رد: لماذا لم يقسم الله تعالى بيوم القيامة ؟؟؟
خلاصة ما ساقه رحمة الله تعالى علينا وعليه:
قال: الجواب عليها من أوجه. الأول، وعليه الجمهور أن لا هنا صلة على عادة العرب، فإنها ربما لفظت بلفظة لا من غير قصد معناها الأصلي، بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده كقوله:
ما منعك إذا رأيتهم ضلوا ألا تتبعني. يعني أن تتبعني.
وقوله: لئلا يعلم أهل الكتاب.
وقوله: فلا وربك لا يؤمنون.
وقول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري ** لا يدع القوم أني أفر
يعني وأبيك، و أنشد الفراء لزيادة لا في الكلام الذي فيه معنى الجحد، قول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله دينهم ** و الأطيبان أبو بكر و لا عمر
يعني وعمر، وأنشد الجوهري لزيادتها قول العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر ** بإفكه حتَّى رأى الصبح شجر
والحور: الهلكة: يعني في بئر هلكة،
و أنشد غيره:
تذكرت ليلى فاعترَتني صبابة ** و كاد صميم القَلب لا يتقطع
والوجه الثاني: أن لا نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: أقسم: إثبات مستأنف.
و قيل: إن هذا الوجه، و إن قال به كثير من العلماء، إلا أنه ليس بوجيه عندي، لقوله تعالى في سورة القيامة { وَلآَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } ، لأن قوله { وَلآَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } يدل على انه لم يرد الإثبات المستأنف بعد النفي بقوله أقسم والله تعالى أعلم.
الوجه الثالث: أنها حرف نفي أيضاً ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به. فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية. و المراد أنه لا يعظم بالقسم، بل هو في نفسه عظيم أقسم به أولاً. و هذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني، و لا يخلو عندي من نظر.
الوجه الرابع: أن اللام لام الابتداء، أشبعت فتحتها. والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو. ومثاله في الفتحة قول عبد يغوث الحارث:
وتَضحك مني شيخة عبشمية ** كأن لم ترى قَبلي يَسيرا يمانيا
فالأصل: كأن لم تر، ولكن الفتحة أشبعت.
وقول الراجز:
إذا العجوز غضبت فطلق ** و لا ترضاها ولا تملق
وقول عنترة في معلقته:
ينباع من ذفري غضوب جسرة ** زيافة مثل العتيق المكدم
فالأصل ينبع، يعني العرق ينبع من الذفري من ناقته، فأشبعت الفتحة فصارت ينباع، و قال: ليس هذا الإشباع من ضرورة الشعر.
ثم ساق الشواهد على الإشباع بالضمة والكسرة، ثم قال: يشهد لهذا لوجه قراءة قنبل: لأقسم بهذا البلد بلام الابتداء، وهو مروي عن البزي والحسن. والعلم عند الله تعالى اهـ. ملخصاً.
فأنت ترى أنه رحمة الله قدم فيها أربعة أوجه صلة، ونفي الكلام قبلها، وتأكيد للقسم، ولام ابتداء. واستدل له بقراءة قنبل أي لأقسم متصلة، أما كونها لام ابتداء لقراءة قنبل والحسن، فقد تقدم أن ابن جرير لا يستجيز هذه القراءة لإجماع الحجة من القراء على قراءتها مفصولة { لا } أقسم.
ولعل أرجح هذه الأوجه كلها أنها لتوكيد القسم، كما ذكر ابن جرير عن نحويي الكوفة والله تعالى أعلم.
اهـ ، نقلا من أضواء البيان