إعلانات المنتدى


قَصِيدَةٌ عَامِرَةٌ بِالمَفَاتِن .

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

فجرالنور

مراقبة سابقة
10 مايو 2008
3,406
112
0
الجنس
أنثى

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة والأخوات رواد هذا المحفل الأدبي الراقي .

مرحبا بكم مع صفحة نقدية في قصيدة فتيّة أبيّة .

فقد ذكرتني هذه الأجواء العاصفة بالروائع أعجوبة الشعر الآسرة ..

محبوب زمانه ، مالئ دنياه وشاغل ناسه .

فبحثت عن أبياته الجميلة في سيف الدولة ؛ لعلمي ويقيني الكامل أنّها عامرة بالمفاتن .

ذلك الشاعر الذي انتقصه الحاسدون ، وعلم قدره العارفون ، يلتف حوله الوشاة فيقذفون ويرمون

وبالكذب يحرمون قلبه ممن هواه وأحبّه .

انظروا إلى المتنبي كيف بدأ رسالته لحبيبه سيف الدولة ..

بأنينٍ مسموع ، وحنين مقروء ، إذ يقول وحاله حال المتشببّ :


واحَـــرَّ قَـلـبـاهُ مِـمَّــن قَـلـبُـهُ شَــبِــمُ وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

عندما تقرأ هذا البيت تظن أنّ الشاعر قد بدأ قصيدته بالغزل والنسيب كعادة شعراء القديم ، وكأني به

وهو يلقي هذا البيت ينظر إلى كلّ الموجود لا إلى المحبوب المقصود ،

فياله من أمير محبوب وممدوح هاجر يستحي منه الناظر ...!

وقد أبدع الشاعر في بيته أيّما إبداع ، فقد جاء بتصريع بديع بين شطري البيت ، وطباق عجيب

بين الحرّ والشبم ، كان لهما تأثير موسيقي قوي عند من يتذوق كل جميل .


*****************

ثم تأتي الصراحة ؛ لتمحو ماعلق من بساطة ، فليس الحبيب امرأة تُعشق ، ولا طبيعة تصوّر بل

رجل مكرّم ، قد أحبه القلب وبه تعلّق ، وهذه المفاجأة :

مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَـد بَـرى جَسَـدي وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ

هل هي صراحة بريئة أم دهاء مغلّف بالبراءة ..؟

لا أعلم ولكني أشم رائحة المكر في قوله ( وتدّعي ) أهو المحب الوحيد وغيره يدعي الحب ؟

أم هي إشارة لئيمة إلى نفاق الأمم وكذبها ..؟!

ثم أي كتمان تدعيه أيّها البليغ ؟

هم لا يحبونه ويدّعون الحب ، وأنت تحبّه وتدّعي الصمت !

ياللعجب !


************

الله ما أروع هذا النظم حين ينادي بحق - إن صدق في أفئدة الكلّ ذلك الحب - انظروا إلى جميل الطلب

إِن كانَ يَجمَعُنـا حُـبٌّ لِغُرَّتِـهِ فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ

وكأنّه يقول : نحن لا نستطيع أن نجزم بكذبهم ، ولكن هلا اقتسمنا جميعًا ذلك القلب ..

لا أدري ، ولكني أجزم أني - لو كنت مكانه - ما ارتضيت الاقتسام إلا إن خشيت الحرمان .

****************

ثم بماذا أردف ذلك الشهم ؟!!

قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت لَـــــكَ الـمَـهـابَــةُ مـــــالا تَـصــنَــعُ الــبُــهَــمُ

أَكُـلَّـمــا رُمـــــتَ جَـيــشًــا فَـاِنـثَـنــى هَــرَبًـــا تَـصَــرَّفَــت بِــــــكَ فــــــي آثــــــارهِ الــهِــمــمُ

عَـلَــيــكَ هَـزمُــهُــمُ فــــــي كُــــــلِّ مُــعــتَــرَكٍ وَمـــا عَـلَـيـكَ بِــهِــم عــــارٌ إِذا اِنـهَـزَمــوا

ذاك الثناء الذي تشتهيه النفوس وتطلبه الملوك ، وقد أجاد فيه

المتنبي مستميلا قلب المحبّ ؛ لينال منه ما يستحق ..

