومن شابههم، ومعاداتهم ومفاصلتهم وعدم التشبه بهم؛ فهو تقرير لعقيدة الولاء والبراء(32).
وفي الختام أود التأكيد على بعض الفوائد التي يمكن أن نخرج بها وهي:
أولاً: أهمية فهم هذه السورة الكريمة، وما تضمنته من بيان لأصول عقيدة المسلم؛ ذلك أن الدين قائم على توحيد الله عز وجل، وهو الغاية التي أرسل الله الرسل من أجلها؛ أن يعبده الناس وحده لا شريك له.
ثانياً: إن التوحيد هو الأساس الذي يجب أن يبدأ به المسلم حياته تعلماً له، وعملاً وانقياداً لمقتضاه، وأن يكون أول ما يدعو الناس إليه، والدخول فيه كافة بكل شموله وكماله؛ ولذا كان افتتاح كتاب الله بهذه السورة.
ثالثاً: إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية ما يشير إلى الحكمة من اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها؛ فقد تضمنت أسس العقيدة التي لا يقوم الإيمان إلا بها من إيمانٍ بالله ورسلِه، واليومِ الآخِر، والقدرِ، وعبادةٍ له سبحانه وحده.
عقيدة المسلم كما تبيّنها فاتحة الكتاب
الكاتب ( زهير ريالات )
لَمّا جاء الإسلام كان العالم يعيش تحت ركام من العقائد والفلسفات؛ يختلط فيها الحق بالباطل، والصحيح بالزائف. ولم يكن مستطاعاً للبشرية أن تستقر على قرار في أمر هذا الكون وفي منهج حياتها، قبل أن تستقر على قرار في أمر عقيدتها وتصوُّرها لإلهها.
ومن ثم كانت عناية الإسلام الأولى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة؛ فكان التوحيدُ الخالصُ الهدفَ الأساس الذي نزل القرآن لبيانه، وكانت هذه السورة مقدمة عُرضت فيها معالم هذا التوحيد، ثم جاء التفصيل بعد ذلك؛ فكانت -بحق- فاتحة ذلك الكتاب، وكانت أم القرآن، وكانت أم الكتاب..
أولاً: الإيمان بالله:
اشتملت سورة الفاتحة على الأسس التي يقوم عليها توحيد الله عز وجل: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات(2).
1. توحيد الألوهية:
وهو إفراد الله بالعبادة، ويؤخذ من لفظ: (الله)، ومن قوله سبحانه: {إياك نعبد وإياك نستعين}(3).
أ. (الله): أول الأسماء الحسنى المذكورة في السورة، وهو دال على الألوهية. يقول ابن القيم(4): "فإنه -أي اسم (الله)- دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه.
وصفات الإلهية: هي صفات الكمال المنزه عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص. ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم؛ كقوله: {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف:180]. ويقال: الرحمن والرحيم من أسماء الله. ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز، ونحو ذلك. فعُلم أن اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال. والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الألوهية التي اشتق منها اسم (الله). واسم (الله) دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تؤلهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب".
ب. {إياك نعبد وإياك نستعين): أثبتت هذه الآية عبادة العباد لرب العباد، وقصرت العبادة عليه وحده؛ فلا معبود سواه، ولا استعانة إلا به. وهي تتضمن "معرفة الطريق الموصلة إليه سبحانه، وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه، واستعانته على عبادته"(5).
2. توحيد الربوبية:
قال الطبري في بيان معنى (الرب)(6): "الرب في كلام العرب متصرف على معان؛ فالسيد المطاع فيهم يُدعى ربّاً... والرجل المصلح للشيء يدعى ربّاً... والمالك للشيء يدعى ربّاً... فربنا جلَّ ثناؤه: السيد الذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر".
ويؤخذ توحيد الربوبية من قوله تعالى: {رب العالمين}(7). كما يؤخذ من: {وإياك نستعين}(8).
يقول سيد قطب -في تفسير {الحمد لله رب العالمين}(9)-: "أما شطر الآية الأخير: {رب العالمين}؛ فهو يمثل قاعدة التصور الإسلامي؛ فالربوبية المطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية.. والرب هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح والتربية.. والتصرف للإصلاح والتربية يشمل العالمين -أي جميع الخلائق-. والله سبحانه لم يخلق الكون ثم يتركه هملاً؛ إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه. وكل العوالم والخلائق تُحفظ وتُتعهد برعاية الله رب العالمين".
3. توحيد الأسماء والصفات:
وهو إثبات كل كمال لله وتنزيهه سبحانه عن كل نقص. وسأتناول هذا الجانب في المحورين التاليين:
أ. إثبات الكمال لله:
ففي قوله سبحانه: {الحمد لله رب العالمين}؛ نجد تحت هذه الكلمة إثبات كل كمال للرب تعالى، وتنزيهه عن كل سوء وعيب؛ فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصافُ كمالٍ ونعوتُ جلالٍ، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة، والسماوات والأرض وما بينهما وما فيها، فالكون كله ناطق بحمده (10).
و"الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه والخضوع له. وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها. ولهذا كان الحمد كله لله حمداً لا يحصيه سواه؛ لكمال صفاته وكثرتها"(11).
ب. الأسماء الحسنى الواردة في الفاتحة:
تضمنت السورة الكريمة خمسة أسماء لله عز وجل هي: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، مالك يوم الدين(12).
وقد تكلمنا عن الاسمين الكريمين: الله والرب. وفيما يتعلق بالاسمين الحسنيين: الرحمن والرحيم، والفرق بينهما؛ فالذي يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد؛ بل روعي في كلٍّ منهما معنى لم يراع في الآخر؛ فالرحمن بمعنى: عظيم الرحمة؛ لأن (فعلان) صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعِظَمه والامتلاء منه... والرحيم بمعنى: دائم الرحمة؛ لأن صيغة (فعيل) تستعمل لدوام الصفة؛ فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمها(13).
وبدء فاتحة القرآن بذكر الربوبية والرحمة إعلام منه سبحانه بأنه أنزله رحمة للعالمين؛ وهذا يفند زعم مَن يقول: إن رب المسلمين رب غضوب منتقم قهار، ودينهم دين رعب وخوف(14)!
وأما قوله: {مالك يوم الدين} فقد اشتق منه بعض العلماء اسم (الملك)(15)، وبعضهم اشتق اسم (المالك) (16)؛ بناءً على اختلاف القراءات في ذلك؛ فقد وردت في هذه الآية قراءتان متواترتان. يقول ابن كثير(17): "قرأ بعض القراء {مَلِك يوم الدين}، وقرأ آخرون {مالك}. وكلاهما صحيح متواتر". نزل بهما الروح الأمين ليجمع بين معنى المالِك والمَلِك: المالك من التملك والمِلك -بكسر الميم- بمعنى: الذي يملك الملك. ومَلِك من الحُكم والمُلك -بضم الميم-. والمالِك قد يكون ملِكاً وقد لا يكون، والملِك قد يكون مالكاً وقد لا يكون. فجاءت القراءتان للجمع بين معنى المالك والملك، وبيان أنه سبحانه هو المالك وهو الملك!
واسم (الله) يدل على توحيد الأسماء والصفات أيضاً. يقول ابن القيم(18): "فاسم (الله) دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا بالدلالات الثلاث -أي المطابقة والتضمن والالتزام-؛ فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه".
ثانياً: الإيمان بالرسل:
تضمنت سورة الفاتحة إثبات النبوات من جهات عديدة(19):
1. كونه سبحانه (رب العالمين)؛ فلا يليق به أن يترك عباده، لا يعرّفهم ما ينفعهم ويضرهم في معاشهم ومعادهم.
2. من اسم (الله)؛ وهو المألوه المعبود. ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله.
3. من اسم (الرحمن)؛ فإن رحمته تمنع إهمال عباده.
4. من ذكر (يوم الدين)؛ فإنه اليوم الذي يدين الله العباد فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسيئات. وما كان الله ليعذب أحداً قبل إقامة الحجة عليه. والحجة إنما قامت برسله وكتبه.
5. من قوله: {إياك نعبد}؛ فإن ما يُعبد به تعالى لا يكون إلا على ما يحبه ويرضاه. وطريق التعبد وما يعبد به لا سبيل إلى معرفته إلا برسله.
6. من قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}؛ فالهداية: هي البيان والدلالة، ثم التوفيق الذي لا يكون إلا بعد البيان والدلالة التي لا سبيل إليها إلا عن طريق الرسل.
ثالثاً: الإيمان باليوم الآخر:
قرّرت الفاتحة عقيدة البعث والجزاء؛ وذلك في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}؛ فهذه الآية تضمنت إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها، وتفرده بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل(20).
وهذه الآية تمثل الكلية الضخمة العميقة التأثير في الحياة البشرية كلها؛ كلية الاعتقاد بالآخرة.. والملك أقصى درجات الاستيلاء والسيطرة. ويوم الدين هو يوم الجزاء في الآخرة.. وكثيراً ما اعتقد الناس بخلق الله للكون؛ ولكنهم مع هذا لم يعتقدوا بيوم الجزاء! والقرآن يقول عن بعض هؤلاء: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}.. ثم يحكي عنهم في موضع آخر: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب . أئذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد}.
والاعتقاد بيوم الدين كُلِّيَّة من كليات العقيدة، ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض؛ فلا تستبد بهم ضرورات الأرض؛ وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات. ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وفي مجال الأرض المحصور؛ وعندئذ يملكون العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يُقدِّره الله؛ في الأرض أو في الدار الآخرة سواء.. ومن ثم فإن هذه الكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب، والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان.. بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بالقيم الربانية والاستعلاء على منطق الجاهلية.. وما تستقيم الحياة البشرية على منهج الله الرفيع ما لم تتحقق هذه الكلية في تصور البشر، وما لم تطمئن قلوبهم إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير، وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأن له حياة أخرى تستحق أن يجاهد لها، وأن يضحي لنصرة الحق والخير معتمداً على العوض الذي يلقاه فيها(21).
رابعاً: الإيمان بالقضاء والقدر:
"تضمنت الفاتحة إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافاً للقَدَريَّة(22) والجَبْريَّة(23)"(24)؛ فقوله سبحانه: {إياك نعبد وإياك نستعين} يتضمن إثبات فعل العبد، وقيام العبادة به حقيقة؛ فهو العابد على الحقيقة، وذلك لا يحصل له إلا بإعانة رب العالمين له، فإن لم يُعنْهُ ولم يشأ له العبادة لم يتمكن منها؛ فالفعل منه، والإقدار والإعانة من الرب عز وجل(25). وهذا هو الوجه الأول في الرد على الجبرية.
أما الوجه الثاني ففي قوله تعالى: {الحمد لله}؛ فإثبات عموم حمده سبحانه يقتضي ألا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه، ولا هو من فعلهم، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة.
ووجه آخر في قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}؛ فإثبات رحمته ورحمانيته تنفي أن يكون العبد مجبراً على فعله؛ إذ لا يمكن اجتماع هذين الأمرين ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه، ولا هو من فعله؛ فهذا ضد الرحمة(26).
وأما القدرية فإن ربوبية الرب سبحانه الشاملة المطلقة للعالم تبطل أقوالهم؛ لأنها تقتضي ربوبيةً لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال.
وحقيقة قولهم إنه تعالى ليس ربّاً لأفعال العباد مع أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه؛ إذ هو المعين عليها والموفق لها وهو الذي شاءها منهم.
ثم إن في قوله تعالى: {وإياك نستعين} ردٌّ آخر عليهم؛ فالاستعانة بالله إنما تكون عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته؛ فكيف يستعين مَن بيده الفعل وهو موجده بمن ليس ذلك الفعل بيده ولا هو تحت قدرته(27)؟!
خامساً: إثبات عبادة العباد لرب العباد:
تضمنت الفاتحة إخلاص الدين لله عبادةً واستعانةً في قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}. وهذه الآية منقسمة بين العبد وربه -كما في الحديث القدسي- وللعبد ما سأل؛ ففي: {إياك نعبد} تخلٍّ عن الشرك، وتحلٍّ بالتوحيد؛ حيث حصر الداعي عبادته لله وحده دون غيره، ودليل ذلك تقديم الضمير والخطاب {إياك}.
وفي قوله: {وإياك نستعين} تخلٍّ عن استغناء العبد، وتبرؤه من الحول والقوة، واعترافه الضمني بعجزه وضعفه وقدرة خالقه وحده؛ حيث حصر استعانته بالله وحده دون غيره.
و{إياك نعبد} حَوَتْ معنى شهادة التوحيد نفياً وإثباتاً، وهي متعلقة بتوحيد الألوهية، {وإياك نستعين} متعلقة بتوحيد الربوبية الدال على كمال ملك الله وكمال تصرفه، وعجز جميع خلقه عن فعل ما يريدون إذا لم يعينهم.
وأفادت {إياك} الحصر لتقدُّمها؛ فلا يجوز العطف عليها بشيء آخر، أما لو قيل: نعبدك. لجاز العطف عليها، وحينئذ لا تكون دالة على التوحيد. ويقرب معنى هذه الآية من قوله تعالى: {فاعبده وتوكل عليه} [هود:123]؛ فالمتوكل على الله مستعين بالله(28).
وهذه هي الكلية الاعتقادية التي تنشأ عن الكليات السابقة في السورة؛ فلا عبادة إلا لله، ولا استعانة إلا بالله.. وهنا مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية، وبين العبودية المطلقة للعبيد! وهذه الكلية تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل؛ التحرر من عبودية الأوهام والنظم والأوضاع. وإذا كان الله وحده هو الذي يُعبد، والله وحده هو الذي يستعان؛ فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات(29).
وقد ذكر بعض العلماء أن الآيات الثلاث الأولى من السورة فيها أركان العبادة، وهي: المحبة في قوله: {الحمد لله رب العالمين}، والرجاء في قوله: {الرحمن الرحيم}، والخوف في قوله: {مالك يوم الدين}(30).
سادساً: عقيدة الولاء والبراء:
"وبعد تقرير تلك الكليات الأساسية في التصور الإسلامي، وتقرير الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة والاستعانة؛ يبدأ في التطبيق العملي لها بالتوجه إلى الله بالدعاء على صورة كلية تناسب جو السورة وطبيعتها"(31): {اهْدنَا الصِّرَاطَ المسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7].
هذا دعاء يجب على المسلم أن يدعو به عدة مرات في اليوم؛ وفي هذا دلالة على أهميته، ودلالة على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك.
وهو يؤكد الولاء للمُنْعَم عليهم ومحبتهم ونصرتهم ومشابهتهم، ويؤكد البراءة والبغض لليهود والنصارى ومن شابههم، ومعاداتهم ومفاصلتهم وعدم التشبه بهم؛ فهو تقرير لعقيدة الولاء والبراء(32).
وفي الختام أود التأكيد على بعض الفوائد التي يمكن أن نخرج بها وهي:
أولاً: أهمية فهم هذه السورة الكريمة، وما تضمنته من بيان لأصول عقيدة المسلم؛ ذلك أن الدين قائم على توحيد الله عز وجل، وهو الغاية التي أرسل الله الرسل من أجلها؛ أن يعبده الناس وحده لا شريك له.
ثانياً: إن التوحيد هو الأساس الذي يجب أن يبدأ به المسلم حياته تعلماً له، وعملاً وانقياداً لمقتضاه، وأن يكون أول ما يدعو الناس إليه، والدخول فيه كافة بكل شموله وكماله؛ ولذا كان افتتاح كتاب الله بهذه السورة.
ثالثاً: إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية ما يشير إلى الحكمة من اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها؛ فقد تضمنت أسس العقيدة التي لا يقوم الإيمان إلا بها من إيمانٍ بالله ورسلِه، واليومِ الآخِر، والقدرِ، وعبادةٍ له سبحانه وحده.