لماذا رجّح أهل الأداء الاشمام على الروم في : "لا تأمنّا"
القول الثاني : الإدغام بالإشارة : والمقصود منه لزوم الإشارة إلى حركة النون الأولى ؛ ووجه اللزوم التنبيه على أنّهما نونان أدغمتا معاً وأنّ حركة أولاهما هي الضمّة..؛ ولقد اتفق القراء العشرة -إلا أبا جعفر- على الإدغام بالاشارة ، لكن اختلف من جاء بعدهم في معنى هذه الإشارة ؛ هل هي روم أم اشمام ، هذا مع التسليم بأنّ الوجهين صحيحين مقروئين بهما لكلّ القراء ، لكن الكلام في الراجح منهما ، وإليك الكلام كالتالي ..
1- الروم : هو اختيار الداني والشاطبي وجماعة : والروم –هنا- هو النطق ببعض حركة الضمّة ، أو : بالفصل بين النونين بإظهار حركة الضمّة إظهاراً اختلاسيّاً..
وأوّل من أطلق لفظ الاختلاس هنا هو الامام ابن جني (في الخصائص 1: 72) حيث قال : حتّى كأنّك لم ترهم وقد ضايقوا أنفسهم ، وخففوا عن ألسنتهم بأن اختلسوا الحركات اختلاساً ، فأخفوها ولم يمكنوها في أماكن كثيرة ، ولم يشبعوها .
قال الداني (في التيسير : 128 ) : وهذا قول عامّة أئمتنا ، وهو الصواب ؛ لتأكيد دلالته وصحّة القياس .
وقال أيضاً (في جامع البيان 3 : 285) : وإليه ذهب إليه أكثر العلماء من القراء النحويين، قال وهو الذي أختاره وأقول به قال وهو قول أبي محمد اليزيدي وأبي حاتم النحوي وأبي بكر ابن مجاهد وأبي الطيب أحمد بن يعقوب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وأبي بكر بن أشتة وغيرهم من الجلة وبه ورد النص عن نافع من طريق ورش . انتهى .
وقال الشاطبي : وَتَأْمَنُناَ لِلْكُلِّ يُخْفَى مُفَصَّلاَ .
ومعنى قوله مفصلا : هو الفصل بين النونين –حال الاخفاء- بإظهار حركة الضمّة باختلاس دون الاشباع .
2- الاشمام: وهو كما يقول الإمام الداني (في الجامع 3 : 284) : الإشارة بالعضو ، وهو الشفتان، إلى حركة النون ، بعد إخلاص سكونها ، من غير إحداث شيء في حسّهما ...، الذي يدرك معرفته البصير دون الأعمى . انتهى .
وهذا هو مختار الإمام ابن الجزري حيث قال (في النشر1 : 304 ) : وبه قطع سائر أئمة أهل الأداء من مؤلفي الكتب ، وحكاه أيضاً الشاطبي رحمه الله تعالى ، وهو اختياري ؛ لأني لم أجد نصاً يقتضي خلافه ، ولأنه الأقرب إلى حقيقة الإدغام ، وأصرح في اتباع الرسم.
قال الشاطبي في هذا :
وَأُدْغَمَ مَعْ إِشْمَامِهِ البَعْضُ عَنْهُمُ
أذا اتّضح هذا فلم قدّم أهل الأداء الاشمام على الروم ؟!!!!!.
الجواب ما ذكره الإمام ابن الجزري وهو يتألف من مجموع (بما هو مجموع) عدّة أمور ..
الأوّل : عدم النّص على الخلاف ، ومعه فالأصل الجواز ؛ إذ الشرعيّات مع الدليل تميل معه حيثما يميل ، وحيث لا نصّ يمنع من الاشمام ، جاز .
وقد يرد عليه –فيما يتوهّم المبتدىء- أنّ هذا لا معنى له وهو مصادرة وتحكّم ؛ إذ لا نص يمنع من الروم أيضاً ، فلا ترجيح لما ذكره رحمه الله!!!
ويجاب عن هذا بأنّ الإمام ابن الجزري لم يذكره دليلا بل جزء الدليل ؛ لذلك قلنا أعلاه مجموع عدّة أمور (بما هو مجموع ) وإلا فعدم النص وحده لا ينفع في مثل المقام .
الثاني : لكون الاشمام أقرب إلى حقيقة الإدغام ؛ ومقصوده رحمه الله إشكال قويّ للغاية ؛ وهو بعد الإجماع على ادغام نوني " لا تأمنا" ، وبعد الاتفاق على لزوم الإشارة إلى حركة النون الأولى إلا ما كان من أبي جعفر ، فنحن بين أمرين ، فإمّا أن نشير للحركة بالروم وإمّا بالاشمام ، وفي الأوّل مؤونة مخالفة الادغام المجمع عليه ، بخلاف الثاني الموافق للإدغام فيترجح ..، بل القائل بالروم لا يسلم من إشكالية الخلف والتضاد الجزئي ؛ لكونه ابتعد بالروم عن حقيقة الإدغام المجمع عليها ؛ لكون الروم ليس إدغاماً صريحاً بل هو إخفاء .
الثالث : رسم المصحف : وقد أجمعت الأمة على أنّ اللفظة في المصحف هي بنون واحدة ، والفصل بينهما بفاصل في الأداء يحتاج إلى دليل لرجحانه ، ولا حاجة للدليل مع الإشمام ، فيترجح على صاحبه .
ملاحظة مهمّة : كتبت هذا بصياغتي الخاصّة ، وخطئي أكثر من صوابي . على أنّي ما قصدت بهذا البحث الخجول التعليم بل التعلّم ، فأرجو من مشايخي هنا التقويم والتعليم .
تلميذكم الورشان
قوله تعالى : " لا تأمنّا" ورد بنون واحدة في رسم المصحف الشريف من دون كلام ، وقد اتّفق الأئمّة من أهل الشأن علاوة على القرّاء العشرة أنّها بنونين ، أدغمت الأولى في الثانية ، وكلّ من القرّاء العشرة ومن جاء بعدهم من جهابذة هذا العلم يقرؤها بالإدغام ، لكنّهم اختلفوا في أدائها على قولين ؛ أدغاماً محضاً ، أو إدغاما مع الإشارة ..
القول الأوّل : الإدغام المحض ، ويسمّى الصريح ، أو الصحيح ، أو التامّ ما شئت فعبّر ؛ والمقصود بالمحض هو : انعدام الفاصل بين المدغمين تماما ، وفيما نحن فيه انعدامه بين النونين ، وبعبارة أوضح من دون روم أو اشمام ؛ فالادغام مع الروم مثلاً يكون ناقصاً ويسمّى إخفاءً ، وهكذا مع الاشمام وإن كان أقل نقصاً . ولقد انفرد أبو جعفر رحمه الله دون بقيّة العشرة في قرائتها بالادغام المحض ، وبه قرأ زيد بن علي وابن شهاب الزهري وعمرو بن عبيد وآخرون ..القول الثاني : الإدغام بالإشارة : والمقصود منه لزوم الإشارة إلى حركة النون الأولى ؛ ووجه اللزوم التنبيه على أنّهما نونان أدغمتا معاً وأنّ حركة أولاهما هي الضمّة..؛ ولقد اتفق القراء العشرة -إلا أبا جعفر- على الإدغام بالاشارة ، لكن اختلف من جاء بعدهم في معنى هذه الإشارة ؛ هل هي روم أم اشمام ، هذا مع التسليم بأنّ الوجهين صحيحين مقروئين بهما لكلّ القراء ، لكن الكلام في الراجح منهما ، وإليك الكلام كالتالي ..
1- الروم : هو اختيار الداني والشاطبي وجماعة : والروم –هنا- هو النطق ببعض حركة الضمّة ، أو : بالفصل بين النونين بإظهار حركة الضمّة إظهاراً اختلاسيّاً..
وأوّل من أطلق لفظ الاختلاس هنا هو الامام ابن جني (في الخصائص 1: 72) حيث قال : حتّى كأنّك لم ترهم وقد ضايقوا أنفسهم ، وخففوا عن ألسنتهم بأن اختلسوا الحركات اختلاساً ، فأخفوها ولم يمكنوها في أماكن كثيرة ، ولم يشبعوها .
قال الداني (في التيسير : 128 ) : وهذا قول عامّة أئمتنا ، وهو الصواب ؛ لتأكيد دلالته وصحّة القياس .
وقال أيضاً (في جامع البيان 3 : 285) : وإليه ذهب إليه أكثر العلماء من القراء النحويين، قال وهو الذي أختاره وأقول به قال وهو قول أبي محمد اليزيدي وأبي حاتم النحوي وأبي بكر ابن مجاهد وأبي الطيب أحمد بن يعقوب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وأبي بكر بن أشتة وغيرهم من الجلة وبه ورد النص عن نافع من طريق ورش . انتهى .
وقال الشاطبي : وَتَأْمَنُناَ لِلْكُلِّ يُخْفَى مُفَصَّلاَ .
ومعنى قوله مفصلا : هو الفصل بين النونين –حال الاخفاء- بإظهار حركة الضمّة باختلاس دون الاشباع .
2- الاشمام: وهو كما يقول الإمام الداني (في الجامع 3 : 284) : الإشارة بالعضو ، وهو الشفتان، إلى حركة النون ، بعد إخلاص سكونها ، من غير إحداث شيء في حسّهما ...، الذي يدرك معرفته البصير دون الأعمى . انتهى .
وهذا هو مختار الإمام ابن الجزري حيث قال (في النشر1 : 304 ) : وبه قطع سائر أئمة أهل الأداء من مؤلفي الكتب ، وحكاه أيضاً الشاطبي رحمه الله تعالى ، وهو اختياري ؛ لأني لم أجد نصاً يقتضي خلافه ، ولأنه الأقرب إلى حقيقة الإدغام ، وأصرح في اتباع الرسم.
قال الشاطبي في هذا :
وَأُدْغَمَ مَعْ إِشْمَامِهِ البَعْضُ عَنْهُمُ
أذا اتّضح هذا فلم قدّم أهل الأداء الاشمام على الروم ؟!!!!!.
الجواب ما ذكره الإمام ابن الجزري وهو يتألف من مجموع (بما هو مجموع) عدّة أمور ..
الأوّل : عدم النّص على الخلاف ، ومعه فالأصل الجواز ؛ إذ الشرعيّات مع الدليل تميل معه حيثما يميل ، وحيث لا نصّ يمنع من الاشمام ، جاز .
وقد يرد عليه –فيما يتوهّم المبتدىء- أنّ هذا لا معنى له وهو مصادرة وتحكّم ؛ إذ لا نص يمنع من الروم أيضاً ، فلا ترجيح لما ذكره رحمه الله!!!
ويجاب عن هذا بأنّ الإمام ابن الجزري لم يذكره دليلا بل جزء الدليل ؛ لذلك قلنا أعلاه مجموع عدّة أمور (بما هو مجموع ) وإلا فعدم النص وحده لا ينفع في مثل المقام .
الثاني : لكون الاشمام أقرب إلى حقيقة الإدغام ؛ ومقصوده رحمه الله إشكال قويّ للغاية ؛ وهو بعد الإجماع على ادغام نوني " لا تأمنا" ، وبعد الاتفاق على لزوم الإشارة إلى حركة النون الأولى إلا ما كان من أبي جعفر ، فنحن بين أمرين ، فإمّا أن نشير للحركة بالروم وإمّا بالاشمام ، وفي الأوّل مؤونة مخالفة الادغام المجمع عليه ، بخلاف الثاني الموافق للإدغام فيترجح ..، بل القائل بالروم لا يسلم من إشكالية الخلف والتضاد الجزئي ؛ لكونه ابتعد بالروم عن حقيقة الإدغام المجمع عليها ؛ لكون الروم ليس إدغاماً صريحاً بل هو إخفاء .
الثالث : رسم المصحف : وقد أجمعت الأمة على أنّ اللفظة في المصحف هي بنون واحدة ، والفصل بينهما بفاصل في الأداء يحتاج إلى دليل لرجحانه ، ولا حاجة للدليل مع الإشمام ، فيترجح على صاحبه .
ملاحظة مهمّة : كتبت هذا بصياغتي الخاصّة ، وخطئي أكثر من صوابي . على أنّي ما قصدت بهذا البحث الخجول التعليم بل التعلّم ، فأرجو من مشايخي هنا التقويم والتعليم .
تلميذكم الورشان
:
