- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسائل تحتاج إلى بيان وإيضاح قبل الدخول في الموضوع ،
وهي متداخلة فيما بينها لكن كل مسألة تبين جهة من المعنى المراد توضيحه وإبرازه،
وبعضها مسائل كبيرة لكن لا بد من ذكرها هنا فكان عرضها بإيجاز شديد يتناسب مع المقام.
المسألة الأولى: الطريق إلى النجاح في الحياة
إن الوسيلة الأولى لإصلاح النفس وتزكية القلب والوقاية من المشكلات وعلاجها هو العلم.
ووسيلته الأولى القراءة والكتاب ؛ لذلك نجد أن الله سبحانه تعالى لما أراد هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور أنزل إليهم كتابا يقرأ ،
وفي أول سورة نزلت منه بدأت بكلمة عظيمة هي مفتاح الإصلاح لكل الناس مهما اختلفت الأزمان وتباينت البلدان إنها ﴿ اقرأ باسم ربك ﴾ ،
وعليه فمن أراد النجاح وأراد الزكاة والصلاح فلا طريق له سوى القرآن والسنة : قراءة ، وحفظا، وفقها.
إن الإحالة على كتاب يقرأ ويفهم ويطبق هي الطريقة العملية لتحقيق التطوير والرقي والنجاح في جميع مجالات الحياة.
إن القراءة حياة الإنسان ، فمن يقرا كثيرا يحيا كبيرا ، ومن يقرأ أكثر يكون أكبر ، ومن أراد أن يرقى فعليه أن يقرأ.
المسألة الثانية: سبب الفشل في الحياة
يبين الله تعالى بإيجاز ووضوح أن سبب فشل الناس في الحياة هو ضعف الإرادة الناتج عن النسيان ،
فيقول سبحانه ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [ سورة طه - الآية : 115
ويقول الله تعالى ﴿ وإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ [ سورة الزمر - الآيتان : 8] ،
ويقول تعالى ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [ سورة العنكبوت - الآية : 65] ،
فالإنسان في حال الشدة والكربة يحصل عنده العلم بلا إله إلا الله ، ويحصل منه التوحيد والإخلاص ، ويوجد عنده الحرص على الخير والنفع بتلقائية وسهولة،
لكن ما إن يزول هذا المؤثر المؤقت حتى يتلاشى هذا العلم فينسى الإنسان ويعود إلى كفره وشركه ، ويعود إلى ما يضره مما تهواه نفسه ، ويصعب عليه ما لا تهواه نفسه مما فيه نفعه وهو بأمس الحاجة إليه.
الفشل سببه ضعف الإرادة ، وضعف الإرادة سببه النسيان.
الإرادة ثلاثة أنواع هي : الحب ، أو الخوف ، أو الرجاء ، فمتى وجد أحدها وجدت الإرادة ومتى تخلفت جميعها تخلفت الإرادة، فإذا أردنا قوة العزيمة وعلو الهمة فإن هذا يحصل بتقوية هذه الجوانب النفسية الثلاثة لكل ما يراد تنفيذه وتحقيقه.
والعلم درجات ومراتب فلا يكفي مثلا العلم بأن هذا الشيء ضار ليوجد الخوف منه والابتعاد عنه ،أو أن هذا الأمر نافع ليحصل الرغبة فيه ،
بل يجب العلم التفصيلي القوي الحاضر ، فمثلا التدخين : كل المدخنين بلا استثناء يعلمون أن التدخين ضار بصحتهم ، وأنه خطر على حياتهم ؛ لكنه علم سطحي ضعيف هش لا يقاوم الرغبة الجامحة في استعماله.
وكل طالب يعلم أن أمامه امتحان ، وأنه بحاجة إلى استذكار دروسه لكي ينجح ويتفوق ، ومع هذا يحصل من كثير منهم الإهمال والتقصير.
وكل مسلم يعلم أنه سيموت وأنه محاسب على أعماله، لكنه علم سطحي ضعيف مهزوز لا يكفي لوجود الإرادة لفعل الخيرات وترك المنكرات.
وقل مثل هذا الكلام في جميع أمور الحياة.
فالمتأمل في واقع الناس والمحلل لشخصياتهم وسلوكهم يلاحظ أنه ما من مشكلة إلا وأساسها ضعف الإرادة ، ضعف الرغبة أو الرهبة، لإنه إن لم توجد الإرادة فلن يتناول المريض الدواء حتى لو أكره عليه،
بينما لو وجدت القناعة والرغبة فإنك تراه يبذل جهده لتحصيله ومن ثم تناوله.
المسألة الثالثة : معركة الحياة
يجب أن نعلم علم اليقين أن للشيطان أثرا على إرادة الإنسان ، فهو يثبطه عن الخير وعما ينفعه ، ويدفعه إلى الشر وما يضره ، فمن أجل ذلك فإن مهمة معالجة الإرادة تحتاج إلى جهد مضاعف إذا علمت أن فيه من يعاكسك فيها،
فالشيطان يمكنه بواسطة سلاح الوسوسةأن يؤثر على تصرفات الإنسان وسلوكه فيأمره وينهاه ، ويزين له ، ويثبطه ، ويحرك جميع جوارحه من خلال مركز التحكم (القلب) ، فيمكنه مثلا أن يزين له ما يكون سببا في مرضه النفسي أو البدني أو موته.
إن الصراع بين الشيطان والإنسان بدأ منذ بداية خلق آدم ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾[ سورة طه - الآيتان : 116
فالشيطان عدو للإنسان يوسوس له على مدار الساعة ،لا يمل ولا يفتر ، يتمنى له الشر ويحسده على كل خير كما قال تعالى
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[ سورة البقرة - الآية : 268 ].
إذا أنت في هذه الحياة أمام عدو حقيقي ، أكد الله سبحانه وتعالى لك عداوته في مواضع كثيرة من كتابه المبين من ذلك قوله تعالى ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾[ سورة فاطر - الآية : 6 ]
وقد قطع الشيطان على نفسه العهد في حسد بني آدم ن ومحاولة حرمانهم من كل خير
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[ سورة ص - الآيتان : 82] ،
إذا ما الذي يحمينا من عداوة الشيطان؟وما هو سلاح الإنسان في معركة الحياة؟
الجواب في قول الله تعالى ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾[ سورة طه - الآيتان : 123 ، 124 ] ،
فسلاح الإنسان في هذه المعركة هو الهدى الذي أنزله على رسله ، هو هذا القرآن الذي بين أيدينا ، لكن ليس كل أحد يمكنه أن يستخدمه ويحقق به النصر، ليس ذلك إلا لمن أخذ بالأسباب ،
واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم في تعاملهم مع القرآن ، وهو ما سيتم بيانه ، أما من فرط وقصر فلا يلومن إلا نفسه ، وليعلم من أين أتي ، وما سبب نقصه وفشله في هذه الحياة.
المسألة الرابعة :القيام بالقرآن الطريق إلى الإيمان
لو تأملنا في حال الناجحين في الحياة بدءاً من النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاءً بالمعاصرين من الصالحين لوجدنا أن القاسم
المشترك بينهم هو القيام بالقرآن وفي صلاة الليل خاصة،
والعمل المتفق عليه عندهم الذي لا يرون التهاون به في أي حال هو الحزب اليومي من القرآن،
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"
إنه الحرص على عدم فواته مهما حالت دونه الحوائل ، أو اعترضته العوارض ، لأنهم يعلمون يقينا أن هذا هو غذاء القلب الذي لا يحيا بدونه ،
إنهم يحرصون على غذاء القلب قبل غذاء البدن ، ويشعرون بالنقص متى حصل شيء من ذلك ،
بعكس المفرطين الذين لا يشعرون إلا بجوع أبدانهم وعطشها ، أو مرضها وألمها، أما ألم القلوب وعطشها وجوعها فلا سبيل لهم إلى الإحساس به.
إن قراءة القرآن في صلاة الليل هي أقوى وسيلة لبقاء التوحيد والإيمان غضا طريا نديا في القلب .
إنها المنطلق لكل عمل صالح آخر من صيام أو صدقة أو جهاد وبر وصلة.
إن تدبر القرآن يحقق لك التوحيد والإخلاص والإستكانة والتضرع والعبودية لله رب العالمين.
المسألة الخامسة : القيام بالقرآن الطريق إلى القوة
"جاء سعد بن هشام بن عامر إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
نْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ؟ قُلْتُ: بَلَى ، قَالَتْ:
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ"
فلماذا هذا القيام ؟ وبهذه الكيفية ، والكمية ، وبهذه المدة ،سنة كاملة ؟
إنه الإعداد والتكوين والصناعة لأولئك النفر الذين كلفوا بتبليغ الدعوة وحمل الرسالة.
إن الجيل الذي يحقق النصر للأمة جاء وصفه في آخر آية من سورة الفتح وهي قوله تعالى ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾
[ سورة الفتح - الآية : 29 ] ،
فمتى توفر هذا الجيل في الأمة تحقق لها بإذن الله تعالى النصر والتمكين والسيطرة على العالم ، وكانت أمة قوية تهابها كل الأمم وتذعن وتخضع لها .
لقد أصيب بعض المسلمين بالشعور بالنقص والضعف وهو يشاهد واقع العالم كل يوم ،وما ذاك إلا بسبب هجره للقرآن وبعده عن فقه معانيه العظيمة.
المسألة السادسة : القرآن كتاب النجاح والسعادة
لقد كثر في زماننا هذا الحديث عن النجاح ، والسعادة ،والتفوق ، والقوة، وكثرت فيه المؤلفات ،
وكل يرى أن في كتابه أو برنامجه الدواء الشافي ، والعلاج الناجع ، وأنه الكتاب الذي لا تحتاج معه إلى غيره ،
والحق أن هذا الوصف لا يجوز أن يوصف به إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم.
ولعلاج هذه المشكلة - أعني انصراف الناس عن القرآن الكريم ، واشتغال بعضهم بتلك المؤلفات بحثا عن السعادة والنجاح –
يجئ هذا البحث ليسهم في تبيين الحقائق وتوضيح الدقائق ، و رسم الطريق الصحيح للمنهج السليم الذي ينبغي أن يتبعه المسلم في حياته .
المسألة السابعة : مدارسة القرآن تزيد الإيمان
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَالَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
فمهما كانت مرتبة المؤمن في الإيمان ، ومهما كانت قوة إيمانه فإن مدارسته للقرآن تزيد إيمانه إيمانا ،
وترفع مقامه عند رب العالمين ، فهذا محمد صلى الله عليه وسلم هو أجود الناس بالخير و يتضاعف هذا الجود بسبب مدارسته للقرآن مع جبريل عليه السلام ، فكلما قوي ارتباط المؤمن بالقرآن كلما علا وارتفع ، وزاد يقينه وثقته بربه عز وجل .