*******************


ثم هو بعد الثناء يضرب ناقوس العتاب ، ويقرع بحرفه الأسباب مصورًا ما ألمّ به من أحزان حين يقول :


يــا أَعــدَلَ الـنـاسِ إِلا فـــي مُعامَـلَـتـي فيـكَ الخِصـامُ وَأَنـتَ الخَـصـمُ وَالحَـكَـمُ


أُعــيــذُهــا نَـــظَـــراتٍ مِـــنـــكَ صـــادِقَـــةً أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ


وَمـــا اِنـتِـفـاعُ أَخــــي الـدُنـيــا بِـنـاظِــرِهِ إِذا اِسـتَــوَت عِـنــدَهُ الأَنـــوارُ وَالـظُـلَـمُ


الله أكبر ..!

ما أجرأك - يا شاعرنا - على أمير الدولة وحاكمها ..!

أبلغت بك الثقة بالنفس أن تنطق بهذا ...؟

ذاك الأعمى - يا شاعرنا - هو فقط من تستوي عنده الأنوار والظلم ..!

لا أظن أن من تحبّه كذلك أبدًا ..!

ولكن صدق من قال : رب قول أنفذ من صول ..!

كلمات كالسهام يتوجه بها إلى الكرام واللئام في آن .

*************

ويرتدي المتنبي بعدها رداء العظمة والكبرياء ؛ ليرفع بنفسه فوق هام السحاب ، وكأنه يشير

إلى الحاضرين حين يقول غير مبالٍ بكبرياء المعاني :


سيعلُم الجمـعُ ممـن ضـمَّ مجلسُنـا بأننـي خيـرُ مــن تسـعـى بــه قَــدَمُ



أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمـى إِلـى أَدَبـي وَأَسمَعَـت كَلِمـاتـي مَــن بِــهِ صَـمَـمُ



أَنـامُ مِـلءَ جُفونـي عَـن شَـوارِدِهـا وَيَسـهَـرُ الخَـلـقُ جَـرّاهـا وَيَختَـصِـمُ



وَجـاهِـلٍ مَــدَّهُ فــي جَهـلِـهِ ضَحِـكـي حَــتّـــى أَتَــتـــهُ يَـــــدٌ فَــرّاسَـــةٌ وَفَـــــمُ



الـخَـيـلُ وَالـلَـيـلُ وَالـبَـيـداءُ تَعـرِفُـنـي وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ



يا الله !

خير من سعت به قدم ..

هو فخر على الجميع بما فيهم سيف الدولة ، الذي يشاركه في صفات كثيرة كما تظهر القصيدة ..

فهو حينما يفخرنراه يمدح وكأن الحبيبين قد اجتمعت فيهما مواهب عدة توجب تقاربهما وتآلفهما .

جاء الطباق بين السمع والصمم والعمى والنظر غاية في الروعة ، في أسلوب بلغ منتهاه في الجمال !

وكلها جمل خبرية تؤكد حقيقة لاشك فيها ، حقيقة براعة المتنبي اللغوية ، وبسالته الحربية ،

ذلك الذي تنساب من لسانه الألفاظ انسيابا ، ينام قرير العين لا تعب نظم ولا نحت صخر ، في حين

تجد غيره ساهرًا ليله في عراك مع المعاني ، وترويض للألفاظ الشاردة .


****************



رغم هذا الاعتزاز بالنفس نراه يترك ذلك الجمهور خلف ظهره ، متوجها بحديثه للحبيب ، وحاله حال القائل :

أنت من أعني وبه أهتمّ لا هم ، أنت من أشغل القلب ، فيعود ؛ لينقش حروف الحبّ بالورود ، ويشعّها

في الأفئدة كبصيص من نور ، ويعاتب عتاب العاشق الذي أهلكه الهجر ..!

