إعلانات المنتدى


فتوى رائعة في حكم الدورات الرياضية بين المساجد

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الكاسر

مزمار داوُدي
27 فبراير 2006
4,050
12
0
الجنس
ذكر
الدورات الرياضية بين المساجد



السؤال: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فنرجو من شيخنا الفاضل-أبي عبد المعز- حفظه الله ورعاه وأطال في عمره ونفع بعلمه أن يفصل لنا في هذه المسألة التي عمّت بها البلوى خاصة في فصل الصيف، ألا وهي: (الدورات الرياضية) وتفاصيلها كما يلي:

تنظم هذه الدورة بين المساجد، حيث كلّ مسجد يكوِّن فريقا خاصا به، ويساهم كلّ لاعب بمبلغ من المال عادة ما يكون (200دج)، ثمّ تجمع تلك الأموال، ويشترى بها رسائل فقهية أو في التوحيد لعوام الناس؛ أو تجمع وتعطى لفقير أو توزع على الفقراء أو لأمر آخر.

ثمّ تلعب هذه الفرق المشاركة وفق البرنامج المنظم لهذه الدورة، إلى أن يتفرد فريقان في الأخير ويلعبان الدور النهائي، وبعدها تقسم تلك الرسائل بين المساجد بالتساوي، ويتكفل بالتوزيع كلّ فريق بمسجده وتوزع على عوام النّاس.

فنرجو من حضرتكم أن توضحوا لنا هذا الأمر، وإن كان هناك طرق أو أساليب أخرى أفضل من هذه الدورات فلا تبخلوا علينا بنصائحكم ونكون لكم بإذن الله شاكرين.

وجزاكم الله خيرا وأطال في عمركم وبارك لكم في وقتكم ونفع بعلمكم، إنّه سميع مجيب.




الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أمّا بعد:

فإنّ عموم المسابقات يمكن ضبطها بضابط شرعي يظهر في أنّ: كلّ مسابقة تُحرم إذا ما اشتملت على محرّم ذاتي أو وصفي أو شرطي أو صدّت عن واجب شرعي كالصلاة والذكر، أو استوعبت جميع الوقت بحيث تصرف عن واجبات الحياة، أو ترتب عليها ضرر مؤكّد أو مفسدة متحققة فرديّة أو اجتماعية كالتحزّبات وإثارة الفتن وتنمية الأحقاد والبغضاء والتنافر، أو كانت قائمة على الحظ والمصادفة كالنرد وشبهه وفي مثل هذه المسابقات يحرم بذل العوض عليها اتفاقا.

أمّا إذا انتفت هذه الأوصاف عنها، فإن كانت مبنية على تحصيل المقاصد الشرعية في الغزو والانتفاع بها في الجهاد في سبيل الله فإنّ السباق عليه محبوب ومرغوب فيه ومرضي لله تعالى، ويستحب بذل العوض عليه، وإن كانت خالية من المقاصد السابقة ولا معنى لها سوى بناء الجسم وإعداده للقوة بتقوية البدن وتنشيط الدم والعضلات بالحركات قصد قلع الأمراض العالقة والأسقام المزمنة، فإنّ مثل هذه المسابقات تندرج تحت قاعدة: الأصل في الأشياء والأعيان المنتفع بها على الإباحة والجواز وهي لا تنافي أصول الشريعة في الجملة الآمرة بإعداد القوّة الجسدية الجسمانية. ولكن بذل العوض عليها غير جائز شرعا.

ودليل عدم مشروعية بذل العوض على مثل هذه المسابقات ما أخرجه الأربعة وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا سَبَق إلا في نصل أو خف أو حافر»(١) وهذا الحديث وإن روي بإسكان الباء في قوله « لا سبْق...» إلاّ أنّ المحفوظ من الروايات بفتحها وهذا المراد منه العوض أو الجعل أو الرهان، ورواية الإسكان-وإن سلمت- لكانت محمولة على نفي الكمال والتمام أي لا سبْق أكمل منفعة وأتمّ مصلحة إلاّ في الثلاثة، والحـديث يدلّ على مشروعية المسابقات وحصر بذل العوض على المذكورات في الحديث بكونها رياضة محمودة باعـثة على تحصيل المقاصد الشرعية السالفة البيان، وما عدا ذلك فقد نفاه الشرع إمّا بمفهوم الحصر أو بكون الأصل في الأموال التحريم، وعليه فلا يعدل عن المنع ولا يخرم الحصر الوارد في الحديث إلاّ بوجود دليل صارف أو قياس سائغ تتجلى فيه تلك المقاصد الشرعية حتى يصح بذل الجعل أو العوض عليها.

وممّا يعدل به عن الأصل المقرر في المنع لوجود نص صارف عنه مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد على شاة فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ عاد فصرعه فأسلم وردّ عليه الغنم(٢)، والحديث جوّده ابن القيم(٣) وحسنه الألباني(٤)، فيكون الحديث مخصصا لعموم منع البذل بالعوض بالشروط والقيود المذكورة آنفا.

ويلحق به كذلك المسابقات العلمية على حفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ودرايته، ومعرفة أحكام الفقه الإسلامي والسيرة النبوية وغيرها من العلوم النافعة إذ تنمّي القدرات العلمية وتوسع دائرتها وتبعث في النفس حب التعلم والمعرفة وتشجع التنافس على الخير والنفع، ويدلّ عليه ما أخرجه الترمذي من أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه راهن كفار مكة على غلبة الروم للفرس، وقد بذل كلّ منهما جعلا للآخر(٥) والحادثة وقعت في زمانه صلى الله عليه وسلم واشتهرت ولم تكن لتخفى عنه صلى الله عليه وسلم من غير نكير فدلّ على إقراره له، علما بأنّ الروم إنّما انتصرت في السنة السادسة من الهجرة أو ما بعدها ولم يقم دليل نسخه، ومن جهة أخرى فإنّ الدين قيامه بالحجة والجهاد، فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد فهي في العلم أولى بالجواز، وهو مذهب الأحناف(٦)، وبه قال ابن تيمية(٧) وارتضاه ابن القيم(٨) رحمهم الله تعالى.

ومن بين الأقيسة التي يمكن إلحاقها بالمستثنيات الثلاثة السابقة المذكورة في الحديث في جواز بذل العوض عليها: المسابقة على الأقدام مشيا وجريا وقد نقل النّووي وابن القيم جواز المسابقة على الأقدام بدون عوض ومستند الإجماع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمّا كان في سفر مع عائشة رضي الله عنها فـسابقته على رجلها فسبقته، فلمّا حملت اللّحم سابقته فسبقها فقال: "هذه بتلك السبقة"(٩)، وروى مسلم من أنّ سلمة بن الأكوع سابق رجلا من الأنصار بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم ذي قرد(١٠).

أمّا بذل العوض في المسابقة على الأقدام فحكمها الجواز على الصحيح لما فيه من رياضة على البدن وتمرينه على خفة الحركة والإسراع والنشاط ممّا هو مطلوب في الغزو ويستعان به في تحصيل المقاصد الشرعية وهو لا يختلف عن الخيل في قتال الفرسان وهو داخل تحت قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوّةٍ...﴾ الآية[الأنفال:60]، قال الزهري: كانوا يسابقون على الخيل والركاب وعلى أقدامهم(١١). وإلى تجويز البذل قال الأحناف(١٢) وبعض الشافعية(١٣) وهو من اختيارات ابن تيمية(١٤) رحمهم الله تعالى.

وعليه فإنّ الحديث الوارد في نفي السَـبَق لا يحمل على النفي المطلق ولا يكون التنصيص على الثلاثـة في الحديث استثناء وإن خرج مخرج الاستثناء وإنّما المقصود به التوكيد على معنى أنّ أحق ما بذلتم عليه السَبَق هذه المذكورات الثلاثة لشمول نفعها وتمام مصلحتها وهو لا ينفي جواز ما عداه في بذل العوض ومثله قوله صلى الله عليه و سلم: «لا ربا إلا في النّسـيـئة»(١٥) أي الربا الأغلظ والأشد في النسيئة ولا ينفي ربا الفضل.

هذا، وإذا تقرّر عدم جواز بذل العوض في المسابقات التي لم يدلَّ عليها النّص أو لم تكن في معنى النص كالمسابقات بالكرة عموما فإنّه يمنع فيها بذل العوض بأن يأخذ أحد منهما بسبب فوزه مبلغا ماليا أو عينيا أو نسبة يتميز بها الفائز عن المفضول، ســواء كان البذل من الإمام أو من أجنبي خارج عن المتسابقين أو أحد المتسابقين أو المتسابقين جمـيعا ببذل جزء من ذلك الجعل.

وهذا كلّه فيما إذا كان المال مشروطا للسـابق على سبقه، وهو الجعل الواقع رهنا على المسابقة، أمّا إذا كانت المسابقة غير مرهونة بمال وإنّما المراد منها خصوص المسابقة واستعمالها طريقا لجمع المال على جهة التبرع قصد المساعدة والتعاون طلبا للثواب من الله تعالى فهو بهذه الصورة معدود من عقود الارتفاق وهي خارجة عن عقود السبق والجعل، ذلك لأنّ التبرع والهبة يختلف من عدة جوانب عن عقد السَبق، فمن حيث القصد فنية المسابق أو المراهن قائمة على السعي لتحقيق الكسب المادي الدنيوي وتحصيل التفوق وانتزاعه بالغلبة بحيث يكون غالبا وخصمه مغلوبا خلافا للمتبرع أو الواهب فغرضه مساعدة الناس ونفعهم وإعانتهم على تحقيق حاجياتهم مع قصد الثواب الأخروي، ومن جهة أخرى فإنّ حقيقة التبرع غير مبنية على عمل يقوم به الغير إذ لو كان كذلك لخرج عن حقيقته كهبة وانقلب إلى عقد معاوضة، كما يظـهر الفرق بينهما جليا من حيث التسمية والحكم، ذلك لأنّ اسم السـبق والرهان والخطر والجعل غير الهبة والتبرع والصدقة ولكل منهما أحكام مغايرة للأخرى ومخالفة لها.

وبناء على ما تقدم فإنّ الصورة المذكورة في السؤال لا يحكمها عقد السبق وإنّما تندرج ضمن عقود التبرعات باتخاذ هذه المسابقات-و هي جائزة في الأصل- وسيلة تبرع ونفع الـنّاس، إذ حقيقة التبرع إخراج الإنسان ماله لغيره بقصد الإعانة دون طلب العوض وهو من عقود الارتفاق، وما كان داخلا تحتها فالأصل فيه الحل والجواز، بينما حقيقة السبق المتمثل في بذل مال على عمل أو نفع على وجه العوض وهو أقرب إلى عقود المعاوضات من غيرها فافترقا.

وتقرير حكم الجواز لا ينبغي أن يزاحمه ما يتنافى وأحكام الشرع مما تقدم ذكره فضلا عن كشف العورات وضياع الصلاة والأوقات وحدود الكلام القبيح من اللاعبين، على أن يلتزم الكلّ بروح التسامح والتآلف والتآخي المستوحـاة من المُثُل الإسلامية العليا بتطهير النفس والضمير ممّا يعكر صفوه من الضغينة والحقد والتنافر المتولد من مثل هذه المنافسات بين الغالب والمغلوب، وحاصل نصيحتي وتوصيتي أن يحرص كلّ لاعب على استبقاء كرة القدم في قدمه وعدم ارتقائها إلى قلبه.

والله أعلم بالصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللهم على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.


الجزائر في:21صفر1419هـ

الموافق لـ:16جوان1998م

------------------------------------------------------------------------------



١- أخرجه أبو داود في الجهاد(2574)، والنسائي في الخيل(3585)،والترمذي في الجهاد(1700)، وابن ماجه في الجهاد(2878)، وابن حبان(1638)، وأحمد(10407)، والبيهقي(20241)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألباني في الإرواء(5/333).

٢- أخرجه البخاري في التاريخ الكبير(1/1/82/221)، وأبوداود في اللباس(4078)، والترمذي في اللباس(1784)، والحاكم(3/452)، من حديث أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة عن أبيه.

٣- الفروسية لابن القيم(202).

٤- إرواء الغليل(5/329).

٥- أخرجه الترمذي في التفسير(3193)، من حديث ابن عباس رضي الله عهما.

٦- انظر حاشية ابن العابدين(6/403)، تبيين الحقائق للزيلعي(6/228).

٧- الاختيارات الفقهية(160).

٨- الفروسية لابن القيم(97).

٩- أخرجه أبو داود في الجهاد (2578)، وأحمد(27031)، وأبو نعيم في رياضة الأبدان(39/2)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في الإرواء(5/327).

١٠- أخرجه مسلم في الجهاد والسير(4779)، وأحمد(16988)، والبيهقي(20251)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

١١- مصنف ابن أبي شيبة(12/550).

١٢- بدائع الصنائع للكساني(8/3878)، حاشية ابن العابدين(6/402).

١٣- المجموع شرح المهذب(14/27)(14/30).

١٤- الاختيارات لابن تيمية(160).

١٥- أخرجه البخاري في البيوع(2179)، ومسلم في المساقاة(4173)، وابن ماجه في التجارات(2257)، وأحمد(22394)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.



http://www.ferkous.com/rep/B.php
 

*رضا*

إداري قدير سابق وعضو شرف
عضو شرف
4 يونيو 2006
41,911
118
63
الجنس
ذكر
رد: فتوى رائعة في حكم الدورات الرياضية بين المساجد

جزاك الله عنا خير الجزاء أخي الكاسر على هاته المعلومة الهامة
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع