- 1 أبريل 2012
- 2,485
- 140
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أغبط الذين يعيشون حياتهم كما تعيش العَصافير
ينتقلون من مكان إلى آخر كما تتنقلُ تلك المُرفرفة من غصن إلى آخر
وتشدو للحُبِّ والجَمال والحُرية بلا خوف ولا شعور بالحَرج
أولئك جنسٌ آخر من البشر
أبرياء وأنقياء .. شعراء وشاعريون
هم أشبه بالطيور
تغادرُ أعشاشها في البكور غرثى لحَبة قمح وعطشى لقطرة ماء
فتعود إليها في المَساء وقد ملأت حواصيلها بكل ما دقَّ ورَقَّ من طعام
هذا النوع من البشر نصادفهم في كل مكان
ويعيشونَ بيننا ولا يهمُّهم ما يَحدث في العالم
لا يتابعون نشرات الأخبار
التي ترهبُ الناس بالمَواجع وتقضُّ المَضاجع بالفجائع
ولا تعنيهم
مشاهد الدَّمار والحُروب والمَوت المُحدِق بالبَشرية
في البرامج المرئيَّة والتقارير المَسموعة
التي ترصد توحُّش الحُكومات القوية على الضَّعيفة
وتعالي أصحاب الكراسي على المُفترشين الأرض
أولئك البَشر البُسطاء
لا يحفلون بما يحدثُ في العَالم من خراب ودمار وحروب
لذلك فهم راضون وقانعون بابتعادهم عن كل المنغصات والمنكدات والمُحزنات
وينامون الليلَ قريري العَين هانيها.
التعاسة ابنة الفقر ولحاف الضعفاء الذين هم بلا حَول ولا قوة
وثمرة لشجرة بغيضة رؤوسُها كطلع الشياطين اسمها (التوَحُّش)
ومَعَ كل هذا القبح يستطيع الإنسان أن يعيشَ سَعيدا
بما أوتي من بَساطة في الحَياة وقلةٍ في المَال والولد
كما يعيشُ النملُ في مَساربه والنحلُ في خلاياه
ولنا فيها أروع مثال
فسلوكها وإدارتها الحكيمة لشؤون حَياتها
تؤكد حياتها الحُرَّة .
ولو تأملناها بعَين التفكر والتدبر لخرجنا منها بدرس مهم
ولضربت لنا أروع الأمثلة في الكفاح والتحدِّي.
إن قصة الإنسان الكرِب من حَياته ليسَت ببعيدة عن الأذهان
فحين أظلمَت عليه الدنيا وضاقَ به الحَالُ خرجَ إلى الفلاة
واستراحَ بجانب صَخرة عِملاقة
وفيما هو غارقٌ في تفكيره وخربشة الأرض بأصابعه
إذا بنملة تحملُ في فمِها حَبة قمح
وتمضي بها إلى مبتغاها
وإذا بتلك الصَّخرة قد سَدَّت طريقها
فلم تحِد النملة عنها
إنما بذلت جهدها لتسلقها وتجاوزها
وبعد أكثر من محاولة ..
استطاعت أن تتسلقها
بأقدامها الناعمَة الواهنة
وكان ذلك الإنسان المحبط من حياته ومشاكله
يراقبُ تحدي النملة
لتلك الصَّخرة العملاقة وإصرارها على اقتحامها
فعَاد إلى بيته وفي ذهنه
أكثر من فكرة تقوده إلى جادة الصَّواب
وتطوي عنه الكسل والتراخي
وبدأ حَياة مفعمة بالجد والنشاط
وبهذا الفيض من الإحساس أصبحَ ناجحا ومبدعا
وأما النحلُ فما أبدعه في تحويل الرَّحيق إلى شهد حلو رقيق
يعجز الإنسان عن صِناعته
وما أبدع الإنسان الذي يحول أحزانه إلى أفراح يُسعِد بها غيره
ويتجاوز نكباته وفشله في الحياة بإرادة وعزيمة.
لو أنا آمنا أن لا مستحيلَ في هذا العالم
لأدركنا حقا
أن كلَّ العقبات الكؤودة
تصبحُ طوع الأقدام وكل الأحلام الخيالية مَحضُ خيال
ويوما ما
ستتحقق وسينتصِرُ الحَق على الظلم
وسيطغى النورُ على الظلام
وسيندحِرُ الجَبروت
إذ لا مستحيلَ في الحَياة
ولا أسهلَ من أن يواجهَ الإنسانُ
نكد الدنيا
بابتسامة
تشبه انبلاج الفجر في الأسْحار
قيود المستحيل
تتكسَّر بمطارق التوكل على الله والاستعانة به
من ضائقاتِ الزمان.
حينها ستتدانى أقطارُ الدنيا البعيدة
وتتضاءل قممها الشاهقة
وتصبحُ أشواكها حَريريَّة الملمَس .
فقط .. أن يعيشَ الإنسان حَياته ببَساطةٍ متناهية
بلا تكلفٍ أو تزلف.
كما تعيش العصافير

لـ أ.محمد الحضرمي