فهل هو بهذا الاستدراك يتلاعب بالمشاعر ؟ أم يفكّ الرموز ويحلّ المسائل ..؟!

انظر إلى رقّته وهو يقول بيته الشهير ، الذي تردده الألسن في كلّ حين ، عند الوداع وبعد الحنين :



يــا مَــن يَـعِـزُّ عَلَيـنـا أَن نُفـارِقَـهُـم وِجدانُـنـا كُــلَّ شَــيءٍ بَعـدَكُـم عَـــدَمُ



مـــا كـــانَ أَخلَـقَـنـا مِـنـكُـم بِـتَـكـرُمَـةٍ لَـــو أَنَّ أَمـرَكُــمُ مِـــن أَمــرِنــا أَمَــــمُ



إِن كــانَ سَـرَّكُـمُ مــا قــالَ حاسِـدُنـا فَــمـــا لِــجُـــرحٍ إِذا أَرضـــاكُـــمُ أَلَــــــمُ



وَبَينَنا - لَو رَعَيتُم ذاكَ - مَعرِفَةٌ إِنَّ المَعارِفَ في أَهـلِ النُهـى ذِمَـمُ




*************


ثم هل بعد هذا الأنين نويت الرحيل ؟

نعم فهذا ليس بجديد ..هو موقف الجميع حين يشعرون بموت العلاقة ، ونزوح الفؤاد ، وجفا الحبيب...

ما أقساه من موقف حين يستسلم المرء للنوى والابتعاد..!

ذلك لأنّه عجز عن مراده ، وعزّت عليه نفسه :


أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ لا تَستَقِـلُّ بِـهـا الـوَخّـادَةُ الـرُسُـمُ



لَئِن تَرَكـنَ ضُمَيـراً عَـن مَيامِنِنـا لَـيَـحـدُثَـنَّ لِــمَــن وَدَّعـتُـهُــم نَــــدَمُ



إِذا تَرَحَّلتَ عَـن قَـومٍ وَقَـد قَـدَروا أَن لا تُفارِقَـهُـم فَالـراحِـلـونَ هُـــمُ



بِـأَيِّ لَفـظٍ تَقـولُ الشِـعـرَ زِعنِـفَـةٌ تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجَـمُ



هَـــــذا عِـتــابُــكَ إِلّا أَنَّــــــهُ مِـــقَـــةٌ قَـــد ضُـمِّــنَ الـــدُرَّ إِلا أَنَّـــهُ كَـلِــمُ



ونحن نقول : بأي لفظ تقول الشعر - ياشاعرنا الأعجوبة - ؟!

ألمح - كما يلمح الجميع - في أبياتك تهديدًا وتنبيهًا ، فمن النادم بعد الفراق ياترى ...؟


سيف الدولة الأمير المحبوب ، أم المتنبي الشاعر الموهوب ..؟!


أعجبنى التعليق والموضوع فنقلته لكم

لتفيض المشاعر بروعة شعر المتنبى


فجرالنور
 

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: قَصِيدَةٌ عَامِرَةٌ بِالمَفَاتِن .

قصيدة رائعة
وتحليل للأبيات شائق
وهذا هو المتنبى
وهذا البيت الذى قتله :


الـخَـيـلُ وَالـلَـيـلُ وَالـبَـيـداءُ تَعـرِفُـنـي وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ

جزاكِ الله خيراً أختى فجر النور
لكِ من اسمكِ نصيب كبير
ننتظر مزيداً من الدُرر تنثرينها فى ركن لغتنا الجميلة
 

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
رد: قَصِيدَةٌ عَامِرَةٌ بِالمَفَاتِن .

ماشاء الله شيء جميل وابداع من المتنبي رحمه الله
بارك الله فيك اختي الفقاضلة على مواضيعك المتميزة
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع